الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ثقافة

لغز البنيوية.. دراسة موجزة في نظرية موت المؤلف

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
ارتكز فكر البنيوية على أن لكل ظاهرة إنسانية كانت أم أدبية شكلا بنائيا، ومن ثم يجب دراستها وإخضاعها للتحليل، كما أنه ينبغي لدراسة هذه البنية تحليلها إلى عناصرها المؤلفة منها، بدون أن ننظر إلى أية عوامل خارجية عنها، وهذا هو منطق المنهج البنيوي في التعامل مع النصوص الأدبية بوجه عام: "النص.. ولا شيء غيره"
فالبنية لغويا: البنية (structure) ويعود جذر كلمة (بنية) إلى الفعل الثلاثي (بنى) وتعني البناء أو الطريقة، وكذلك تدل على معنى التشييد والعمارة، والكيفية التي يكون عليها البناء، أو الكيفية التي شيد بها، وفي النحو العربي تتأسس ثنائية المعنى والمبنى على الطريقة التي تبنى بها وحدات اللغة العربية، والتحولات التي تحدث فيها، ولذلك فالزيادة في المبنى زيادة في المعنى، فكل تحول في البنية يؤدي إلى تحول في الدلالة، والبنية موضوع منتظم، له صورته الخاصة ووحدته الذاتية؛ لأن كلمة (بنية) في أصلها تحمل معنى المجموع والكل المؤلف من ظواهر متماسكة، يتوقف كل منها على ما عداه، ويتحدد من خلال علاقته بما عداه.
ويرى الفيلسوف والمفكر الغربي "ليفي شتراوس" أن البنية مجرد طريقة أو منهج يمكن تطبيقها في أي نوع من الدراسات تمامًا؛ كما هي بالنسبة للتحليل البنيوي المستخدم في الدراسات والعلوم الأخرى.
والملاحظ على فكر البنيوية أن البنيويين أنفسهم قد اختلفوا في بيان مفهوم البنيوية، فنجدهم يوردون لها تعريفات مختلفةً وهي في معناها الواسع: "طريقة بحث في الواقع، ليس في الأشياء الفردية بل في العلاقات بينها " وهذا ما ذهب إليه جان بياجه وغيره.
ويرى (ليونارد جاكسون) أن البنيوية هي "القيام بدراسة ظواهر مختلفة كالمجتمعات، والعقول، واللغات، والأساطير، بوصف كل منها نظامًا تامًا، أو كلًا مترابطًا، أي بوصفها بنيات، فتتم دراستها من حيث أنساق ترابطها الداخلية، لا من حيث هي مجوعات من الوحدات أو العناصر المنعزلة، ولا من حيث تعاقبها التاريخي."
لكننا نستطيع الإقتراب أكثر من فهم البنيوية كواقع إذا نظرنا إليه كمذهب حديث (Structuralism) حيث إنها مذهب من المذاهب التي سيطرت على المعرفة الإنسانية في الفكر الغربي، مؤداه الاهتمام أولًا بالنظام العام لفكرة أو لعدة أفكار مرتبطة بعضها ببعض على حساب العناصر المكونة له. ويعرف أحيانًا باسم البنائية، أو التركيبية.
ويرى بياجيه أن المثل الأعلى للبنيوية هو السعي إلى تحقيق معقولية كامنة عن طريق تكوين بناءات مكتفية بذاتها، لا نحتاج من أجل بلوغها إلى الرجوع إلى أية عناصر خارجية.
ولكون البنيوية منهج هي يؤمن بدراسة الظاهرة – كبنية – منعزلة عن أسبابها وعللها، وعما يحيط بها، وذلك لفهمها وإدراكها، فقد تميزت أحكامها بالشكلية كما أدعى منتقدوها.
وقد كانَ للمنهج البنيوي في النقد الأدبي إرهاصات مختلفة، بدأت من حقل الدراسات اللغوية وأفكار السويسري دي سوسير عن اللغة وثنائيّاتها كثنائية اللغة والكلام، ثم جاءت دراسات الشكلانيّين الروس عن الشكل الأدبي ودلالاته بمفهوم قريب جدًا من البنية، وما أسهم به رومان جاكسون في حلقات براغ اللغوية.
وقد تطور المذهب أكثر وأكثر في دراسات مدرسة النقد الجديد في أمريكا وتركيزها على المفاهيم الوظائفية للغة، وأفكار ليفي شتراوس عن أثر النموذج اللغويّ في التحليل التاريخي.
وتتبدى لنا مبادئ المنهج البنيوي في النقد الأدبي فبِما أن المادة المكونة للأدب هي اللغة، وأن النص الأدبي في الأصل هو جسد لغوي، كان لا بد من أي محاولة لتحليل النص الأدبي بمنهجٍ علميّ، أن تنطلق من اللغة، ومن هذا المنطلق تأسسَ المنهج البنيوي في النقد الأدبي، باعتبار مجموعة من المبادئ، هي: النظر إلى المحور التاريخي في الدراسات الأدبية، على أنه محور مليء بالدراسات.
ويقوم المنهج البنيوي في النقد الأدبي بدراسة الأدب باعتباره ظاهرة ذات نظام متكامل وقائم في لحظة معينة، تكون فيها الأعمال الأدبية أبنية كلية تتضمن نظمُا داخلية يمكن إدراك ما بينها من علاقات وتراكيب معينة، تؤدي وظيفتها الجمالية. إن العنصر الأساسي في العمل الأدبي هو أدبيّة الأدب، التي تتمثّل في دراسة العناصر الداخلية للأدب والتي تجعل منه أدبًا، وتحدد مدى قدرته على القيام بوظيفته الجمالية، ممّا ينقل مركز القيمة في الأدب من الدراسات التاريخية والاجتماعية والنفسية التي كانت تحيط به سابقًا، إلى الأعمال الأدبية ذاتها، وما تتضّمنه من أبنية لغويّة داخلية وقد اشتركت مبادئ المنهج البنيوي في النقد الأدبي مع مبادئ تيارات أخرى، كالماركسية، والوجودية، ولكن المنهج البنيوي في النقد من خلالها، غيّر النظرة الشائعة عن الأدب، وطبيعته، وعلاقته بالمجتمع، وبالتالي، طبع بقية التيارات بطابعه. مصطلح البنية كان علم اللغة هو الحقل الأساسيّ الذي استمدّ منه المنهج البنيوي في النقد الأدبي مصطلحاته، وقد كان مصطلح البنية هو المصطلح الأساسي في المنهج.
ويقصد بالبنية في المنهج البنيوي في النقد الأدبي ذلك التصور الذهني لشبكة العلاقات اللغويّة وقوانين التركيب داخل النص الأدبي والتي تمنحه هويته الظاهرة، دون أن ترتبط بأجزائه أو علاقاته الحسية الملموسة في أطر معينة، ولا حتّى في وجود تجريبيّ أو وجود مُتَعالٍ أو وجود ذاتي داخل النص، ويقوم مفهوم البنية في المنهج البنيوي في النقد الأدبي على عدة قضايا متصلة بالنقد الأدبي، هي: الوجود الكليّ: فالبنية موجودة في الكل لا في الأجزاء، وكان هذا التصور الكليّ، هو جوهر النظريّة البنيويّة. التحوّل: أي الحركة الداخلية للبنية، التي تحفظ لها ثراءها داخل النص الأدبي، دون حاجتها للعودة إلى عناصر خارجية، وهو ما أطلق عليه "نظرية موت المؤلف"، ويُقصد بهذا الشعار التركيز على النص، والنص فقط، مع الإغفال التام لمؤلفه وعصره.
وقد أُخذ على المنهج البنيوي في النقد الأدبي خلعه النص الأدبي من جذوره؛ ذلك أن السياق مهم لفَهم النص وليس العكس، لذلك ذهب الكثير من البنيويين إلى الانتقال من البنيوية إلى ما بعد البنيوية، في محاولة لرأب الصدع وإيجاد مكان للتعايش مع التيارات الفكرية والأدبية المختلفة؛ بسبب غموض النظرية، وصعوبة تطبيقها على النصوص الأدبية في الواقع.
ووجدنا أهمية هذا المنهج في النظر إلى النص الأدبي من الداخل على نحو يكفل لنا الوصول إلى نتائج شبه يقنية بعيدا عن الرؤى الخيالية، ومحاولة إضفاء علاقات أو تكوين حقائق من خارج النص، ورغم كم الجزئيات التي يحفل بها أي نص أدبي إلا أنه يولد في شكل كلي وهو ما يتفرد به النص، ورغم إيجابيات البنيوية إلا أن أنصارها إتجهوا إزاء النقد الذي تعرضو ا له بسبب خلعهم للنص الأدبي من جذوره إلى تكوين ما يسمى بعد البنيوية لرأب الصدع، وإيجاد صيغة جديدة للتعامل مع البناء الأدبي، وتفادي الإنتقادات والعيوب في النظرية.
...........
المراجع

1-أديث كريديل، عصر البنيوية،ترجمة جابر عصفور.
2-تامر المصاروة، المنهج البنيوي -دراسة نظرية-.
3-جان بياجية، البنيوية، ترجمة عارف منيمنة.
4-جون ستروك، البنيوية وما بعده.