الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

حقيقة الديون البريطانية لمصر الملكية

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
في كل مناسبة ناصرية، ومع كل ذكرى لثورة ٢٣ يوليو ١٩٥٢، يترحم البعض على مصر الملكية التي استدانت منها بريطانيا العظمي.
تلك الديون التي يقال أنها ٣ مليون جنيه إسترليني، بينما أجري عليها البعض عمليات حسابية بنكية مضروبة في أسعار الصرف وعدد السنين، حتى وصلت بين أيديهم إلى ٣٠ مليار جنيه، وفِي عمليات أكثر تعقيدا بالقياس مع أسعار اليوم وصلت على يد آخرين إلى ٢٧٠ مليار إسترليني.
المترحمون وأصحاب الحنين المفرط للحقبة الملكية، الذين يرددون الواقعة بوصفها دليلا على ازدهار الحياة ونعيمها قبل ثورة يوليو، قد لا يعرفون أن هذا الدين الذي أقرت به وزارة المستعمرات البريطانية في وثائقها، لم يكن أموالا مدفوعة نقدا، وإنما وفقا للاتفاقات البريطانية المصرية التي فرضت على مصر المحتلة أن تكون مسرحا للعمليات البريطانية في الحربين العالميتين الأولي والثانية بوصفها إحدي مستعمراتها، وألزمت الحكومة المصرية بتقديم كافة التسهيلات والمساعدات للقوات البريطانية، بما فيها حق استغلال الموانيء والمطارات والقواعد العسكرية واستخدام طرق المواصلات وخطوط البرق والتلغراف.
بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية كانت الديون البريطانية لمصر، عبارة عن مواد بترولية ومحاصيل زراعية وسلع غذائية استولت عليها انجلترا من الأسواق ومخازن الحكومة ومعسكرات الجيش المصري لإمداد جنودها بالطعام وتسيير مركباتها وآلياتها العسكرية طوال فترة الحرب، بالإضافة لخدمات لوجيستية ورسوم استخدام الطرق البرية والمرافق البحرية والموارد النفطية المصرية، وأعتقد أن ذلك لا يدعو للفخر مطلقا.
أما ما يثير الحزن، هو أن نفس مبلغ الدين كان يشمل تعويضات كان من المفترض أن تؤديها بريطانيا لأسر آلاف الجنود المصريين من الذين تم اقتيادهم بـ"الكرباج"، وساقهم الباشاوات مقيدين بالسلاسل للاشتراك في الحربين العالميتين وماتوا، دون أن يعرفوا سببا لهذه الحروب ودون أن يعرف أحد عنهم شيئًا.
هذه هي حقيقة الديون البريطانية لمصر الملكية، التي تنازل عنها الملك فؤاد واعتبرها هبة لبريطانيا العظمى، بحسب المصادر التاريخية الموثقة.
فوفقا لما نشرته جريدة الأهرام عام 1922، فإن المملكة المصرية تنازلت عن المبلغ الخاص بديون الحرب العالمية الأولي أثناء وجود المبعوث الملكي ملنر في القاهرة، والغريب في الأمر أن هذا التنازل جاء من ويليام برديناد البريطاني الجنسية، والذي كان يشغل منصب المستشار القانوني والمالي لوزارة عبد الخالق ثروت باشا، بموافقة رئيس الوزراء والملك.
لم تكن الديون دليلا على نعيم الحياة وازدهارها، تماما كما روايات البعض عن وجود البقال اليوناني والحلواني الفرنساوي والحلاق الإيطالي في مصر خلال ثلاثينيات القرن الماضي، فما هي إلا حواديت تسربت من قصور الباشاوات عبر الخدم، وتناقلوها مع الذين يتحسرون اليوم على "الموضة" التي كانت تظهر في القاهرة قبل أن تظهر في باريس ولندن.
كل محاولات تبييض وجه مصر الملكية بائسة، حيث كان الاقتصاد في معظمه تابعا للاحتكارات الأجنبية وفي يد ٢٠٠ عائلة تقريبا تمتلك الأرض الزراعية، وهي نفس العائلات التي امتلكت عددا من المصانع وبعض الشركات والمتاجر الكبرى.
بينما كان ٩٠٪؜ من الشعب المصري يعانون الفقر والأمية، إلى جانب الحفاء الذي استلزم مشروعا قوميا لمكافحته، لم يكن يستطيع التعامل مع البقال اليوناني ولا حتى المرور من أمام البواب السوداني.
هذا ما تؤكده كافة الدراسات والمراجع التاريخية، التي سجلت متوسط دخل الاسرة المصرية وقتها بأقل من عشرة جنيهات في العام.
المؤرخ الراحل د. رءوف عباس أشار في دراسته التي جاءت تحت عناون "الحركة الـوطنية في مصر 1918ـ1952" إلى نسبة المعدمين من سكان الريف والتي بلغت 76% عام 1937، وبلغت نسبتهم 80% من جملة السكان عام ١٩٥٢.
أكاذيب في مجملها جاءت طريفة حاول كثيرون خلعها على عصر الإقطاع، كالديمقراطية والرخاء وادخار منجم السكري للأجيال القادمة وغيرها من المغالطات التاريخية لغسل سمعة فاروق الأول والأخير.