الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ملفات خاصة

عبدالرحيم علي يكتب: من ذكريات اليوم العظيم 30 يونيو

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
يأتى الاحتفال بثورة يونيو هذا العام، ومصر تواجه تحديات أربعة، لولا ما فعله المصريون فى هذا اليوم العظيم ما كنا نستطيع أن نقف صامدين أمامها: تحدي التعطيش الآتي من الجنوب، وتحدي التقسيم الآتي من الغرب عبر الدفع بعشرات الآلاف من المرتزقة الإرهابيين والوصول بهم فى ساعات محدودة إلى مدن الدلتا، وتحدي الإرهاب الممول فى سيناء، وتحدي حروب الغاز في المتوسط.
تحديات لم يحدث لهذا الوطن أن واجهها مجتمعة قبل ذلك طوال تاريخه، ولكن صانع القرار الذى ساند وشارك فى ثورة يونيو كان يعي تلك التحديات جيدًا.. يعي أنها قادمة لا محالة، وأن هناك من يخطط لها بدقة فى دواليب بعضها إقليمي وبعضها دولي. ويعي أيضًا أنه يجب التجهيز لها لكي لا تباغتنا، فسلّح الجيش، وأنشأ القواعد العسكرية فى الغرب والجنوب، ووضع البحرية فى حالة تأهب فى المتوسط، واشترى لها الميسترال والرافال.. واحدة تحمل وواحدة تقاتل، إنهم رجال ٣٠ يونيو الذين لم يخونوا شعبهم طرفة عين ووضعوا بلادهم فى قلوبهم وعيونهم قبل أولادهم وأحفادهم.
وفى هذا التاريخ من كل عام، ٣٠ يونيو، يطلب مني أبنائي وزملائي وأصدقائي أن أروي لهم بعضًا من أسرار ما حدث فى تلك الثورة العظيمة ولم يرو بعد، والحقيقة فإن الذكريات دائمًا ما تتزاحم فى رأسى ولا أعرف من أين أبدأ.
هل أبدأ منذ حصولى على أوراق من أحد الأجهزة الأمنية فى اليوم الثانى لثورة يناير «السادس والعشرين من يناير ٢٠١١» تفيد تجسس مرسي العياط مع الأمريكان عبر رفيق دربه، ومدير مكتبه بعد ذلك، أحمد عبد العاطى، وتسجيل ذلك الجهاز لمكالمات تليفونية تربو على الخمس ساعات لمرسي العياط مع ضابط الاستخبارات الأمريكى الذى يتولى محطة تركيا، حيث كان يقطن أحمد عبد العاطى.
أم أن البداية الصحيحة تكون يوم ١٢-١٢-٢٠١٢ عندما تقدم مرسي العياط ببلاغ لنائبه العام يتهمنى بالتشهير بالرئيس طوال عام مضى متهما إياه بالجاسوسية، وعندما طلب منى المحامى العام أن «أكتب اعتذارا واتكل على الله لا أفتح فمى بهذا الموضوع مرة أخرى». قلت له: «لقد جئت مبلغا عن رئيس جاسوس وأطالبك بالتحقيق معي وهذه مستنداتي".
صعق الرجل وتركنى فى مكتبه ثلاث ساعات، وعاد إليّ مبتسما وبصحبته النائب العام ليبث إليّ بشرى سيئة، ولكنه قبل أن يقول لى: إن هناك مفاجأة تنتظرنى، قلت له مباغتا: «انت تقصد بالتأكيد أن الأجهزة الأمنية الثلاث التى راسلتهم لتسألهم عن حقيقة تلك الأوراق التى معى والتى تشير إلى تخابر مرسي العياط فى ٢٢ يناير ٢٠١١ مع مخابرات دولة أجنبية قد أخبروك بالفاكس الآن أنه لا صحة لها، وأنهم لا يملكون أية أصول تثبت صحتها». 
ساعتها، صُعِقَ الرجل فكيف لى وأنا متهم، ومبلغ فى آنٍ واحد، أن أعرف شيئا حدث للتو، ولا يعلم به غير النائب العام والمحامى العام الذى يتولى التحقيق، لكننى قلت له بالحرف: «تذكر يا سيادة المستشار أن هذه بلادنا وأن الحكام يأتون ويذهبون، ونبقى نحن الملاك الحقيقيين لتلك الأرض، وأننا سننتصر فى النهاية رغم تلك الأوراق التي بيديك، وسوف تعيد ذات الأجهزة إرسال الأوراق الحقيقية فى وقتها». 
أما كيف عرفت محتوى ما بيد المحامى العام من فاكسات وقتها، فتلك قصة تستحق أن نبدأ بها حكاياتنا عن ٣٠ يونيو فى يوم ما.
لم ينتابنى شعور بالخذلان قط.. كنت أعرف، ولا زلت، أن للحكومات ضروراتها وللشعوب خياراتها، فالسياسى له خياراته التى تختلف بطبيعة الحال مع موظف الدولة أينما كان موقعه.
أعتقد أن البداية الحقيقية يجب أن تكون من حيث وقفت فى ميدان التحرير فى السابع عشر من مايو ٢٠١٣ عندما دعونا إلى مليونية العودة إلى الميادين لأقسم أمام ستين ألف مواطن مصرى أننا سنعيد مرسي ورفاقه إلى السجون مرة أخرى، وقتها اتصل بى مسئول أمنى كبير جدا ليخبرنى أن مرسي استدعاه وطلب منه أن يضعنى خلف الأسوار لمدة ٢٥ عاما ولكن بما يرضى الله، أى لا سياسة فى الموضوع فقط قضية جنائية وينتهى الموقف.. لتكن قضية قتل أو مخدرات أو خلافه، وقد تعلل الرجل لـ«الرئيس» بقرب موعد ٣٠-٦ وطلب منه تأجيل العملية لما بعد ذلك الموعد، وقد تذكرنا ذلك فيما بعد أنا وهو فى مكتبه وضحكنا.
هل تصلح تلك البدايات أم أننى يجب أن ابدأ بوعد وعده مسئول بجهاز سيادى كبير بمكتبه ذات يوم عقب نجاح ثورة ٣٠ يونيو عندما قال لى حرفيا: سيأتى يوم ونصنع لك تمثال فى ساحة هذا المبنى، فقد صنعتم شيئا يرقى للمعجزات.
هل تصلح كل تلك الحكايات كبداية للحديث عن ثورة هذا الشعب العظيم فى ٣٠-٦ أم يصح أن نبدأ من حيث التجهيز للحدث العظيم؟
كنت قبلها ألقي محاضرة فى مدرسة المخابرات الحربية عن جماعة الإخوان، والحقيقة عندما جاءنى الطلب وجدته غريبا بعض الشىء، فسألت محدثي: هل تعلم يقينا مَنْ أنا؟ وهل تدعوننى بالفعل لإلقاء محاضرة حول الإخوان داخل مدرسة المخابرات الحربية؟ وهل تعرف جيدا رأيى فيهم؟ وضحك الرجل مؤكدا أنهم يعرفون كل شىء، فذهبت وكانت مفاجأة ربما تصلح فى يوم ما لحديث طويل عن ذكرى تلك الثورة العظيمة.
ولكننى لا أعرف لماذا ينتابني شعور عميق بأن البداية الحقيقية يجب أن تكون من حيث اجتمعنا نفر قليل، لن أذكر منهم أسماء لكي لا يغضب البعض، لنفكر ماذا سنفعل فى الثلاثين من يونيو، يومها قال لى البعض: نريد أن نعرف هل ستقف أجهزة الدولة ضدنا أم معنا؟ وذهبت بالسؤال إليهم، وجاء الجواب محيرًا، فقد رسم محدثى على ورقة (شجرة) عبارة عن دائرة وعصا، وقال لي: إذا استطعتم أن ترسموا تلك الشجرة لأيام ثلاثة متتالية أضمن لكم أننا على الأقل لن نكون ضدكم، وعندما استفسرت كانت المفاجأة التى ربما أيضا تصلح لبداية قصة طويلة حتمًا سأرويها يومًا عن ذلك اليوم العظيم، عندما افترشنا ميدان التحرير وكوبرى قصر النيل (الشجرة)، وصنعنا من أجسادنا ليس شجرة فقط ولكن أنهارا فى الشوارع، راحت تتدفق حتى الاتحادية، مرورا بميدان رمسيس والعباسية يومها قال لى أحد الكبار فى ذلك الوقت: الآن أستطيع أن أقول لك: (مبروك) وأنا مطمئن.
ذكريات طويلة وعميقة صنعها أبطال حقيقيون منهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا، قد نملك الوقت والشجاعة يوما لنرويها لكم ولأولادنا وأحفادنا ولكننا اليوم نكتفي بأن نقول للمصريين، كل المصريين: كل عام وأنتم بخير، وإن شاء الله مصر ستنتصر على كل تلك التحديات؛ لأن قدرنا ألا ننهزم.. هكذا خلقنا الله شعبًا عنيدًا ومقاتلًا ولا يعرف للتراجع قيمة.