السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

البوابة القبطية

فنان الأيقونة وائل إسحق: جمال ملامح "أم النور" أبعاده روحية.. نواجه قلة الوعي في فن رسم الكنائس.. وأعمل على دمج الالتزام بالمعاني الطقسية والإبداع

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
بناء الكنائس وتجميلها ليس ترفيها.. ومن المخجل ترك حاضرنا خاليا من المنجزات الفنية
لا بد من البُعد عن استنساخ الصور الغربية.. والعودة لروح الفن المصرى
لا يجب تقييد الفنان بشكل معين.. وتعلمنا الفن الكلاسيكى وأصوله من حوائط الكنائس

في العاشرة من عمره، امتلك تمثالا صغيرا للسيدة العذراء، احتفظ به في غرفته، وصار صديقا له يتأمل وينقل خطوطه وتفاصيله على الورق، مع تشجيع من بعض الأقارب والأصدقاء الذين لاحظوا فيه ملكة وموهبة حقيقية ربما لم يلحظها أو يدركها بنفسه.
وتلك كانت اول خطوه في مسيرة تذوقه للفن قبل ان يصبح له معه شأن آخر، حيث أصبح وائل إسحاق أحد أبرز فنانى الايقونة القبطية الذين لهم بصمات خاصة فيه، فبمجرد أن ترى لوحاته لا تحتاج للبحث عن التوقيع، فملامح وألوان اللوحة تقول إنها لوائل إسحاق الذى حاورته "البوابة"، ليحدثنا عن علاقة فنه بالعذراء مريم أم النور.
فإلى نص الحوار..
وائل إسحق إبراهيم، النشأة قرية دير أبوحنس مركز ملوى في المنيا بكالوريوس الفنون الجميلغ وعضو نقابة الفنانين التشكليين.
المهنة فنان تشكيلى في رسم الأيقونات والجداريات الكنسية، رسم الكثير من الكنائس داخل مصر، منها مقر دالانبا أثناسيوس بالكاتدرائية المرقسية بالعباسية، كنيسة الأنباء شنوده بالغردقة، كنيسة العذراء والملاك بالخلفاوى، دير الأنبا أبرام بالفيوم، مقر الأنبا أنطونيوس بالتجمع الخامس،كنيسة العذراء والأنبا بيشوى بالكاتدرائية المرقسية بالعباسية جار العمل بها الآن، ودير الأنبا توماس بالخطاطبة.،كاتدرائية أبونا عبد المسيح بالمناهرة، كنيسة الأنبا أنطونيويس بالمحلة.
وخارج مصر: كنيسة العذراء وأبوسفين بمدينة اونا بألمانيا، كنيسة القديس أغسطينوس بأسكتلندا، وكنيسة مارمينا بعمان،كنيسة القديس أبانوب فيلمسهافن في ألمانيا، الملاك ميخائيل ومارمينا فة كندا،كنيسة الرسولين بطرس وبولس في الدوحة.
- ما الذى يميز أيقونة العذراء مريم؟
أيقونة العذراء هيدى أيقونة لها مكانة شديدة الخصوصية والتفرد في كنائسنا، فلا يوجد حامل أيقونات يخلو من أيقونة السيدة العذراء في موقعها الأصيل على يمين باب المذبح.
وهناك فرق بين صورة للتأمل توضع بالقاعات والأماكن العامة وأيقونة طقسية توجد بالكنيسة.
فالأيقونة لا بد أن تراعي فيها كل الرموز التى تشير إليها التفاصيل والألوان ودلالات مكان العذراء على يمين السيد المسيح.
وقيل في المزمور: قامت الملكة عن يمينك أيها الملك مع وضع تاج فوق رأسها كملكه وهالة من نور حول رأسها إشارة للآية أنتم نور العالم، ولأنها تلقب بالسماء الثانية يتم تلوين ردائها بالأزرق المرصع بالنجوم، كما يلون جزء من ملابسها باللون الأحمر اللون الملكى الذى يرمز للملك. توجد ثلاث نجمات على الكتفين والرأس وفوق الجبهه. إشاره إلى توليتها قبل وأثناء ولادتها وبعدها.

- وما الفرق بين الفن القبطى والفنون الحديثة؟
الفن القبطى بدأ في القرون الأولى الميلادية وحتى الفتح الإسلامى. وظهر في ظل العصر الرومانى والبيزنطى وكان يقوم برسمه عامه الأقباط بكل اطيافهم من نجارين ومزارعين ورهبان من هنا وصف بانه فن شعبى واعتمد بشكل كبير على الرمزية والبساطة، ثم اختفى في ظل الدوله العربية حتى قبل عصر البابا شنودة بأكثر من مائتى عام لم يرسم الفن القبطي بشكله القديم الذى بدأ به.
حتى جاء الدكتور الفنان إيزاك فانوس بحركة إحياء الفن القبطى ليبدأ ما يوصف الآن باسم الفن القبطى الحديث.الذى يرسم الآن في كنائس كثيره وهو في رأيى شكل مختلف نوعا ما عن الشكل القديم للفن القبطى الذى رسم في العصر القبطى لكنه نال استحسان القيادات الدينية وبدأ تدريسه في معهد الدراسات القبطية.
ولا يجب تقييد الفنان بشكل معين، فالفن قائم على الإبداع والتجديد مع مراعاة الأمور الطقسية والعقائدية، كما أنه لا بد ومن الضرورى البعد عن استنساخ الصور الغربية التى ليس لها علاقة بروح الفنان المصري وهويته، فلا بد ان يقدم إبداعه الخاص.

- متى رسمت أول أيقونة للعذراء مريم؟ وهل كانت هناك صعوبات معينة في رسم العذراء؟
أول أيقونة رسمتها للسيده العذراء في حياتى العملية عام 2007 مع بداية عملى في أول كنيسة.
وليست هناك صعوبات معينة، أحاول الحفاظ على رموز وشكل الأيقونة المعروفة مع إضافة بعض التغيرات واللمسات الخاصة التى لا تؤثر على طقسية الصورة، ولكنها تضفى بعض الخصوصية والتجديد التى أعدت أن تكون موجودة بكل أعمالى حتى لا أكون مقلدا. 
هل جمال الملامح في الأيقونة له أبعاد روحية؟
جمال الملامح في الأيقونة له بعد روحى أيضا وهو متواصل مع جمال الروح، واعتدنا أن نرى السيدة العذراء بملامح صغيره السن ونادرا ما ترسم في سن كبيرة حتى في صور الصلب والصعود وما بعد، وذلك يرجع إلى الانطباع العام عن شخصية العذراء والمصداقية التى تركتها الصور الكلاسيكية التقليدية.

- وما أكثر الصعوبات التى تواجه فن رسم الكنائس؟
قلة الوعي الفنى من المسئولين الذين يباشرون الأعمال وبعض الرسامين أيضا، ويتضح ذالك جليا في هذا الكم الهائل من الصور المنقولة والمستنسخة بدون أى إشاره لإبداع أو شخصيه الفنان بعيدا عن مستوى المهنية.
- ما أشهر أيقونات العذراء مريم حول العالم؟
أشهر الأيقونات للسيدة العذراء الموجودة بدير بدير صدنايا البطريركى بسوريا، والتي يقال إن راسمها هو القديس لوقا الطبيب، تلميذ السيد المسيح والذى اشتهر أيضا بانه رسام والتى عثرت عليها القديسة هيلانة مع كنوز مقدسة أخرة منها الصليب ونقلت اللوحة إلى القسطنطينية ثم إلى روما حيث علقت في بازيليك القديسة مريم الكبرى.
ويقال أيضا إن القديس لوقا رسم أكثر من 70 ايقونة للسيدة العذراء منها الأيقونة الموجودة بمقر دير السريان بالعزباوية بوسطط القاهرة، والمعروفة باسم أيقونة العذراء العزباوية وأيقونة بدير المحرق بالقوصية.
وأيقونات أخرى للعذراء موجودة بأماكن مختلفة في روسيا وفلورنسا..ومن الايقونات الشهيرة ايضا الأيقونة الأوروشليمية بدير القديسة مريم المجدلية اسفل جبل الزيتون بالقدس والتي يروي عنها انها غير مرسومة بيد بشر ووجدت بعد رؤيا رأتها راهبة رسامة عاشت بالدير وغيرها من الأيقونات الشهيرة في مختلف البلدان وكلها ارتبطت بمعجزات وقصص تحتاج إلى الكثير من الصفحات لسردها.
أما عن أكثر ايقونات العذراء تاثيرا بالنسبة لي، فهى طولها ١٠٤سم وعرضها ٦٩سم. تسمى عذراء فلادييمير، وكاتب الأيقونة أو راسمها في الحقيقة مجهول الهويّة، وهى تنتمى إلى الفن القسطنطينى، ويعود تاريخها كما يُقدّر الخبراء إلى نحو أوائل القرن الثانى عشر وهى أيقونة عظيمة الشأن من ناحية الإبداع الفنى فيها لكن يبقى الجمال الالهى الروحانى هو ما يميز تلك الأيقونة بكل ما تحمله من دلالات ورموز.تجعل الناظر للايقونة يدخل في سِرِّ جمال الخالق ويَسمع في صَلاته صدى عِظةَ القدّيس غريغوريوس حول رقاد السيّدة الذى وصَف جمال العذراء مريم بالجمال الإلهيى الذى يَتَخَطّى السماء والأرض والناس والملائكة، ويَنقل المؤمن من الأرضيّات إلى أبعد من السماوات. 

- وما سر اختلاف أيقوناتك؟
الاختلاف في لوحاتى يرجع إلى محاولاتى وضع بصمة خاصة لى وهوية خاصة لأعمالي، والبعد عن نسخ ونقل الصور المرسومة سابقا.البعض في كنائسنا ينادون بالتسليم في فن الايقونات كما هو الحال مع الالحان والتسابيح وقداسات الكنيسة، لكن عندما يتعلق الأمر بالفن لا يمكن إغفال دور العنصر الأهم والأساسى الذى يعتبر دعامة العمل الفنى هو الإبداع أو الخلق وهو لا يتفق مع النقل والنسخ من اللوحات القديمة.
والأقباط الأوائل في العصر القبطى طوروا وقدموا شكلا مختلفا عن الفنون الفرعونية حتى ولو كان متأثرا بها بعض الشىء كما تاثر بالفن اليونانى بعد ذلك، وبدورنا كأقباط في هذه المرحله أن نطور ونضيف حتى نكون حلقة في سلسلة تواصل الأجيال، ولا نكون نقطة وقف عندها الإبداع والتطور ورحنا نعيد وننقل ما سبق من فنون وأساليب..مع مراعاة ان يكون التطور والتجديد مصحوبا بالالتزام بكل الأمور العقائدية والكتابية والطقسية طبعا.

كيف تواجه إحباطات الفنان؟
في طفولتى، اكتشفت موهبتى مبكرا وأحببتها ولكنى أهملتها وخاب أملى في نهايات فترة دراستى في المرحلة الابتدائية وحتي الصف الثانى الإعدادى.
وكان لحصة التربية الفنية ومدرس المادة السبب في ذلك، فالفنان يحتاج دائما إلى هؤلاء المؤمنين بموهبته الذين يعملون دائما على دعمة وتشجيعه.ولكن لم يكن هذا موجودا في تلك الفترة، كل ذلك تغير فيما بعد عندما بدأ الاهتمام يعود مع مدرسي الرسم التاليين حتى إنى شاركت في تجميل حوائط المدرسة والمجلات المدرسية والمسابقات الفنية.
ذلك الإحباط القديم يتكرر كثيرا حتى في حياتى العملية مع كثير من المسئولين والمباشرين للأعمال خارج الكنائس وداخلها احيانا ولكنى أتدرع ضد ذلك بقدر أكبر من الثقة بالنفس ومسيرة نجاح وعدد كبير من الداعمين والمشجعين المؤمنين بما أقدم.

- وماذا يمثل الرسم على جداريات الكنائس بالنسبة لك؟
أحب مجالى وأقدر قيمة الرسم على جداريات الكنائس وأعتبره المنبر الأول والأهم في تاريخ الفن، وأريد أن أقول نسبة كبيرة مما تعلمناه ودرسناه أكاديميا عن الفن الكلاسيكى وله وقواعده أخذناها مما رسم على حوائط الكنائس الغربية أو الشرقية.
ومن العبث أن أقارن بين المعارض الفنية كمنبر يقدم فن وبين رسومات الكنائس، فالكنائس معرض دائم وخالد، زواره لا ينقطعون، كما ان الأغراض الدينية تجعله بالنسبة للناس أكثر عمقا.
وأتمنى أن يدرك المسئولون والرسامون مدى أهمية وقيمة هذه الأعمال وألا تتحول بسبب قلة الوعى إلى أعمال سوقية تخضع لمقاييس سوقية كالعرض والطلب أو الأذواق الشخصية لبعض المسئولين عن تشطيب الكنائس.
لا أستطيع أن أقول: إنى أتغلب على كل الصعاب والإحباطات في مجالى، فبعض الأعمال لا بد فيها من محاولة إرضاء الأذواق العامة، وهناك فرق أحيانا بين خيال الفنان وأهوائه الفنية وبين أذواق الناس أو من يباشر الأعمال سواء رجال دين أو غيرهم، لكن ذلك يحدث بشكل قليل ونادر في أعمالى فأغلب أعمالى أنا راضٍ عنها وفخور بها كما أنى أرتبط وجدانيا مع كل عمل منها بشكل خاص كما أنى قررت ألا أوقع باسمى على أى عمل لم أكن أنا صاحب الرؤية والتصميم فيه، وفى النهاية يبقى انبهار الناس بنتيجة العمل واستقبال الناس للفنان فوق كل إحباط.

- وما رأيك فيمن ينظرون إلى بناء الكنائس أو تجميلها كمجرد ترفيه؟
بالفعل، البعض ينظرون إلى بناء الكنائس وتجميلها والإنفاق عليها رفاهية وانفصال أحوال الناس في ظل الظروف المادية والاقتصادية الحالية، إلا أننا كحضارة لدينا تاريخ محمل بالفن والجمال لا يمكن ان ينضب عطاؤه أو يتوقف على أيدينا.لسبب ما لم يبق من الحضارات القديمة إلا فنونها اغلب منجزات الخضارة العلمية في مصاف الأسرار، أو انها تتغير بتغيير الحقائق العلمية الحديثة لكن الفن يبقى.
ومن المحبط والمخجل ان نترك حاضرنا خاليا من المنجزات الفنية حتى تكون لنا في المستقبل مصدر فخر ودليل للأجيال القادمة على أن الفن متواصل على هذه الأرض ولم ينقطع وجود الفنانين عليها.

- وما طقوسك الخاصة في الرسم؟
طقوسى في الرسم تبدأ بالقراءة، ويجب أن تكون لدي كل المعلومات عن موضوع الرسم أو القديس. الوصف إن وجد الزمان والبيئة والمكان وكل التفاصيل، ثم توفير أجواء مناسبة للرسم مثل هدوء المكان والموسيقى والتفاعل الوجدانى مع القصة أو الموضوع وعمق الإحساس به والعزلة أحيانا..
وأقضى أوقات كثيرة اعمل منفردا خصوصا في الأعمال التي أعملها خارج مصر ولكن في أعمال أخرى يعمل معى فريق من الفنانين والمتدربين أحاول أن أزرع فيهم نفس القيم والأفكار والأسلوب الفنى.
مع ذلك أتمسك دائما بأن تكون لى الرؤية والتصميم وخطط اللون وتوزيع الإضاءات وبناء العمل وتكوينه، وأن أتمم بنفسى اللمسات النهائية للعمل، وذلك لا يقلل من قدر المجهود الذى يبذلونه إلى حد أنى لا أستطيع أن أستغنى عنهم في أعمالى الضخمة في مصر. ومنهم الكثير من الفنانين الذين استقلوا وأصبحوا أسماء معروفة.
وأستخدم خامات وألوانا متنوعة، أكثرها على الجداريات والأيقونات الألوان الزيتية، وكلها أنواع مستوردة من هولندا أو فرنسا على حسب الماركة أو العلامة المسجلة.