الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ملفات خاصة

"البوابة نيوز" تعيد نشر آخر ما كتبه الراحل عمرو عبد الراضي.. ماذا يريد الفقراء من الرئيس السيسي؟

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
ها هي قد هدأت موجات التحريض والكذب ضد جيش مصر وقيادتها بفضل وعي وإدراك الشعب المصري العظيم لحقيقة المؤامرة التي نسجت خيوطها جماعة الإخوان الإرهابية وأعوانها في قطر وتركيا، مستعينةً بمقاول وممثل فاشل يدعى "محمد علي"، حاول ترويج الأكاذيب، وصدَّقه الناس لبعض الوقت، فقد أحبطت الإرادة المصرية محاولات التضليل والتشكيك في الدولة المصرية ومؤسساتها الراسخة وقواتنا المسلحة العظيمة وقائدها الأعلى، فخلال الأسابيع الماضية قدم المصريون أبلغ رد على كل أعداء الوطن الذين حاولوا إحداث انقسام وفتنة بين الشعب وجيشه ورئيسه. 
نعم، انتصر المصريون لوطنهم، رغم أنين المطحونين واستغاثات محدودي الدخل وقليلي الحيلة، فالفقر هو السرطان الذي يذل رقاب الناس في أي مجتمع أو أي دولة، وينبغي اجتثاثه من جذوره بكل السبل والطرق المتاحة لتحقيق العدالة الاجتماعية التي تُقيم آدمية الإنسان وتصون كرامته وتحفظ ترابط الأمة وتماسكها، كما يقاس دائما تقدم المجتمعات اعتمادًا على عدة معايير في مقدمتها، معدلات الفقر وتحقيق العدالة الاجتماعية والمساواة في الحقوق والفرص والواجبات؛ لذلك لم يكن وصف كارل ماركس لتداعيات الظلم الاجتماعي بالمحرك الأساسي للصراع الطبقي والمفجِّر الرئيسي لثورات الفقراء والجياع، بعيدًا عما شهدته مصر خلال الأسابيع القليلة الماضية. فحالة الانجذاب الفطري التي حدثت مع دعوات الفوضى وهدم الاستقرار كان لها أسبابها المعلومة لدى قطاع كبير من المحللين، وربما داخل السلطة نفسها، فكلنا نعلم أن هناك فئة كبيرة تعاني من متطلبات واحتياجات تفوق قدرتها على التحمل، ويجب على متخذي القرار والمسئولين أن ينصتوا لمطالبهم المشروعة، وفي مقدمتها مطالب أصحاب المعاشات، وصغار الموظفين والعمال، وأصحاب الحرف والمهن الحرة، الذين يمثلون الغالبية العظمى من هذا الشعب قبل أن تتحول أصواتهم لصراخات تملأ أرجاء المكان. 
ورغم أن الرئيس السيسي نجح في تنفيذ برنامج إصلاح اقتصادي لا مثيل له بشهادة كبرى المؤسسات الاقتصادية العالمية، واستطاع تنفيذ عدد كبير من المشروعات القومية الاستراتيجية التي ستستفيد منها الأجيال المقبلة، وقاد عملية إصلاح شامل في منظومة الدعم، والتعليم، ومظلة الضمان الاجتماعي، والتأمين الصحي، لكنَّ هناك قطاعا كبيرا من المصريين لا يشعرون بهذا التحسن بالشكل المطلوب، ربما لأن ثمار الإصلاح الاقتصادي لم تصل إليهم بالشكل الكافي، أو أنها تساقطت على كبار رجال الأعمال والشركات، وهو ما انعكس في آخر تقرير للجهاز المركزي للمحاسبات عن زيادة معدلات الفقر. 
فالفقير أو محدود الدخل كما تسميه الحكومة، مطالبه واضحة ولا تحتمل لبسًا، هو يريد "أجرا عادلا، وصحة، وتعليما، وتكافؤ فرص، وأمن"، خمسة أشياء فقط يبحث عنها المواطن في أي مكان، إذن لن نصل إلى الحل إلا إذا اتفقنا جميعًا على أن الفقر لا الإرهاب هو العدو الأول، فهو حاضنة التطرف والتخلف الرئيسية. 
وعلى الحكومة أيضًا أن تتعلم من تجارِب بعض الدول في تقديم الخدمات الضرورية للمواطنين بشكل مقبول وشبه مُريح دون الحاجة إلى رشوة أو محسوبية أو بلطجة، وهي أمور ليست بالمستحيلة أو صعبة التحقيق، بشرط عدم التحجج بالتمويل والتكلفة العالية للصحة والتعليم وخلافه، فالتجارب المحيطة، وخصوصًا في دبي تؤكد أن تطوير تلك القطاعات غير مكلف بالمرة، ويحتاج فقط لبرامج حماية وميكنة تحولها لقطاعات رابحة؛ لأن المواطن الذى سيحصل على الخدمة بسرعة وبشكل جيد لن يضطر إلى دفع عدد من الرشاوى قبل أن يحصل عليها، وبالتالي سيكون مقبولا لديه أن يدفع تكلفة الخدمة الحقيقية وعليها هامش ربح، وسيكون المجموع أقل بكثير مما كان يدفعه في صورة رشاوى وإكراميات تذهب للفاسدين من الموظفين ولا تستفيد الدولة منها شيئًا، بل تحصد سخط وكره الشعب لها، وينتشر الفساد في المجتمع حتى يدمره.
كل هذا يجب أن يسير بالتوازي مع الاستجابة للمطالب الفئوية، ومنها على سبيل المثال لا الحصر، مطالب أصحاب المعاشات بأحقيتهم في العلاوات الدورية، ورواتب العاملين بالدولة والمعلمين لتتناسب مع غلاء الأسعار وأعباء المعيشة، ووضع استراتيجية واضحة للتعامل مع العمال والعمالة غير المنتظمة، مع التفكير بشكل جادّ وموضوعي في إعادة تأهيل مصانع القطاع العام ومشاكل الفلاحين، وأخيرا وليس آخرًا البدء فورًا في دراسة فرض ضريبة تصاعدية على كبار رجال الأعمال والمستثمرين تستفيد منها الدولة في الإنفاق على المشروعات القومية، ومنها مشروع التأمين الصحي الشامل.