لا يمكن القول إن الموقف الأوروبي تجاه سياسات الرئيس التركي أردوغان العدوانية، انتقل من مرحلة التعبير عن القلق والإكتفاء بالتصريحات الدبلوماسية، إلى مرحلة الردع واتخاذ إجراءات سياسية واقتصادية في مواجهة تلك السياسات التي هددت أمن ومصالح دول وشعوب المجموعة الأوروبية.
لقد ظلت العلاقات الأوربية مع النظام التركي أسيرة للفكرة التي روجت لها السياسة الخارجية الأمريكية إبان الحرب الباردة، بأن تركيا بعضويتها في حلف شمال الأطلنطي جبهة متقدمة للحلف في الشرق الأوسط وعلي الحدود مع روسيا ودوّل البلطيق، وأضافت واشنطن وبعض الدول الأوربية فكرة أخري عقب وصول حزب اردوغان للحكم، بأن ذلك يمكن ان يكون وجهًا معتدلًا للإسلام السياسي وهو أمر روج له إعلام وجماعات مؤيدة لأردوغان لتجميل صورتة وإخفاء وجهه الفاشي المتطرف. ومع تباين مواقف الدول المؤثرة داخل المجموعة وبالإبتزاز السياسي الذي مارسه أردوغان على دول أوروبا، تارة بالمهاجرين، وأخري بالتهديد بتحريك الأقليات التركية لزعزعة الاستقرار الداخلي لها، ظلت المواقف الأوربية تراوح مكانها، ببعض تصريحات القلق، والغضب أحيانا، وهو ما أغري اردوغان على المضي في سياساته التي أخذت بعدًا تصادميًا مع مصالح دول أوروبا مثل اليونان وفرنسا وهددت التعايش الاجتماعي في دول مثل ألمانيا والنمسا وهولندا، وإتضح للإوروبيين حجم الخطر الذي يمثله.
وثمة مؤشرات مهمة تدل على أن دول المجموعة الأوربية قد ضاقت ذرعا ً بهذه السياسات، وتعالت الأصوات في البرلمان الاوروبي وفي وسائل الإعلام، وداخل المؤسسات السياسية والحزبية لدول المجموعة مطالبة باتخاذ موقف حاسم وجاد وعملي لحصار النظام التركي الذي أصبح خطرا ً على أوروبا والبحر المتوسط. فعقب التحرش التركي بالسفن الحربية الفرنسية في المتوسط أتخذت فرنسا إجراءات عملية سريعة بتوقيع عقوبات اقتصادية على النظام التركي، ومع الإصرار التركي على مواصلة التنقيب على الغاز في شرق المتوسط، معه تركيا لتعليق عمليات التنقيب، بل وإلغاء مناورة بحرية لها في المتوسط. بدورها أعلنت النمسا حظر دخول الأتراك لأراضيها وكانت هولندا قد سبقتها في هذا القرار بأيام.
يمكن القول في النهايةً ان هناك تطور مهم في الفهم الأوروبي لمخطط اردوغان، وعلي أوروبا أن تدركً أن مستقبل الحضارة الأوربية أصبح على المحك، ونعتقد أن أطماع السلطان العثمانلي لاتحتاج لمجرد القلق والغضب، بل لعمل أوروبي مشترك يواجه هذا السرطان العثماني الذي لا يقل خطورة عن وباء هتلر النازي، الذي نتصور أنه لا يزال قابعًا في الذاكرة الأوروبية!.
"البوابة"