الخميس 28 مارس 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

تقارير وتحقيقات

كارثة تهدد حياة أهالي "أبودياب" بقنا.. 20 يومًا بدون مياه وتخوف من تفشي "كورونا" بسبب الزحام على "الطلمبات".. الأهالي: "نموت بالفيروس أحسن ما نموت من العطش".. والمسئولون يعدون بالحل مُنذ 2013

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

تحت شمس نهار يوم حار، تخطت درجة حرارته 40 مئوية، يقف سليمان أحمد (مزارع، 51 عاما) ممسكًا في يديه جالونين فارغين للمياه، منتظرًا دوره، في ملئهمها من إحدى الطلمبات الحبشية، وسط زحام تجمع أكثر من 30 فردًا. وهو روتين يومي لـ"سليمان" خلال 20 يومًا مُتصلة، انقطعت فيها المياه عن أهالي قريته، أبودياب بمحافظة قنا، وتعدادها يزيد على 40 ألف نسمة.


"نموت بكورونا أحسن ما نموت من العطش"
معاناة "سليمان" لا تقف حد انقطاع متصل للمياه، أو حتى إصابته بالطفح الجلدي "التهاب الجلد" نتيجة استخدامه لمياه الطلمبات الحبشية الملوثة ذات نسب الملوحة المرتفعة، ولكن تخوفه الأكبر من "كورونا" بعد إصابة أحد أهالي القرية بالفيروس، والاشتباه في عدد آخر خلال الأيام الماضية، خاصة وأن حاجته لضمان توفير ما يحتاجه من مياه الشرب تستلزم وقوفه يوميًا في زحام شديد، من أهالي القرية، لا تُراعى فيه أي إجراءات احترازية للحماية من الإصابة بكورونا.
يقول سليمان لـ"البوابة نيوز" وعلى وجهه علامات الغضب والحسرة: "إحنا هنا الحكومة نسيتنا.. مفيش حد بيسأل علينا.. والمحافظ ونواب الشعب مش فاضيين لنا.. بنسمع في التليفزيون عن كورونا، والناس اللي بتموت منه.. وكل شوية يقولوا لنا خليكم في البيوت، وماتطلعوش منها.. وهما هنا قاطعين عننا المياه من 20 يوم.. اشتكينا للناس كلها، ومفيش فايدة.. مضطرين نتعارك في الزحمة علشان نشرب.. نموت من كورونا أحسن ما نموت من العطش".

المسئولين يعدون بحل الأزمة "في يومين" مُنذ 2013
أزمة المياه في قريتي أبودياب شرق وغرب مُمتدة مُنذ 7 سنوات، وهو ما يوضحه محمد جمال أبوزيد قائلًا: "في 2013 بدأت أزمة انقطاع المياه عندنا، وقتها كان الانقطاع يستمر طول ساعات النهار، ومع مرور الوقت طالت الأزمة ساعات الليل، إلى أن وصل الأمر لانقطاعها الكامل بالأسابيع.. وخلال طيلة 7 سنوات اكتفى المسئولون بوعود حل الأزمة، ويأس الأهالي دفعهم للاعتماد على مياه الطلمبات الحبشية، وازدادت معها أمراض الفشل الكلوي والسرطان وغيرهما".
ويضيف أبوزيد لـ"البوابة نيوز": "قريتي أبودياب شرق وغرب لم تدخلهما نقطة مياه عبر المواسير مُنذ 20 يوم، والأخطر أن انقطاع المياه يأتي في ظل أزمة كورونا، والتخوف من انتشار واسع للفيروس بسبب تجمعات الأهالي بالمئات حول مياه الطلمبات الحبشية للحصول على احتياجاتهم من مياه الشرب، ولذلك توجهنا مع عدد من شباب القرية إلى مكتب محافظ قنا لنقل الشكوى إليه مباشرة بعد أن تعثرت عشرات الشكاوي السابقة في الوصول لحل أزمة المياه".
ويشير "أبوزيد" إلى أن مقابلة محافظ قنا، أشرف الداودي، تعذرت لكن نائبه؛ حازم عمر، أرجع الأزمة، التي تعود جذورها إلى عام 2013، إلى "الرياح والعواصف" التي تتعرض لها المحافظة بين حين وآخر دون محافظات مصر أجمع، وتتسبب في أعطال بمحطات الرفع، مُضيفًا: "رُحنا وفي إيدينا جراكن فاضية علشان يحسوا بالمعناة، ووعدونا بأن الأزمة هتتحل خلال يومين.. عدوا يومين، و10 أيام، ومفيش حاجة اتحلت.. ولسه الناس مش لاقية شوية مياه تشرب".

مياه "الطلمبات الحبشية" تهدد حياة أهالي القرية
العودة لاستخدام الطلمات الحبشية، التي اندثرت قبل 20 عامًا، كان البديل الوحيد لأهالي قريتي أبودياب شرق وغرب في سبيل التغلب نسبيًا على أزمة انقطاع المياه المتواصلة. يقول نور حسن (مدرس، 30 عاما): "كان عندنا 3 حنفيات في القرية كلها هما اللي بتشتغل فيهم المياه، والناس كلها بتعتمد عليهم.. لكن في الأزمة الأخيرة ما عادوش يجيبوا نقطة مياه.. فاضطريت ألجأ طلمبة حبشية في حوش البيت عندي.. كلفت عليَّ 2000 جنيه، ده غير مصاريف تركيبها".
وتابع حسن لـ"البوابة نيوز": "المشكلة أن مياه الطلمبات الحبشية سيئة جدًا، ولا تصلح للاستخدام الآدمي، بسبب احتوائها على الأملاح والمعادن الزائدة والميكروبات والبكتيريا والفيروسات الضارة، لكننا كمضطرين؛ مطلوب منا أن نركب الصعب، ونرضى به، طالما المسئولين في محافظة قنا، ومركز دشنا، لم يكلفوا أنفسهم أي جهد لحل أزمة يعاني منها الأهالي، مُنذ سنوات.. والمشكلة الأكبر حاليًا في التزاحم على مياه تلك الطلمبات والتخوف من كورونا".
وفي المُقابل، اضطر محمد مبارك (نقاش، 38 سنة)، إلى إلغاء طلمبة حبشية بعد سنة من تركيبها واستخدامها، ويوضح: "شدة ملوحة مياهها تسببت في إصابة ابنائي؛ مؤمن ومازن ومكة بالطفح الجلدي، وعلاجهم من الحكة استمر لأسابيع.. حاولت استخدام فلتر 3 مراحل، ثم فلتر 7 مراحل، لتحسن جودتها، لكن جميعها تلف بسبب طبيعة مياهها السيئة جدًا، لدرجة أن سخان المياه تلف أيضًا بسبب شدة ملوحة المياه.. وفي النهاية قررت إلغاء الطلمبة، وهدمها، والاعتماد على تعبئة وشراء المياه كل يومين من قرية مجاورة، مُقابل 40 جنيها لكل 10 جراكن".

مجلس القرية: الأزمة قديمة وموقع القرية الجغرافي أحد أسبابها
على الجانب الآخر، يقول محمود قاسم، رئيس الوحدة المحلية لقرية أبودياب، إن أزمة انقطاع المياه في القرية تعود لعدة سنوات سابقة، وليست وليدة اللحظة، وترجع إلى أسباب عدة، في مقدمتها؛ الموقع الجغرافي لقرية أبودياب، حيث إنها آخر قرى مركز دشنا من الناحية الجنوبية، إضافة لارتفاعها عن مستوى القرى المجاورة، مُضيفًا: "كمية المياه في الشبكة محدودة، ونتيجة لزيادة السكان والتمدد العمراني، تظهر أزمة انقطاع المياه سنويًا في القرية، خاصة في فصل الصيف".
ويضيف قاسم لـ"البوابة نيوز": "العاصفة الرعدية الأخيرة أثرت على محولات الكهرباء ومحطات رفع المياه، التي تراجعت معدلات عملها إلى النصف، وبشكل عام فإننا طالبنا بزيادة ضح المياه في الشبكة مُنذ فترة طويلة، وكانت الاستجابة بأنه تم إجراء توسعات في مرشح دشنا للمياه لزيادة ضخ المياه في القرى إلى الضعف، على أن يتم التشغيل المبدئي في 15 يونيو، كحل جذري للأزمة، وفقًا لما ورد إلينا من مسئولو؛ شركة المياه والشرب، ومجلس مدينة دشنا".
وينوّه قاسم إلى بدء عودة المياه خلال اليومين القادمين، لتكون متوافرة في مواسير المياه لعدة ساعات في اليوم الواحد، وذلك بعد عودة عمل محطات رفع المياه، المتضرره من العاصفة الأخيرة، للعمل بكامل طاقتها، موضحًا: "كمجلس قرية، نقوم بالتنسيق يوميًا مع مجلس مدينة دشنا، وشركة المياه والشرب، لتسيير عربيات مُحمله بالمياه للمناطق التي لا تصلها، وبالرغم من أن ذلك ليس حلًا إلا أننا نحاول بقدر الإمكان تخفيف الحمل على الأهالي من خلال الموارد المتاحة".

حسين فايز: انتهينا من توسيعات المرشح وننتظر تشغيله
من جانبه علق النائب حسين فايز، عضو مجلس النواب عن دائرة دشنا والوقف، عن انقطاع المياه بقرية أبو دياب شرق، قائلًا: "الأزمة تظهر في الصيف تحديدًا، وتعاني منها عدة قرى بمركز دشنا في السنوات الأخيرة، خاصة وأن التوسعات العمرانية والزيادة السكانية تسببت في قلة المياة في ظل الاعتماد على مُرشح واحد أُنشأ فترة الثمانينيات، ولذلك تقدمت بمذكرة حول الأزمة بالاتفاق مع محافظ قنا السابق، نهاية 2016، إلى رئيس مجلس الوزراء السابق؛ شريف إسماعيل".
ويؤكد فايز لـ"البوابة نيوز" أنه حصل على موافقة من رئيس الوزراء السابق بتوسيع مرشح المياه بدشنا، ليضخ 800 متر في الثانية بدلًا من 400 مترا، بتكلفة إجمالية تخطت 100 مليون جنيه، ويُكمل: "في نهاية 2017 تم اعتماد الميزانية، ومعها بدأ تنفيذ التوسعات لمرشح المياه، وحاليًا تم اكتمال المشروع بالكامل، لكننا في انتظار أخذ وزارة الصحة عينات مياه من المرشح للتأكد تمامًا من سلامة استخدامها الآدمي، وهو ما تأخر بسبب الظروف الأخيرة، ونحن حاليًا نضعط للانتهاء من الإجراءات النهائية، ونتوقع بدأ الضخ من المرشح بنهاية شهر يونيو القادم".
وعن محاولات السيطرة على أزمة انقطاع المياه عن قريتي أبودياب شرق بدشنا، يوضح فايز: "نتعاون يوميًا مع شركة المياه والشرب الصحي، في توفير سيارات مياه "تنك وفنطاس"، لدعم القرى التي تعاني من الأزمة، كأبودياب وأبومناع على وجه الخصوص، لحين أن يتم تشغيل المرشح بكامل قوته، وتوسعاته الجديدة، والقضاء على انقطاع المياه بشكل كامل، خاصة وأنها أزمة تظهر سنويًا، في فصل الصيف، بمراكز نجع حمادي ودشنا وغيرهما، بسبب زيادة السحب".