الخميس 28 مارس 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

تقارير وتحقيقات

«اللغة العالية».. كتاب يقدم دليلًا للصحفيين وعشاق العربية.. عارف حجاوي: الصحفي يعيش اللغة ويعاني مضايقها.. وينحرف عن المعجم تسرعا أو وهما أو غفلة.. حقبتنا اللغوية تتميز بتعدد أوجه الصواب

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
  • «اللغة العالية».. كتاب يقدم دليلًا للصحفيين وعشاق العربية
  • عارف حجاوى: الصحفى يعيش اللغة ويعانى مضايقها.. وقد ينحرف عن المعجم تسرعا أو وهما أو غفلة
  • حقبتنا اللغوية تتميز بتعدد أوجه الصواب.. وكل بلد يزعم أهله أن عاميتهم أقرب للفصحى



ينافح العربى عن لغته كأنها عِرضه، وتشتد الخصومة بين عربى وعربى على كلمة، ويتراشقان بالشواهد القديمة، ويمد كل منهما يده في جراب معارفه اللغوية والنحوية كى يستخرج الدليل. وتمضى العربية في طريقها لغة حية ومعبرة ودقيقة ومفعمة بالحضارة ومتجددة. غير أننا في حقبة لغوية طابعها تعدد أوجه الصواب. ويزعم أهل كل بلد عربى أن عاميتهم هى الأقرب إلى الفصحى. والفصحى وعاء يضم نظائر آتية من لهجات القبائل، وفى وسع كل كلمة عامية معاصرة أن تلتمس أوجه صواب لكلماتها من بين الأوجه العديدة التى سردتها كتب اللغة من أن وضعها الخليل أساس المعجم الأول قبل ألف ومئتى سنة. وبما أن معيار الصواب مضطرب كما يقول عارف حجاوى في مقدمة كتابه الممتع « « لا يكاد المرء ينطق بعبارة إلا شك في كلمة من كلماتها. نخطئُ كثيرا، ونخطئُ الآخرين كثيرا. ويعود ذلك لغياب التشكيل عن الكلمة المطبوعة، وللخمول المعرفى الذى عاشه الناطقون بالعربية قرونا، وللتصلب اللغوى الذى يتجلى في الإصرار على أن اللغة لا تتغير. 
عن الأخطاء الذى يقع فيها الصحفيون وكذلك المراسلون والمذيعون يقول «حجاوي». لا يندر أن يغلب صواب الصحفى صواب المعجم، فالصحفى يعيش اللغة ويعانى مضايقها، والمعجم جالس على رفه، غير أن الصحفى قد ينحرف عن المعجم تسرعا أو وهما أو غفلة.

وسعى عارف حجاوى في كتابه الذى ننشر منه مختارات لعلها تُفيد القارئ إلى تقديم قاموس متخصص ليس في علم بعينه لكنه موجه إلى الصحفيين والمحررين والمذيعين والمراسلين وعشاق العربية. لعلهم يكون رفيقا مؤنسا، يجدون فيه لذة الاكتشاف ومتعة التنقل بين قاعدة مهمة سيقت بأيسر صيغة، ومعلومة طريفة عن أصل كلمة، وتنبيه إلى ما في الكلام من حشو، هذا إلى أمثلة كثيرة تضع المفردة في سياقها.
الهمزة
(ء). الهمزة حرف يأتى في كل مكان من الكلمة. لا تختلف الهمزة عن بقية الحروف إلا في صعوبة رسمها. همزة التسوية: ( سننفذ الخطة سواء أرضيت أن أبيت) وجاز حذفها (...سواء رضيت أن أبيت).
تُسهل الهمزة، فنقول المومن بدل المؤمن، ويقرأ الناس في المغارب القرآن بتسهيل الهمزة على رواية ورش، والتسهيل لغة قريش. وفى العاميات المختلفة يكثر تسهيل الهمزة، فنقول ياخذ بدل يأخذ.
الألف 
حرف آخر غير الهمزة. وهو في النطق فتحة طويلة، والألف لا تأتى في جوف كلمة عربية إلا منقلبة عن واو أو ياء، أو مسهلة عن همزة. تحذف الألف من بعض الكلمات (هذا، أولئك، هأنذا، ههنا)، وتوضع ألف صغيرة ضمن الحركات أو لا توضع. وفى بعض الأعلام تحذف الألف (عبد الرحمن، إسحق)، غير أننا في الكتابة الحديثة نميل إلى إثبات الألف في أسماء عدة منها هارون وإبراهيم وإسماعيل.
في النطق: الألف في كلمة «طارق» تختلف عن الألف في «باب». وفى كلمة «باب» نفسها نجد في لبنان من يرقق الألف ويميلها حتى لقد تشبه الياء، ونجد في مصر إمالة أقل، غير أننا نجد في العراق والخليج في كلمة «باب» ألفا غير ممالة، ذلك أنهم هناك يفخمون الباء بعض التفخيم فتلحق بها الألف. المذيع الحاذق يبحث عن المنطقى الوسطى، ويصغى لأى القرآن الكريم يرتله قراء جيدون.
الألف المقصورة: فيها مشكلتان، المشكلة الأولى إملائية: الكلمة الدخيلة تكتب غالبا بألف ممدوة (إيقاع الرومبا)، ولكنهم كتبوا (الموسيقى) بالمقصورة، ومنهم من كتبها (الموسيقا) ولا تثريب عليه. والألف التى أصلها واو نكتبها ممدودة (قسا) فمضارعها يقسو والاسم قسوة، والألف التى أًلها ياء نكتبها مقصورة (قضى) فمضارعها يقضى والاسم قضية. 
ونتحير في بضع كلمات تكون من بنات الواو حينا ومن بنات الياء حينا، نكتب (ربى) و(ربا) جمع رابية وربوة. ونكتب (غلا الثمن فهو يغلو)، و(غلى الحليب فهو يغلي). وتحيرنا أكثر كلمة مثل (رضا- رضى) فهى واوية لأننا نقول (رضوان) و(هم يرضو)، وهى يائية لأننا نقول في الماضى (رضينا).
الباء
(ب). حرف يخرج من بين الشفتين ويحرك الحبال الصوتية، ولا يخرج معه إذ تنفرج الشفتان سوى قليل من الهواء، بخلاف الباء الفارسية والإنجليزية القريبة من الفاء. وللباء في النطق العربى بضعة أشكال: فالباء في كلمة «بلد» رقيقة، وهى في «بطن» فخمة. وفى النطق بالأسماء الأجنبية نستعمل الباء العربية، فالمرء قد لا يعرف شكل الباء في كلمة أجنبية أهى باء مهجورة كالباء العربية، أم باء هوائية كالإنجليزية التى تسبق كرف «كيو». 
ولسنا نعرف كيف ينطق الأقوام المختلفون كل باء في أسمائهم. لذا لا يضيرنا الالتزام بالباء العربية في كل حال. الباء: حرف جر، وقد يأتى بدل «في» تجنبا لتكرارها: (اندلع القتال في حى الحاضر بحمص). وتحل الباء محل «في» في مواضع كثيرة.
الباء الزائدة للتوكيد: (لسنا براغبين في السفر). يُستعمل تعبير: (بما في ذلك) للعاقل وغير العاقل: (حضروا جميعا بما في ذلك المنشقون الأربعة)، ويجوز أيضا (بمن في ذلك). ينسحب هذا الحكم على تعبير (بما فيهم)، و(بمن فيهم).
التاء
(ت). ثمة من ينطق التاء مع دفقة هواء تحمل معها صوت السين أو حتى الشين كما نسمع في بعض مناطق المغرب. وقد نسمع صوت «تس» بدل الكاف في بعض جهات السعودية «تسبدي- كبدي». والتاء تحتل مكانة الثاء في بعض الكللمات في مدن بلاد الشام (أتات وتياب). غير أنها عند كل العرب وفى الفصحى تصبح فخمة كالطاء إذا جاورت الطاء، فـ"يستطيع» تنطق كأنها (يصططيع)، والمذيع الحاذق يقلل من هذا التفخيم قليلا ولا يلغيه، على أن المتقعر ينتقل من سين إلى تاء إلى طاء بكثير من التشدق، أى بتحريك شدقيه بسرعة.
التاء المتحركة فاعل: جئتُ، وجئتَ، وجئتِ. والساكنة مجرد علامة تأنيث: جاءت.
الثاء
(ث): صوت الثاء يخرج من بين الأسنان العليا واللسان، وهو مهموس. ويجده أهل مدن الشام وأهل مصر والسودان واليمن ثقيلا فيجعله معظمهم سينا وبعضهم تاء وكثيرون في مغارب الوطن العربى يجعلونه تاء، نقل الصاحب في المحيط عن الخازرنجي: هو مبعوت في معنى مبعوث، كما يقال خبيث بمعنى خبيث. فيبدو أن مشكلة اللسان العربى مع الثاء قديمة، غير أن أرياف الشام ومناطق الخليج والسعودية تنطق الثاء القرآنية الصحيحة.
الجيم
(ج). في الجيم القرآنية يلتصق معظم اللسان بغار الفم، أى أعلاه، ويكون فيها شيء من صوت الدال. وثمة في بلاد الشام جيم كالجيم الفرنسية تفقد التعطيش ويذهب منها ذلك الصوت الدالى وتقترب من الشين. وفى القاهرة والمدن المصرية الكبيرة تنطق الجيم كالقاف البدوية وفى اليمن جيم قريبة من هذه.

على أن بعض الريف المصرى ينطق الجيم قرآنية وفى الصعيد قرى تجعلها دالا.
هذه الجيمات تمثل نوعا لا يحول دون الفهم، على أن الجيم المختارة هى الجيم القرآنية المعطشة تعطيشا متوسطا، وبها يقرأ القراء في معظم بلاد العرب.
وصفها ابن سينا في رسالته عن مخارج الحروف وصفا دقيقا غير أنه صورها تصويرا بارعا عندما شبه الشين بها، قال: «وأما الشين فهى حادثة حيث يحدث الجيم بعينه، ولكن بلا حبس البتة، فكأن الشين جيم لم يحبس وكأن الشين ابتدأت بحبس ثم أطلقت.
في رسم الجيم المصرية ثمة اضطراب: ففى الخليج يكتبونها قافا كما في «قوقل» لمحرك البحث المعروف، وفى العراق يكتبونها كافا كما في «الإنكليز». وفى بلاد الشام يعبرون عنها بحرف الغين كما في «غوغل». وفى مصر هى جيم كما في «جوجل".
يعد كتاب الحجاوى من الكتب المهمة التى تبحث عن إعادة اللغة العربية إلى مكانتها حين تنطق وحين تكتب كما أنه دليل لا غنى عنه للمحررين والمذيعين وعشاق اللغة العربية السليمة.