الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

بروفايل

محمد الماغوط.. "تركض ورغيفك يركض"

محمد الماغوط
محمد الماغوط
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
بعد ظهر يوم الثالث من أبريل من العام 2006 أسدل القدر ستاره، ورحل عن عالمنا الشاعر والأديب محمد الماغوط عن عمر يناهز 72 عامًا، وذلك بعد صراع طويل مع مرض السرطان، تاركا تراثا شعريا ومسرحيا أدبيا عظيما.
امتلأت نصوص "الماغوط" بحب الوطن، والثورة وانتقاد سلبيات الأنظمة العربية، كتب عن الغربة، ولا سيما الاغتراب داخل الوطن، كان ذلك محطة أساسية في شعره ممتلئة بالمفردات الثرية، ولقد كتب الماغوط الخاطرة، وقصيدة النثر، وكتب الرواية والمسرحية وسيناريو المسلسل التليفزيوني والفيلم السينمائي، وامتاز أسلوبه بالبساطة وبميله إلى الحزن.
قدم مفهوما مغايرا للقصيدة العربية، فهو من مواليد 12 ديسمبر 1934 في مدينة سلمية التابعة لمحافظة حماة السورية، نشأ في عائلة شديدة الفقر، وكان أبوه فلاحا بسيطا، وعمل أجيرا في أراضى الآخرين طوال حياته.
بدأت بوادر موهبته الشعرية بالتفتح فنشر قصيدة بعنوان "غادة يافا" في مجلة الآداب البيروتية، بعدها قام الماغوط بخدمته العسكرية في الجيش، حيث كانت أوائل قصائده النثرية قصيدة "لاجئة بين الرمال" التي نُشِرَت في مجلة الجندى وكان ينشر فيها أدونيس وخالدة سعيد وسليمان عواد.
شكل اغتيال عدنان المالكي "عسكري سوري" 1955 نقطة تحول في حياة الماغوط حيث اتُهِمَ الحزب القومي السوري الذي ينتمي إليه الماغوط باغتياله في ذلك الوقت، ولوحق أعضاء الحزب، وتم اعتقال الكثيرين منهم، وكان الماغوط ضمنهم، وحُبس في سجن المزة، وخلف القضبان بدأت حياته الأدبية الحقيقية، تعرف أثناء سجنه على الشاعر أدونيس الذي كان في الزنزانة المجاورة.
خلال فترة الوحدة بين سورية ومصر كان الماغوط مطلوبًا في دمشق، فقرر الهرب إلى بيروت في أواخر الخمسينيات، ودخول لبنان بطريقة غير شرعية سيرًا على الأقدام، وهناك انضمّ الماغوط إلى جماعة مجلة "شعر" حيث تعرف على الشاعر يوسف الخال.
في السبعينيات عمل الماغوط في دمشق رئيسًا لتحرير مجلة "الشرطة" حيث نشر كثيرًا من المقالات الناقدة في صفحة خاصة من المجلة تحت عنوان "الورقة الأخيرة" وفي هذه الفترة بحث عن وسائل تعبير أخرى، وأشكال من الكتابة قد تكون أوضح أو أكثر حدة، فكانت مسرحياته المتوالية "ضيعة تشرين"، "غربة"، وفيها أراد الماغوط الكتابة إلى العامة، فاستبطن وجدان وأحزان الإنسان العربي، وزاوج بين العنصر التجريبي والشعبي في كتابة كوميديات ساخرة وباكية في آن معا.
ومن أشهر كتاباته "البدوي الأحمر" الذي يتناول فيه آلام الغربة والوحدة، وتسليط الأدب على معاناة الحياة لاستئصال آفات الزمن ومحاولة معرفة جذور المأساة الإنسانية.
انتشر شعر الماغوط في جميع أنحاء الوطن العربي، فقد كتب قصيدة النثر وتعاطى مع المتغيرات السياسية وصارت كلماته نشيدا على لسان اليساريين في جميع أنحاء الوطن العربي، وقد قال عن قصيدة النثر: "الشعر نوع من الحيوان البري، الوزن والقافية والتفعيلة تدجنه، وأنا رفضت تدجين الشعر، وتركته كما هو حرًا، ولذلك يخافه البعض. وأعتقد أن قصيدة النثر هي أول بادرة حنان وتواضع في مضمار الشعر العربي الذي كان قائما على القسوة والغطرسة اللفظية، كما أن هذه القصيدة مرنة، وتستوعب التجارب المعاصرة بكل غزارتها وتعقيداتها، كما أنها تضع الشاعر وجها لوجه أمام التجربة وتضطره إلى مواجهة الأشياء دون لف وراء البحور، أو دوران على القوافي". 
ومن قصائده بالغة التأثير، وبالغة الغوص في ارتباك وحيرة الإنسان قصيدة "حوار الأمواج" التي قال فيها: "لا أريد أن أكون قذرًا ولا معقما/ فلكل من الحالتين تبعاتها/ في القرى يدعو الأهل على الولد المشاكس أو قليل الهمة:/ لتركض ورغيفك يركض/ ولم أكن أعرف أن رغيفي/ قد يدخل في سباق "دربي" الشهير/ أحيانا الصمت أجمل موسيقا في العالم/ أية أغنية تريدين؟/ وعلى أي إيقاع؟/ وليس عندي سوى نقرات أصابعي/ على قفا الصحون الفارغة/ وخوذ الشهداء المجهولين. 
ومن خلالها نجد أنه لم يتجه ناحية الهامشي واليومي بل كان منحازا فيها للشقاء الإنساني الذي يلون حياة الطبقات المتدنية، فيجد الإنسان يده خالية من أي شيء يمكن أن يقدمه لحبيبته، لأن الآخرين سلبوه حقوقه ببساطة، ولأن الشقاء مصيره، فيتساءل: هل كان ذلك الشقاء جبرا؟