الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

الأخبار

الأزهر: المتطرفون اليمينيون يستغلون مفهوم "الهُويَّة" لتبرير أفعالهم الإرهابيّة

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
رصدت وحدة رصد اللغة الألمانية بمرصد الأزهر لمكافحة التطرف، تقريرا عن التطرف اليميني حيث عادت جرائم اليمين المتطرف تطلّ علينا بقوة بعدما توارت جرائم التنظيمات الإرهابيّة، حتى فوجئنا بجريمة مقتل "جورج فلوريد"، التي جاءت ترجمة لعقيدة هذا الاتجاه الذي يؤمن بتفوق الأبيض على الأسود، ولم تكن تلك الجريمة وليدة اللحظة، بل امتدّت جذورها حتى ميلاد هذه العقيدة الفاسدة على يد النازيين ونظرائهم، ومن ثمَّ كان لزامًا علينا أن نلقي الضوء على هذه الظاهرة وأسبابها، وسبل علاجها.
وقال التقرير: "لا شكّ أن جزءًا كبيرًا من نَزعة التطرف المُتصاعدة تعمل على تأجيجها وتقف وراءها جهاتٌ مستفيدة من بقاء التطرف، وتعتمد على التزييف والتلاعب من خلال وسائل الإعلام ووسائل التواصل الحديثة، التي تعمل على التّعبئة والحشد والتمهيد، ومن ثمَّ فإنَّ جزءًا غير قليل من الخطاب الإعلاميّ الحالي يساهم في صناعة المشهد المتطرف في أوروبا والعالم".
ويرى كثير من الباحثين أن الإيديولوجيّة والقوة الدافعة وراء اليمين المتطرف الجديد في أوروبا والغرب وصعوده بقوة، كان عقب الهجوم الذي نفَّذه "تنظيم القاعدة" على برجي التجارة العالميين، كَردَّةِ فعلٍ عكسيّة تجاه المسلمين في أوروبا، ورأينا حركات ترفع شعارات القوميّة والفاشيّة، كما رأينا نشاطات بعض الجماعات اليمينية الإرهابيّة، التي قامت بالعديد من الهجمات عبر أوروبا مثل حركة "بيجيدا" وغيرها من الحركات اليمينية التي نفَّذت بعض العمليات الإرهابيّة ضد الأجانب، لا سيّما المسلمين، ثم جاءت الموجة الأخيرة من اللاّجئين بعد الأحداث التي شهدتها منطقة الشرق الأوسط، والتي استغلها اليمين المتطرف في زيادة موجة العداء ضد المسلمين، حتى استطاع اليمين المتطرف خلال الانتخابات الأخيرة في كثير من الدول الأوروبيّة أن يحقّق نتائج قويّة؛ بسبب رفضه لبقاء اللاّجئين، وإصراره على معاداة المهاجرين من خلال رفع شعار: «عِرقنا الأبيض» فوق الجميع. وربَّما يُذكِّرنا هذا الأمر بالحالة العامة قبل الحرب العالميّة الثانية؛ فقد أدَّت الأجواء قبل الحرب العالميّة إلى الصعود اللّافت لأحزاب اليمين المتطرف، الأمر الذي أشعل فتيل الحرب العالميّة الثانية.
سياسة الهُويَّة
وبين التقرير أن التطرف اليميني يستغل مفهوم "الهُويَّة" لتبرير أفعالهم الإرهابيّة، فبعدما تمَّ حظر دخول اللاّجئين من سبع دول عربيّة وإسلاميّة إلى الولايات المتحدة، دعا رئيس الوزراء الكنديّ آنذاك "جاستن ترودو" إلى الترحيب باللاّجئين في كندا، لكن لم تمض ساعات حتى قام متطرفون يمينيون بإطلاق النار على بعض المصلين في مدينة "كيبك" الكنديّة، ما أسفر عن مقتل أربعة من المسلمين، ليأتي هذا الحادث ردًّا على تصريحات رئيس الوزراء، وتنفيذًا للسياسة العدائيّة تجاه الإسلام والمسلمين. فـ "سياسة الهُويَّة" تهدف في المقام الأول إلى تقسيم العالم على أساس عرقيّ ودينيّ من خلال ترجمة مشاعر الخوف إلى سلوك عدوانيّ يهدف إلى القضاء على الأخضر واليابس.
وبالنسبة لـ "سياسة الهُويَّة لليمين المتطرف" في ألمانيا فإنَّ حركة "بيجيدا" (أوربيون وطنيون ضد أسلمة الغرب)، قد قامت في عام 2016 بمظاهرة شارك فيها ما يزيد عن 20000 مشارك للتحذير من خطر المسلمين على الهوية الأوروبيّة، وزعم مؤسس الحركة أن أوروبا استطاعت أن تلملم جراحها بعد الحربين العالميتين وتعود أقوي مما كانت، لكنها أمام خطر "الأسلمة" ستصبح صريعة لن تقاوم، حيث إن المسلمين -من وجهة نظرهم- يشكلون الخطر الرّئيس، ومعول الهدم المدمر، والذي لن يترك أوروبا حتى يجعلها جثة هامدة، ولذا يجب على الأوروبيين الوطنيين مقاومة الأسلمة، وصدُّ المسلمين عن هذا المُخطط.
وسائل الإعلام والخطاب العنصريّ الطائفيّ وأثره في قضية التطرف
التفتت الجماعات المتطرفة بكافة أشكالها إلى دور الإعلام في العصر الحالي سواء كان إيجابيًا أم سلبيًا، وسواء كان الإعلام التقليديّ أم الإعلام البديل، الذي أصبح يشكّل الركيزة الأساسيّة في العصر الحديث، والذي يعتمد على المشاركة والانتشار عبر شبكة الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعيّ ليتخطى حواجز الزمان والمكان والمراقبة، ويمكنه تجاوز حدود اللغة والثقافة، والذي يستخدمه فئة الشباب بالأخص؛ فهو الأكثر تأثيرًا في مخاطبة عقولهم ونفوسهم. ومن ثمَّ فقد استغلت الجماعات المتطرفة، مثل تنظيم "داعش" الإرهابيّ الشبكة العنكبوتيّة في تسويق نشاطاته عبر جميع المنافذ الإعلاميّة التقليديّة وغير التقليديّة من مدونات ومنتديات ومواقع إلكترونيّة وإذاعة ثابتة وإصدارات مرئيّة ومكتوبة بلغات عديدة مثل العربيّة والإنجليزيّة والفرنسيّة والتركيّة والشيشانيّة والكرديّة. وكان لهذا السلاح الإعلاميّ أثر واضح في معارك التنظيم، الأمر نفسه يصنعه اليمين المتطرف في أوروبا، ولذلك حذَّر المؤتمر الأخير لوزراء الداخليّة الألمان من الاستغلال الخاطئ للإنترنت من قبل الجماعات اليمينية المتطرفة.
الإسلاموفوبيا وعلاقتها بالتطرف
سيظل الدافع الأكبر وراء هجمات اليمين المتطرف هو ظاهرة "الإسلاموفوبيا"، حيث يتهم اليمينيون دائمًا المسلمين بأنهم بربريون، وأنهم ما جاءوا إلا لأسلمة أوروبا وتغيير هُويَّتها، ولعل السبب الفاعل في انتشار ظاهرة التطرف بين اليمينيين والمنتمين للإسلام هو الكره المتبادل، وهو ما يظهر جليًّا في صفحات المنتمين لكلا التيارين، وأن أحدهما دائمًا ما يأتي كردَّة فعل للآخر، وخاصة في الفترة الأخيرة بعد ظهور تنظيم "داعش" الإرهابيّ، وهجمات ذئابه المنفردة على أوروبا.
أما "الغضب" الذي ينشأ نتيجة الشعور بالاغتراب، والذي يتم تأجيجه عن قصد، من منطلق الكراهية بسبب الاختلاف الطبيعيّ والإنسانيّ، يمكن أن ينشأ من أيدولوجيّة يمينية متطرفة أو غيرها؛ فبينما يعارض البعض "أسلمة الغرب" يتحرك آخرون ضد "تغريب الإسلام"، وهذا يؤدي في النهاية إلى "التطرف المتبادل"، كما هو معروف.
التطرف المتصاعد
هناك كثير من المتطرفين اليمينيين أصبحوا أكثر تطرفًا بمجرد تحول بعضهم للإسلام، على الرغم أنه قَبل إقدامهم على هذه الخطوة كانوا يدعون صراحةً إلى إبادة المسلمين ويتهمونهم بأبشع التُهم، لكن بعد اعتناقهم للإسلام انضموا لتنظيم "داعش" الإرهابيّ مباشرة، وأخذوا يدعون الشباب للانضمام لصفوف التنظيم، وبالنظر لهذه الخطوة نجد أن هؤلاء وجدوا في جرائم التنظيم الإرهابيّ ما يُشبع رغباتهم الانتقاميّة؛ لكونهم أصحاب نفوس منحرفة بالأساس، ويسعون إلى التطرف أيًّا كان اتجاهه، فالتطرف اليميني وتطرف بعض المنتمين للإسلام وجهان لعملة واحدة- كما أكد مرصد الأزهر مرارًا وتكرارًا في إصداراته-، كما يمارس الطرفان نفس الأساليب ونفس سياسة الاستقطاب من أجل تحويل المجتمعات إلى جماعات منقسمة متصارعة. وهناك قواسم مشتركة بين اليمين المتطرف وتنظيم "داعش" فعلى سبيل المثال، كلا الطرفين يميل إلى العيش في عالم ضيق، تهيمن عليه الكراهية التّامة والتعصب الأعمى ضد وجهات النظر الأخرى؛ فالمتطرفين اليمينيين أيضًا يعتبرون كل من يخالف وجهة نظرهم بمثابة خونة وأعداء، يجب قتلهم، ولذلك قام المتطرف اليميني "أندرياس بريفيك" في عام 2011 بقتل أعضاء في حزب سياسيّ بحجة سعيهم لتغيير المزيج العرقيّ في النرويج، وهكذا يلجأ الطرفان للعيش في مجتمعات موازية طائفيّة أو عنصريّة لا تقبل التعدّد ولا تعترف بحقوق الآخر التي تخالف معتقداته وأفكاره.
دور أوروبا والغرب في مواجهة جرائم اليمين المتطرف
لا يقتصر وجود اليمين المتطرف في الغرب بصفة عامة على بلد بعينه أو مدينة بعينها، إلا أن ألمانيا لها خصوصية في هذا الملف، فقد أعلنت الحكومة الألمانيّة الحرب على المتطرفين اليمينيين، وحقّقت كثيرًا من النتائج الإيجابيّة في هذا الأمر، ومنها حظر كثير من الحركات اليمينية وإخضاعها لمراقبة "هيئة الأمن القوميّ"، ومع ذلك فإن هناك تقارير تفيد بأن مازال هناك قصور في التحقيقات المتعلقة بقضايا اليمين المتطرف. ومن هذه التقارير نتائج المسح الذي أجرته إذاعة برلين ((BR وجنوب غرب ألمانيا(SWR) ونشره موقع "تاجس شو" بشأن الهجمات على مساكن إيواء طالبي اللّجوء، ففي الفترة من 2015 إلى 2018، سجلت السلطات الألمانيّة (2558) هجومًا بدوافع يمينية على مساكن إيواء طالبي اللّجوء. وتنوعت هذه الهجمات بين التفجيرات الخطيرة والحرق العمد، ومع ذلك فالقضايا التي صدرت بها أحكام تقدّر بـ 206 قضية، أي بنسبة أقل 10% من إجمالي القضايا. 
وفي السياق ذاته استحدثت وزارة الدفاع الألمانيّة وحدة لمكافحة التطرف (KFE) في أكتوبر 2019؛ بهدف استبعاد المتطرفين والمُدانين بارتكاب جرائم تخالف الدستور الألمانيّ من التسلّل إلى الجيش فضلًا عن عدم تدريبهم على استخدام الأسلحة أو سرقتها.
وبعد التطرق لخطر "اليمين المتطرف" نجد أن هناك حاجة ماسّة للخروج من الحلقة المُفرغة للتطرف الذي يتغذّى على الكراهية والخوف من الآخر ووقف وتيرته المتصاعدة، ومن أجل تحقيق ذلك يجب على وسائل الإعلام الالتزام بالحياديّة، وعدم تبنيها لأفكار المتطرفين الرّامية لتقسيم المجتمعات، مع ضرورة اعتماد الحوار بدلًا من المواجهة، والتضامن بدلًا من الكراهية؛ فهذا هو أحد الحلول لمعضلة التطرف. كما يجب إزالة الأحكام المسبقة والحكم على الأشخاص من خلال سلوكهم لا انتمائهم الديني؛ لأن هدف التطرف دائمًا يكمن في نزع إنسانيّة الإنسان، وتحويله إلى وحشٍ يُهدِّد المجتمع ويفترس المخالف تحت أيِّ مبرّر، وخلف أي ستار، سواء دينيّ أم عِرقيّ.