الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

لبنان بين شجر الأرز وأشجار الفساد

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
في صيف عام ٢٠٠٣ كانت زيارتي الأولي لبيروت للمشاركة في مهرجان الطالب العربي الأول الذي ينظمه الاتحاد العام للطلبة العرب المنبثق عن المؤتمر القومي العربي، في البقاع اللبناني.
كانت الزيارة مفعمة بالمشاعر الوطنية والعروبية الجياشة لاسيما وأنها جاءت بعد سنوات قليلة من انسحاب جيش الاحتلال الإسرائيلي من جنوب لبنان في جنح الظلام.
كان لبنان في ذلك الوقت أيقونة الوطن العربي وأحد رموز فخره وعزته.
صور الزعيم جمال عبد الناصر إلى جانب صور الشهداء وزعماء التحرر الوطني في العالم أجمع كانت تزين الميادين والشوارع وعلي مرتفعات الجبال، التي يفوح منها عطر الشموخ والنصر وتموج بالأمل في مستقبل واعد يحقق طموحات جيل الانتصارات.
بدت بيروت وقتها عاصمة للثقافة والفن والحراك السياسي الفعال، ونواة لانطلاق مشروع عروبي جديد قد يحقق التئاما للجراح العربية التي تفاقمت بغزو الكويت واحتلال العراق. 
كان الشباب اللبناني وقتها الأكثر تفاؤلا وسط عشرات الشباب من الوفود العربية بالمهرجان، يعبر عن أحلامه بعفوية كما لو أنه امتلك مقومات حياة جديدة تؤهله لصياغة مستقبل أكثر إشراقا لبيروت التي حلموا بها مركزا لحضارة عربية.
التفاؤل، كما أشجار الأرز على الحبال، كان يغطي كل مكان من بيروت وطرابلس إلى جونية وبعلبك ومن صور وصيدا إلى بنت جبيل وبعبدا.
كان الشباب اللبناني المتحمس الذي صار من بينهم اليوم أعضاء بمجلس النواب ووزراء، يؤمنون أن بلدهم في مرحلة تاريخية مهمة، وأن الانتصار نقطة جوهرية لتحقيق أهداف إستراتيجية للأمة العربية، وأن العدو الصهيوني المغتصب لفلسطين يشكل أكبر التحديات في وجه المشروع القومي العربي، وبالتالي لا بد من تحقيق أهدافه الإستراتيجية في النهوض بالتعليم والصحة وتحقيق النمو الاقتصادي الحقيقي قبل المواجهة الفاصلة مع العدو.
كان هؤلاء الشباب على علم كامل بأن الاحتلال وأعوانه في كل مكان يخططون لقتل حلمهم مرة بالقصف والحرق والتدمير وألف مرة بسياسة "المحاصصة" التي تفرض على البلاد فراغا سياسيا بين الحين والآخر، ما جعل منها دولة رخوة غير قادرة على تحقيق حلم شبابها.
لكن الشباب اللبناني لم يكن يعلم وقتها أن فساد بعض النخبة سيقضي على كامل الحلم بحرق بيروت وهدمها على رؤوس الحالمين.
هؤلاء الشباب الذين أجزم أنهم لم يكن واحد منهم ممن طالبوا الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بعودة الانتداب الفرنسى، رغم الدمار النفسي الذي أصابهم ورغم انسداد كافة الطرق السياسية أمامهم لتحقيق الحلم اللبناني، حتى قبل أن يخيم الخراب على بيروت.
من حق الشباب أن يثور على الفاسدين وأن يعلن غضبته في وجه السياسيين الذين أخفقوا طوال سنوات في اقتلاع أشجار الفساد، ولكن من حقنا كعرب أن نطالب الجميع بأن يحافظ على ما تبقي من لبنان.
وإذا كان لبنان في حاجة اليوم إلى المساعدات المادية، وفي أمس الحاجة إلى المساعدات الإنسانية والطبية، فإن لبنان اليوم أحوج إلى الدعم المعنوي والسياسي ‏لتتمكن بيروت من اقتلاع الفساد الذي اغتال حلم جيل بأكمله.. جيل كان يحلم بثراء وطن ومجد أمة فأورثوه الفقر.