الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

"من فضلك أعطني فاتورة "!

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
تبدو الأفكار الجديدة جيدة في المجمل ولكنها تحتاج لخطة تنفيذ دقيقة وفعالة حتى تصير الفكرة واقعا بالفعل.
أعلنت وزارة المالية مؤخرا مبادرة "جايزتك فاتورتك"، لتحفيز المواطنين على طلب الفواتير الضريبية من خلال حصول المواطن على كوبونات مجانية للشراء من أي متجر، وسحب دوري على شقة أو سيارة أو رحلة حج أو عمرة، أو غيرها من الهدايا القيمة، وكذلك منح حوافز للتجار لتشجيعهم على إصدار الفواتير.
عندما قرأت هذا الخبر عن ربط الفاتورة بالجوائز لكل من التاجر والمستهلك، عادت بي الذاكرة إلى عام 2016 عندما شرعنا – خلال عملي نائبا لوزير المالية - في وضع قانون الضريبة على القيمة المضافة وكان أحد شواغلنا وقتها كيفية تشجيع المواطنين على طلب الفواتير الضريبية كأحد وسائل منع التهرب الضريبي وضم الاقتصاد غير الرسمي للمنظومة الرسمية. حيث جرت العادة على قيام المشتري بالاتفاق مع البائع أو مقدم الخدمة على عدم إصدار فاتورة طالما لا يوجد حافز للمشتري للحصول على الفاتورة خاصة إذا تم تخييره من قبل البائع بين تحميله قيمة الضريبة وبين تجنبها في حالة عدم الحصول على الفاتورة.
درستُ حينها - وفريق العمل معي - معظم التجارب الدولية السابقة علينا في منح المستهلكين حوافز مالية في شكل جوائز أو استرداد للضريبة أو الحصول على خصم ضريبي كوسيلة لتشجيع المستهلكين على طلب الفواتير كما حدث في عدد من الدول في أمريكا الجنوبية: بيرو ( منح خصم ضريبي ) – الأرجنتين ( مبالغ نقدية ) – المكسيك ( جوائز في صورة أثاث وأجهزة كهربائية ).
وهو ما فعلته أيضا دول مثل الصين وكوريا الجنوبية والفلبين في آسيا ومالطا ورومانيا وسلوفاكيا في أوروبا.
وكانت تجربة البرتغال من التجارب المهمة التي تم دراستها والتعرف على تفاصيلها خلال لقائنا بمسئولي وزارة المالية البرتغالية ؛ حيث بدأت التجربة لديهم في عام 2013 بصدور قانون يلزم كل مشتري لسلعة أو خدمة بطلب الفاتورة وإدراج رقم تسجيله الضريبي عليها،فكانت النتيجة سلبية حيث كان المشتري – من باب الاحتجاج – يضع رقم التسجيل الضريبي لوزير المالية أو لبعض كبار المسئولين بدلا من رقم تسجيله الضريبي.
ولجأت عندها الإدارة الضريبية البرتغالية إلى وضع برنامج لمنح حوافز لمن يطلب الفاتورة الضريبية تحت مسمي “ Lucky Invoice “ أو الفاتورة المحظوظة يقوم على منح تذاكر تختلف قيمتها باختلاف قيمة المعاملة التجارية، وعمل سحب أسبوعي على تلك التذاكر يذاع تليفزيونيا على الهواء لجوائز تشمل سيارات وأجهزة كهربائية، ونتج عن ذلك زيادة في حجم إصدار الفواتير بنحو 36% في السنة الأولي و51% في السنة الثانية، وانخفض الفاقد في إيرادات الضريبة على القيمة المضافة من 16 % إلى 12%، وان كان لم يتم إجراء تقييم عما اذا كان السبب هو هذه الحوافز فقط أم أن هناك أسبابا إضافية.
وفي ضوء دراستنا للتجارب المذكورة، وجدنا أنه من المناسب أن يتضمن القانون 67 لسنة 2016 وضع نظام لتشجيع التعامل بالفواتير الضريبية يخصص له نسبة لا تجاوز 1% من الحصيلة الضريبية، كما تضمنت اللائحة التنفيذية للقانون النص على إمكانية رد الضريبة للمستهلك النهائي في غير اغراض الاتجار بشرط ان تكون الفواتير صحيحة.
أما بشأن تطبيق هذا النظام فإننا نري أنه لا ضمان لنجاح أي تجربة جديدة الا بدقة التنفيذ، لذلك فمسألة التطبيق تحتاج لتنظيم متقن حتى يتحقق الهدف منها، وربما يحتاج الأمر لمزيد من التدقيق لضمان صدق الفواتير ومعرفة حجم الاستهلاك الحقيقي وحجم التعاملات المالية.
وفي هذا الصدد ننصح بالآتي حتى يتم نجاح تطبيق نظام الحوافز المقترح:
أولا: لا بد من الاستعانة بخبراء في التسويق لدراسة طبيعة المواطن المصري ومدي توافق مثل هذه الجوائز مع ثقافته، وخاصة أن بعض الدراسات الحديثة وجدت أن ارتباط الالتزام بجوائز يعتمد الفوز بها على الحظ يكون أٌقل جذبا للمستهلك من حصوله على حافز ضريبي يعتمد على رد الضريبة له في حال الالتزام بطلب الفاتورة.
وبالنظر إلى تجارب الدول الأخرى، نجد أن دولة مثل الولايات المتحدة لا تحبذ تطبيق مثل هذه الأنظمة في ضوء ثقافة المواطن هناك فمثلا عندما تقرر منح المتبرعين بالدم جوائز انخفض الإقبال على التبرع بالدم لأنهم يفضلون أن يكون هذا التبرع قائما على مبدأ أخلاقي وإنساني يرتبط بالدرجة الأولى بمسئولية الفرد تجاه المُجتمع وأن الحصول على مقابل يقلل من القيمة الأخلاقية لهذا العمل.
ثانيا: أهمية التأكد من صحة الفاتورة وعدم غشها أو التلاعب ببياناتها وهو ما عانت منه الإدارة الضريبية كثيرا في السابق، لذلك يجب الاستعانة بالتطبيقات الإلكترونية المستخدمة في هذا المجال.
ثالثا: التركيز على الأنشطة التي تتميز بانتشار التهرب من إصدار الفواتير وخاصة الأنشطة المهنية وكذلك الأنشطة الخدمية الأخرى كالمقاولات.
رابعا: تقييم نتائج النظام بعد فترة مناسبة من بدء التطبيق لتحديد مدي نجاحه والعائد المحقق منه مقابل تكلفته.
ربما نصل يوما ما إلى ثقافة مختلفة فيما يخص تعاملاتنا اليومية لدرجة أن يصر المستهلك على طلب الفاتورة وتصبح جملة " من فضلك أعطني الفاتورة " جُملة مُعتادة بيننا.