السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

تقارير وتحقيقات

هل تقتنص مصر الفرصة بعد أزمة كورونا.. خبراء: قادرون على الانطلاق الاقتصادي.. صعود صيني على حساب الغرب.. وانهيار الدولار وتفاقم أزمة الديون

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
تزامنا مع توقعات أن يؤدى انتشار فيروس كورونا إلى تغييرات عالمية خاصة في المجال الاقتصادى، دول ستصعد واقتصاديات بلاد سيحل بها الهبوط، بحسب تقديرات المؤسسات المالية العالمية، فتشير التوقعات إلى استمرار الأزمة ما بين ثلاثة إلى ستة أشهر، يبدأ بعدها الاقتصاد في النمو، ليعوض خسائر الربعين الأول والثانى من العام.
وسط تلك التوقعات المتشائمة، تولد فرص لبعض الدولة للنمو، ومنها مصر، التى نجحت في تطبيق برنامج إصلاح اقتصادى، حمى الدولة من التأثيرات السلبية العنيفة جراء كورونا.
«البوابة» استطلعت آراء مجموعة من الخبراء الاقتصاديين وحاولت الوصول إلى قلب الأزمة والوصول إلى التحليلات الأقرب للواقع والأكثر تأثيرا على العالم أجمع، وفرص مصر بعد الأزمة.


يرى الدكتور عبدالمنعم السيد، مدير مركز القاهرة للدراسات الاقتصادية، أن العالم الآن يمر بمرحلة من مراحل الكآبة الاقتصادية والكساد والركود وعمليات البيع والشراء تأثرت بقوة، وهناك قطاعات انهارت بالكامل مثل قطاع الطيران وقطاع السياحة. موضحا أن الأرقام تشير إلى أن الناتج المحلى الإجمالى انخفض من ١٥ إلى ٢٠ ٪ خلال الأسابيع السبعة أو الثمانية الأخيرة مع تفشى الوباء في العالم، وخفض البنك الدولى وصندوق النقد الدولى التوقعات حول النمو الإجمالى العالمى من ٣.٦ إلى ٢.١، وهذه التوقعات حتى الآن، فمن المتوقع أن تنخفض أكثر من ذلك، حال استمرار الأزمة.
وأوضح مدير مركز القاهرة أن المؤسسات العالمية أيضا كانت لديها توقعات متدنية لسوق الاستثمارات في العالم، فلا استثمارات جديدة بعد تفشى كورونا، وكل المستثمرين يحتفظون بالسيولة ولا يتم ضخها في استثمارات جديدة، ومن هنا فإن الأزمة الحالية تكشفت عنها العديد من النتائج أهمها، أن القوى العظمى لم تعد قوى عظمى بعد انتشار المرض لديها، وعدم قدرتها على السيطرة على المرض، ومع توقعات بأن تستمر الأزمة حتى يونيو المقبل، فمن المؤكد أن تؤثر الأزمة على اقتصاديات الدول الكبرى وبخاصة القارة الأوروبية، والتى انخفضت فيها معدلات النمو لأكثر من ١٪ ومعدلات الوفاة تجاوزت الآلاف وبدأت دول الاتحاد الأوروبى تتفكك فظهر ضعف القارة العجوز في مواجهة الفيروس ومعدلات النمو انخفضت ومعدلات الوفاة زادت كثيرا.
وتوقع «السيد» أن يتفكك الاتحاد الأوروبى أو على الأقل تغير مفاتيح اللعبة أو القوى، فدول الاتحاد الأوروبى التى تفشى بها كورونا لم تجد الدعم من الاتحاد أو دولة، وهو الأمر الذى سيكون له عواقبه فيما بعد.
وقال: هناك العديد من الدول انخفضت معدلات نموها ضمن تداعيات المرض مثل إيطاليا وأسبانيا ولم تجد من يدعمها الأمر الذى يعد متوقعا بعدما تفشى الفيروس في معظم دول القارة الأوروبية، فأصبح انهيار أو تفكك الاتحاد قاب قوس أو أدنى.
وتابع "السيد": أن الصين تعد ثانى أكبر اقتصاديات العالم وتساهم في الناتج العالمى الإجمالى بنحو ١٧.٥٪ وتصدر للعالم بمبالغ تصل لـ٢٧ تريليون دولار.
ومن المتوقع أن تستحوذ الصين وكذلك روسيا على أسهم معظم الشركات العالمية، وهو ما تم بالفعل حينما بدأت في شراء أسهم الشركات الأجنبية العاملة في السوق الصينية، وهو الأمر الذى سينعكس على تغير هيكل ملكية الشركات الكبرى والعالمية.
إعادة هيكلة الشركات 
وأكد الخبير الاقتصادى أن الشركات الكبرى سيتغير هيكل ملكيتها وسيغلب عليه الجانب الصينى، أو بالأحرى لن يكون للجانب الأوروبى السيطرة كما كان على الشركات الكبرى، وصعود الصين يأتى في ظل غياب ملحوظ للولايات المتحدة، والوضع الاقتصادى أصبح مهددا. 
وأضاف أن انهيار الدولار وتراجعه أصبح مؤكدا في ظل الأزمة، وسيكون من أهم تداعيات الأزمة التى تعصف بالاقتصاد العالمى، وذلك بعد تراجع الدور الأمريكى السياسى في العالم خلال أزمة تفشى وباء كورونا.
وتوقع «السيد» تفاقم أزمة الديون في العالم بعد الأزمة في ظل احتياج المستثمرين لسيولة مالية ستكون الولايات المتحدة مطالبة بتسديد أموال للحائزين على أذون الخزانة وغيرها من السندات الأمريكية، وهنا ستبدأ أزمة الديون في التفاقم.
هيمنة صينية 
وأشار الخبير الاقتصادى إلى أن الأزمة أظهرت أن الصين المسيطرة خلال الـ٢٠ عاما الأخيرة على السلاسل الإنتاجية، وهى المسيطرة على سوق إنتاج معظم الماركات العالمية مثل هواتف آيفون وسيارات مرسيدس، وأدرك العالم أن الصين مسيطرة على إنتاج معظم المنتجات العالمية.
وأكد أن العالم في هذا الوقت أدرك خطورة توقف مصانع الصين الأمر الذى كبد الشركات العالمية الكثير من الخسائر وهو ما سيدفع الشركات للبحث عن أسواق جديدة لبناء مصانع وضخ استثمارات بدلا من الصين.
فرصة ذهبية 
ويرى الخبير الاقتصادى أن مصر لديها فرصة ذهبية بعد زوال الأزمة، حيث سيكون أمام مصر فرصة ذهبية سانحة لجذب المزيد من الشركات والاستثمارات التى ترغب في التخارج من الصين والبحث عن أسواق بديلة لضخ استثماراتها. 
وأوضح: «العالم سيفكر كثيرا في الاستغناء عن الصين وطرح استثمارات في أماكن أخرى لضخ الاستثمارات، والتوجه العام على مستوى العالم لمجموعة من الدول وهى الهند وبنجلاديش وفيتنام، ومن الممكن أن تدخل مصر في المنافسة، وتكون سوق بديلة بجانب الصين».
ويتابع السيد قائلا: «أوروبا لن تستطيع فعل ذلك بمفردها نتيجة لقلة عدد العمالة نتيجة لارتفاع معدل السن في أوروبا وقلة عدد الشباب، بالإضافة لارتفاع أجور العمالة، وهو الأمر الذى يضع معضلة أمام القارة الأوروبية ولهذا فإذا نجحت مصر في اقتناص الفرصة والاستحواذ على جزء من هذه الاستثمارات واستقطاب مجموعة من الشركات العالمية الكبرى إلى أراضيها سيعطى ثقلا كبيرا للسوق المصرية».

مصر تستطيع 
وأكد «السيد» أن مصر قادرة على تحويل المحنة إلى منحة بجذب هذه الاستثمارات إلى المشروعات الكبرى مثل تنمية محور قناة السويس، فإذا نجحنا في هذه المساعى سنكون نجحنا في توطين التكنولوجيا بالإضافة إلى خلق رواج تجارى على قناة السويس وتوفير الآلاف من فرص العمل للشباب المصرى وتزويد معدلات التشغيل وتقليص معدل البطالة وزيادة في الناتج المحلى الإجمالى وتزويد الدخل القومى من خلال زيادة معدل الصادرات.
وتوقع الخبير الاقتصادى أن تكون الهند رقم ٢ أو ٣ على مستوى العالم نتيجة لامتلاكها المقومات الكافية للتقدم في الاقتصاد العالمى، كما أن القارة الأفريقية هى الأقل من حيث معدل الإصابات والوفيات، وذلك لأنها أصبحت ليست موطن للمعادن والمواد الخام فقط، ولكن سوق كبيرة للاستثمار.
ويلفت الخبير إلى أنه «على مصر أن تتخذ خطوات جادة لجذب المزيد من الاستثمارات، فبعد أن هيأت مناخ الاستثمار، يجب أن تكون هناك وزارة مستقلة ومختصة بالاستثمار والتنمية الاقتصادية تستطيع استقطاب كم كبير من الاستثمارات اللازمة لتحقيق تنمية اقتصادية حقيقية في مصر وتسويق الفرص الاستثمارية وتسهيل إجراءات التراخيص، ومناشدة الشركات العالمية لعمل المشروعات، وتشجيع الاستثمار من خلال منح إعفاءات ضريبية لمدة عامين على الأقل، وتوفير الأراضى بأسعار زهيدة
ويتابع السيد: نتمنى بعد الأزمة أن نجد في مصر مصنعا لشركة أبل وإنتاج هواتف آيفون من داخل مصر، ومصنعا لشرطة مرسيدس وسامسونج وكل الماركات العالمية، على أن تكون عملية التصنيع بالكامل في مصر من أجل توطين التكنولوجيا والصناعات العالمية لمختلف الأجهزة والإلكترونيات.
تعظيم الصناعات المحلية 
وشدد «السيد» على أن المكون الصناعى المحلى سيكون من أكبر الدروس المستفادة في هذه الأزمة، فظهرت أهمية الصناعة بعد الأزمة كذلك ضرورة الاعتماد على التصنيع المحلى بعد توقف الصادرات الصينية خلال الأزمة أصاب العالم بشلل في معظم القطاعات، ومن هنا نقول إن الصناعة التى تسهم بنحو ١٨٪ من الناتج المحلى الإجمالى لمصر، والتى ارتفعت بواقع ٧ ٪ خلال السنوات التى تلت عام ٢٠١١.
ومن المتوقع أن تحقق الصناعة معدل نمو يصل إلى ٣٥٪ وفقا لإستراتيجية التنمية المستدامة التى اعتمدتها الدولة ٢٠٣٠، ومن هنا نقول إن الاهتمام بالصناعة والزراعة هو عصب الاقتصاد، ففى الأزمات السياحة والطيران وقناة السويس نتيجة ضعف حركة السفن حول العالم وغيرها يتراجع مما يعيد التفكير في القطاعات الأساسية مثل الصناعة والزراعة.
ويرى «السيد» القرارات الخاصة بمنع تصدير بعض المحاصيل والمنتجات مثل البقوليات والكحوليات، نتيجة لاحتياج مصر لهذه المنتجات، وفى حال تزويد وتوسيع الرقعة الزراعية، والاجتهاد في تنمية الصناعة والزراعة تستطيع مصر الوصول لأن تكون واحدة من الدول العشرين صاحبة الاقتصاد الأكبر في العالم. 



موازين القوى 
وأكد الخبير الاقتصادى، شريف الدمرداش، أن الحالة التى يشهدها العالم الآن أشبه بما حدث بعد أحداث ١١ سبتمبر وما تبعها من تغير في الواقع السياسى والاقتصادى وموازين القوى الدولية. وقال إننا مقبلون على عالم جديد كليا وكذا مفاهيم اقتصادية واجتماعية جديدة بالكامل، وهناك العديد من المعطيات التى برزت في السطح.
وأوضح: «تصورى أن هناك توازنا جديدا سينشأ في القوى العالمية وخصوصا في التكتل الأوروبى الغربى والناتو وهو الذى كان يرتبط بالولايات المتحدة ارتباط لصيق إلا أن هذا الارتباط تزعزع، ولأول مرة يصدر تصريح «نحن وأنتم» من رئيس لأمريكا وهو من رئيس لأمريكا وهو ترامب، والتى تفض التوأمة التاريخية مع أوروبا بالتأكيد».
ويرى الخبير الاقتصادى أن «بعد الأزمة انحاز معسكر من الدول الأوروبية إلى روسيا والصين مثل إيطاليا وصربيا، فالصين اكتسبت أرضية وشعبية جديدة في الأزمة، وجاءت الشعبية من نظرة العالم للصين على قدرتها في التعامل مع الأزمة، وانهارت الهالة الموجهة نحو الديمقراطية وأثبتت أحد أشكال الديكتاتورية وهى ديكتاتورية الدولة أو الحزب الحاكم والتى نجحت في التعامل بكفاءة عالية مع الأزمة».
كما أنه من المتوقع انهيار فكرة الرأسمالية البحتة، وظهرت موجة جديدة تدعو لوضع حدود للرأسمالية، الحالة اليابانية أيضا اتخذت خطوات منفردة مختلفة عن باقى تجارب العالم. ويرى الدمرداش أن ألمانيا أيضا استطاعت أن تخرج من الأزمة بأقل عدد من الوفيات في أوروبا، فأثبتت ألمانيا قوتها.
نظام عالمى جديد
وأضاف الدمرداش: «المشهد الحالى يسفر عن نظام عالمى واقتصادى جديد، المنطقة العربية لن تتأثر كثيرا كما حدث خلال أزمات سابقة على غرار الأزمة الاقتصادية في ٢٠٠٨، ولكن شكل العالم وموازين القوى ستتغير».
وتابع: «ظهور نظام اقتصادى جديد مرجح بقوة، وسينشأ اقتصاد جديد تماما، وأمريكا من أكثر الدول التى تتعامل مع الفيروس بواقعية، فالأهم في الأزمة هو الجانب الاقتصادى، وهناك نظم اقتصادية بالكامل من المحتمل أن تسقط في أعقاب الأزمة، فأمريكا استطاعت أن تحقق الكثير من المكاسب من الأزمة الحالية، فبعد أن خفضت أسعار الفائدة على السندات الأمريكية والاستثمارات الأجنبية في أذونات الخزانة الأمريكية حيث حققت ما يزيد على ٣ تريليون دولار في ضربة واحدة، وذلك بتخفيض بسيط للغاية على أذونات الخزانة».
سقوط أوروبا
وأكد الخبير الاقتصادى أن الصراعات فيما بعد الحرب ستسفر عن سقوط أوروبا، كما سيربح من ينجح في تطوير لقاح معالج للفيروس، وبالحديث عن المكاسب فإن الصين حققت مكاسب من انهيار البورصات العالمية وهى شراء الأسهم الغربية في بورصات الصين، وبعد أن حققت علاقات جديدة مع القارة الأوروبية استطاعت أن تكسب حلفاء على علاقات وثيقة أكثر من أى وقت مضى وذلك بعد أن قدمت لكبرىات الدول الأوروبية الدعم الطبى والمساعدات.
وتابع: «اقتصاديا كسبت الصين من الأزمة أكثر من خسائرها، فلم تحل أى قوى اقتصادية في العالم محل الصين وفى الوقت الذى توقفت فيه صادرات الصين لم تنجح أى من تلك القوى الصناعية والاقتصادية في العالم في توفير ما كانت تقدمه الصين».
الصناعات المحلية 
وشدد «الدمرداش» على أن الصناعات المحلية هى طوق النجاة من الأزمة الحالية، والدولة التى تستطيع أن تحقق الاكتفاء الذاتى صناعيا وزراعيا هى الدولة التى ستخرج من الأزمة رابحة، وأى تفكير خارج هذا الصندوق سيعد تفكيرا فاشلا، والدول التى ستستطيع توفير احتياجاتها الأساسية من احتياجات غذائية وطبية وخلافه هى التى ستنجو من الأزمة. ويرى أن الواقع اليوم له قواعد هى أننا محكومون باعتبارات متعددة منها المواد الخام والتكنولوجيا اللازمة للصناعات المختلفة، ولكن مع كل تلك الاعتبارات فإن الأزمة أثبتت أن استمرار الدول يعود في الأساس إلى قدرتها على توفير احتياجاتها دون الحاجة لغيرها، ومن لم يعى الدرس لن يستطيع أن يستمر في ظل الأزمات التى تواجه العالم.
الصحة أساس التقدم
ويوصى الخبير الاقتصادى الدكتور شريف الدمرداش بضرورة الاستفادة من الدروس التى خلفتها الأزمة، ويؤكد أن الدرس المستفاد الأهم هو أن التجربة أثبتت أن المنظومة الصحية والبحث العلمى هما أساس حل كل الأزمات التى من الممكن أن تواجهنا في المستقبل، ومن هنا يجب العمل على تقديم كل الدعم للقطاع الصحى والتعليم والبحث العلمى من أجل تحقيق تنمية حقيقية تستطيع أن تضعنا بين الدول الكبرى، فلا مكان للجهلاء في هذا العالم في المستقبل الفرى، فالتعليم والصحة والبحث العلمى هى أساس تقدم الدول، والسعى للإنتاج وتغطية الاحتياجات الأساسية للدولة هما الحل الوحيد لضمان استقرار الدول.