في السابعة مساء سكتت شوارع القاهرة، واختفت الناس جميعا عدا المستثنين من الحظر، وليت سيارتي تجاه طريق العودة وأنا أراه من بعيد يشير إلى بيد يملؤها رجاء بأن استجيب لها، وقفت: "رايح فين؟". رد:" قها يا بيه".. ركب معي وعلى وجهه علامات الضيق وهو يتمتم: "الحمد لله على كل حال"، سألته: "مالك؟"، أخذ يحكي كمن أراد التخلص من هم يجثم على صدره:"يوم الخميس وأنا جاي كان مفيش مواصلات، قلت اطلع متأخر يوم الأحد وأنا رايح الورشة، أصل أنا يا بيه بشتغل في محل كاوتش على الدائري الإقليمي وردية بالليل، يوميتي ١٠٠ جنيه بصرف ٢٠ جنيه مواصلات و٨٠ جنيه بديهم لمراتي، عندي بنتين ويدوب ممشي الحال، وأهي يومية النهاردة طارت الحظر بدأ وملقتش مواصلات ولا حاجة أركبها، سألته: "طب ليه ما بتشغلش في محل هنا قريب؟ أجاب: "هو أنا يا بيه لقيت وما اشتغلتش ولو لقيت اليومية هنا ضعيفة مش هتكفي"، قلت له سيبها على الله محدش عارف الخير فين، يمكن ربنا عطلك لخير وجابني في طريقك علشان أوصلك لخير، أمر ربنا كله خير بس إحنا نرضى.. نرضى من قلوبنا ونتوكل عليه بحسن ظن.
استراح الرجل وزال عنه الغضب وأخذ يدعو لي، وأنا أستفسر منه عن تعليم أولاده وأحواله، ثم سألته عن عنوان بيته، فقال لي:"هنزل على الطريق وهو قريب"، فقلت له:"أنا معايا العربية هوصلك، بعد إلحاح وافق، ولدى وصولنا قال لي: يا أستاذ معرفتش اسمك إيه ولا أنت منين"؟ أجبته وأنا ابتسم وافتح باب سيارتي وأخرج منها كرتونة مواد غذائية "خصصها رئيس مجلس إدارة الجريدة للعاملين معه ولعدد كبير من الأسر"، أنا حامل أمانة من فاعل خير سخره الله وسخرني لنعوضك عن يوميتك ولأخبرك أن الله موجود يدبر لنا ولك الأمر، فبكى الرجل وهو يقول" يا ما أنت كريم يارب".
