الخميس 28 مارس 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

تقارير وتحقيقات

سد النهضة يفضح التنسيق بين آبى أحمد وأردوغان.. تحالف بين أنقرة وأديس أبابا ضد القاهرة بالتزامن مع الأزمة الليبية.. معارض إثيوبي: تركيا المستفيد الأكبر من سد النهضة.. وتفاصيل مؤامرة الحبشة والصليبيين

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
يقول أستاذ الصحافة العربية، الراحل محمد حسنين هيكل، فى كتابه «زيارة جديدة للتاريخ» إن «التاريخ ليس علم الماضى وحده، وإنما هو عن طريق استقراء قوانينه، علم الحاضر والمستقبل أيضا، أى أنه علم ما كان وما كائن وما سوف يكون».
وخلال الأسبوع الماضى، شهدت مصر لحظة مهمة من تاريخ المؤامرات التى تحاك ضدها، وهى التحالف بين الأتراك والإثيوبيين، الذى تزامن مع التصعيد فى الأزمة الليبية وحشد أنقرة للمرتزقة فى محيط سرت، بالإضافة إلى إعلان إثيوبيا البدء فى ملء سد النهضة، قبل التوصل إلى اتفاق مع مصر والسودان، لتتأكد المؤامرة التركية الإثيوبية ضد القاهرة.
إلا أن التاريخ يخبرنا أن تلك المؤامرة التى واجهتها مصر، لم تكن الأولى من نوعها حيث شهدت مصر نفس الأزمة إبان الحروب الصليبية التى شنها الغرب طمعا فى ثروات الشرق، حيث بحث قادة الحملات الصليبية على حليف لهم لضمان الانتصار على القاهرة ولم يجدوا أفضل من الحبشة، ونستعرض فى السطور التالية، تاريخ المؤامرتين «التركية والإثيوبية» و«الصليبية والحبشية» ضد «المحروسة».

جاء الموقف الأخير بين أديس أبابا وأنقرة، بعد سنوات من التنسيق العلنى والسرى للوصول إلى هدف واحد ألا وهو التضييق على القاهرة، وفى ١٥ يوليو الجارى، أعلن وزير المياه والرى الإثيوبى سيليشى بيكيلى البدء فى ملء سد النهضة، وأكد أن المرحلة الأولى، تقدر بنحو ٤.٩ مليار متر مكعب من المياه، وفقا لتصريحات نشرتها الإذاعة الإثيوبية، قبل أن يتراجع وينفى اتخاذ بلاده تلك الخطوة.
وفى اليوم التالى من ذلك التخبط الإثيوبى، ذهب مولاتو تيشومى فيرتو مبعوث رئيس الوزراء الإثيوبى آبى أحمد، إلى أنقرة، للقاء وزير الخارجية التركى مولود أوغلو.
وتزامن ذلك مع دفع تركيا بالمرتزقة والميليشيات الإرهابية، فى ليبيا، للقتال ضد الجيش الليبي، فى محاولة للسيطرة على الهلال النفطى بمدينتى سرت والجفرة، وهو الذى يطمح إليه الرئيس التركى رجب طيب أردوغان، بوضع يده على ثروات ليبيا النفطية، والوصول إلى سرت، فى تحد واضح لإرادة الليبيين، وتحذير الرئيس عبدالفتاح السيسي، بأن الاقتراب من سرت والجفرة خطا أحمر بالنسبة للجيش المصري، الذى فوضه البرلمان الليبى بالدفاع عن بلاد عمر المختار ضد الغزو التركى.

وقعت أنقرة وقعت اتفاقية دفاع مشتركة مع أديس أبابا فى مايو ٢٠١٣، ووافق عليها البرلمان الإثيوبى فى مارس ٢٠١٥، وتنص على تعزيز التعاون فى مجال الصناعات الدفاعية.
وأكد البيان الختامى لاتفاق الدفاع المشترك، على أن تنقل تركيا خبرتها فى بناء السدود وتساعد فى الدفاع عن سد النهضة ضد أى تهديد، مما يؤكد أن القاهرة تواجه مشروعًا تركيًا إثيوبيًا لإضعافها.
كما تعهدت تركيا، فى إطار تعاونها العسكرى مع إثيوبيا، بحماية بناء سد النهضه بواسطة رادارات تركية تستخدم للإنذار المبكر وتزويد إثيوبيا بنظام صواريخ تركية إسرائيلية مشتركة.
وتم التوقيع على الاتفاقية فى ٢٨ ديسمبر ٢٠١٦ فى أديس أبابا من قبل وزير الاقتصاد التركى آنذاك نيهات زيبكجى ووزير المناجم والبترول والغاز الطبيعى الإثيوبى.
كما يشمل الاتفاق التعاون الفنى فى مجال المعادن والبترول والغاز الطبيعى وتبادل الزيارات من قبل صناع السياسات والخبراء.

وقبل تولى الرئيس عبدالفتاح السيسى، الحكم كشف وزير الرى المصرى الأسبق محمد عبدالمطلب، عن وجود تنسيق تركى إثيوبى، بشأن سد النهضة فى تصريحات أدلى بها إثر عودته من أديس أبابا فى فبراير من عام ٢٠١٤ قائلا: «إن وزير الخارجية التركى أحمد داود أوغلو زار إثيوبيا وعرض عليهم «الخبرة التركية» فى بناء سد النهضة الذى يثير أزمة بين أديس أبابا والقاهرة»، وأضاف عبدالمطلب، ردا على سؤال بشان الأطراف التى تساعد إثيوبيا فى سد النهضة: «وارد.. أى حد مبيحبش مصر ممكن يكون فى المشهد.. وزير الخارجية التركى (أحمد داود أوغلو) قال لهم هأديكم الخبرة التركية.. النقطة المهمة اللى بأقولها لما تركيا بنت سد أتاتورك عطشت السوريين والعراقيين ونسيت خالص المواثيق الدولية.. أنا بأقول مصر ليست العراق ولا سوريا.. ولا إثيوبيا تركيا».
وجاء بيان دينا مفتى المتحدث بإسم الخارجية الإثيوبية آنذاك، تأكيدا لتصريحات «عبدالمطلب» قائلا: إن «إثيوبيا تتطلع إلى الاستفادة من خبرات تركيا فى كل المجالات، بما فيها مجال الرى والسدود».

وفى يناير ٢٠١٥ زار أردوغان، أديس أبابا لتوقيع عدة اتفاقيات مرتبطة بمشروع سد النهضة، من بينها اتفاقية تعاون فى مجال الطاقة ستتمثل فى توليد الكهرباء، وتوصيلها إلى بلدان الجوار، مما يجعل تركيا أكبر المستفيدين من بناء سد النهضة.
وكان المعارض الإثيوبى فى جبهة تحرير منطقة أوغادين، أحمد عبدالحميد، أكد أن الأتراك «يمثلون الوجهة الصهيونية فى أفريقيا، خاصة فى قضية بناء السد التى تدعمها إسرائيل لمحاربة مصر والسودان»، مضيفا «نعرف جميعا تحسن العلاقات التجارية بين تركيا وإسرائيل رغم تظاهر السلطات التركية بعدائها ضد إسرائيل».
وأشار عبدالحميد إلى أن الأتراك يساعدون الإثيوبيين على التحكم بالمنطقة عسكريا أولا ثم اقتصاديا ثانيا: لتنفيذ غرض إسرائيلى فى السيطرة على المنطقة للحصار على المنطقة العربية.
وبعد إعلان فشل الاتفاق حول دراسات «سد النهضة» الإثيوبى، نوفمبر ٢٠١٧ هرول رئيس الوزراء الإثيوبى السابق هايلى ماريام ديسالين، إلى الدوحة للقاء تميم بن حمد، بالتزامن مع وجود الرئيس التركى رجب طيب أردوغان، وجاء اللقاء الثلاثى، بعد أشهر قليلة من بدء المقاطعة العربية لقطر بسبب دعمها للتنظيمات الإرهابية.

مؤامرة الحبشة والصليبيين ضد مصر
أما المؤامرة التى تحالف فيها الأحباش مع الصليبيين ضد مصر، فقد رغب ملوك الغرب فى محو آثار حروب صلاح الدين الأيوبى، واستعادة بيت المقدس مرة أخرى من المسلمين، ولذلك دعا البابا أنوسنت الثالث فى عام ١١٩٨ إلى شن الحملة الصليبية الرابعة.
ويقول المؤرخ الدكتور سعيد عبدالفتاح عاشور فى كتابه «الحركة الصليبية ج٢» إن رأى الأمراء والملوك الصليبيين استقر على أن تكون مصر هى مقصد الحملة الرابعة.
ورغبت ممالك الغرب والصليبيين، فى تدبير حصار اقتصادى على مصر التى تعد بالنسبة لهم مفتاح بيت المقدس، ولكن لبلوغ هذا الهدف لا بد من سلوك طريقين؛ الأول هو البحث عن طريق مباشر غير طريق مصر، والثانى هو البحث عن حليف يساعد فى تضييق الخناق على مصر ويقول الدكتور سعيد عاشور فى كتابه «أضواء جديدة على الحروب الصليبية» فى الصفحة ٦٠ إن «... أما عن الاتجاه الثانى الخاص بالبحث عن حليف للصليبيين يساعدهم فى إحكام الحصار الاقتصادى على مصر عن طريق إغلاق البحر الأحمر من ناحية الجنوب، فإن الصليبيين لم يجدوا أفضل من الحبشة، وهى الدولة التى حكمها ملوك مسيحيين أمكن الاتفاق معهم على تطويق بلاد المسلمين فى الشرق الأدنى من ناحيتى الجنوب والشمال».
ويضيف «عاشور» فى كتابه الصادر فى أكتوبر ١٩٦٤ «لذلك حرصت البابوية على تقوية صلتها بالحبشة، فأرسلت الرسل والسفراء سنة ١٣٠٥ ثم سنة ١٣١٦ إلى ملوك الحبشة، كما أرسل ملك فرنسا سفارة إلى ملك الحبشة سنة ١٣٣٨».
ويشير عاشور «ويبدو أن هذه الاتصالات المتكررة بين الغرب الأوروبى من ناحية وملوك الحبشة المسيحيين من ناحية أخرى نجحت فى استثارة ملوك الحبشة ضد المسلمين وجذبهم داخل دائرة الحركة الصليبية، ومن ذلك أن ملك الحبشة لم يكد يسمع خبر إغارة بطرس لوزجنان على الإسكندرية سنة ١٣٦٥ حتى بادر إلى إعداد جيش ضخم، وأعلن أنه سيهاجم مصر من ناحية الجنوب، وبذلك يتم تطويقها اقتصاديا وحربيا، ولكن لم تلبث أن جاءت الأخبار إلى ملك الحبشة بانسحاب بطرس لوزجنان من الإسكندرية، وعندئذ عاد الأحباش إلى بلادهم بعد أن فقدوا كثيرا من رجالهم».
وأضاف المؤرخ المصرى أن «لم يكن ملوك الحبشة مجرد حلفاء للغرب الأوروبى الذى أراد حصار مصر وإنما بادر فى حياك المؤامرة بعدما أرسل إسحاق الأول رسوله إلى ملوك أوروبا لتدبير حملة ضد مصر ويقول عاشور «ومع ذلك فإن ملوك الحبشة لم يتخلوا عن فكرة حصار مصر ومهاجمتها من ناحية الجنوب، بدليل أن إسحاق الأول ملك الحبشة «١٤١٤-١٣٩٢» أراد القيام بحملة صليبية كبرى ضد مصر، فيدهمها من ناحية الجنوب، وأرسل ملوك أوروبا سنة ١٤٢٨ يدعوهم لمساعدته فى القيام بهجوم على مصر من ناحية الشمال».
ويلفت المؤرخ إلى أن «رسول الملك إسحاق إلى ملوك غرب أوروبا كان تاجرا فارسيا مسلما اسمه على نور الدين التبريزى، وقد نجح هذا الرسول الخائن فى إبلاغ رسالة ملك الحبشة إلى حكام الغرب الأوروبى، وتم الاتفاق فعلا على خطة مزدوجة لمهاجمة مصر من ناحيتى الجنوب والشامل، ولكن حدث عند عودة التبريزى بعد ذلك إلى الحبشة ن طريق مصر أن أكتشف أمره، فقتله السلطات برسباى، جراء خيانته».
وفيما يتعلق بفكرة استخدام نهر النيل سلاحا ضد مصر فيسرد المؤرخ فى مؤلفه كيف بزغت فكرة «تعطيش مصر» وخنقها اقتصاديا قائلا «نجح فاسكو دى جاما البرتغالى فى كشف طريق رأس الرجاء الصالح «١٤٩٧-١٤٩٩» فجاء ذلك ضربة قاضية على المكانة التجارية الفريدة التى ظلت دولة المماليك تتمتع بها، وفى الحرب التى نشبت بعد ذلك بين البرتغالين والمماليك، أسهمت دولة الحبشة بسهم وافر فى مساعدة البرتغاليين».
وأضاف «عاشور»: «والواقع أن الاتصالات الودية بين البرتغاليين والأحباش بدأت فعلا قبل اكتشاف طريق رأس الرجاء الصالح، ولكن هذه الاتصالات لم تقو إلا بعد اكتشاف الطريق فأرسلت هيلانة ملكة الحبشة مبعوثا فى سفارة سنة ١٥١٠ إلى ملك البرتغال لمفاوضته فى عقد اتفاقية ضد المماليك فى مصر». 
واختتم سرده لتفاصيل المؤامرة قائلا «وأخيرا، فإنه يلاحظ أن هذه المشروعات الصليبية الخاصة بالحصار الاقتصادى على مصر مصحوبة بفكرة أخرى طالما نادى بها دعاة الحروب الصليبية، هى تجويع مصر والقضاء على أهلها بتحويل مجرى نهر النيل فى الحبشة، وقد ظلت هذه الفكرة تراود عقول المتحمسين للحروب الصليبية حتى نهاية العصور الوسطى، فأرسل ألفونس ملك أرغونة إلى ملك الحبشة سنة ١٤٥٠ يطلب منه أن يعمل على تحويل مجرى النيل ومهاجمة مصر من ناحية الجنوب، فى الوقت الذى يقوم ألفونس بغزو بلاد الشام».
«ولما اشتد النزاع بين المماليك والبرتغاليين عقب كشف رأس الرجاء الصالح، أرسل البوكرك قائد الأسطول البرتغالي، إلى ملك البرتغال يطلب إمداده بعدد من العمال المدربين على قطع الصخور وحفر الأرض للعمل فورا على تحويل مجرى النيل، مما يدل على اعتقاد الأوروبيين، والأحباش جميعا فى إمكان تنفيذ ذلك المشروع».
وبعدما أنهى المؤرخ الدكتور سعيد عبدالفتاح عاشور سرد خيوط وجذور المؤامرة على مصر ونهر النيل علق على كل هذه المؤامرت قائلا «ومهما يكن من أمر، فإن الأيام سرعان ما أثبتت أن أوهام الصليبيين لم تكن إلا أضغاث أحلام، وأن فكرة الحصار الاقتصادى أو فكرة تحول مجرى النيل لم تنجح أمام قوة شعب يؤمن بالله ويؤمن بحقه فى حياة حرة كريمة».