الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

بوابة العرب

أطماع العثمانلى تقوده إلى حتفه.. أردوغان يكرر أخطاء السلطان محمود الثانى

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
"ما أشبه اليوم بالبارحة"، تنطبق هذه المقولة على الوضع الحالى الذى تمر به مصر، حيث تعود الدولة المصرية الحديثة بعد ما يقرب من قرنين من الزمان مرة أخرى لمواجهة الأطماع الاستعمارية لرجل أوروبا المريض الذى يستغل الفرصة تلو الأخرى ليقترب بأطماعه من حدود مصر التى بدأت في النهوض مرة أخرى. وكأن التاريخ يُعيد أدراجه إلى تلك اللحظة الفاصلة التى أثبت فيها الجيش المصرى أن أمن البلاد يستحيل العبث به، وأن الدولة العثمانية لا تفرد أطماعها إلا عن طريق المرتزقة الذين سرعان ما يولون الفرار عندما يصطدمون بعقيدة الجيش المصرى الراسخة، تاركين الطامع العثمانى وحده في مواجهة لا ينفك يخسرها كل بضعة أجيال.
وطوال التاريخ لا تنأى مصر عن الدفاع عن مقدرات أمنها أو أبعاد أمنها القومي، وكما أعلن الرئيس عبدالفتاح السيسي أن الاقتراب من محور "سرت- الجفرة" الواقعتين شرق ليبيا يُعتبر اعتداء على الأمن القومى المصرى، فهو بذلك يُعيد في التاريخ سيرة محمد على باشا صانع النهضة المصرية في التاريخ الحديث، والذى خلال قيامه بإرساء دعائم هذه الدولة، وضع في ذهنه أن سوريا هى جزء متمّم لمصر، وأن حدود مصر الطبيعية في جهة الشرق هى جبال طوروس. لذا مكث الباشا يتحين الفرصة لتحقيق هدفه وتأمين الحدود المصرية، في وقت كان قد بدأ يفرض فيه سطوته في مقابل ضعف الدولة العثمانية التى اهترأت حتى صارت رجل أوروبا المريض، رغم استمرار الخليفة العثمانى في محاولة فرض السيطرة على مصر التى خرجت من توابع خلافته إلى التقدم والازدهار. هكذا انتهز محمد على النزاع بينه وبين عبدالله باشا والى عكا، والذى رفض بإيعاز من السلطان العثمانى محمود الثانى إمداد مصر بالأخشاب اللازمة لبناء أسطولها البحرى القوي، وآوى عنده بعض المصريين الفارين من الخدمة العسكرية ودفع الضرائب، ورفض إعادتهم إلى مصر، فجرّد حملة على رأسها ابنه إبراهيم باشا لإقلاق مضجع الخليفة الضعيف ودولته الهشة.
وفى الشهور التالية، اجتاحت جيوش إبراهيم باشا بلاد الشام، وتساقطت مدنه واحدة تلو الأخرى دون مقاومة تُذكر، حتى مدينة عكا التى لم يستطع الغازى الأعظم في ذلك الوقت نابليون بونابرت إسقاطها، وكان لسقوطها دوى عظيم؛ ليمضى إبراهيم باشا في طريقه حتى بلغ مدينة قونية، وكان العثمانيون ومن اشتروهم بالمال من أجل المواجهة قد هجروها حين ترامت الأنباء بقدوم الجيش المصرى، ولم يبق بها سوى الجيش العثمانى بقيادة رشيد باشا، ولم يكن هناك مفر من القتال؛ وقد لقى العثمانيون في قونية عام ١٨٣٢ هزيمة كبيرة، حتى أن إبراهيم باشا أسر القائد العثماني، وأصبح طريقه مفتوحًا إلى القسطنطينية.
ومثلما يفعل أردوغان الآن، فزع السلطان محمود الثانى، فلجأ إلى الدول الأوروبية لمساعدته، لكنها لم تُجبه؛ لانشغالها بأحوالها الداخلية، ورأت في هذا النزاع مسألة داخلية، ويذكر التاريخ أن العثمانى لجأ إلى روسيا -التى كانت عدوه اللدود في ذلك الوقت- وبالطبع وجد قيصر روسيا في محنة العثمانى فرصة لزيادة نفوذه في منطقة المضايق، فأرسلت قوة بحرية رست في البسفور، وهو ما أقلق فرنسا وإنجلترا، وتوجستا من تدخل روسيا وانفرادها بالعمل، والتظاهر بحماية الدولة العثمانية، وكانت الدولتان تتمسكان بالمحافظة على كيان الدولة العثمانية؛ خشية من روسيا التى لم تكن تُخفى أطماعها. 
لذلك تحركت الدولتان، ولم يكن أمام محمود الثانى سوى الرضوخ لشروط محمد على في الصلح الذى عُقد في كوتاهية في أبريل ١٨٣٣، واتفق الطرفان على أن تتخلى الدولة العثمانية لمحمد على عن سوريا وإقليم أدنة مع تثبيته على مصر وجزيرة كريت والحجاز، في مقابل جلاء الجيش المصرى عن باقى بلاد الأناضول.
وفى الحقيقة لم يكن الصلح سوى هدنة مسلحة حتى سنحت الفرصة للسلطان العثمانى في العام التالى حين قامت الثورة في سوريا على إثر ما أدخله إبراهيم باشا من النظم الجديدة في إدارة شئون البلاد للنهوض بها ولم يكن للناس عهد بها، وزاد من ثورة الناس ضد الحكم المصرى فيما لم تكن أصابع السلطان بعيدة عن إشعال الثورة، وتأجيج الغضب في القلوب؛ ثم أعلن محمد على عزمه قطع ما يربط مصر بدولة الخلافة العثمانية، وقد كان يعينه على ذلك تنامى قوته وازدياد نفوذه، وعجزت الدول الأوروبية أن تثنيه عن عزمه.
في الوقت نفسه كان السلطان قد أعد العدة لاسترداد سوريا، فحشد قواته على الحدود، ثم زحفت جيوشه فعبروا نهر الفرات وواصلوا زحفهم حتى اجتازت طلائعهم الحدود المرسومة السورية - التركية التى حددتها اتفاقية كوتاهية، فأرسل إبراهيم باشا إلى أبيه يخبره بالأمر، وفى الوقت نفسه تحرك بجيشه الذى كان يقيم بحلب؛ حيث أجلى العثمانيين عن مواقعهم، وفى أثناء ذلك جاء الرد من محمد على إلى ابنه بألا يكتفى بصد هجوم العثمانيين وأن يعبر الحدود إذا اقتضى الأمر ذلك لسحق الجيش العثماني.
مع ورود الأوامر من الباشا الكبير اتجه إبراهيم باشا بجيشه الذى بلغ أربعين ألف مقاتل ليحتل مواقع العثمانيين الحصينة في بلدة نزيب التى تقع بالقرب من الحدود التركية - السورية.
وفى نوفمبر ١٨٣٩ نشبت معركة عند قرية نزيب حسمها إبراهيم باشا لصالحه، وألحق بالعثمانيين هزيمة مدوية بثمن باهظ، حيث سقط أربعة آلاف جندى مصرى بين قتيل وجريح؛ وقبل أن تصل أنباء هذه الكارثة إلى اسطنبول كان السلطان محمود الثانى قد قضى نحبه في يونيو ١٨٣٩، وخلفه ابنه عبدالحميد، وكان شابا لا يتجاوز السادسة عشرة من عمره، فأراد أن يحسم الخلاف مع محمد على باشا وبعث برسول إليه للتفاوض في أمر الصلح.