الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

تقارير وتحقيقات

القاهرة تؤكد رفضها الملء الأحادى لسد النهضة.. وزير الري: المفاوضات لم تحقق تقدمًا.. ومواقف أديس أبابا متعنتة قانونيًا وفنيًا.. هاني رسلان: إثيوبيا تريد التحكم المنفرد في مياه النهر

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
يوصف سد النهضة، بـ"التهديد الوجودي" لمستقبل مصر المائى، حيث إن مصر تعتمد بشكل أساسى على مياه نهر النيل في تلبية ٩٥ ٪ من احتياجاتها المائية، فتحصل سنويا على حصة من مياه النيل تقدر بـ ٥٥ ونصف مليار متر مكعب، وقد تؤثر عملية ملء السد على حصتها من المياه، ففى السنوات التى يكون فيها معدل الأمطار عاديا أو فوق المتوسط لا يتوقع أن تكون هناك مشكلة، ولكن القلق بشأن ما قد يحدث خلال فترات الجفاف التى قد تستمر لسنوات.
أما عن إثيوبيا فإنها تقول إن السد، إذا جرى تشغيله بكامل طاقته، سيكون المحطة الأكبر أفريقيا لتوليد الكهرباء، وسيوفر الطاقة لـ ٦٥ مليون إثيوبى، وبالتالى فهو ضرورى لنمو البلاد اقتصاديا، بحسب تأكيدات المسئولين الإثيوبيين، ولكى يتحقق الغرض منه، تحتاج إثيوبيا لملء خزان السد بـ ٧٤ مليار متر مكعب من المياه.


وصرح الدكتور محمد عبدالعاطى، وزير الموارد المائية والرى، في أعقاب انتهاء اجتماع وزراء المياه في مصر والسودان وإثيوبيا حول سد النهضة الإثيوبى والذى عقد الأربعاء ١٧ يونيو ٢٠٢٠، أن مفاوضات سد النهضة التى أجريت على مدى الفترة الماضية لم تحقق تقدمًا يذكر، وذلك بسبب المواقف الإثيوبية المتعنتة على الجانبين الفنى والقانونى، حيث رفضت أديس أبابا خلال مناقشة الجوانب القانونية أن تقوم الدول الثلاث بإبرام اتفاقية ملزمة وفق القانون الدولى، وتمسكت بالتوصل إلى مجرد قواعد إرشادية يمكن لإثيوبيا تعديلها بشكل منفرد.
كما سعت إثيوبيا إلى الحصول على حق مطلق في إقامة المشروعات في أعالى النيل الأزرق، فضلًا عن رفضها الموافقة على أن يتضمن اتفاق سد النهضة آلية قانونية ملزمة لفض النزاعات، كما اعترضت إثيوبيا على تضمين الاتفاق إجراءات ذات فعالية لمجابهة الجفاف.
كما ذكر وزير الرى، أنه رغم طول أمد المفاوضات على مدى ما يقرب من عقد كامل، إلا أن مصر انخرطت في جولة المفاوضات الأخيرة التى دعا إليها السودان الشقيق بحسن نية، سعيا منه لاستنفاد واستكشاف كل السبل المتاحة للتوصل إلى اتفاق عادل ومتوازن حول سد النهضة، بما يؤمن لإثيوبيا تحقيق أهدافها التنموية من هذا المشروع، مع الحد، في الوقت ذاته، من الآثار السلبية والأضرار التى قد يلحقها هذا السد على دولتى المصب، ولكن للأسف، استمرت إثيوبيا في مواقفها المتشددة. واعترضت إثيوبيا في ختام اجتماعات وزراء الرى على اقتراح بأن تتم إحالة الأمر إلى رؤساء وزراء الدول الثلاث كفرصة أخيرة للنظر في أسباب تعثر المفاوضات والبحث عن حلول للقضايا محل الخلاف، ما أدى إلى إنهاء المفاوضات. واختتم الدكتور محمد عبدالعاطى وزير الموارد المائية والرى المصرى تصريحاته بالإعراب عن التقدير العميق لمبادرة جمهورية السودان الشقيق للدعوة لهذه الاجتماعات ومساعيه الجادة لدعم المفاوضات بهدف التوصل إلى اتفاق.


اتفاق قانونى ملزم
ومنذ انطلاق مفاوضات سد النهضة قبل نحو عقد، أى منذ بدء بناء السد عام ٢٠١١، تطالب مصر والسودان باتفاق قانونى ملزم يشمل النص على قواعد أمان السد، وملئه في أوقات الجفاف، ونظام التشغيل، وآلية فض النزاعات، كما يصاغ اتفاق بشأن أوجه التعاون لتحقيق طموحات الشعوب الثلاثة، بينما تتمسك إثيوبيا بالتوقيع على قواعد لملء السد وتشغيله يمكن تغييرها مستقبلا بمجرد الإخطار، ودون اشتراط موافقة مصر والسودان، كما ترفض إثيوبيا التقيد بمرور كمية معينة من المياه بعد انتهاء ملء الخزان وتشغيل السد.
وبخصوص فترة ملء الخزان، ترى مصر أنه يجب ألا تقل عن سبع سنوات، ويكون الملء في موسم الفيضانات فقط، في حين تريد إثيوبيا ملء السد خلال ثلاث سنوات، ويستمر الملء طوال العام.
وقد أخفقت مصر وإثيوبيا والسودان في التوصل لاتفاق حول هذه النقاط مرات عديدة، آخرها كان في محادثات استضافها الاتحاد الأفريقي.
قال الدكتور هانى رسلان، مؤسس وحدة دراسات السودان وحوض النيل بمركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية، إنه عقب فشل آخر جولة من المفاوضات بشأن سد النهضة، تأكد بشكل نهائى أن إثيوبيا لا تريد أى اتفاق، بل تعتبر كل ما يتم الاتفاق عليه في الملء أو التشغيل أو الجفاف أو أى قضية مطروحة، هو مجرد خطوط استرشادية ولها الحق في تعديلها أو إلغائها بشكل كامل في أحوال معينة.
وأكد رسلان في تصريحات خاصة لـ"البوابة نيوز" أن إثيوبيا تدفع المنطقة إلى حافة الهاوية، حيث دأب الاثيوبيون على إطلاق الأكاذيب، ففى السابق كانوا يؤكدون في مئات التصريحات الرسمية أن السد فقط لتوليد الطاقة، وأنه لن ينقص كوب ماء واحد من تدفقات النهر، وبعد أن اقترب البناء يطلقون الآن أكاذيب جديدة ويطرحون مواقف جديدة، وهى أنهم يريدون التحكم المنفرد في مياه النهر دون أى التزام على عاتقهم مع التحول إلى المحاصصة.
اتفاقيات سابقة
تستند مصر والسودان في موقفهما بشأن سد النهضة إلى اتفاقيتى ١٩٢٩ و١٩٥٩، إذ أقرت الحكومة البريطانية في اتفاقية ١٩٢٩ بـ "حق مصر الطبيعى والتاريخى في مياه النيل"، وتمنح هذه المعاهدة مصر حق النقض "فيتو" على أى مشروع يقام على مجرى النيل.
ثم في عام ١٩٥٩، أبرمت مصر والسودان اتفاقا حول تقاسم موارد النيل، في حين ترفض إثيوبيا الاعتراف بهذه الاتفاقيات، باعتبار أنها أبرمت دون تدخلها.
وفى حال فشل المفاوضات، سيكون أمام الاتحاد الأفريقي خياران، إما تحويل القضية إلى إحدى اللجان الخاصة التابعة للاتحاد لاستمرار التفاوض، كلجنة الأمن والسلم أو لجنة الحكماء.
أما الخيار الثانى، فهو إحالة القضية إلى مجلس الأمن الدولى، حيث يمكن للمجلس نقل تعامله مع الأزمة من الفصل السادس من ميثاق الأمم المتحدة إلى الفصل السابع، ليطالب إثيوبيا بوقف ملء السد لحين توقيع اتفاق، كما يمكن أن يحيل القضية إلى محكمة العدل الدولية.
وأرسلت مصر يوم ٥ أغسطس ٢٠٢٠ خطابًا إلى دولة جنوب أفريقيا، بصفتها الرئيس الحالى للاتحاد الأفريقي حيث تضمن الخطاب تأكيد رفض مصر الملء الأحادى الذى قامت به إثيوبيا في ٢٢ يوليو ٢٠٢٠، وكذلك رفض ما ورد في الخطاب الأخير الموجه من وزير المياه الإثيوبى إلى نظرائه في مصر والسودان والمؤرخ بتاريخ ٤ أغسطس ٢٠٢٠ والذى تضمن مقترحًا مخالفًا للتوجيه الصادر عن قمة هيئة مكتب الاتحاد الأفريقي في ٢١ يوليو ٢٠٢٠ والتى أكدت على ضرورة التوصل إلى اتفاق ملزم قانونا وليس مجرد إرشادات وقواعد حول ملء سد النهضة، عقدت اللجنة الدائمة لإيراد نهر النيل في مصر، اجتماعا لمتابعة الموقف المائى وتوفير الاحتياجات المائية، وما يتطلبه ذلك من تنفيذ آليات إدارة وتوزيع المياه بحيث تفى بأغراض الاستخدامات المختلفة.


وقالت وزارة الموارد المائية والرى المصرية، في بيان صدر عنها، "إن الاجتماع تابع موقف الفيضان لهذا العام، والإجراءات المتخذة للتعامل معه، واستعراض خطط الاستفادة من الموارد المائية المتاحة بالشكل الأمثل حاليًا ومستقبلًا، كما تم خلال الاجتماع استعراض موقف التنبؤ بموسم الفيضان، وأضافت أن البيانات أشارت إلى أن معدلات الأمطار في تزايد على منابع النيل، وأنه من المبكر الحكم على فيضان هذا العام".
وأضافت أن "اللجنة استعرضت مناسيب محطات القياس الرئيسية على منابع النيل، ومدى تأثرها بالإجراء الأحادى لإثيوبيا بالتخزين الأولى لسد النهضة، ومناسيب وتصرفات السد العالى بما يسهم في توفير الاحتياجات المائية، وأنه تمت مناقشة كل احتمالات الفيضان، وآليات إدارته والخطط الموضوعة للتعامل معه بما يُعظم الاستفادة من الموارد المائية بالشكل الأمثل".
موقف السودان
من جانبه بعث وزير الرى والموارد المائية السودانى ياسر عباس، خطابا إلى وزيرة العلاقات الخارجية والتعاون الدولى في جنوب أفريقيا، بشأن التطورات التى شهدها الموقف الإثيوبى من عملية التفاوض في الساعات القليلة الماضية. واعتبر عباس، في تصريحات نقلتها وكالة السودان للأنباء، أن الرسالة الأخيرة التى تلقاها من نظيره الإثيوبى، تثير مخاوف جدية فيما يتعلق بمسيرة المفاوضات الحالية والتقدم الذى تحقق والتفاهمات التى تم التوصل إليها بما في ذلك تلك التى شملها التقرير الأخير لمكتب مجلس رؤساء دول وحكومات الاتحاد الأفريقي في ٢١ يوليو الماضي. ويقترح الخطاب الإثيوبى أن يكون الاتفاق على الملء الأول فقط لسد النهضة، بينما يربط اتفاق تشغيل السد على المدى البعيد بالتوصل لمعاهدة شاملة بشأن مياه النيل الأزرق.
واعتبر وزير الرى السودانى، أن ذلك يمثل تطورا كبيرا وتغييرا في الموقف الإثيوبى يهدد استمرارية مسيرة المفاوضات التى يقودها الاتحاد الأفريقي، كما اعتبر ذلك خروجا على إعلان المبادئ الموقع بين مصر وإثيوبيا والسودان في ٢٣ مارس ٢٠١٥.
وشدد وزير الرى والموارد المائية على جدية المخاطر التى يمثلها السد للسودان وشعبه بما في ذلك المخاطر البيئية والاجتماعية وعلى سلامة الملايين من السكان المقيمين على ضفاف النيل الأزرق، وكذلك على سلامة سد الروصيرص؛ الأمر الذى يعزز ضرورة التوصل لاتفاق شامل يغطى جانبى الملء والتشغيل.