الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ثقافة

تراثيات| "كلكم ورم أنفه".. أبو بكر الصديق يشكو من خوف الناس لخلافة الفاروق

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
عن عبد الرحمن بن عوف قال: دخلت على أبي بكر الصديق رضي الله عنه في علته التي مات فيها يومًا، فقلت له: أراك بارئا يا خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: أما إني على ذلك لشديد الوجع، ولَمَا لقيت منكم يا معشر المهاجرين أشد عليَّ من وجعي، إني وليت أموركم خيركم في نفسي، فكلكم ورم أنفه أن يكون له الأمر من دونه، والله لتتخذن نضائد الديباج، وستور الحرير، ولتألمُن النوم على الصوف الأذري كما يألم أحدكم النوم على حسك السعدان، والذي نفسي بيده لأن يقدم أحدكم فتضرب عنقه في غير حد خير له من أن يخوض غمرات الدنيا، يا هادي الطريق جرت، إنما هو والله الفجر أو البحر. فقلت: خفِّض عليك يا خليفة رسول الله، فإن هذا يهيضك إلى ما بك، فوالله ما زلت صالحًا مصلحًا لا تأسى على شيء فاتك من أمر الدنيا، ولقد تخليت بالأمر وحدك فما رأيت إلا خيرا.
أورد ذلك النص أبو العباس بن المبرد ضمن نصوصه الأدبية المختارة في كتابه "الكامل"، وهو يتحدث عن تولية الخلافة لعمر بن الخطاب وقد اختاره أبو بكر الصديق، وعلق المبرد على النص بشرح كلماته الغامضة قائلا: قوله "نضائد الديباج" واحدتها نضيدة وهي الوسادة، وما ينضد من المتاع، ويقال نضدت المتاع إذا ضممت بعضه إلى بعض، هذا أصله، قال الله تبارك وتعالى "لها طلع نضيد" وقال عز وجل "في سدر مخضود وطلح منضود".
وقوله "على الصوف الأذري" فهذا منسوب إلى أذربيجان وكذلك تقول العرب، وقوله "على حسك السعدان" فالسعدان نبت كثير الحسك تأكله الإبل فتسمن عليه ويغذوها غذاء لا يوجد في غيره، فمن أمثال العرب "مرعى ولا كالسعدان"، ويروى في بعض الحديث أنه يُؤمر بالكافر يوم القيامة فيسحب على السعدان والله أعلم بذلك. قال أبو الحسن: السعدان نبت كثير الشوك كما ذكر أبو العباس المبرد ولا ساق له إنما هو متفرش على وجه الأرض.
وقوله "إنما هو والله الفجر أو البحر" يقول إن انتظرت حتى يضيء لك الفجر الطريق أبصرت قصدك، وإن خبطت الظلماء وركبت العشواء هجما بك على المكروه، وضرب بذلك لغمرات الدنيا وتحيير أهلها. وقوله "يهيضك" مأخوذ من قولهم هيض العظم إذا جبر ثم أصابه شيء يعنته فآذاه، كسره ثانية. وقوله "فكلكم ورم أنفه" يقول: امتلأ من ذلك غضبا وذكر أنفه دون السائر كما يقال فلان شامخ بأنفه.
وكتاب المبرد يجمع قطوفا أدبية، حيث يقول المؤلف في مقدمته: "هذا كتاب ألفناه يجمع ضروبا من الآداب ما بين كلام منثور، وشعر مرصوف، ومثل سائر، وموعظة بالغة، واختيار من خطبة شريفة، ورسالة بليغة، والنية فيه أن نفسر كل ما وقع في هذا الكتاب من كلام غريب أو معنى مستغلق، وأن نشرح ما يعرض فيه من الإعراب شرحا شافيًا حتى يكون هذا الكتاب مكتفيا بنفسه، وعن أن يرجع إلى أحد في تفسيره مستغنيا وبالله التوفيق والحول والقوة".