الثلاثاء 16 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

بوابة العرب

5 خيارات لـ«أوروبا» للتعامل مع البلطجة التركية.. آراء تطرح زيادة المنح أو إنشاء مناطق آمنة واستمرار التفاوض مع «أردوغان» في سوريا لمنع تدفق اللاجئين.. آخرون يتبنون فرض عقوبات عسكرية

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
عقدت كل من دول الاتحاد الأوروبى وتركيا اجتماعًا في 9 مارس الجارى حول الأوضاع الخاصة باللاجئين بعد العملية العسكرية التى قام بها الجيش العربى السورى في منطقة إدلب في مواجهة الجماعات الإرهابية المدعومة من جانب تركيا، ما تسبب في زيادة عدد النازحين من مناطق المواجهة إلى الحدود التركية، وهذا الأمر استثمرته تركيا في الضغط على دول الاتحاد الأوروبى لتقديم دعم لها في مواجهة هذه العمليات، ولعل موقف حلف الناتو والدول الأوروبية من هذه العمليات ظهر بصورة واضحة بعدما رفضت التدخل المباشر وغير المباشر في هذه الأزمة بعدما اقتنعت الدول الأوروبية بأن تركيا لم تعد تحافظ على المصالح الأوروبية بعدما حاولت منذ توقيع اتفاق اللاجئين في عام 2016، استغلال هذا الملف لتعزيز مكاسبها الداخلية والخارجية.
وبناء عليه يمكن الإشارة هنا إلى الكثير من الانعكاسات سواء على مستوى العلاقات الأوروبية التركية أو على مستوى الدور الأوروبى في مواجهة أزمة اللاجئين والسياسة التركية في الأزمة السورية، وذلك بعدما طلبت كل من اليونان وبلغاريا اللتين تواجهان احتشادًا للمهاجرين على حدودهما مع تركيا بسبب قيام الأخيرة بفتح حدودها مع العضوين في الاتحاد الأوروبى المحاذيتين لها، في مسعى للضغط على الاتحاد الأوروبي، والحصول على دعمه في العملية العسكرية في سوريا، ويظل هذا ضمن الخلاف بين الجانبين في ملفات عديدة، أبرزها مخاوف الدول الأوروبية البارزة من إصرار أنقرة على التنقيب عن النفط في المياه الإقليمية لجزيرة قبرص المقسمة، والتى لا يعترف الاتحاد الأوروبي، بشطرها الشمالي، بوصفه دولة ذات سيادة، يحق لها الحصول على نصيب من موارد النفط في مياهها الإقليمية. لذلك، ففى الوقت الذى كانت فيه أنقرة تطلب الدعم الأوروبى في مواجهة النفوذ الروسى في إدلب السورية؛ حيث كان للاتحاد الأوروبى يصدر عقوبات ضد مسئولين أتراك على صلة بالتنقيب التركى عن النفط، في مياه قبرص الإقليمية.


استثمار أزمة اللاجئين
يُعد ملف اللاجئين من أهم الملفات المرتبطة بالأمن الأوروبى لما له من تأثيرات عديدة على مصالح الدول الأوروبية والذى تحاول تركيا برغم اتفاق الجانبين على هذه القضية استثمار الموجات المتزايدة من تدفق اللاجئين للضغط على السياسات الأوروبية تجاهها، وضمن هذا السياق فقد أكد وزير خارجية الاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل على احترام الاتفاق المبرم بين أنقرة والاتحاد الأوروبى في عام 2016 بشأن الحد من تدفق المهاجرين إلى دول الاتحاد وهو الأمر الذى لم تلتزم به تركيا، ويجب الإشارة هنا إلى أن تركيا تستضيف نحو 3.6 مليون لاجئ من سوريا وأوقفت مد الهجرة لأوروبا بموجب اتفاقية اللاجئين هذه، مقابل مساعدات تقدر بـ 4.7 مليار يورو من أصل 6 مليارات تعهد الاتحاد الأوروبى منحها لها، صرف منها 3.2 مليارات وفق المفوضية الأوروبية.
وبالفعل أعلن شارل ميشيل رئيس المجلس الأوروبى استعداد الاتحاد لزيادة الدعم الإنسانى لمنطقة إدلب في شمال غرب سوريا وهى من آخر المناطق التى تسيطر عليها معارضة مدعومة من تركيا تقاتل قوات الرئيس السورى بشار الأسد المدعوم من موسكو، وعلى الرغم من ذلك إلا أن العلاقات بين الجانبين الأوروبى والتركى تشهد توترات متصاعدة؛ حيث توترت العلاقات بينهما منذ أن قام أردوغان بحملة كبيرة ضد المعارضين له في تركيا في أعقاب محاولة انقلاب فاشلة على حكمه في 2016، وفى الفترة الأخيرة، فرض الاتحاد الأوروبى عقوبات على أنقرة بسبب عملياتها بالتنقيب عن الغاز قبالة سواحل قبرص، كما أن العلاقات متوترة بين كل من تركيا واليونان العضو في الاتحاد الأوروبى بسبب هذه العمليات أيضًا.
وحاولت تركيا العمل على تعزيز موقفها من خلال حلف شمال الأطلسى الناتو من خلال إعلانه بأنه على حلف الناتو دعمها غير المشروط بعدما أدت العملية العسكرية التى يشنها الجيش العربى السورى في منطقة إدلب، آخر معقل لمجموعات معارضة وجهادية، بدعم من موسكو، إلى كارثة إنسانية مع نزوح أكثر من مليون شخص إلى مناطق محاذية لها وتخشى أنقرة دخولهم إلى أراضيها.
ويزيد من أهمية تركيا بالنسبة لتهديد الأوضاع الأوروبية كون الدول الأوروبية تعتمد على تركيا لوقف تدفق المهاجرين ومنع عودة ظهور أزمة أضعفت السلطة السياسية للكتلة الأوروبية قبل خمس سنوات، وحفّزت صعود الحركات اليمينية والعنصرية عبر القارة، وهو ما تم من خلال الاتفاق مع تركيا في مارس 2016، للحد من عدد المهاجرين الذين يدخلون إلى اليونان عبر تركيا، ومعظمهم سوريون قادمون من بلدهم الذى تمزقه الحرب، مقابل مليارات اليوروهات من المساعدات، وضمن السياق ذاته فقد أدت العملية العسكرية المشتركة بين سوريا وروسيا إلى مقتل 33 جنديًا تركيًا في إدلب، وعلى أمل الضغط على أوروبا من أجل الحصول على مساعدة في سوريا، سمحت تركيا للمهاجرين بالتدفق غربًا. وأعلن أردوغان بأن تركيا تواجه الآن عددًا كبيرًا من اللاجئين ولا تملك القدرة على تحمل موجة ثانية من اللاجئين.


الخيارات الأوروبية في مواجهة تركيا
هناك مسارات عديدة يمكن للاتحاد الأوروبى الاعتماد عليها في مواجهة السياسات التركية تجاه ملف اللاجئين في سوريا وهذه الاتجاهات تتراوح ما بين العمل على مواجهة هذه الضغوط أو من خلال البحث عن دور أكثر تأثيرًا في هذه الأزمات بما يتناسب مع مصالحها دونما الاعتماد عليها، وضمن هذا الإطار يسعى الاتحاد الأوروبى جاهدا لإيجاد صيغة ناجعة للتعامل مع أزمة اللاجئين على حدوده بعد أن ألغت تركيا رقابتها على الحدود، في مسعى منه لمنع تكرار موجة اللجوء الكبيرة عام 2015، وتجنب تكرار فوضى تدفق المهاجرين في عامى 2015 و2016 لاتخاذ موقف بعدما قالت تركيا إنها لن تلتزم بعد الآن باتفاق مبرم عام 2016 كانت تمنع بموجبه اللاجئين والمهاجرين من التوجه إلى أوروبا، ومن ثم برزت العديد من الخيارات من أهمها:
1) تقديم مساعدات إنسانية
أعلن الاتحاد الأوروبى وفق شارل ميشيل رئيس المجلس الأوروبي، عن استعداد دول الاتحاد لزيادة الدعم الإنسانى الموجه للاجئين ودعم تركيا ماليًا وفق الاتفاق بينهما الذى تم توقيعه في مارس عام 2016، ولكن هذه الخطوة من جانب الاتحاد جاءت كمرحلة أولية لمواجهة السياسة التركية تمهيدًا للقيام بخطوة أخرى أكثر تأثيرًا في ظل حالة الضعف الأوروبى بسبب اعتماده السابق على تركيا في هذا الملف، ومن ثم سوف تتجه دول الاتحاد إلى تقديم المزيد من الأموال لأكثر من 3 ملايين لاجئ تستضيفهم تركيا، وتكثيف المساعدات الإنسانية داخل سوريا، ودعم اليونان وبلغاريا في خط المواجهة في مراقبة الحدود الخارجية له.
2) إنشاء مناطق آمنة
رفضت دول الاتحاد الأوروبى من قبل إنشاء مناطق آمنة تخضع للنفوذ التركى في سوريا بسبب عمليتها العسكرية السابقة في أكتوبر 2019، داخل المناطق التى يسيطر عليها الأكراد، ولكن في ظل تزايد حجم الضغوط المباشرة التى يتعرض لها دول الاتحاد فمن الممكن أن توافق بصورة مرحلية على هذه السياسة بسبب هذه التهديدات، وكامتداد للخيار الأول فمن الممكن أن يتم الاتجاه نحو التماشى مع السياسة التركية من منطلق عدم قدرة دول الاتحاد في مواجهة التهديات التركية بعدما فتحت الأخيرة حدودها أمام تدفق اللاجئين من خلال حدودها مع اليونان وبلغاريا.


3) استمرار التفاوض مع تركيا
إن مواصلة المفاوضات خيار لا يمكن استبعاده مع أنقرة برغم الخلفات بينهما المتصاعدة؛ حيث إن هناك توجهًا أوروبيًا نحو الاقتناع بأهمية التعاون مع تركيا لمواجهة الارتدادات السلبية للأزمات الإقليمية، وبخاصة موجات اللجوء والهجرة غير الشرعية وقضية العائدين من التنظيمات المتطرفة كتنظيم داعش وزيادة مخاوف دول الاتحاد من احتمال وقوع هجمات إرهابية داخل الأراضى الأوروبية في ظل الإدراك الأوروبى بأهمية تركيا في حماية حدودها.
4) فرض العقوبات الاقتصادية والعسكرية
شهدت العلاقات التركية الأوروبية مراحل متعددة من التوتر والتى شهدت تصاعدًا خلال المرحلة السابقة؛ حيث وقع وزراء خارجية دول الاتحاد الأوروبى 11 نوفمبر 2019 على الإطار القانونى الذى يسمح بفرض عقوبات على تركيا على خلفية أنشطة التنقيب عن الغاز التى تقوم بها قبالة سواحل قبرص. ويهدف القرار لمعاقبة أنقرة على انتهاك المنطقة الاقتصادية البحرية القبرصية بالحفر قبالة الجزيرة المقسمة، وتعكس هذه الخطوة تدهور علاقات الاتحاد الأوروبى مع تركيا، كما أنها تأتى بعد قرار منفصل بوقف مبيعات السلاح الجديدة من حكومات الاتحاد الأوروبى لأنقرة بسبب توغلها في 9 أكتوبر 2019 في شمال شرق سوريا حيث استهدفت المقاتلين الأكراد، ومن ثم تظل سياسة العقوبات أداة مهمة في سياسة دول الاتحاد لمواجهة السياسة التركية التى تستهدف الضغط عليه.
5) القيام بدور إقليمى مؤثر
قد تتجه دول الاتحاد الأوروبى إلى زيادة مستوى تعاونها مع الكثير من الدول المؤثرة في الأزمة السورية بما يحقق مصالحها هناك، وتقليل اعتمادها على تركيا في هذه الملفات، ومن ثم الانخراط في الأزمة السورية بصورة أكثر تأثيرًا، سواء بالتعاون مع الولايات المتحدة أو مع الجانب الروسى الذى يمتلك نفوذًا كبيرًا في ظل الارتباط الكبير والمؤثر ما بين انعكاسات تفاقم الوضع في سوريا على الأمن الأوروبي، وهو ما يمكن أن يتم بصورة متصاعدة من خلال المشاركة الأوروبية في تسوية الأزمة السورية والمشاركة في مشروعات إعادة الإعمار لمواجهة أزمتى اللاجئين والتنظيمات الإسلامية المتطرفة.
ختامًا: يبقى أمام الدول الأوروبية العديد من الخيارات سواء على مستوى علاقاتها مع تركيا أو فيما يتعلق بنفوذها الإقليمى في الأزمة السورية، وهو الأمر الذى سوف تتضح ملامحه في المرحلة المقبلة.