الخميس 28 مارس 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

تقارير وتحقيقات

صراع «التاريخ» والبلدوزر.. هدم جبانة المماليك جريمة في حق التراث المصري.. شيمكو: «محور الفردوس» لدعم وتنشيط السياحة.. الكحلاوى: أخطاء جسيمة تحت شعار ليست مسجلة.. النبراوى: لجنة متخصصة لدراسة المشروع

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
قبل أيام، انتشر جدل واسع على مواقع التواصل الاجتماعي بعد تداول مئات الصور والفيديوهات التى تشهد على عملية إزالة للمقابر في منطقة صحراء المماليك "جبانة المماليك" لتنفيذ "محور الفردوس"، غير أن وزارة الآثار والسياحة، ردت على رواد السوشيال ميديا في بيان لها مؤكدة أن المحور بعيد عن الآثار الإسلامية المسجلة بـ"جبانة المماليك"، وأنه لم يتم هدم أى أثر، وأن المقابر الموجودة بالصور المنشورة مبان غير مسجلة في عداد الآثار الإسلامية والقبطية وإنما مقابر حديثة وخاصة بأفراد.



"جبانة المماليك" تُعد من أكثر الأماكن التى تحتوى على مقابر تاريخية وآثار إسلامية تعود لنحو ٥ قرون، وصحراء المماليك كانت تسمى قديمًا "القرافة" نسبة لقبيلة يمنية تدعى بنو قُرافة في زمن عمرو بن العاص، وتُعبر عن حقبة زمنية تمتد لأكثر من ألف عام من العصر الفاطمى حتى أسرة محمد على، كما ظلت صحراء المماليك الجبانة الرئيسية للقاهرة منذ ما يقرب من ١٤٠٠ عام، وكانت في بادئ الأمر يستخدمها المماليك كمضمار لسباق الخيل، وبعد ذلك قرروا بناء مدافنهم ومقابرهم هناك، فسميت على اسمهم "صحراء المماليك".



حوادث سابقة

لم تكن واقعة إزالة مقابر منطقة صحراء المماليك "جبانة المماليك" هى الحادثة الأولى من نوعها المتعلقة بهدم وتشويه التراث المصرى، بل وقعت عدة حوادث سابقة أثارت غضب الكثيرين قبل وبعد انتشار السوشيال ميديا. 

في عام ١٩٩٩، كثرت الأقاويل حول نية محافظة القاهرة، إزالة مساحات واسعة من ترب باب النصر المواجهة لسور القاهرة الشمالى، لتوسيع الطريق الرابط بين الدراسة وباب الشعرية، وكان توسعة الشارع بالطريقة المعلن عنها تعنى إزالة "حوش الصوفية" الذى يحوى عددا كبيرا من رفات وجثامين كبار المتصوفة والزهاد، إلى جوار ١٤ عالما من أعلام الصوفية‏ والفقه والحديث والتفسير والتاريخ والاجتماع، الذين تركوا بصمتهم في التاريخ المصرى، وأشهرهم على الإطلاق العالم والمؤرخ تقى الدين المقريزي وعبدالرحمن بن خلدون رائد علم الاجتماع. 

وارتفعت الأصوات حينها لإيقاف هذه الكارثة والتحذير من وقوعها، ولكن لم يلتفت أحد لتلك التحذيرات أو النداءات العاجلة لإيقاف هذه المهزلة وتم تنفيذ الإزالة ودهس هذا الحوش بشكل كامل ولم يتبق منه أى أثر على الإطلاق، في حين أنه كان من الممكن نقل واجهات تلك الأضرحة ورفات الموتى إلى أماكن أخرى والاحتفاظ بهذا التراث الفريد من نوعه. 

في أبريل ٢٠٠١ كشفت دراسة تاريخية، أعدتها الصحفية ثناء صليحة، أن حوش الصوفية في جبانة باب النصر، الذي تزيد مساحته على فدانين ويقع خارج باب النصر، كان مقبرة لصوفية خناقة سعيد السعداء والخناقة البيبرسية، كما كان مقبرة لعلماء مصر المشاهير أمثال ابن خلدون والمقريزى وقاضى القضاة برهان الدين إبراهيم الشهير بابن زقاعة وقبر شرف الدين الدمياطي‏، بالإضافة إلى الطرابلسى وعبدالرحمن بن عوف وابن هشام وابن الملقن وغيرهم، ولكن لأسباب مجهولة ظل الحوش خارج سجلات الآثار وبالتالى، لم يواجه مسئولو الحى أى مساءلة قانونية عندما قرروا إزالته.

وذُكر حينها إن الدكتور صالح لمعى عضو المجلس الدولى للآثار خرج وأكد أن الحوش لا يضم علماء فقط، بل يضم أيضا شخصيات تاريخية مثل السلطان برقوق، الذى أصر أن يدفن مع الزهاد في حوش الصوفية لعل الله يرحمه بفضل هؤلاء العارفين.



مؤيد ومعارض

محمد شيمكو: توسيع الطريق استكمال لدعم وتنشيط السياحة.. وبعض الأبنية يطلق عليها آثار بالخطأ


من جانبه، قال النائب محمد شيمكو، وكيل لجنة الثقافة والإعلام والآثار بمجلس النواب، إن مصر بها معالم كثير من الآثار لكن هناك معالم وأبنية أطلق عليها البعض أثر نظرا لملامحها الأثرية لكنها في حقيقة الأمر مبان ومقابر لعامة الناس ولا تنُسب لشخصيات تاريخية، مؤكدا أن حرص الدولة شديد على الآثار بمختلف أنواعها وعصورها لأنها من أبرز الأماكن لجذب السياح. 

وأوضح شيمكو، أن الدولة تعمل لتطوير البلاد وطبعها بالطابع الحضارى لتطوير مجال السياحة وليس هدمها، وأن مشروع توسيع الطريق الكامن بالقرب من جبانة المماليك الذي تقوم الدولة بتحديثه، يعد استكمال لعملية دعم وتنشيط السياحة من أجل تيسير حركة المرور إلى الطريق المؤدي إلى متحف الحضارة الذي يحتوي على أكثر من ٥٠ ألف قطعة أثرية منتقاة بداية من عصر اجدادنا الفراعنة وحتي وقتنا الحالى، وهذا المتحف يعد طفرة في مجال السياحة سيؤدى إلى تنشيطها بشكل واسع واجتذاب السياح من كل دول العالم.



محمد الكحلاوى: عدم تسجيل المبانى تقصير من "الآثار"

بينما تسائل الدكتور محمد الكحلاوى، أمين عام اتحاد الأثريين العرب وأستاذ الاثار الإسلامية، قائلًا:" متي نتوقف عن هدم التراث؟ ففي الوقت الذى تم اختيار القاهرة فيه عاصمه للثقافة الإسلامية يأتي البلدوزر ليطرح جزء من هذا التاريخ على الأرض دون سابق إنذار أو تقدير لتراث أو حرمة لأموات أو الأحياء. 

وكشف الكحلاوى، أن مقابر الغفير التاريخية هي حلقة من حلقات هدم التراث المصرى ولن تكون آخره، فبالأمس القريب شاهدنا اقتلاع مقابر الليث وسيدى عقبة، وفى العام قبل الماضى كان البلدوزر بطلًا لحفائر المطرية، حيث قام باقتلاع واجتثاث الاثار من منطقة الحفائر بالمطرية بحجة أن المنطقة ستؤول إلى وزارة الأوقاف بحكم قضائى وكأنها في حكومة آخري لبلد آخر. 

وقال من الغريب أن وزارة الآثار لا تملك أن تبرر تلك الأخطاء الجسيمة في حق تاريخ مصر العريق بقولها المعهود أنها ليست مسجلة في تعداد الآثار، وهذا عذر أقبح من ذنب، لأن عدم تسجيلها في تعدد الآثار هو تقاعس وتقصير من وزارة الآثار عن اداء مهامها التى أوكلها إليها القانون، وإن كان المبرر هو ضعف الامكانية المادية فهذا غير صحيح لأن مصر لديها القدرة المادية على ذلك.

وذكر الكحلاوى، القضية الكبرى المعروفة بأبراج نصير عندما سمحت الحكومة لأحد رجال الأعمال ببناء أبراج له بارتفاع ١٢٠ مترا أى ما يعادل ارتفاع ٤٠ طابقا أمام قلعة محمد على، بحجة إنشاء بورصة جديدة، حيث أكد أنه تصدي لذلك هو والكاتب جمال الغيطانى والكاتبة سكينه فؤاد وكتبوا إلى اليونسكو ولكن بدلا من وقوف الوزارة بجانبنا؛ قامت بتغيير حدود القاهرة التاريخية لتُخرج هذا المشروع من نطاق حدود القاهرة التاريخية. 

وأضاف: الأمر يستحق الدراسة، فوزارة الآثار المنوط بها أن تقف بحزم أمام المشروعات الحكومية التي تتعدى على حرمة التراث تجدها على عكس ذلك، تقوم بإعطاء الضوء الأخضر وتنقض المعترضين على هذه المشروعات تحت مظلة التطوير والتنوير، وأدى ذلك إلى تشويه كامل لمدخل جبل المقطم حيث بُنيت مئات العمائر المخالفة أمام برج نصير لتطمث هوية المقطم الأثرية تماما. 

وأشاد بدور رئيس الوزراء الدكتور مصطفى مدبولى وتأكيده أنه لن يسمح باستمرار هذا النزيف من هدم تراث القاهرة وسوف يرد له اعتباره مرة أخرى أمام العالم أجمع. 


رأفت النبراوى: لجنة متخصصة للوقوف على خطة المشروع

في السياق ذاته قال الدكتور رأفت النبراوى، أستاذ الاثار الإسلامية وعميد كلية الآثار السابق جامعة القاهرة، إن ما يحدث من إزالة لهدم المعالم الأثرية سواء كانت إسلامية أو غيرها من الآثار الكثيرة القائمة في مصر، هو بمثابة جريمة في حق التراث المصري والأجيال القادمة.

ولفت إلى أنه في الوقت التي تقوم فيها الحكومة بمحو الكنوز الأثرية التي نمتلكها على الجانب الآخر تقوم دول العالم بالاحتفاء برجالها وباكتشافاتها الحديثة وتجعل منها مزارت سياحية لجذب السياح من كل حدب وصوب.

وأشار النبراوى، في تصريح خاص لـ"البوابة نيوز"، إلى إنه كان لا بد من تشكيل لجنة من وزارة الآثار تتكون من متخصصين في الآثار الإسلامية للوقوف على خطة المشروع والاطلاع عليها، لدراسة المنطقة المختارة لتنفيذ مشروع التوسعة وذلك للكشف عن المبانى أو الأضرحة التاريخية الموجودة بها. 
وتابع أستاذ الآثار الإسلامية، أن الدولة تتبع قانون ١١٧ لسنة ١٩٨٣ الذي ينص على أن للحكومة الأحقية في هدم أى بناء غير مسجل على أنه آثر، ويصف ذلك بأنه أمر غير صحيح البتة، حيث تتنشر العديد من المباني في أنحاء الجمهورية التي لم تسجل بأنها آثر ولكنها بالفعل تاريخية وأثرية. 

وشدد على ضرورة الكشف على المبانى التاريخية بشكل دورى ومستمر من قبل وزارة الآثار وتسجيل هذه المبانى بأوراق رسمية تفيد صحة تاريخها، والمحافظة عليها وترميمها وصيانتها والإعلان عنها والترويج لها، لأن هناك العديد من القصور والمساجد التى نُهِبت وحرقت بسبب الإهمال مثل قصر المسافر خانه الذي بنى عام ١٧٧٩.

وتقول الشيماء على الدوينى، باحثة متخصصة في الحقبة الزمنية التى تولى المماليك فيها حكم مصر، إن المماليك اختاروا هذه الأرض لتكون مقرًا لسباقات الخيل ولقضاء أوقات فراغهم فيها، وليس فقط جعلها مقابر بل كان هناك مظاهر للحياة في تلك المنطقة وهي لا تقل أهمية عن شارع المعز لدين الله الفاطمي وغيرها من مظاهر العمارة الإسلامية.
وأكدت الدوينى، أنها منطقة عريقة تضم مقابر وقباب تاريخية عديده تعود لعصر المماليك من الأمراء والأميرات وعددا من العلماء والمشايخ ومنها قبة الأميرة رقية حليم التى دفنت بها عام ١٣٦٩ه‍/ ١٩٥٠م، وقبة السلطان ابو سعيد قانصوة ٩٠٤ه‍/ ١٤٩٨م، وقبة الأمير ازدمر الدوادار ٩١٣ه‍/ ١٥٠٧م، وقبة الأمير قجماس الظاهرى ٧٩٢ ه‍/ ١٣٨٩م، وقبة وايوان خوند ام انوك ٧٤٩ه‍/ ١٣٤٨م. 

وأوضحت انه إلى جانب احتواء المنطقة الأثرية على الكثير من القباب التاريخية تضم أيضا صحراء المماليك عددا ليس بالقليل من المساجد الأثرية النادرة إذ يتخطى عدد مساجدها الـ٣٠ مسجدا معظمها من الطراز الضخم الجميل ومنها مسجد وخانقاه فرج بن برقوق ومسجد وخانقاه السلطان الأشرف برسباى ومسجد السلطان قايتباى وملحقاته، وأبرز هذه المساجد مسجد السلطان المملوكى (الأشرف قايتباى) المرسوم على الجنيه المصرى والذى يتجاوز عمره ٧٠٠ سنة. 
وتابعت: كما تحتوي صحراء المماليك على مسجد إمام الصوفية الأكبر (جلال الدين السيوطى) ويعبر السيوطى عن أهم معالم الحركة العلمية والدينية والأدبية في النصف الثانى من القرن التاسع الهجرى، كل ذلك بنى بهندسة عمرانية نادرة الوجود وفائقة البراعة.