الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

تقارير وتحقيقات

معركة الدولة ضد مخالفات البناء.. 1900 منطقة عشوائية و3 ملايين عقار.. و611 ألف طلب تقنين و2.2 مليار جنيه حصيلة مبدئية لجدية التصالح

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
تحولت عبارة "الفساد للركب في المحليات"، التى أطلقها أحد مسئولي النظام السابق، إلى أيقونة للاستشهاد بفساد المحليات، وهو الأمر الذى يشير إلى قضية مزمنة تعانى منها مصر منذ فترات طويلة.


واستلهم الدكتور على عبد العال نفس الجملة، ليقولها مجددًا تحت قبة البرلمان خلال جلسات مجلس النواب، قبل عامين في شتاء ٢٠١٨، متابعًا: "سبق وأن قيلت هذه الجملة تحت قبة البرلمان من قبل".
وتحولت الكثير من المناطق في مصر إلى العشوائية على مدى الأعوام الماضية، فحينما تسير بالشوارع داخل المحافظات المختلفة ترى كما كبيرا من الإشغالات وضيق الشوارع بسبب سوء استغلال الرصيف. ناهيك عن كم الورش والمحال التجارية غير المرخصة، وهو الأمر الذى تفاقم في ظل انتشار مخالفات البناء، التى باتت على وشك الانفجار خلال الفترة الماضية، مع استمرار تشييد العمارات والوحدات السكنية المخالفة، وهو ما يتفاقم في المناطق النائية والمحافظات الريفية وخاصة في دلتا مصر.
فمن يذهب إلى هناك يجد البناء المخالف داخل حرم الأراضى الزراعية أمر واسع الانتشار، من ملاعب الكرة الخماسية، إلى البيوت الكبيرة، وهو الأمر الذى يفجر قضية قديمة حديثة تتصل بدور الجهات التنفيذية التى تراقب وتشرف وتمنح الإذن للبناء والتشييد. ويعطى القانون للمحليات صلاحية منح التراخيص والبناء والتشييد، بل والإزالة أيضًا، حيث يعد القطاع الهندسى بالمحليات من أهم الجهات إن لم يكن أهمها والمنوط بها منح تراخيص البناء والهدم للمبانى العامة والخاصة والورش والمحال التجارية، كما تقع داخل نطاق مسئوليته أوامر الإزالة. وهو ما يعيد فتح ملفات المحليات والفساد المتغلغل فيها، والذى أسفر عنه تلك المخالفات المؤسفة التى تكدست على مدى السنين، وهو ما جعل الرئيس عبدالفتاح السيسي يخرج في عدد من المناسبات ليؤكد على وجود فساد بالمحليات بحاجة إلى المعالجة والوقوف أمامه.

إحصائيات وأرقام
بلغة الأرقام، فإن هناك نحو ١٩٠٠ منطقة عشوائية نمت خلال الفترة الماضية، وهو الأمر الذى تؤكده إحصائيات وأرقام رسمية لوزارة الإسكان، والتى أكدت خلال إحصاء حديث لها حجم المخالفات للمبانى، والتي وصلت لقرابة ٣ ملايين عقار، عمل على زيادتها بمقدار الضعف الأحداث التى تلت ثورة ٢٥ يناير والتى أفرزت فوضى البناء.
ووفقًا لأحدث تقرير صادر عن وزارة التنمية المحلية قبل أيام، بشأن التصالح في مخالفات البناء، وجملة العوائد المحصلة منها، اعتبارًا من ١٤ يوليو ٢٠٢٠ وحتى ١١ أغسطس ٢٠٢٠، فإن المواطنين الراغبين في التصالح بلغوا نحو ٦١١ ألفا، فيما بلغ إجمالى المتحصلات نحو ٢.٢ مليار جنيه، منها نحو نحو ١.٨ مليار جنيه رسوم سداد مبلغ جدية التصالح الذى تبلغ نسبته ٢٥٪ من إجمالى قيمة المخالفة.
وبحسب ما حدده القانون رقم ١ لسنة ٢٠٢٠، الخاص بالتصالح في مخالفات البناء، فإن جميع المبالغ المحصلة ستؤول إلى الخزانة العامة للدولة، على أن يُخصص منها لصالح الجهة الإدارية الواقع في ولايتها نسبة ٢٥٪ صندوق الإسكان الاجتماعي والمشروعات التنموية، ونسبة ٣٩٪ لمشروعات البنية التحتية من صرف صحى ومياه شرب.
لغز القطاع الهندسى بالمحليات
وبحسب بيانات الهيئة العامة لتعاون البناء والإسكان، فإن مخالفات البناء في مصر وصلت إلى ٩٠ ٪ من إجمالى العقارات وهى الأمور التى يمكننا ملاحظتها بسهولة في فوضى البناء، ما ساهم في تجريف التربة وتقليص مساحة الأراضى الزراعية دون رقابة من المحليات، حيث أصدرت وزارة التنمية المحلية قرارا بوقف تراخيص البناء لمدة ٦ شهور اعتبارا من ٢٤ مايو الماضى.

اعترافات وزير التنمية المحلية
جميع تلك الوقائع جاء الرد عليها في ١٦ مارس الماضي، حيث خرجت وقتها تصريحات من وزير التنمية المحلية، اللواء محمود شعراوي، لتلخص الحال حول مشكلات المحليات المزمنة والتى تعانى منها البلاد منذ فترة كبيرة؛ فبحسب تصريحات شعراوى ذكر أن كافة المحافظات تعانى من نقص في مهندسى الإدارات الهندسية بكافة تخصصاتهم، مؤكدا وقتها على الاتجاه لحصر عدد المهندسين داخل كافة المحافظات من أجل تحديد نسبة العجز، مع الحاجة المبدئية إلى قرابة ٢٧٨٠ مهندسا على مستوى الجمهورية في العديد من التخصصات، منها العمارة والتخطيط والميكانيكا والمدنى والمعمارى بالقرى والمدن والأحياء.
وكشف شعراوى في مايو الماضى عن محاولة إيجاد حلول سريعة وعاجلة لمشكلة نقص مهندسي الإدارات الهندسية بجميع تخصصاتهم في المحافظات. ويقودنا هذا كله إلى التساؤل حول كيفية حل أزمة المحليات التى لطالما كانت مؤرقة ومثيرة للقلق والغضب، خاصة من المواطنين المتضررين بسبب تلك الأزمة، مع وجود توجهات من الدولة للتخلص من البناء المخالف وهدم العديد من المساكن والعقارات والتي دفع فيها هؤلاء من أموالهم الكثير من الأموال دون علم بالفساد المتسبب في أزمتهم.

حلول مقترحة للبناء المخالف
يقول اللواء فاروق المقرحى، مساعد وزير الداخلية الأسبق، إن المواطن الذى يحصل على العقار ما هو إلا ضحية للإهمال والفساد، أن المسئولية تقع في تلك الحالة على رؤساء الأحياء ومهندسى التنظيم الإنشائى والإدارات الهندسية، فهم المختصين بإعطاء تصريحات البناء داخل العقارات المختلفة.
وطالب المقرحى بضرورة تطبيق القانون على المخالفين بيد من حديد حتى يكون هناك عبرة للمخالفين ويتعظ من يأتي وراءهم بحيث لا يكون هناك بناء مخالف، مؤكدا أن ما يقع هنا يعتبر جريمة مال عام في قانون الأموال العامة، وهو ما ينطبق على المبانى التى يتم تشييدها بدون ترخيص أيضًا والتى يتجه الملاك إلى إنشاءها اعتقادًا بإمكانية التعتيم على تلك الجريمة في ظل الوقائع التى تؤكد أن تلك التعديات جريمة مال عام. وأشار إلى أنه أحيانا ما يكون المقاول هو صاحب المخالفة التى تقع بالبناء المخالف، وهو ما ينطبق على مجموعة من العقارات بالإسكندرية على سبيل المثال، مؤكدا على ضرورة معاقبة المخالفين حتى وإن كانوا أصحاب نفوذ أو سلطة، فهنا من الضرورى أن يتم التعامل معهم.
وأكد على ضرورة أن يتم تمحيص وفحص جميع العقارات المخالفة من خلال البحث عن أماكن قرارات الإزالة والمسئولين عنها سواء كانت في أدراج مهندسين التنظيم أو مجالس الأحياء والمدن وهل تم إخطار الأجهزة المختصة بها أم لا وهل حدث تقاعس في إجراءات الإزالة أم لا.
وطالب المقرحى بالعمل على إنفاذ القانون على المخالفين مع ضرورة النظر بعين الاعتبار للمواطن المتضرر بينما يجب تطبيق غرامة مالية على أصحاب النفوذ الذين استطاعوا الحصول على الشقق بسعر غير سعرها الحقيقى وساهموا في العمل على تطبيق المخالفة. 

جهات استشارية
وحول مقترح إسناد تراخيص البناء لجهات أخرى، أشاد محمد أبو على الخبير العقارى باقتراح إسناد الحصول على التراخيص لجهات استشارية شريطة أن تكون تلك المكاتب لها خبرة سابقة لا تقل عن ١٥ عاما بالسوق.
ولفت إلى أنذلك يمكن أن يضع حد للمخالفات حال وجود رقابة على عمل تلك المكاتب مؤكدا أن المقترح اشترط السلامة الإنشائية للمبنى بناء على شهادات من مكاتب استشارية والتى يجب أن تكون شركات ذات خبرة في المجال، وتصبح هنا تلك الشركات والهيئات الاستشارية مسئولة جنائيًا عما تقدمه من تقارير للجهات عن سلامة المبنى، مع ضرورة عدم مخالفة خطوط التنظيم المحددة من هيئة التخطيط العمرانى.

البعد الاقتصادى لفساد المحليات
ومن جانبه قال هانى أبوالفتوح، الخبير الاقتصادى، إن الفساد في البناء يعمل على عزوف المستثمرين عن الاستثمار في البلاد، فلا يوجد مستثمر يوافق على الاستثمار في بلد يتفشى بها الفساد. وأكد أن الفساد يأتى في ظل غياب الرقابة وضعفها، حيث تصبح الرشوة هي العملة القابلة للصرف بين كل من صاحب العقار المخالف وبين الجهة التنفيذية التابعة للمحليات، مؤكدا على التبعات الخطيرة للبناء المخالف داخل المناطق الزراعية والتى لا يمكن تعويض زراعتها مرة أخرى بسبب تجريف التربة وعدم صلاحيتها للزراعة، ما يهدد الأمن الغذائى ويجعل منطقة خصبة مثل الدلتا منطقة مشوهة في الوقت الذى تمد فيه تلك المنطقة مصر من الأمن الغذائى الذى يتم استيراد كميات كبيرة منه لسد الفجوة الغذائية، وتصل ضريبتها لنحو ٢٢٧.٧ مليار جنيه بحسب بيانات وزارة المالية وفق آخر إحصائية لها.



المواطنون يصرخون: نعيش في رعب
لا صوت يعلو فوق صوت مخالفات البناء وقانون التصالح في مصر، حيث باتت قضية الساعة مع تزايد صرخات المخالفين والمواطنين المتضررين من العقارات المخالفة بوصفهم ضحية من ضحايا فساد المحليات وأصحاب العقارات. وبرغم تعديل العقوبة على المخالفين بالبناء لأكثر من مرة وتغليظها بالحبس أو الغرامة في القانون رقم ١١٩ لسنة ٢٠٠٨ "قانون البناء الموحد " إلا أن استمرار البناء المخالف يمثل مشكلة مؤرقة للدولة، حتى قررت مؤخرًا التصدى لها. قانون التصالح أثار حالة من الجدل لا سيما مع تضرر المالكين للوحدات السكنية، بسبب عدم معرفتهم بمخالفة العقارات التى تملكوا فيها وحداتهم، مطالبين بمحاسبة أصحاب العقارات والزامهم بدفع قيمة التصالح.

متضررو البناء المخالف وقانون التصالح
"معناش فلوس" هكذا هو لسان حال أصحاب الوحدات والعقارات السكنية المتضررين من القانون الجديد، معتبرين أن سعر المخالفة مرتفعة في ظل الظروف الاقتصادية الحالية.
عبد النبي سعد، حالة متضررة بمنطقة الهرم، أكد له صاحب العقار أن العقار سليم ومستوفى جميع الإجراءات القانونية المطلوبة، وهو ما جعله يشترى الشقة بمبلغ ٥٧٥ ألف جنيهً.
وبحسب "سعد" فإنه برغم ذلك، فوجئ بقرار إزالة الأدوار المخالفة بالعقار الذى اشتراه، خاصة في ظل أن صاحب العقار لم يدفع مبلغ التصالح وفق رغبة المحليات التى رفضت التصالح مع المقاول، مؤكدا أنه اشترى العقار عام ٢٠١٦ وكان قد حصل على ضمانات من صاحب العقار بوجود رخصة بالمبنى، مشيرًا إلى أنه كانت تصله المرافق من مياه وكهرباء، وهو ما جعله يستبعد فكرة تعرضه للنصب العقارى أو أنه يقطن في دور مخالف. وأشار إلى أنه بات الآن بين مطرقه وسندان الذى لم يعطه أمواله أو المبلغ التعويضى المنصوص عليه بالعقد وقدره ١٥٠ ألف جنيه، قائلًا: "صاحب العقار كل إلى عنده روح المحكمة"، وهو ما يدخله في دوامة المحاكم والإجراءات الروتينية المعروفة ليطرد في النهاية بدون كرامة من بيته الذى اشتراه بأموال باهظة.
أما "جميلة"، فهى إحدى المتضررات من قرارات إزالة العقارات المخالفة، والتى تؤكد أن إزالة العقار الخاص بهم يعنى ضياع تحويشة العمر وهدم المنزل الذى شيدته أسرتها لأبنائها.
وأوضحت أنهم فوجئوا بإقرار القانون وتخييرهم بين دفع المخالفة أو هدم المنزل في الوقت الذى لا يملكون فيه سعر العقار الذى قاموا بتشييده لتأمين مستقبل أبنائهم.
وأشارت إلى أنهم لا يستطيعون دفع المبلغ بأثر رجعى، خاصة في ظل الظروف الاقتصادية الحالية، والكساد الذى يضرب الكثير من المواطنين بسبب أزمة فيروس كورونا وبسبب الوضع العام الحالى.
محمود عنتر، واحدا من آلاف الضحايا، والمتضررين من هدم أبراج دار السلام، والذى يقول: هناك حملة كبيرة ضدنا، حيث إن المحليات بدأت في إزالة العمارات بالمنطقة.
وأشار إلى أنهم يعيشون في رعب بسبب قرارات الهدم التي تهددهم، خاصة مع توجه المسئولين لإزالة العديد من الأبراج المخالفة القريبة منهم.
ويضيف محمود إن ما يحدث ما هو إلا تدمير وتشريد للكثير من الأسر القاطنة بتلك الأبراج والذين استمر على وجودهم بالعمارات لأعوام، متسائلا "ما ذنبنا نحن كسكان من تلك الإجراءات التى تنفذها المحليات". وأشار إلى أن حرم البرج الخاص بهم داخل ملكية خاصة، وهو ما يعنى إمكانية حل المشكلة مع المحليات بدون تشريد الأهالى والمواطنين ولكن لا صوت ولا حياة لمن تنادى، متابعا أنه برغم شكواهم إلى المحافظة ومجلس الوزراء والمحليات إلا أنهم لم يحصلوا على أى جديد وسط تهديدات بتعرض العقار القاطن فيه مئات الأفراد للإزالة بين ليلة وضحاها.



من المسئول؟
ومن جانبه حمّل الدكتور حمدى عرفة، خبير الإدارة المحلية، الحكومات المتعاقبة مسئولية ما وصلت له البلاد من بناء مخالف، مؤكدا على أن هذا يعكس تفشى الفساد وغياب المسئولية في التعامل مع قضية خطيرة من قضية البناء المخالف، وهو ما يتطلب أن تضرب الدولة بيد من حديد في هذا القطاع. ولفت إلى أن سوء إدارة بعض قيادات الإدارة المحلية خلال الفترة الماضية بداية من بعض المحافظين، ومرورا بالمسئولين عن الأحياء والمراكز والمدن فيما يتعلق بملف البناء المخالف، وهو الأمر الذى أثر على زيادة المبانى المخالفة وانهيار العقارات وارتفاع الأدوار المخالفة للعقارات.
وحول قانون التصالح في مخالفات البناء يرى عرفة أنه قانون جيد ولكن يحتاج إلى توضيح حول العقوبات في حال عدم تنفيذ المواطن عملية الإزالة حيث لم يتحدث عنها القانون.
وشدد عرفه على أنه إذا استمر التعدي على الأراضى الزراعية بمثل تلك الصورة التى شهدناها خلال الفترة الأخيرة، فستختفى الرقعة الزراعية في ظل الزيادة السكانية وتقوقع المواطنين في أماكنهم، خاصة مع إقامة المصريين في نحو ٥٪ من إجمالى مساحة البلاد، مؤكدا على ضرورة وضع العاملين بالإدارات الهندسية تحت إشراف مديريات الإسكان على أن يكون هناك رقابة صارمة على الأحياء والمحليات وإنفاذ القانون على المخالفين للقوانين. ونوه عرفة إلى أهمية ميكنة جميع الإدارات المحلية داخل المحليات بكل المحافظات وهو الأمر الذي يمنع الرشاوى والتلاعب في إصدار التراخيص على أن تكون هناك جهة رقابية تتبع الوزراء تشرف وتراقب على المحليات ونشاطها بالأحياء المختلفة. وأوضح أن الأجور الهزيلة التي يحصل عليها العاملون بالتنمية المحلية خاصة المهندسين بالإدارات الهندسية فتحت الباب أمام ضعف عدد المهندسين العاملين واتجاههم للعمل بقطاع آخر أو الهجرة من البلد كما أن ذلك يفتح الباب أمام الفساد وتلقى الرشاوى وهو ما يحتاج إلى تعديل قانون الخدمة المدنية لعام ٢٠١٦ بحيث يحصل العاملين على أجور مناسبة تحقق لهم الحياة الكريمة.