السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

تقارير وتحقيقات

سد النهضة.. 16 جولة من التعنت والمراوغة الإثيوبية تنتهي بتعليق المفاوضات.. أديس أبابا تصمم على الإجراءات الأحادية.. وخبراء: التجميد خطوة لإعادة التقييم

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
16 جولة من المفاوضات على مدى سنوات بين مصر والسودان وإثيوبيا لتسوية خلافات سد النهضة، دون نتائج ملموسة.

وشملت المفاوضات، 10 جولات رئيسية و6 جولات تفاوضية في المسارين الفنى والقانوني، إلى جانب اجتماعات المراقبين مع وفود الدول الثلاث، خلال المفاوضات التى جرت مرة برعاية أمريكية ومشاركة البنك الدولي، ومرة برعاية الاتحاد الأفريقي، تحت سمع وبصر العالم، ولم تحرك إثيوبيا ساكنا تجاه التسوية العادلة مع دولتى المصب، بل لجأت إلى إجراءات أحادية بملء بحيرة السد في تحدٍ واضح لمختلف القوانين والأعراف الدولية. 


التعنت الإثيوبى الذى وصل إلى حد الغرور، أجبر مصر والسودان على تعليق جولة المفاوضات الأخيرة للتشاور، فقد أعلنت مصر تعليق مفاوضات سد النهضة مؤكدةً أن إثيوبيا لم تقدم أى قواعد لتشغيل السد.

وتأتى جول المفاوضات الحالية بناء على مخرجات القمة الأفريقية المصغرة، التى عُقدت 21 يوليو الماضي، فقد عُقد الاجتماع الثالث للجولة الثانية للدول الثلاث برعاية الاتحاد الأفريقي وبحضور المراقبين من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، وخبراء مفوضية الاتحاد الأفريقي، وذلك استكمالًا للمفاوضات للوصول إلى اتفاق ملزم بخصوص ملء وتشغيل السد.

وقال محللون وخبراء، إن الموقف الإثيوبى الحالى في مفاوضات سد النهضة، يعد استمرارًا للمراوغات والاستفزازات المضللة، وأن دعم الدول العربية خاصة الفاعلة في أفريقيا مهم جدًا في هذه الفترة.

وبحسب بيان وزارة الرى والموارد المائية، فإن اجتماع ٤ و٥ أغسطس كان في إطار ما تم التوافق عليه خلال اجتماع وزراء المياه من الدول الثلاث، وأنه كان مخصصًا لقيام اللجان الفنية والقانونية بمناقشة النقاط الخلافية الخاصة باتفاقية ملء وتشغيل سد النهضة.

وتُضيف الوزارة في بيانها، أنه قبل موعد عقد الاجتماع مباشرة، وجه وزير المياه الإثيوبى خطابا لنظرائه في كل من مصر والسودان مرفقًا به مسودة خطوط إرشادية وقواعد ملء سد النهضة، لا تتضمن أى قواعد للتشغيل، ولا أى عناصر تعكس الإلزامية القانونية للاتفاق، فضلًا عن عدم وجود آلية قانونية لفض النزاعات.وأكدت وزارة الري، أن الخطاب الإثيوبى جاء خلافًا لما تم التوافق عليه في الاجتماع برئاسة وزراء المياه، والذى خلص إلى ضرورة التركيز على حل النقاط الخلافية، لعرضها في اجتماع لاحق لوزراء المياه يوم ٦ أغسطس الجاري.

لذا طلبت مصر وكذلك السودان تعليق الاجتماعات لإجراء مشاورات داخلية بشأن الطرح الإثيوبى "الذى يُخالف ما تم الاتفاق عليه خلال قمة هيئة مكتب الاتحاد الأفريقي، وكذلك نتائج اجتماع وزراء المياه"، حسب بيان الخارجية المصرية.

من جهة أخرى، أرسل ياسر عباس، وزير الرى والموارد المائية، خطابًا إلى وزيرة العلاقات الخارجية والتعاون الدولى في جنوب أفريقيا بشأن "التطورات التى شهدها الموقف الإثيوبى من عملية التفاوض في الساعات القليلة الماضية".
واعتبر الوزير أن الرسالة التى تلقاها من نظيره الإثيوبي، الثلاثاء، "تثير مخاوف جدية فيما يتعلق بمسيرة المفاوضات الحالية والتقدم الذى تحقق والتفاهمات التى تم التوصل إليها".
وأضاف: "الخطاب الإثيوبى يقترح أن يكون الاتفاق على الملء الأول فقط لسد النهضة، بينما يربط اتفاق تشغيل السد على المدى البعيد بالتوصل لمعاهدة شاملة بشأن مياه النيل الأزرق". واعتبر وزير الرى والموارد المائية السودانى ذلك "تطورًا كبيرًا وتغييرًا في الموقف الإثيوبى يهدد استمرارية مسيرة المفاوضات التى يقودها الاتحاد الأفريقي". كما رأى أنه "خروج على إعلان المبادئ الموقع بين مصر وإثيوبيا والسودان في ٢٠١٥".


استمرار المراوغة الإثيوبية

ويقول الدكتور مساعد عبدالعاطى، عضو الجمعية المصرية للقانون الدولي، إنه بحسب الجدول الزمنى وخارطة المفاوضات التى تمت صياغتها بين الدول الثلاث، فإنه كان من المقرر أن يُعلن الخميس ٦ أغسطس النتائج النهائية لجولة المفاوضات الحالية، إلا أن الجانبين المصرى والسودانى تفاجآ بوزير الرى الإثيوبى يقم مقترحًا عبارة عن خطوط إرشادية "توجيهية" غير ملزمة، لا تلزم إثيوبيا بنقاط وبنود واضحة سواء على الجانب الفنى أو القانوني.ويُتابع عبدالعاطي، أنه أيضًا لم يتضمن المقترح الإثيوبى آلية لتسوية المنازعات بين الدول، وهذا يخالف ما تم التوافق عليه قبل يومين من نفس جولة المفاوضات، لذا قامت مصر بتعليق المفاوضات بغرض إجراء مشاورات داخلية مع القيادات السياسية، لتقييم الموقف الإثيوبي.
ويُوضح عضو الجمعية المصرية للقانون الدولي، أن الموقف الإثيوبى يعد استمرارًا "للمراوغات" وللتعسف الإثيوبي، مشيرًا إلى أن الأمر لم يقتصر على مصر، لكن أيضًا قدم وزير الرى السودانى احتجاجًا إلى جنوب أفريقيا باعتبارها راعى جولة المفاوضات الحالية.
ويُكمل، بأن الاحتجاج السودانى اعتبر الموقف الإثيوبى مضللًا ومستفزًا، لأن إثيوبيا قامت بالملء الانفرادى لخزان سد النهضة، إضافة لأنها لا تلتزم بخارطة الطريق والجدول الزمنى المتفق عليه بين الدول الثلاث.
ويرى عبدالعاطي، أن تعليق المفاوضات خطوة كان يجب أن يقوم بها المفاوض المصرى لإعادة تقييم عملية التفاوض، لاتخاذ القرار المناسب ومن ثم الرد على التصرف الإثيوبى الانفرادي، معتبرًا موقف جنوب أفريقيا غير واضح في ظل صمتها إزاء ما يحدث من إثيوبيا.
ويُشير إلى أنه كان لا بد لجنوب أفريقيا أن يكون صوتها مسموعًا لحل وإدارة الصراع بدلًا من موقفها غير المبرر حاليًا، وأن إعلان وزير الرى الإثيوبى عدم التزامه بقواعد ملء وتشغيل محددة، يعدّ مخالفًا للقانون الدولى وميثاق الأمم المتحدة، وأنه يعكس عدم وجود إرادة حقيقية من إثيوبيا للتوصل إلى اتفاق، بل إنه حتى الصياغة القانونية التى قدمتها إثيوبيا جاءت إرشادية غير ملزمة.
وبالتالي، فإن الدور حاليًا ملقى على جنوب أفريقيا باعتبارها راعية المفاوضات بالتنسيق مع مجلس الأمن الدولي، ويجب أن تلعب دورًا أكبر من ذلك، وأن يتم رفع تقرير بملابسات هذه المفاوضات مشتملة أوجه التعسف الإثيوبي، حتى يتم رفع هذا التقرير إلى مجلس الأمن باعتباره مراقبًا لهذه المفاوضات، بحسب عضو الجمعية المصرية للقانون الدولي.
ويقول، إنه في حال أخفقت المفاوضات وظل الموقف كما هو الآن، فإنه على مصر العودة إلى مجلس الأمن والدفاع عن حقها بقوة أكبر ورفع تقرير من جانبها بكل أوجه التعسف الإثيوبي، وذلك لإجبار إثيوبيا على الانصياع والعودة مرة أخرى للمفاوضات.ويُضيف، أنه على مصر والسودان تقديم كل الدفوع القانونية إزاء الموقف الإثيوبي، وذلك لإثبات قيامهم بكل ما يلزم لتقديم سبل المفاوضات وإنهاء حالة الصراع، إلا أن الجانب الإثيوبى مصرّ على غلق الطريق أمام أى تسوية عادلة، وأن مصر تضع كل هذا أمام مجلس الأمن الدولي.ويُشير إلى أن مجلس الأمن أعلن متابعته لمجريات النزاع ورعاية جنوب أفريقيا للمفاوضات تحت رعاية ألمانيا باعتبارها الرئيس الحالى لجلسات مجلس الأمن الدولى خلال شهر يوليو الماضي، لافتًا إلى أنه لا بد من تضامن كل الدول العربية مع مصر والسودان خاصة الدول الخليجية صاحبة الاستثمارات في إثيوبيا والدول الفاعلة في القارة الأفريقية مثل الجزائر وتونس، ذلك لأن الدعم العربى مهم جدًا في الوقت الحالي.


مضيعة للوقت 

ترى الدكتورة أمانى الطويل، مدير البرنامج الأفريقي بمركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية، أن الموقف المصرى بتعليق المفاوضات يأتى في ضوء عدم التزام الجانب الإثيوبى بالجدول الزمنى للمفاوضات المتفق عليها خلال اجتماع وزراء المياه في الدول الثلاث.
وتقول، إنه في حال أصرت إثيوبيا على موقفها المتعنت خلال جولة المفاوضات الحالية، فإنه من المتوقع أن تعود مصر مرة أخرى إلى مجلس الأمن، خاصة أنه مفتاح مهم في يد مصر. وتلفت الطويل إلى أن سد النهضة من وجهة النظر الإثيوبية "مشروع سياسي"، وأن السبب وراء تعنت الموقف الإثيوبى وعدم تغييره سياسيًا وليس فنيًا، موضحةً أن التعويل على الاتحاد الأفريقي ورئيسه دولة جنوب أفريقيا، الذى مقره دولة إثيوبيا لن يصل بالمفاوضات إلى شيء.وتُشير مدير البرنامج الأفريقي بمركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية إلى أنه لاتوجد إرادة حقيقية لدى الجانب الإثيوبى للتوصل إلى اتفاق عادل ينهى أزمة السد، متابعةً أن مصر حرصت على احتواء الموقف الإثيوبي؛ على مدى تسع سنوات، وإعادة الجانب الإثيوبى لطاولة التفاوض. وتقول الطويل، إن مصر وضعت الإطار التفاوضى كأساس للتعامل مع ملف سد النهضة، اعتمدت فيه على الأطر الرسمية فقط، ولم تعتمد على أى أطر معاونة فيما يسمى بالمسار الثانى في الدبلوماسية من خلال الباحثين والمثقفين، موضحةً أن إثيوبيا تفعل الورقة المائية بشكل سياسى لدعم دورها الإقليمي؛ وبالتالى تحاول أن تصل إلى الانتهاء من مراحل ملء السد دون اتفاق.
وتختم حديثها، بأنه من غير المنتظر من المجتمع الدولى غير المتوازن "موقف إيجابي"، أو عادل في التعامل مع ملف سد النهضة، بسبب تقاطعات المصالح الدولية، لافتة إلى تربص بعض الأطراف مثل تركيا؛ ما يزيد الملف تشابكًا وتعقيدًا.