الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

البوابة القبطية

الأنبا بطرس فهيم يكتب: لا تخافوا ... خافوا

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
قال السيد المسيح: "يا أحبائي، لا تخافوا الذين يقتلون الجسد، ثم لا يقدرون أن يفعلوا شيئا. ولكني أدلكم على من يجب أن تخافوه: خافوا الذي له القدرة بعد القتل على أن يلقي في جهنم. أقول لكم: نعم، هذا خافوه" (لوقا 12 : 4 – 5).
الخوف شعور طبيعي، له فوائده وله أضراره. عادة ما نفكر أن الخوف هو أمر سيء وسلبي، فهو في الذهن البشري مرتبط بمواقف سلبية وانهزامية من الجبن والتخاذل. وهذا صحيح فإن الخوف من المشاعر الإنسانية السلبية والتي لا يحبها ويرفضها كثير من الناس. فالخوف كثيرا ما يربك الإنسان يجعله عاجزا عن التفكير والتصرف في مواقف الأزمات والمواقف المحرجة. وكثيرا ما يشل الإنسان عن الحركة والنمو والإبداع والانطلاق، فالخوف، في جانب منه هو، عدو الحياة ومعطل للإنتاج فالإنسان الخائف لا ينتج ولا يبدع ولا يتطور.
ولكن لا يجب أن ننسى أن الخوف له جانب إيجابي، فالخوف من الأمراض والأوبئة والأخطار يجعلنا نحافظ على الحياة. والخوف من الفشل يجعلنا نجتهد نثابر على النجاح. والخوف على السمعة والصورة الذاتية المشرفة يجعل الكثيرين يتجنبون الأخطاء والخطايا. والخوف من السجن يردع الكثيرين عن ارتكاب الجرائم. صحيح أن هذا ليس هو المبدأ المثالي، أن يكون الخوف من الخطر أو من العقاب هو سبب الحفاظ على الحياة الالتزام بالفضيلة، بل حب الله وحب الخير واحترام الحياة والقيم والرغبة في تحقيق الذات ومعها تحقيق ملكوت الله، ملكوت الخير والحب والسلام. ولكن بالنسبة للبعض هذا هو اقصى طموحهم، فمهم أن نتفهم موقفهم ونساعدهم على تطويره وتنمية فكرهم وأهدافهم.
من يدقق النظر في سلوك الناس اليوم يكتشف أن الناس تعيش وفق مشاعر ومعايير خاصة لا تتوافق مع ما قاله السيد المسيح وأوردناه في بداية هذا المقال.
فنلاحظ أولا أن الخوف يسيطر على حياة الناس بشكل مبالغ فيه، فهم يخافون من كل شيء ولأي سبب مهما كان سطحي أو تافه. فأصبح الخوف هو الشعور السائد على حياة الناس مما أربك الحياة والعلاقات وجعل التوتر هو الذي يحكم كل شيء؛ وبالتالي قل الهدوء والسلام والتركيز، ومعهم قل الإنتاج والإبداع والفرح.
ونلاحظ ثانيا أنهم يخافون أكثر، مما يجب أن يخافوه أقل أو لا يخافوا منه أساسا. فالناس يخافون من هزيمة النادي الرياضي الذي يشجعوه، وبسبب ذلك تقوم الصراعات والنزاعات ويقع الضحايا أحيانا، ويخافون من مرض عابر أو مرض خطير، ويخافون من كلام الناس الذي قد يؤثر على سمعتهم، حتى وإن كان كلام الناس هذا بلا أساس من الصحة. ويخافون من توجيهات المدير أو الرئيس في العمل ولكيلا يخصم أجر يوم أو يومين من المرتب. ويخافون أقل مما يجب أن يخافوا عليه أكثر، مثل مستقبل حياتهم وحياة أولادهم فنادرا ما تجد الذين يصرفون الوقت الكافي في مرافقة أولادهم في دراستهم وفي تنمية مواهبهم وفي التزامهم الروحي والديني. أو قليلا ما ترى الناس تصرف الكثير من الوقت والجهد والمال في مشروعات جوهرية كبيرة تعود عليهم بالفائدة الحقيقية وتطور من شخصياتهم ومن أسرهم، بينما يقضون الكثير من الوقت والمال في أمور لا تستحق كل ذلك مثل أوقات الترفيه والتسلية وإضاعة الوقت هباء، في مشاهدة المباريات الرياضية أو البرامج التافهة والخالية من المضمون والمحتوى، أو في مغامرات خطيرة أو سخيفة أحيانا أو مضرة أحيانا أخرى.
ونلاحظ ثالثا أنهم لا يخافون، تقريبا مطلقا، مما يجب أن يعتبروه أساسا ومقياسا لحياتهم وسلوكهم، وهو الحياة الأبدية في شركة المجد مع الله. وهذا ما قاله السيد المسيح له المجد في إنجيل لوقا وأوردناه في بداية المقال، قال أولا: يا أحبائي، هذه هي القاعدة والأساس الذي ينطلق منه ليطمئن السامعين. فالمحبوب لا يخاف. وكم بالحري حين يكون المحب هو الله القادر على كل شيء وكلي المحبة والرحمة والحنان. فكم يكون الإنسان واثقا ومطمئنا ومستريحا حين يعلم ويثق ويؤمن أن الله يحبه حبا لا يُقارَن ولا رجعة فيه. وبعد أن قال يا أحبائي لكي يعطي كل الثقة والاطمئنان اللازمين، قال: "لا تخافوا من اللذين يقتلون الجسد". وفي هذه العبارة لخص السيد المسيح كل أنواع الطمأنينة والأمان، من كل أنواع الخوف، مهما كانت مصادره، ومهما كانت شدته. فليس خوفا أشد، ولا خطر أقوى من خطر الموت والخوف من الموت، والموت قتلا بشكل خاص. فإذا كان السيد المسيح قد أمَّننا وطمأننا بقوله لا تخافوا من القتل، فهذا وعد بالنصرة على الموت الذي انجزه من أجلنا بصليبه وقيامته، وبقيامته فإن الموت قد مات. وما لنا الآن هو رجاء الحياة، بل ملء الحياة في الأبدية. ولذلك قال لنا إن كان يجب أن نخاف فيجب أن نخاف الله الذي له سلطان أن يلقي في جهنم، بعد الموت. والحقيقة أن الله ذاته لا يلقي أحد من أحبائه في جهنم، إنما هو اختيار الإنسان ذاته الذي يقوده إلى النهاية التي يختارها منذ حياته الأرضية، إما السماء والمجد إن عاش الإنسان في المحبة الكاملة لله وللناس، وإما في جهنم إن رفض المحبة لله وللناس، وعاش في الشر والأنانية والخطيئة والموت.
إن تعليم السيد المسيح هذا، إنما يعلمنا أن ننظم ونرتب حياتنا ومشاعرنا ومواقفنا وأولوياتنا، لنتعلم كيف نعيش، وماذا نعمل، وبماذا نهتم، ومما وممن نخاف وممن لا نخاف. وكيف أن الإيمان هو عمدة حياتنا وسندها وأمانها على قول أشعياء النبي "إن لم تؤمنوا فلا تأمنوا" (أش 7 : 9)، هذا الإيمان العامل بالمحبة (غلا 5 : 6، و يعقوب 2 : 22)، الذي يؤهلنا من هنا ومنذ الآن، لحياة أبناء الله التي تبدأ على الأرض وتكتمل في السماء.