الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ثقافة

من خطابات أديب نوبل للروائي سعيد سالم: لا تترك وظيفتك فالأدب «مايأكلش عيش»

الروائى الكبير سعيد
الروائى الكبير سعيد سالم
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
يقول الروائى الكبير سعيد سالم، الحاصل على جائزة الدولة التشجيعية عام ١٩٩٤ عن مجموعته القصصية «الموظفون» وجائزة اتحاد الكتاب عن روايته «كف مريم» عام ٢٠٠١: اللقاء الأول بينى وبين أديب نوبل، كان في صيف عام ١٩٧٧، عقب إصدارى روايتى الثانية «بوابة مورو» وإرسالى له نسخة بالإهداء على مكتبه بجريدة الأهرام، طالبا أن أعرف رأيه لو سمح وقته.
بعد عدة أسابيع تحديدا في ٢١ أبريل من نفس العام، فوجئت به يرد على برسالة بخطة الجميل المنمق، جاء بها: أهنئك على الرواية وعلى إصرارك الجميل على إصدار روايتك في ظروف عسيرة، واعتبر ذلك من آيات البشرى ببعث الحياة الثقافية التى لم يعد لها عماد إلا حماس بعد الشباب أمثالك، وأرجو أن تسمح الظروف باللقاء في القاهرة أو الإسكندرية.
مضيفا، بعدها بعدة أشهر، عندما علمت بوجوده في الإسكندرية سارعت إلى مجلسه بكازينو جليم، وعرفت من النادل موقع جلوسه وميعاد حضوره، وكنت وقتها في الثالثة والثلاثين، واستقبلنى بحفاوة أبوية جميلة، وأول سؤال بادرنى به، هل لك وظيفة؟ فأخبرته أننى أعمل مهندسا بأحد مصانع الورق الحكومية، فرد بتلقائية: الحمد لله حذارى أن تترك وظيفتك من أجل الأدب فهو لا يأكل عيشا في بلدنا، أنا عشت طول عمرى أتمنى ترك الوظيفة لكنى لم أستطع بسبب احتياجى لها، وبالفعل أستفدت بنصيحته وأثبتت الأيام صحتها، رغم أنى وقتها كان لدى الرغبة الشديدة في ترك الوظيفة وهو ما تراجعت عنه بسببه.
وبمناسبة الوظيفة والمواقف الطريفة لـ«محفوظ». أذكر ان وزير الثقافة الفرنسى حضر لمجلسنا، بعد فوزه بجائزة نوبل، بصحبة الراحل الدكتور أدهم النقيب- زوج ملكة مصر السابقة نريمان- لتهنئته، وانتفض محفوظ للوزير وهو يصافحه ويشكره باحترام زائد لفت نظر الحاضرين، وبعد انصراف الوزير قال بلهجة ساخرة، ان هذا الاحترام باعتباره موظفا سابقا أقل في الدرجة الوظيفية من الوزير بتعبيره:» يا أخى مفيش فايدة الموظف يفضل طول عمره موظف».
نحو ١٧ عاما قضاها سعيد سالم في مجلس نجيب محفوظ، انتقل خلالها مجلس الحرافيش إلى أكثر من مكان، بداية من مقهى ومطعم «بترو» بشاطئ لوران، حيث كان مجلس الروائى الكبير توفيق الحكيم، أثناء تواجده بالمدينة الساحلية، مرورا بكازينوهات «البوريفاج، رشدى، جليم» نهاية بـ«البيش كلوب» وحديقة فندق سان استفانو القديم- الفورسيزون حاليا- والقريب من منزل «محفوظ» الصيفى بنفس الحى، وهى السنوات التى اقترب فيها من أديب نوبل وعالمه الإنسانى الرحب شديد التفرد والتمييز، وتبادلا خلالها العديد من الخطابات تناقشا خلالها الآراء في العديد من الموضوعات، وهى الخطابات التى ما زال «سالم» محتفظا بها، باعتباره تحمل روح أديب نوبل الراحل.
واصفا «مجلس محفوظ» بأنه كان أشبه بأعتى برلمانات العالم ديمقراطية، حيث يضم مجموعة متباينة الميول متناقضة الاتجاهات، دون أن يعلو صوت أو تنظلق كلمة سباب أو تبادل اتهامات، حيث المائدة تجمع الملحد والمسلم المتشدد والآخر المعتدل وبجواره المسيحى المتحرر والمتعصب، ومعهم الناصرى والوفدى، وشيوخ وكهول وشباب من مختلف الأجيال، من شتى المهن، وبينهم يجلس «محفوظ» مشاركا في الحوار كواحد من أطرافه، في بساطة شديدة وتواضع جم، لا ناصحا ولا موجها، متحدثا بعبارات رقيقة مهذبة بمثابة صمام أمان لاستمرار النقاش، في مناخ معطر بنسمات الحب والحرية والأبوة الصادقة.
يكشف سعيد سالم، انه أول من نبأ «محفوظ» بالحصول على جائزة نوبل، عام ١٩٨٠ وقبل حصوله عليها بثمانى سنوات، بقوله: سافرت للسويد عام ١٩٨٠ في بعثة دراسية، مدة ٣ أشهر ونصف، التقيت خلالها بالكاتب السويدى الشهير «اندرز هارننج» وزوجته «شرستين» التى ترجمت رواية «زقاق المدق» إلى اللغة السويدية، حيث سبق للكاتب السويدى أن زار مصر نهاية السبعينيات وتعرف على عدد كبير من كتابها، منهم نجيب محفوظ، توفيق الحكيم، يوسف أدريس، عبد الرحمن الشرقاوى، ثروت أباظة وغيرهم.
مضيفا، دعانى «هارننج» وزوجته على الغذاء في منزلهما في حضور مجموعة كبيرة من الكتاب والصحفيين السويديين، وبعد انصرافهم فاجأنى بقوله انه سيكشف لى سرا خطيرا، وهو أن نجيب محفوظ سيحصل على نوبل خلال عدة أعوام، لأنه أفضل من يستحقها، لتفرد عالمه الأدبى والروائى، وعلى الفور ومن شدة سعادتى أرسلت «كارت بوستال» إلى «محفوظ» به صور طبيعية للسويد ونقلت له الخبر على ظهر الصورة، وبعد عودتى لمصر التقيت به، وحاولت معرفة انطباعى عن الخبر، فضحك ضحكة خجلى، وشكرنى وسألنى عدة أسئلة عن الشعب السويدى وعاداته وحال الثقافة في بلادهم.
متابعا، كان «محفوظ» يرى أنه لا بد أن يكون للإنسان دائما عدة أهداف يسعى إليها، حتى لا يتبلد أو يتجلد أو يكتئب، وشاهدته بعينى وهو يعانى من نوبات اكتئاب بعد حصوله على نوبل، خشية أن ينضب إبداعه، علما بأنه لم يتغير على المستوى الإنسانى بعد حصوله على نوبل، وكثيرا ما تحمل ضغط إجراء الحورات التليفزيونية واللقاءات الصحفية رغم إرهاقه وكان يردد ساخرا: أنا بقيت موظف عند سى نوبل».
مسترسلا، خفة الظل وسرعة البديهة والقاء النكتة، والكياسة والمجاملة وسرعة التخلص من المزعجين بلطف ونعومة، كان من السمات المميزة لأديب نوبل الراحل، أتذكر مرة أن أقتحم المجلس، شاب شديد الثقة بنفسه لدرجة الغرور، وقدم للأستاذ ورقة بها زجل عامى من تأليفه، وطلب منه قراءتها، فاعتذر محفوظ ببساطة، متعللا أنه نسى نظارة القراءة بالمنزل- رغم وجودها معه- وأمام إصرار الشاب، طلب منه قراءتها، وكانت كلماتها ضحلة ورقيقة للغاية، وفى النهاية رد على الشاب مبتسما: هى حلوة، بس أنا شايف إن الأحسن لو سمعتها لواحد خبير زجل لأنها مكسورة شوية.
متابعا، للتليفونات قصة طريفة مع «محفوظ» ونوادر نادرة، إحدى المرات ظل تليفون شقته بالإسكندرية معطلا لعدة أيام، وكان يحتاج لاجراء المكالمات لأمر ضرورى، وفجأة سمع رنينه، ورفع السماعة، وإذا بالمتحدث يسأله:
-الأستاذ عبد السميع موجود؟
- فأجابه بحماس وسعادة:
- ينصر دينك.. النمرة غلط