الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

البوابة القبطية

هل يعود أصل التكريم المريمي في مايو إلى الغرب أم الشرق؟

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
دون المركز الكاثوليكي بلبنان عبر صفحته الرسمية، الاجابة على سوال "هل يعود أصل التكريم المريمي في مايو إلى الغرب أم الشرق؟"، بقوله: نرى الكنيسة تحيط مريم بإكرام خاص، وذلك منذ أقدم العصور، وهي على حق في ذلك وتكرّم الكنيسة مريم، ويلجأ المؤمنون إلى حمايتها، ويتضرّعون إليها في جميع الإخطار والحاجات. هذا الإكرام فريد النوعيّة: فهو يحوي ما يربط في العمق بين أمّ المسيح والكنيسة، ويُعبّر عنه؛ وإذ هي عذراء وأمّ في آن، تظلّ مريم في الكنيسة “المثال الدائم”. وبالتالي، يمكن القول، انطلاقًا، من هذه الرؤية، أعني من مريم “كمثال” “وصورة”، أن والدة الإله الحاضرة في سرّ المسيح، تظل دومًا حاضرة في سرّ الكنيسة، لأن الكنيسة، أيضًا، تدعى “أمًّا وعذراء”. هذه التسميات لها جذورها العميقة في الكتاب واللاهوت”. (البابا يوحنا بولس الثاني، رسالة أمّ الفادي).

مع حلول شهر مايو من كل عام، يحتفل المؤمنون بالشهر المريمي من خلال المشاركة في القداديس والصلوات وإنشاد الترانيم للعذراء مريم والدة الله، في هذا الشهر المبارك الذي كُرّس لها.

ولعلّ الكنائس الغربيّة لم تعرف هذا التكريس قبل القرن الثامن عشر في حين كانت الكنائس الشرقيّة تكرّس 3 أشهر من السنة لمريم العذراء، إذ ورد في ترنيمة ليتورجيّة مارونيّة قديمة: “ليكن تذكار المباركة ثلاث مرّات في السنة: في كانون، يكون تذكارها على الزروع (سيّدة الزروع) وفي أيّار، يكون على السنابل (سيّدة الحصاد) وفي آب، يكون تذكارها على العناقيد (15 آب) بما أن هذه العناقيد تصوّر سرّ الحياة (الإفخارستيا)”.
من هنا، يمكننا استنتاج أن الكنائس الشرقيّة كانت تعيّد لمريم العذراء في شهر أيّار قبل أن تتبنّاه الكنائس الغربيّة.
التكريم المريمي بين الكنائس الغربيّة والشرقيّة
في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، بدأت العبادات الشعبيّة بتكريس الأشهر لقديسين، نذكر منها على سبيل المثال: تكريس آذار للقديس يوسف (نال موافقة البابا بيوس التاسع في 12 حزيران 1855)، وتكريس تشرين الأوّل للورديّة في إسبانيا (نال موافقة البابا بيوس التاسع في 28 تمّوز 1868، ومن ثم، شجّعه البابا لاوون الثالث عشر في العام 1883)، وتكريس حزيران لقلب يسوع في باريس في العام 1833 (نال موافقة البابا بيوس التاسع في 8 أيّار 1873)، وتكريس آب لقلب العذراء الطاهر (أعلنه البابا بيوس التاسع في أيلول 1857).
أمّا أيّار، فكان الشهر الأوّل الذي يكرّس بأكمله من أجل إكرام شخص ما، وقد بدأ هذا التكريم يظهر بقوّة في روما، بمبادرة من الآباء اليسوعييّن، وانتقل إلى الولايات التي كانت خاضعة للسلطة البابويّة، ومنها إلى كل العالم الكاثوليكي.
كانت الكنائس الغربيّة تكرّم مريم في خلال أيّار، بطريقة متواضعة من دون انتشار واسع، ويشهد تاريخ الكنيسة على التكريم المريمي:
في القرن الرابع عشر، كان الراهب الدومينيكي هنري سوزو يدعو المؤمنين، في خلال الربيع، إلى تحضير أكاليل من الزهر والورود للعذراء الطاهرة.
في العام 1549، كان القديس فيليب نيري يدعو الشبيبة إلى تكريم العذراء في أيّار، جامعًا الأطفال والشبيبة حول مذبح العذراء ليقدّموا لوالدة الله الفضائل الروحيّة التي يتوقون إلى عيشها، مع تقدمة الورود.
في الألزاس، كانت المكرّسات يجمعن الورود لتزيين مذابح العذراء في خلال أيّار.
في القرنين السادس عشر والسابع عشر، بدأ الكبّوشيّون والفرنسيسكان يهتمّون بهذا الشهر، فكتب راهب كبّوشي ثلاثين قصيدة مريميّة لتكريم العذراء في أيّار.
في نابوليّ، بدأ الفرنسيسكان يرفعون صلاة فرض العذراء في كنيسة القديّسة كلارا الملكيّة.
أمّا الدومينيكان، فبدءوا، في العام 1701، في مدن فييزوله وغريزانا وفيرونا وجنوا الإيطالية بتكريم مريم في أيّار.
وبدأ اليسوعيّون بطباعة كتب عن الشهر المريمي ونشرها في روما، أوّلها كتاب “الشهر المريمي” في العام 1724 للأب جاكوليه، ومن ثم، انتشرت سلسلة من الكتب التقويّة في روما والمدن الإيطاليّة كلّها.
وترجمت هذه الكتب إلى اللغات الأخرى لتساعد المؤمنين على التأمّل في فضائل العذراء والاقتداء بها من خلال الصلوات والتأمّلات في خلال أيّار.
الكنيسة واجهت أعداءها عبر التكريم المريمي
من إيطاليا، انتقل هذا الإكرام المريمي في أيّار إلى فرنسا عشيّة الثورة الفرنسيّة، على يد الطوباويّة لويز دو فرانس، ابنة الملك لويس الخامس عشر ورئيسة كرمل مدينة سان دينس.
بعد الثورة، عمل الكرسي الرسولي على تشجيع التقوى والتكريم المريمي كسبيل لمواجهة العداء ضد المسيحيّة والكنيسة، على الرغم من معارضة الكثيرين.
وكان الإكليروس الجمهوري من أبرز المعارضين (هم أفراد عيّنتهم الثورة كرعاة للكنيسة بدل الرعاة الأصليّين الذين أعدموا أو تمّ نفيهم إلى خارج فرنسا)، والأسقف بلماس، أو “الأسقف الدستوري” كما دُعي، لأنه عُيّن حسب دستور الثورة.
وبقي هذا العداء للشهر المريمي، والسلطة الكنسيّة، حتى بعدما نال موافقة البابا بيوس السابع عليه.
عندما حاول الكهنة إدخال الإكرام المريمي إلى المدرسة الإكليريكيّة من دون موافقة الأسقف بلماس، كان من المفترض أن يُفتتح هذا الشهر باحتفال كبير، فأضيئت الشموع، لكن بلماس جاء بنفسه، وأطفأ الأنوار، وطرد الكهنة والمؤمنين، ومنع الاحتفال.
في الشرق، اكتسب التكريم المريمي أهميّته نتيجة لعمل المرسلين والمبشّرين اللاتين، من يسوعيّين وكبّوشيّين وفرنسيسكان ودومينيكان وآباء لعازريين، فانتشرت هذه العادة في ربوعنا، وأصبح أيّار شهر مريم، وهو لم يكن بجديد على الشرقيين الذين بدءوا بتكريم مريم في أيّار قبل دخول هذه العادة إلى الكنائس الغربيّة بنحو ألف سنة.