الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ملفات خاصة

كورونا يفرض تجنب الحرب الباردة المحتملة بين الولايات المتحدة والصين

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
لم تدم الهدنة في الحرب التجارية طويلًا، وبدلًا من توحيد الصفوف للتعامل مع الفيروس، تخوض الولايات المتحدة والصين معركة خطابية يتم فيها تبادل الاتهامات حول أصل الفيروس. ففى واشنطن يصفه الرئيس دونالد ترامب بـ «الفيروس الصينى» منذ بدء ظهوره في خطاباته الصحفية وتصريحاته المنشورة عبر «تويتر». وفى بكين تروج وسائل الإعلام الرسمية وعدد من الدبلوماسيين لرواية أن الفيروس وصل إلى الصين عن طريق الجنود الأميركيين الذين شاركوا في دورة الألعاب العسكرية التى عُقدت في أكتوبر٢٠١٩ في ووهان، وهى البؤرة الأصلية للوباء، كما تتهم الرئيس ترامب بالعنصرية. 
هذا الجدل حول أصل الفيروس وكيفية مكافحته يسلط الضوء على تصاعد توتر العلاقات بين القوتين العظميين إلى حد وصفه بـ «حرب باردة» بينهما، يحاول كل طرف فيها استخدام الأزمة كسب مزيد من النقاط لتعزيز نفوذه. ومن هذا المنطلق رأى روبن نيبليت، مدير مركز تشاتم هاوس، في مقاله أن إدارة العلاقات مع الصين فور انتهاء أزمة فيروس كورونا ستكون واحدة من أكبر التحديات التى تواجه القادة السياسيين في الولايات المتحدة وأوروبا، وهما من أكثر المناطق تضررًا من الفيروس الذى نشأ في الصين، فظل تفاقم التدهور في العلاقات، خاصة بعد وقف الرئيس ترامب للتمويل الأمريكى لمنظمة الصحة العالمية لاتهامه لها بالسماح بتدخل الصين في عملياتها.
تعميق الشكوك
رأى نيبليت أن رئيس الولايات المتحدة ورؤساء الدول الأوروبية يرون في فيروس كورونا فرصة لتشديد السياسات ضد الصين بدءًا من عرقلة جميع الاستثمارات الصينية في البنية التحتية في دول مجموعة الخمس، ووقف الاعتماد الدولى على سلاسل التوريد الصينية. كما يعتبرون أن الأزمة أثبتت صحة اعتقادهم فالصين بأنها دولة لا تستحق أن تعامل كشريك عالمى. ومن هذا المنطلق يمكنهم الترويج لحقيقة أن مسئولى الحزب الشيوعى الصينى في ووهان هم من فضلوا الحفاظ على النمو الاقتصادى على حساب مواجهة فيروس كورونا، فقاموا بإخفاء التقارير التى تثبت إمكانية انتقاله من إنسان إلى آخر، كما أساءوا للدكتور لى وين ليانج الذى حذر من هذا الفيروس واتهموه بنشر الشائعات.
كما يمكنهم تسليط الضوء على حرص الصين على حرمان تايوان من التصويت في منظمة الصحة العالمى، والذى حال دون مساهمة الأخيرة في التحليل المبكر للأزمة، وكذلك طرق استغلال الصين دعمها الطبى للدول المصابة بالفيروس لتحقيق مكاسب دبلوماسية. ويمكنهم عرض الرد الصينى على العبارات الاتهامية لها مثل «الفيروس الصينى، سلاح بيولوجى مسرب، تشيرنوبل الصينى». حيث قام ذلك الرد على معلومات مضللة وسعى الدبلوماسيون الصينيون لنشر هذه المعلومات على نطاق واسع وإخفاء المعلومات والإحصائيات الحقيقية حول الفيروس بدلًا من تحرى الدقة والشفافية.
ورغم أن تصعيد الاتهامات قد يحقق بعض المكاسب للدول الأوروبية والولايات المتحدة، إلا أنه محفوف بالمخاطر، خاصة للأخيرة والتى تقبل على انتخابات رئاسية، لعدة أسباب: أولًا، فك الارتباط الوثيق بين الولايات المتحدة والصين اقتصاديًا من شأنه أن يجعل عملية التعافى بعد فيروس كورونا أكثر صعوبة؛ لأن الصين تمثل ما يقرب من ٢٠ ٪ من الناتج المحلى الإجمالى العالمى، وبرغم الأزمة المالية العالمية في عام ٢٠٠٨، التى أدت إلى كساد اقتصادى كبير في أغلب دول العالم، إلا أنها أصبحت بسرعة أكبر سوق استهلاكية في العالم، بما جعل اقتصاديات الدول شديدة الارتباط والتأثر بها. وكى تتخذ الدول الأعضاء في مجموعة السبع، أو مجموعة العشرين تدابير التحفيز المالى، يجب عليها بدايةً التنسيق مع الإجراءات الصينية. ثانيًا، العلماء الصينيون هم أول من كشف الشفرة والوراثية للفيروس، وشاركوا هذا الاكتشاف مع منظمة الصحة العالمية في ١٢ يناير ٢٠٢٠، بما مكن من بدء الاختبارات الفعالة في جميع دول العالم لإيجاد لقاح له. كما أنهم يشاركون بالفعل في البحث العالمى عن اللقاح إلى جانب العلماء الأمريكيين والأوروبيين. وفى الوقت الذى يتم فيه اتهام الحكومة الصينية وانتقادها، فإن المواطنين والشركات الصينية يساهمون في التقدم التقنى في هذا القرن.
ثالثًا، إذا تسبب فيروس كورونا في خلق انقسام طويل الأمد بين الصين والولايات المتحدة والدول الأوروبية، فإن هذا من شأنه أن يلحق ضررًا بالغًا بالنظام العالمى. فقد تصبح الصين –على إثر هذا الانشقاق- أقل استعدادًا في خفض انبعاثات الغازات الدفيئة على الصعيد العالمى، أو مشاركة تكنولوجيا الطاقة المتجددة، مساعدة الدول الأفريقية وغيرها من البلدان النامية على النمو المستدام، أو المساعدة على بناء بنية تحتية صحية عالمية أكثر فعالية من الموجودة حاليًا.
تصحيح التوازن
يرى «بليت» أن أزمة فيروس كورونا يمكن أن تصبح نقطة تحول نحو اتباع نهج أكثر تماسكًا وتعاونًا تجاه الصين، يكون شعار هذا النهج «احذر ولكن شارك». فينبغى أن تكون هناك بالفعل قيود على الاستثمار الصينى المدعوم من الدولة في القطاعات الاقتصادية الإستراتيجية الأمريكية والأوروبية، تمامًا كما تحد الصين من وصول الغرب إلى سوقها. ولكن الهدف لا بد وأن يكون خفض الحواجز أمام التجارة والاستثمار مع مرور الوقت على أساس المنفعة المتبادلة والشفافية، وليس إعادة خلق حرب باردة اقتصادية. كما ينبغى أن الدعوة لمراقبة انتهاكات حقوق الإنسان في الصين، في الداخل والخارج ونشر عيوب النظم الصينية التى تنتهك حقوق المواطنين وتقوم بمراقبتهم لتوضيح طبيعة الدولة التى تريد أن تكون أكثر شعبية في عالم ما بعد فيروس كورونا، ويجب عليهم انتقادها مع إبراز أهمية البدائل الأمريكية والأوروبية. ورأى أيضًا أن وصول الصادرات الصينية إلى الأسواق الدولية يجب أن يكون مشروطًا بتحسين الصين لمعايير الصحة النباتية التى تحمى البشر والحيوانات من الأمراض أو الآفات. ويجب على الولايات المتحدة الأمريكية والدول الأوروبية الأخذ في الاعتبار أن محاولة الانفصال عن الصين سيؤدى ليس فقط إلى انقسام أوروبا وأمريكا، بل سيمكن الصين من تحقيق الهيمنة عبر المحيط الأطلسى مع انحسار فيروس كورونا، والنمو بعيدًا عنهم في وقت سيتعين عليهم العمل على تلافى الأضرار.
ويرى «بليت» أنه بالنظر إلى أن الصين من المرجح أن تكون أكبر اقتصاد في العالم في عام ٢٠٣٠، فإن الكيفية التى تدير بها الولايات المتحدة والدول الأوروبية لعلاقاتهما مع الصين بعد أزمة كورونا هى موضع تساؤل. وبالنظر إلى ما واجهوه بعد عام ١٩٤٥ مع الاتحاد السوفيتى عندما أصبح قوة عسكرية عظمى ومنافسًا للولايات المتحدة، كان الاحتواء إستراتيجية قابلة للتطبيق وناجحة في نهاية الأمر؛ حيث أدت إلى انهيار الاتحاد وانتصار الولايات المتحدة في الحرب البادرة التى دامت لعقود عدة، نظرًا لأنه لم يكن قوة اقتصادية. لكن هذه الخيارات غير موجودة في الحرب مع الصين، هذه المرة لن تتمكن الولايات المتحدة وحلفاؤها من الانتصار، بل ولن يكون هناك فائزون من حرب باردة جديدة مع الصين، وهو ما يجب أن يدركه جميع الأطراف وبالتبعية يجب عليهم إدراك أن تجنب الحرب ضرورة لا مفر منها، وأن التعاون بين المعسكرين هو السبيل الوحيد لتفادى الخسائر الفادحة.