الثلاثاء 19 مارس 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

تقارير وتحقيقات

أزمة سد النهضة.. مستقبل غامض وسيناريوهات متناقضة.. مصر تريد التنمية لإثيوبيا.. وأديس أبابا لا تعترف بحق الحياة لدول حوض النيل.. نبيل فهمي: دولة المنبع لن تستفيد بالتنمية في ظل الخلاف

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
جولات ومفاوضات كثيرة خاضتها مصر، للوصول مع إثيوبيا إلى حل يرضى جميع الأطراف فى أزمة سد النهضة، على مدى السنوات الماضية، لكن أديس أبابا تتخذ موقفا مراوغا، وصفه المفكر السياسى مصطفى الفقى، باتباع النهج الإسرائيلى فى المراوغة والمكر، وهو ما يدل على وجود دول معادية تدعم إثيوبيا فى خلافها مع مصر، مما جعل الأمر يتأزم ووصل إلى طريق مسدود فى التفاوض جعل مصر تلجأ لمجلس الأمن الدولى لمطالبته بالتدخل لحماية السلم والأمن فى المنطقة، ومطالبة أديس أبابا بعدم اتخاذ إجراءات أحادية تضر بمصالح الآخرين.


وأعلنت وزارة الموارد المائية والرى المصرية، الأسبوع الماضى، أن مفاوضات سد النهضة التى أجريت على مدى الفترة الماضية لم تحقق تقدما يذكر، وذلك بسبب المواقف الإثيوبية المتعنتة على الجانبين الفنى والقانونى.
وأوضح الدكتور محمد عبد العاطى، وزير الموارد المائية والرى، عبر بيان رسمى أن إثيوبيا رفضت خلال مناقشة الجوانب القانونية أثناء جولة المفاوضات الأخيرة أن تقوم الدول الثلاث «مصر والسودان وإثيوبيا» إبرام اتفاقية ملزمة وفق القانون الدولى، وتمسكت بالتوصل إلى مجرد قواعد إرشادية يمكن لها تعديلها بشكل منفرد. 
وأشار عبد العاطى، إلى أن إثيوبيا سعت إلى الحصول على حق مطلق فى إقامة مشروعات فى أعالى النيل الأزرق، فضلًا عن رفضها الموافقة على أن يتضمن اتفاق سد النهضة آلية قانونية ملزمة لفض النزاعات، كما اعترضت على تضمين الاتفاق إجراءات ذات فعالية لمجابهة الجفاف.
وأكد وزير الرى، أن مصر انخرطت فى جولة المفاوضات الأخيرة التى دعا إليها السودان الشقيق بحسن نية سعيًا منها لاستنفاد واستكشاف كل السبل المتاحة للتوصل إلى اتفاق عادل ومتوازن حول سد النهضة، بما يؤمن لإثيوبيا تحقيق أهدافها التنموية من هذا المشروع، مع الحد، فى الوقت ذاته، من الآثار السلبية والأضرار التى قد يلحقها هذا السد على دولتى المصب، ولكن للأسف، استمرت إثيوبيا فى مواقفها المتشددة. وأعلن وزير الرى أن إثيوبيا فى ختام اجتماعات وزراء الرى أعلنت اعتراضها على اقتراح بأن تتم إحالة الأمر إلى رؤساء وزراء الدول الثلاث كفرصة أخيرة للنظر فى أسباب تعثر المفاوضات والبحث عن حلول للقضايا محل الخلاف. وفى سياق متصل، طالب مجلس الأمن القومى الأمريكى عقب انتهاء المفاوضات، إثيوبيا بإظهار روح قيادية قوية وإبرام اتفاق عادل بشأن سد النهضة قبل البدء فى الملء.
وأكد مجلس الأمن القومى الأمريكى، فى تغريدة على موقع التواصل الاجتماعى تويتر أن نحو ٢٥٧ مليون شخص فى شرق أفريقيا يعتمدون على إثيوبيا فى إظهار قيادتها القوية لإبرام صفقة عادلة، مشيرا إلى أنه قد حان الوقت لإنجاز تلك الصفقة. وكان قد حذر وزير الخارجية المصرية، سامح شكرى، إثيوبيا من الإصرار على اتخاذ موقف متعنت تجاه ملف سد النهضة الذى من شأنه أن تضطر القاهرة لبحث خيارات أخرى.
محطات فاصلة.

من جهته قال الدكتور محمود أبو زيد، رئيس المجلس العربى للمياه، إن الخلاف فى سد النهضة لم يصل إلى مرحلة التدويل، وأن اللجوء إلى مجلس الأمن الدولى، يعتبر خطوة لوضع حد للمراوغة الإثيوبية فى التفاوض، وإصرارها على اتخاذ خطوات أحادية قد تسبب أضرار كبيرة إلى دولة المصب مصر، ودولة المرور السودان.
وتابع وزير الرى الأسبق، أن السودان شأن مصر من القلق والمخاوف من السدود، خاصة أن سد النهضة لم يقم عليه الدراسات الفنية الكافية، للتأكد من عدم وجود مخاطر على دولتى مصر والسودان، لافتا إلى أنه بالتأكيد توجد مخاطر تهدد بالغرق حال انهيار السد، أو العطش، فى حالة وجود جفاف ممتد لعدة سنوات فإن مياه السد العالى لن تكفى لتواجه هذه السنوات الطويلة. وأشار إلى أن المجلس العربى للمياه، مستعد للمشاركة فى المفاوضات وتقديم الاستشارات حال طلب منه، لافتا إلى محافظى المجلس فى كل الدول العربية يدعمون حق مصر والسودان، والوصول إلى اتفاق يرضى جميع الأطراف، دون الضرر لأى طرف.
وأوضح أن خطوات مصر القانونية، واضحة وقوية، بدأت بمفاوضات تعثرت، لجان إلى وساطة دولية، ومفاوضات تعثرت أيضا، من ثم اللجوء إلى مجلس الأمن للمطالبة بحقها ووقف مراوغة إثيوبيا، وهناك بالتأكيد خطوات أخرى منها المحكمة الدولية.

وقال الدكتور نبيل فهمى، وزير الخارجية الأسبق، إن إثيوبيا تخالف قواعد القانون الدولى، فى التعامل مع الأنهار عابرة الحدود، زاعمة أن كل ما تم وضعه من مواثيق واتفاقيات كان قبل حصولها على الاستقلال، لافتا إلى أن هذا يخالف قرارات منظمة الوحدة الأفريقية، الخاصة بعدم تغيير الحدود، أو الترتيبات المتفق عليها قبل الحصول على الاستقلال. وأضاف فهمى، أن قضية سد النهضة أصبحت الآن فى مفترق طرق، وعلى الجميع تحمل مسئولياته، من أجل السلام والتعاون، وتلافى الصدام الذى يمكن أن يدفع الجميع عقباته. ونوه فهمى، إلى أن الوصول إلى اتفاق يرضى جميع الأطراف هو الحل الوحيد لإقرار السلم فى المنطقة، لافتا إلى أن إثيوبيا لن تستفيد من التنمية حال وجود خلاف مع دول أخرى حول السد، مشيرا إلى أن مصر تتمتع بوضع قانونى قوى فى حقها فى مياه النيل.
وأشار إلى أن التعامل المصرى فى أفريقيا مبنى على اعترافها بحق الآخر فى التنمية، لكن شريطة ألا يضر هذا بالغير، ومن هنا جاء الخلاف بأن سد النهضة سيضر بمصر والسودان، وإثيوبيا تريد اتخاذ قرار إحادى باستكماله دون النظر بحجم الأضرار التى تلحق بالآخرين، أو حقوقهم القانونية والتاريخية فى المياه، وتسعى ليكون لها السيادة على السد بالكامل دون مشاركة الدول المتضررة.

قال الدكتور أحمد المفتى، خبير القانون الدولى، وممثل السودان السابق فى مفاوضات عنتيبى، إن إثيوبيا تتبع أسلوب المماطلة والمكر فى المفاوضات، لكسب الوقت وإكمال بناء وملء السد، وأيضا للهروب من حقوق مصر والسودان، لافتا إلى أن السد له أضرار اقتصادية كبيرة.
وأضاف أن الأمن المائى الحالى والمستقبلى للسودان فى مهب الريح، لعدم اعتراف إثيوبيا بأى حصص للسودان، مما قد يجعل بلاده قد تموت عطشا، على حد وصفه، مشيرا إلى أن بلاده معرضة للموت غرقا حال انهيار سد النهضة، وفق الدراسات التى أكدت وجود عيوب فنية. 
وأضاف أن قرارات مجلس الأمن، بشأن السدود تكون وفق قواعد القانون الدولى الحاكمة للدول المشاطئة، لأن حرب المياه أى الحروب التى تقوم بين الدول بسبب الخلاف على إدارة مياه الأنهار تندلع بسبب التنكر لهذه القوانين الدولية، فحينما تقوم دولة ما بإنكار حقوق الدول الأخرى المشاطئة معها فى النهر، فليس أمامها سوى شن الحروب لأنها ستموت عطشًا.

وحذر الدكتور طارق فهمى، أستاذ العلوم السياسية، من التشكيك فى خيار اللجوء إلى مجلس الأمن الدولى، وأنه عديم الفائدة، لأنه غير صحيح صدور قرارات وعدم تنفيذها، لافتا إلى أن هذه أول خطوة دولية لعرض موقف مصر الرسمى، فى مذكرة رسمية.
وتابع أن هناك آليات دولية أخرى مرتبطة بتوقيتتها، منها مخاطبة المؤسسات المناحة لدعم السد، والدول التى تقدم مساعدات مباشرة، وسيتم التحرك فى مسارات موازية ومشاركة فى صورة أو أخرى، لكن الآن علينا التعويل على خطوة مجلس الأمن والفوز بقرار لصالح مصر.
وأشار إلى أنه طبيعى وجود دول أخرى سيكون لها مواقف مختلفة، ضد مصر، لكن القاهرة تدير المعركة باحترافية ولديها إمكانيات للتحرك على كل المستويات ومواجهة كل السلبيات، والردود والمختلفة.
وأضاف، أن تصريحات الرئيس السيسى، خلال تفقده المناطق العسكرية الغربية، جعلت الجميع يتفهم أن مصر تنتهج الدبلوماسية للوصول إلى السلام، وهذا ليس من باب ضعف وإنما من باب قوة، جاهزة للحفاظ على الأمن القومى للوطن فى أى لحظة.

وقال الدكتور حسن وجيه، أستاذ التفاوض الدولى، إنه فى حال صدور قرار لصالح مصر من قبل مجلس الأمن الدولى، سيكون فى الفصل السادس، بإلزام إثيوبيا بعدم الملء، وفد يصل أيضا إلى وقف أعمال بناء السد، إلا بعد الوصول إلى حل توافقى، مع مصر.
وتابع وجيه، أن مصر عليها الحشد دوليا فى جميع أروقة مجلس الأمن الدولى، وتقديم الحجج القوية للحصول على قرار لصالحها، لافتا إلى أن ما فعلته مصر من خطوات قوى من موقفها دوليا، خاصة بعد وساطة الولايات المتحدة ووزارة الخزانة الأمريكية، والبنك الدولى، ومماطلة إثيوبيا فى التفاوض وعدم جديتها فى الوصول إلى حل يرضى جميع الأطراف.
استهلاك الطرق الدبلوماسية
وأوضح وجيه، أن ما تقوم به مصر هو استهلاك كل الطرق الدبلوماسية الممكنة، لافتا إلى أن مصر تؤسس لشرعية للدفاع عن حقها حال فرض سياسة الأمر الواقع وملء السد وتعريض حياة المصريين للخطر.
وأضاف أن المفاوض المصرى يسعى إلى دور إيجابى وتنموى فى القارة الأفريقية، بعيدا عن الاستفزازية، التى تنتهجها إثيوبيا، لافتا إلى أنه فى حال ملء إثيوبيا للسد قبل صدور قرار من مجلس الأمن الدولى، فإن القرارات فى حال صدورها لصالح مصر ستكون أكثر صرامة وحزم، طبقا للفصل السابع، الذى يمكن أن يقر بفرض عقوبات.
وأشار إلى أنه رغم الدعم المقدم من عدة دول لإثيوبيا، إلا أنها تعمل ألف حساب لمصر لتعاملها بثبات وقوة واحتواء وثقة، ضد الاستفزاز وعدم الجدية من قبل أديس أبابا.

بينما قال الدكتور عباس شراقى، مدير مركز الموارد المائية بمعهد البحوث الأفريقية، إن مصر طالبت مجلس الأمن الدولى، بالتدخل رسميا، لاتخاذ موقف واستخدام مسئولياته فى حفظ الأمن والسلم على مستوى العالم، بمخاطبة إثيوبيا، ويطالبها بعدم اتخاذ قرار إحادى فيما يتعلق بملء سد النهضة، والعودة للمفاوضات والوصول لاتفاق مع الدول محل النزاع، وهو من المتوقع حدوثه.
وتابع أن القضية تهدد الأمن والسلم فى المنطقة، لافتا إلى أن قرار المجلس يمكن أن يكون طبقا للفصل السادس، بالتوصية، بعدم اتخاذ قرار أحداى بملء السد، دون اتفاق، وذلك فى حال عدم ملء السد قبل اجتماع مجلس الأمن.
وأضاف شراقى، أنه فى حال اتخاذ إثيوبيا القرار وبدأت فعليا فى ملء السد، قبل الاجتماع القادم لمجلس الأمن، فإن المجلس يمكن أن يتخذ قرارا طبقا للفصل السابع، وهذا القرار فى حال عدم تنفيذه يتخذ المجلس ضد الدولة عقوبات، أو يمكن تحرك عسكرى، لردعها لتهديدها الأمن والسلم العالمى. 
ونوه شراقى، إلى أن تصريحات الرئيس عبد الفتاح السيسى، تتسم بالقوة والحزم أن مصر لن تفرط فى حقوقها، وتستخدم كل الأدوات والوسائل فى وقتها المناسب، لافتا إلى أن الدولة المصرية، تواجه تحديات كبيرة، هدفها زعزعة الاستقرار والنيل من قوتها.
وأشار إلى أن القيادة المصرية، تحاول استنفاد كل الطرق الشرعية الدبلوماسية إلى الوصول إلى اتفاق يضمن حق إثيوبيا فى التنمية، وحق الدولة المصرية فى الحياة، لافتا إلى أن فى الاستمرار فى بناء السد بهذه الطريقة والتعنت، معناه الحفاظ على شخصية مصر، واستمرار إثيوبيا فى بناء سدود كبيرة على النهر، دون النظر لمصر والسودان فى الحياة. ونوة إلى أن سياسات مصر منذ قديم الأزل فى أفريقيا، هى الحفاظ على حق الدول فى التنمية، لافتا إلى أن الحكومة المصرية ساعدت أوغندا فى إقامة سد، على بحيرة فكتوريا، ماليا وفنيا، وحتى اليوم هناك مهندسون مصريون يشاركون فى إدارة هذا السد.
من جهته قال الدكتور هانى رسلان، مستشار مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، إن الموقف الإثيوبى لم يتغير بشأن أزمة سد النهضة ويحمل سوء نية وخداعا ومناورات، مما أدى لفشل جولات التفاوض المتتالية.
وأضاف رسلان، أن الموقف السودانى قريب ومتوافق مع الموقف المصرى فى كثير من وجهات النظر، متابعا: «لو انهار سد النهضة، سيتسبب فى إبادة شاملة وسيغرق كل المدن السودانية، خطر كبير على السودان". وأشار إلى أن مصر تعاملت بحكمة وصبر طويل فى الأزمة، وقد تقدم شكوى إلى مجلس الأمن حال فشل المفاوضات الأخيرة، متابعًا: «الموقف الإثيوبى غير عقلانى.. وبيان مجلس الأمن القومى الأمريكى وجه بضرورة الوصول لحل عادل قبل ملء السد".