الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

تقارير وتحقيقات

صواريخ طهران تنبئ بزوال عصر قوة واشنطن.. الهجوم على «عين الأسد» مثل نهاية حقبة القواعد الآمنة.. وكاتب يحذر من تقنيات ميدانية جديدة لاستهداف الجنود

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
كانت الضربة الصاروخية الإيرانية على قاعدة عين الأسد الجوية في يناير٢٠٢٠، بمثابة المرة الأولى في التاريخ التى تتعرض فيها القوات الأمريكية لهجوم صاروخى بعيد المدى؛ حيث أدرك القادة الأمريكيون أن زمن احتكار الذخائر الموجهة بدقة قد انتهى، وهو النهج الأمريكى في الحرب الذى أتاح حرية العمل غير المقيدة منذ نهاية الحرب الباردة، لذا مثل هذا الهجوم غير المسبوق على القوات الأمريكية صيحة إيقاظ، ما يجبر القادة الأمريكيين على معالجة أوضاع القواعد العسكرية الضعيفة في الشرق الأوسط والمناطق الأخرى المتنازع عليها.


وفى هذا السياق، أكد الكاتب الأمريكى كيفين كلاى، زميل مركز التقييمات الإستراتيجية والميزانية في العاصمة الأمريكية واشنطن، على أن هناك بعض التحديات المرتبطة بالانتشار العسكرى الأمريكى في الشرق الأوسط وعدد من المناطق الأخرى المتنازع عليها، ومدى ارتباط ذلك بالمخاطر التى يمثلها برنامج الصواريخ الباليستية الإيرانى، لاسيما بعد أن أثبتت إيران قدرتها على استخدام الآلة العسكرية، حتى وإن كان الأمر بطريقة غير مباشرة من خلال وكلائها في المنطقة، في مواجهة الولايات المتحدة الأمريكية في عدة مواقف سابقة والتى تمثل أبرزها في الرد على اغتيال قائد فيلق القدس التابع للحرس الثورى قاسم سليمانى في يناير ٢٠٢٠. 
عملت الولايات المتحدة الأمريكية منذ نهاية الحرب الباردة، بافتراض أساسى تمثل في قدرتها على بناء القواعد العسكرية واستخدامها في جميع أنحاء العالم، في الوقت والمكان الذى تختاره، بدون التفكير في إمكانية تغير الظروف أو العمل تحت ضغط تهديد المعاملة بالمثل من قبل بعض الدول الأخرى مثل إيران على سبيل المثال؛ حيث كان يمكن للجيش الأمريكى تجميع قوات كبيرة في مكان قريب وإجراء عمليات متصلة في صراع عسكرى مفتوح.
ولكن الكاتب يشير إلى أن هذا الافتراض كان صحيحًا، عندما كان يعمل الجيش الأمريكى في ظل الصراعات الصغيرة غير المتكافئة، وخاصًة فيما يتعلق بمكافحة الإرهاب بعد هجمات ١١ سبتمبر؛ حيث استثمرت وزارة الدفاع في بناء عدد لا بأس به من القواعد العسكرية التى سهلت الاستخدام السريع للذخائر الموجهة بدقة، وهو الأمر الذى اعتاد عليه الخصوم، بما في ذلك إيران، لفترة طويلة من الزمن.
وفى هذا السياق، يؤكد الكاتب على أن أكثر من ٦٠.٠٠٠ جندى أمريكى منتشرين حاليًا في الشرق الأوسط، يعملون من المقرات الرئيسية في القواعد العسكرية الأمريكية في دول مثل البحرين، الكويت وقطر؛ حيث تحتوى الكثير من هذه المرافق مثل مركز العمليات الجوية المشتركة في قاعدة العُديد بالدوحة، على تجمعات متزايدة من القوات الأمريكية التى تقوم بأنشطة دعم غير قتالية مختلفة من مواقع شديدة المركزية، الأمر الذى أدى إلى قدرة ورغبة إيران في شن مثل هذه الهجمات. 


وبالتالى، ليس من المستغرب أن إيران، وهى دولة تحتل المرتبة الثامنة والعشرين في الناتج المحلى الإجمالى على مستوى العالم، بين كل من نيجيريا والنمسا، تمكنت من دمج العديد من تقنيات المعالجة الدقيقة، الاتصالات، الملاحة الفضائية، والوصول إلى صور الأقمار الصناعية التى كانت متاحة تجاريًا لسنوات ماضية في الصواريخ الباليستية المنتجة محليًا، والقادرة على ضرب الأهداف البعيدة بدقة وإحكام. 
وتتمثل المفاجأة الكبرى في أن قاعدة عين الأسد الجوية، التى شنت الهجوم على اللواء سليمانى، كانت غير مستعدة تمامًا لهجوم مضاد، فلو استهدف الإيرانيون منشآت أخرى ولم يوجهوا إنذارًا للقوات الأمريكية والعراقية قبل ساعات من شن الغارة الإيرانية على قاعدة عين الأسد، لكانت الخسائر ستكون بالتأكيد أكبر بكثير. فلأكثر من عقد من الزمان، ينتقد محللو الدفاع الأمريكيون مواقف القواعد العسكرية الأمريكية الضعيفة في الخارج، مع حيث القادة العسكريين على تبنى مفاهيم عملياتية جديدة بالنظر إلى الانتشار الواسع لأنظمة A٢ / AD للخصوم حول العالم. 
وفى هذا الإطار، حذرت دراسة صادرة من مركز الأوراق المالية الأمريكية الجديدة (CNAS) تم إجراؤها في عام ٢٠١٧، من وضع القاعدة الأمريكية التى وصفتها بالأكثر ضعفًا من حيث الإمكانيات التقنية والعسكرية في غرب المحيط الهادئ؛ حيث يرسم المحللون الأمريكيون صورة قاتمة عن الكيفية التى يمكن بها للصين أن تلحق خسائر فادحة، أكبر بكثير في الحجم والنطاق من الهجوم اليابانى الإمبراطورى على بيرل هاربور، إذا شنوا هجومًا صاروخيًا تقليديًا على القواعد الأمريكية في هذه المنطقة.


وتأسيسًا على ما سبق، يوصى عدد من الدراسات المتعلقة بهذا المجال في السنوات الثلاث الماضية بإعادة ضبط وضع القواعد العسكرية الأمريكية حول العالم، تنويع وتصليب القواعد الأمامية، تفكيك القوى والوظائف المركزية، نشر تقنيات الخداع النشطة والسلبية مثل التمويه، الإخفاء والخداع، فضلًا عن إدخال التقنيات الجديدة مثل الطاقة الموجهة للأسلحة التى توفر دفاعًا نهائيًا ضد صواريخ كروز والصواريخ الباليستية بتكلفة طفيفة لا تذكر. 
ويشير الكاتب إلى أن هجوم الصواريخ الباليستية الإيرانى على قاعدة عين الأسد الأمريكية في العراق في يناير ٢٠٢٠ يدل على أن عصر العمليات العسكرية غير المتنازع عليها من القواعد القريبة قد انتهى رسميًا؛ حيث اعترف القادة العسكريون الأمريكيون منذ فترة طويلة بهذا التحول في المشهد، لكنهم فشلوا في تنفيذ تغيير ذات جدوى، كما أن هذا الفشل في تعديل أوضاع القواعد العسكرية، تطبيق مفاهيم تشغيلية جديدة، بالإضافة إلى ظهور تقنيات ميدانية جديدة لتقوية أنظمة الدفاع محلية الصنع من شأنه جعل القوات الأمريكية المنتشرة حول العالم عرضة للهجمات الدقيقة من قبل الخصوم.