الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ثقافة

إبداعات البوابة| "ثوب زفاف" نص لـ "مجدي حافظ"

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
انتظرته كثيرًا بعد أن خلعت ثوب زفافي الذى خرجت به أول مرة ولم أدرك جماله كما كنت أتخيل، بل كبلني سنوات خلف قضبان وجدران منيعة في عالمي البائس، وكأني تلك الفتاة المتمردة التي ألقت بأعرافها وتقاليدها مع هذا الثوب الذي تحلفني بنار أججت فؤادي سنوات وسنوات خلف ركام ووساوس ما زلت أقاومها لكنه تملكني وامتلك الصفات العلا بجسد مسجي على فراشه دون روح وقلب، وهما في انتظاره ربما يأتي يومًا أجمع من كلماتي وأشعاري ما أنسج به من وحي خيالي صورته التي لا تفارقني وعذب كلماته.. أحاديثه... أغانيه التي كان يشدو بها حين يلقاني، حتى المذياع الذي أهداني وافق كلماته كأنه يبعث بروحه فيه وكأني أخاطبه حين يشدو عبر أثيره، لكن وهمي يقتفي خطاي فلا أجد نفسي إلا بين أحضان ذاك المتملك وليس لي إلا البحث عن ظلي في الظلمة.... حملت اليأس معي وانطلقت خلف الأبواب المؤصدة، لأجد لي مخرجًا من كل هذا الزخم المتدني، أليس من حقي أعيش الحياة؟... انطلق؟... أحقق أحلامي، لكن لا؟ تغلق الأبواب في وجهي مرارًا وأحلامي حبيسة جدران أفكاري، والثوب اللعين موكل بحراستي يذكرني كلما شاهدته بليلة إعدام حبي تلك الليلة المريرة، حينما تجمع الناس يشيعون نعشي بالأفراح فماذا أفعل؟ هل أستطيع فك قيود أدمت قلبي؟.....
تشابكت من حولي هواجس الأوهام وحملت أوراقي وقلمي للخروج من ظلمتي، ونظرت من تلك النافذة المطلة على البيوت القديمة ونوافذها الضيقة، لكن تتعالي بها الأصوات والمرح اللهو حتى المساء وإذا بي أشاهد فتاة ترتدي نفس الثوب الذي يبدو مختلفًا، وبجوارها فتي أسمر يلملم أطراف ثوبها الطويل ممسكًا به مقبلًا له والسعادة تغمرها بحياء جميل وابتسامة تعلو شفاهها فيتعانقا وكأنهما روحان في جسد، فتقبله! وما زال ممسكًا بثوبها حتى لا يلامس الأرض فيحملها بين ذراعيه ويدور بها وضحكات تتعالي وأنا خلف نافذتي، أعيش الحلم، وسعيدة بما أشاهده كأني أعيش معهم تلك الليلة، ثم استسلما للنعاس فاستقلي على طرف ثوبها معانقًا جسدها، وأنا لا أريد الابتعاد عن النافذة وإذا بالثوب الملعون يصيح فقررت أن ألقي به أو حتى أحرقه....
وتقدمت نحوه بخطي سريعة وما أن أمسكت به، صرخ صرخة عالية اتركيه ابتعدي وإلا؟ نظرت خلفي فإذا به ملوحًا بيده ووجه عبوس ومد يده إليه، وأخذه وضمه في حقيبته قائلًا: أنت لا تعرفين قيمة هذا الثوب؟ وأغلق الباب وخرج مسرعًا، فعدت لدفتري ومذياعي الصغير وبدأت كتابة رسالتي الأخيرة إلى العالم البائس الذي يتحدث عن الحياة ولا يعرف معناها وإذا بالمذياع ينشد تلك الأغنية الجميلة التي كنا نغنيها، وانسابت كلماتي على دفتري وأشعاري كجمر يخدع النار فكلنا ذليخه؛ لكن من أين لنا بيوسف الصديق، فالهوى رصاص يفتت الكلمات يروي ظمأ الماء يسقي المحبين كأسًا من نبيذ حبهم. عد أين أنت؟ ووضعت يدي على شفتي كأنه يقبلني وأنساب رطابي يمحو آلامي يقطر كلمات أشعاري يبعدني عن ذاك العالم البائس لعالم يستحق الحياة وثوب جديد يحمله إليّ. شق ويبحث في الظلام عن ظله.