الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ثقافة

محمد سليم شوشة يكتب: لماذا التعليم عن بعد هو المستقبل؟ وما المعوقات المحتملة؟

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
التعليم عن بعد منظومة مختلفة تماما عن المنظومة التقليدية، من حيث عدد من النقاط المتفق عليها لدى المتخصصين فى التعليم، أولها أنه يلغى تماما النمط التلقينى الذى يمكن القول بأنه كان السائد لدينا، وهذه ميزة مهمة لنظام التعليم عن بعد الذى تكون نتيجته المباشرة إذا ما تم بشكل صحيح هو أنه يلغى فكرة الحفظ و«الصم والتسميع» ويعتمد على إعمال العقل ويساعد على تنمية تفكير الطالب ويجعله صاحب نشاط وفاعلية فى العملية التعليمية وليس مجرد مستمع أو مستقبل. وهذه النقطة جوهرية جدا؛ لأنها هى الإصلاح الحقيقى والجوهرى للتعليم فى مصر وتساعد على أن يكون لدينا مخرج تعليمى جيد وعنصر بشرى متميز قادر على الإبداع والتجديد فى المجال الذى يدرس فيه. وربما لسنا فى حاجة إلى تكرار مقولة أصبحت بديهية عن كون التعليم هو مستقبل الأمم جميعا وبخاصة فى ظل أزمة وجودية فى خطورة وباء كورونا «كوفيد- ١٩» الذى يجتاح العالم الآن ويهدده تهديدات مصيرية. ولكن العبرة فى كيفية هذا التعليم. بواقع ارتباطى بالعلوم النظرية ومجال الإنسانيات والتراث أستطيع أن أقول إن التعليم مرتبط بالثقافة السائدة فى المجتمع ومجتمعاتنا مع الأسف الشديد تغلب عليها ثقافة الشفاهية والتسميع والرطانة الكلامية التى تنتج الخلاف والتناحر، وهذا ما يمكن أن نراه فى منظومات مثل دار العلوم والأزهر مع الأسف الشديد وإن كان كثيرون من المنتسبين لهما الآن بدءوا فى الاتجاه للتطوير، عموما ثقافة الكتاب والاشتغال على عنصر الذاكرة فقط يجب أن ينتهى تماما وتبدأ مرحلة جديدة من تنمية المهارات والإبداع وبخاصة مهارات الإبداع والتفكير، وهنا تجب الإشادة بقرارات رئيس الجمهورية المبكرة التى وجه فيها الجامعات من مدة طويلة، ربما منذ ثلاث سنوات وأكثر، إلى حتمية جعل جزء من الامتحان الجامعى يكون على النمط الإلكترونى وألزم أساتذة الجامعات بأن تكون نسبة من هذه الامتحانات بهذا الشكل الجديد لإلغاء ثقافة التسيمع والحفظ والتغيير إلى أن يكون الامتحان محاولة لقياس مهارات عديدة لدى الطالب. والحقيقة لقد عاينت بنفسى مدى مقاومة الإخوان هذا النظام الجديد لإدراكهم خطورة التجديد فى التعليم على أنظمتهم الظلامية التى تعتمد السمع والطاعة وتبتعد تماما عن إعمال العقل بل تصل إلى حد كراهية التفكير. وربما أصبح واضحا الآن أن الدكتور طارق شوقى وزير التربية والتعليم كان هو الرجل الأكثر إقداما وإصرارًا على التجديد بعد القيادة السياسية وقد تأكدنا جميعا الآن من جدوى إصراره على التسريع فى هذه الإصلاحات، بل يجب أن نشيد بفكرة نظام البحث التى اعتمدها وسيلة للتقويم والامتحانات فى عدد من السنوات الدراسية هذا العام بديلا لنظام الامتحانات التقليدية، ذلك لأن نظام البحث يحطم تماما ثقافة الحفظ والتسميع ويجدد فى جوهر العملية التعليمية ويبيد بشكل كامل نظام الدروس الخصوصية الذى هو أكبر عوامل الفساد فى المنظومة التقليدية. 
يجب أن أشير هنا إلى أهمية عنصر التدريب وتنمية ثقافة الأستاذ وإزكاء مهاراته فى استخدام أساليب التعليم عن بعد وفى هذا السياق التدريبى للأساتذة والمعلمين يجب أن نتنبه لتيارات من الأساتذة والمعلمين الجامدين فكريا ويعادون كل ما هو جديد، لأن الإنسان بطبعه عدو ما يجهل، وهذه الفئة إن لم نحترس منها يمكن أن تؤخر هذا التحول الضرورى والحتمى، بل قد تمثل خطرا عليه وتفسده تماما، بعض هؤلاء لا يعرف من الأساس ما هى المنصة التعليمية الإلكترونية المتخصصة فى التعليم ويخلط بينها وبين منصات التواصل الاجتماعى مثل «فيس بوك» و«واتس آب»، والحقيقة هذه النقطة فى غاية الأهمية لأن الفارق بين النوعين من المنصات خطير جدا، وعدم التمييز بينهما يحول دون تطورنا ويجعلنا نرتكب كمّا كبيرا من الأخطاء التى قد نتوارثها. هنا يجب أن يبرز دور المؤسسات التى يجب أن تعلم وتعرف عناصرها من الأساتذة وأعضاء هيئات التدريس والمعلمين على المنصات التعليمية المتخصصة ومنها على سبيل التمثيل المنصة الأقوى والأشهر Google Classroom التى تتيح نظام للتكليفات والمهام والأسئلة والامتحانات، فضلا عن بث المواد التعليمية بكل أنواعها، سواء كانت صوتية أو مكتوبة أو مادة فيديو أو «بوربوينت»، وكل ما يمكن من التفاعل التعليمى بين الطالب والأستاذ، وتسمح كذلك بتسجيل الطلاب وضمهم للفصل الدراسى بالمعلومات الحقيقية التى تعتمد عليها المؤسسات، فلا يمكن أن يدخلها غير الدارسين الحقيقيين أو المنتسبين الفعليين للجامعة أو للمدرسة، وبذلك تجعل العملية التعليمية خاضعة للرقابة والتحكم الكامل وتبتعد عن الفوضى التى قد تحدث فى مواقع التواصل الاجتماعى الأخرى. 
من الطرائف المحزنة، مثلا، أن يصدر بيان عن أحد المسئولين عن الأنشطة الطلابية فى كلية دار العلوم بالفيوم وينسبه لعميد الكلية أو إدارتها بحسب ما جاء فى بيانه بأنه يحظر على الطلاب التعامل إلا عبر الصفحة الرسمية للكلية على «فيس بوك» ويمنع البيان التعامل مع الأساتذة الذين يستخدمون منصات أخرى غير صفحة الكلية على «فيس بوك» فيما يعكس عدم الوعى بما هى المنصة التعليمية المتخصصة، وأن يقع هذا الفعل من الكلية أو من هذا المسئول عن نشر البيان بالمخالفة لقرارات الوزير وقرارات رئيس الجامعة الواضحة تمامًا باستخدام كل المنصات التعليمية والوسائل المتاحة، فيما يعكس ليس فقط عدم المعرفة، ولكن كذلك مخالفة تعليمات المسئولين الأعلى، وهو ما يشير إلى حال من التخبط وعدم الكفاءة وعدم الاستعداد الكافى، مع العلم مثلا بأن الجامعات كلها ومنها جامعة الفيوم تتيح برامج تدريب لأعضائها للتدرب على منظومات التعليم عن بعد والتدريس الإلكترونى بكل إجراءاته، وقد استفدت أنا مثلا من واحد من هذه التدريبات وهو ما يساعدنى على استخدامها، الآن، وربما يكون بعضهم قد حصل عليها فعلا، لكنه يبدو مثل بعض الطلاب فى المنظومة التقليدية فيحصل على شهادة شكلية دون أن يملك مهارات حقيقية.
المسئولية كبيرة جدا على المسئولين عن التعليم لدينا فى مجابهة هذه الاحتمالات المفسدة للتحول إلى الطريق الصحيح وإكمال إصلاح التعليم الذى وجهت إليه الإرادة السياسية من سنوات ويحاول الوزيران المسئولان تنفيذه بكل صرامة واجتهاد، فالمسئولية التالية تقع على رؤساء الجامعات الذين يفترض بهم الوعى والانتباه لمخاطر هذه العناصر سلفية العقل جامدة الفكر والأدوات، وتعادى كل ما هو جديد وتقدس كل ما هو قديم لمجرد كونه قديمًا، وبالمناسبة لو تحدثنا عن القديم فسنجد أن التعليم فى مصر الفرعونية كان ينحى منحى عمليًا ويبتعد عن الحفظ والتسميع اللذين طرآ علينا فيما بعد مع عصور لاحقة، فالثقافة الفرعونية هى ثقافة المادة والصورة فى مقابل الثقافات التالية التى هى ثقافات الكلمة والجدل والتجريد من المادة، والحقيقة أن كثيرًا من الأوهام ومظاهر التخبط ومصادره ناتجة عن عناصر الثقافة الأخيرة «ثقافة الجدل والكلام والتجريد»، اللحظة الراهنة الآن تهيمن عليها المادية والصور، وهذا ما يتأكد لحظة بعد أخرى ومن طبيعة المخاطر التى تواجهها البشرية، وهذا ما يتأكد من الوحش الراهن الذى يهدد البشرية وهو مجرد مادة تحتاج لاختراعات مادية لرؤيته وتحليله وتحديد علاجه، فمستقبل البشرية فيمن يقدر على مجابهة وحش الفيروسات ومخاطر الطبيعة بشكل عام، وهذا أبعد ما يكون عن ثقافة الحفظ والتسميع واجترار الماضى والجدل الكلامى الذى نغرق فيه. 
فالمستقبل إذن للتعليم عن بعد والتعليم ينمى مهارات الإبداع والتفكير والابتكار بكل أشكاله وأنماطه والخطر الأكبر هو الانصياع لرأى الجامدين المتسلفين أو العناصر المعادية لكل ما هو جديد.