الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

البوابة القبطية

الأب أغناطيوس أوفي يكتب خصوصيات أسبوع الآلام في الطقس السّريانيّ

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
يكتب الأب أغناطيوس أوفي خصوصيات أسبوع الآلام في الطقس السّريانيّ.
كما كنّا قد بدأنا زمن صومنا الكبير أو زمن صومنا الأربعينيّ المقدّس بفرحٍ في أحد عرس قانا الجليل ودهنا جباهنا بزيت الفرح من خلال رتبة اثنين المسامحة اختتمنا صومنا بفرح أحد السعانين من خلال رتبة تبريك أغصان الزيتون؛ أغصان السّلام.
أُسبوع الآلام
وعصر أحد الشعانين أي بعد صلاة مساء إثنين الآلام الخلاصيّة كنّا قد بدأ بفرحٍ آخر من خلال رتبة النهيرة (أو الوصول إلى الميناء) الّتي فيها حملنا شموعنا المضاءة وزيت أعمالنا وسرنا لاستقبال الختن (أو العريس يسوع) كالعذارى العشر (الجاهلات والعاقلات). وبتلك الرتبة انتقلتنا من زمن الصوم الّذي سرنا فيه كمؤمنين متعبين ومضنوكين، ووصلنا في نهايته إلى الميناء، إلى برّ الأمان حيث الرّجاء والخير من أجل تحقيق الخلاص. وفي نصوصها وجدنا العديد من الإشارات للميناء الّذي يدلّ إلى أُسبوع الآلآم والقيامة حيث وجدنا كمؤمنين متعبين من الصوم مكان راحتنا وخلاصنا وأماننا وسلامنا.
ففي زمن الصوم كنّا قد توقّفنا عند حقيقة يسوع عامل الآيات ومجترح المعجزات، وها نحن في هذا الزمن الليتورجيّ الجديد (أي أُسبوع الآلام) المستقل عن زمن الصوم ننتقل إلى معرفة يسوع الفادي المتألّم حبًّا بنا.
أسماؤه وعظمته ورتبه ومضامينه
أُسبوع الآلام أو كما يُسمّى أيضًا بأسماء أُخرى كأُسبوع القيامة، وأُسبوع الآلام العظيمة، وأُسبوع الآلام الخلاصيّة والأُسبوع العظيم.
يُعتبر بحقّ أعظم الأسابيع نتيجة غناه الّذي هو من غنى السرّ الّذي نحتفل به؛ سرّ المسيح المصلوب الفادي الّذي لم يكتفي بالتألّم والموت من أجلنا وعوضًا عنّا بل وهبنا جسده غذاءً ودمه شرابًا لحياتنا.
ويعتبرُ أيضًا أُسبوع رعائيّ بامتياز إذ فيه تكثر الصلوات والتراتيل والقراءات الكتابيّة من كلا العهدين وكلّها تتمحور حول مراحل آلام المسيح منذ تحسّسه بها وتنبؤه عنها إلى حسد الشيطان الّذي دفع اليهود على التآمر عليه، فنزاعه في البستان، فمحاكمته، جلده وظفر إكليل من الشوك على هامته، وحمله الصليب على منكبيه، ثم موته معلّقًا على عود الصّليب …
وتكثر فيه الرتب الرعائيّة من مساء الاثنين أوّل أيّام هذا الأُسبوع وحتّى سبت النور وصباح أحد القيامة وهذه الرتب هي: رتبة النهيرة، ورتبة خميس الفصح، ورتب الجمعة العظيمة: “حمل الصّليب، السّجود للصّليب، دفن الصّليب”، ورتبتنا القيامة والسّلام.
ويتضمّن هذا الأُسبوع كل ما قام به يسوع من أجلنا ومن أجل خلاصنا. حيث أنّ جميع طقوسه ورتبه تجسّد المراحل الأخيرة الهامّة من حياة يسوع الفادي كما تذكرها النُّصوص الإنجيليّة وكما اختبرها المسيحيّون الأوّلون وحفظتها الكنيسة ضمن تقاليدها الحيّة.
فأسبوع الآلام أُسبوع من نوع خاصّ إذن. افتتحه أحد السعانين ورتبة النهيرة ويكلّله أحد القيامة. به يحتفل بسرّ الخلاص كلّه: الآلام والقيامة دون الفصل بينهما. إذ لا معنى للآلام في حياة المسيح الخلاصيّة ما لم ترافقها القيامة وتنتهي بالقيامة.
خصوصيات هذا الأُسبوع في الطقس السّريانيّ
لهذا الأسبوع خصوصياته في الطقس السّريانيّ. ألحانه خاصّة تغلب عليها نبرة الأسى والحزن. صلواته تخلو من أي ذكر خاصّ للعذراء وللقديسين وللموتى. يتلى الإنجيل فيه دون لحن. وفيه يحذّر على المؤمنين تقبيل كلّ من الصليب والإنجيل ويد الأسقف والكاهن. طيلة هذا الأسبوع لا يعطى السلام أثناء القدّاس، ولا تقال عبارة السلام لجميعكم، ولا تتلى التقاديس الثلاثة في جميع صلوات الساعات، حتّى في القدّاس.
تطوّر هذا الأُسبوع في القرون الأولى
لم يكن المسيحيّون من القرن الأوّل وحتّى القرن الثالث يعرفون إلا السهرة الفصحيّة الوحيدة المعروفة بسهرة “ليلة القيامة”. يستذكرون بها عبور المسيح من ظلمة الموت إلى مجد القيامة. وكانوا يستعدّون لهذه الذكرى بصومٍ قصير يقتصر على يومي الجمعة والسبت.
واعتبارًا من القرن الثالث وحتّى الرابع تم تنظيم الأيّام المقدّسة الثلاثة. فخصّص يوم الجمعة لذكرى الصليب، ويوم السبت لذكرى الدفن، ويوم الأحد لذكرى القيامة. وكانت هذه الأيّام الثلاثة تشكّل سويةً عيدًا واحدًا هو “عيد الخلاص”.
وفي القرن الرابع أضيفت رتبة منح العماد ليلة القيامة إلى الاحتفالات الأخرى، تعبيرًا عن عبور المؤمن مع ربّه من ظلام الموت إلى نور القيامة. ثم خلال القرنين الرابع والخامس ثبت أحد السعانين مع المسيرة الشعبيّة – مسيرة السعانين- حسب طقس كنيسة أورشليم، وتوالت بعد ذلك الإضافات والرتب. حيث حدِّدت رتبة الوصول إلى الميناء في يوم الاثنين، ورتبتا غسل الأرجل وتقديس الدهون في يوم الخميس، ورتبة مصالحة التائبين في يومي الخميس والسبت، ورتبتا السجود للصليب والدفن في يوم الجمعة، ورتبة غسل المذبح في يوم السبت. أهمل قسم منها، إلاّ أنّ طقسنا السّريانيّ لا يزال يحتفظ بأغلبيتها ويمارسها.
خاتمة
على غرار آبائنا وأجدادنا نسعى نحن أيضًا اليوم إلى تتبع المراحل الأخيرة من حياة فادينا على الأرض خطوة فخطوة لنعطيها واقعًا يؤثّر في كياننا وإيماننا وروحانيّتنا، وذلك بمشاركتنا مشاركة تامّة في جميع الحالات الإنسانيّة، النفسيّة والروحيّة والجسديّة، التي اجتاز بها في جولته الأخيرة ضدّ قوى الشرّ الّتي كانت قد تركته إلى حين ثم عادت لتشنّ عليه العداء الأخير في أهم المراحل وأشدّها قسرًا.
تحاول الكنيسة أُمّنا أن تضعنا، خاصّةً في هذه الأيّام المباركة، بالقرب أكثر من يسوع، في صراعه وتحسّسه لآلامه، كما وتجعلنا أن نعيش أكثر مع الأشخاص الذين كانوا رمزًا إلى المسيح، ومع النبوءات الّتي تنبأت عنه والرموز الّتي أشارت إليه، عبر مسيرة تاريخ شعب الله في الكتب المقدّسة. الأمر الّذي يساعدنا أكثر على التفكير الأعمق والأوضح، والّذي يحملنا على الاقتداء الأكمل والأجدر بحياة فادينا، وعدم الملل من الإشادة بعجائبه، وأعظمها على الإطلاق سرّ قيامته من الموت، وانبعاثه حيًّا إلى الأبد.