الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ملفات خاصة

الإخوان والرئيس الجزائري.. تقارب مزعوم لا أرضية له.. الإسلاميون من جبهة الإنقاذ المنحلة يتفادون المشاركة في الاحتجاجات تجنبًا للصدام مع السلطة

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
تظهر في الآونة الأخيرة محاولات حثيثة من الإخوان في الجزائر للعب على جميع الأطراف والاستفادة من التجاذبات بين السلطة السياسية الجديدة ممثلة في الرئيس عبد المجيد تبون، وعلى الجانب الآخر الحراك الجزائرى المطالب بإصلاحات جذرية في بنية نظام بوتفليقة، وعلى هذه التقاطعات يلعب إسلاميو الجزائر، وفى القلب منهم الإخوان، فمرة تميل الجماعة للحراك وتعلن دعمها لمطالبه، وفى أخرى تؤيد قرارات الرئيس تبون، وتعبر عن دعمها لمحاولته الإصلاحية، وضرورة الصبر عليه لرؤية ما سيتم تحقيقه.


وفى هذا الصدد يشعر الإخوان بدعم المؤسسة الرئاسية لهم، وهو ما ينفيه تبون، خاصة مع تصريحاته الأخيرة، بأنه لا يرى أن الديمقراطية الجزائرية الناشئة تقبل بوجود أحزاب إسلامية. ولفحص هذه العلاقة المتوترة بين الجماعة وتبون، نعود بالمشهد إلى الوراء وبالتحديد الانتخابات الرئاسية الأخيرة.

مع بداية التجهيز للانتخابات الرئاسية الجزائرية، أعلنت حركة «مجتمع السلم» عدم المشاركة في السباق بمرشح أو دعم أى من المتنافسين، لكن وفى الوقت نفسه لم تدعو الحركة إلى المقاطعة للانتخابات، وهو موقف شبيه لما انتهجته حركة النهضة التونسية في الانتخابات الرئاسية.
مع أن حركة «حمس» كانت قد قدمت اعتراضات جوهرية على شروط تنظيم الانتخابات من قبيل الشفافية، واعتراضها على استمرار رموز نظام بوتفليقة في دواليب الحكم، وهى اعتراضات الحراك المناوئ للعملية الانتخابية في الحقيقة، وعلى هذا الأساس أعلنت الحركة مقاطعتها للانتخابات. لكن مع ظهور نتائج الانتخابات الرئاسية التى فاز فيها عبد المجيد تبون في الجولة الأولى من اقتراع الثانى عشر من ديسمبر ٢٠١٩، وفور فوز الرئيس تبون سارعت الحركة بدعم الرئيس تبون في محاولته الإصلاحية، وهو ما عُد خيانة لمطالب الحراك الذى اعتَبر في قطاع كبير منه الانتخابات الرئاسية إعادة إنتاج لنظام بوتفليقة بوجوه أخرى، بل ومفارقة لتصريحات الحركة نفسها قبيل الانتخابات. لكن، وكعادة الحركة الإسلامية فقد سارعت للتحالف مع السلطة الجديدة لتضمن لنفسها كما تعتقد حصة من التورتة مع النظام الجديد.

وصرح عبد الرزاق مقرى، رئيس حركة مجتمع السلم «حمس»، في ندوة صحفية أعقبت اجتماعًا رسميًا للهيئة القيادية للحركة، بأنه «من واجبنا إعطاء الرئيس الفرصة كاملة للإصلاح وندعوه للحذر من الفاسدين والانتهازيين، وبخصوص تعاملنا معه فسيكون مثلما تعاملنا مع الرؤساء السابقين تماما». ولفت إلى أن «حركة مجتمع السلم، مستعدة للمشاركة في الحوار مع السلطة، لأننا من دعاة التوافق، وتمنينا أن يكون التوافق خلال الانتخابات لكن من بيدهم الحكم يتحملون مسئوليتهم، الرئيس إذا أحسن سندعمه وإذا أخطأ سنقومه، وإذا ما دعينا للحوار فسنشارك فيه». مضيفا «الموانع المعلنة لرفض الحوار مع النظام التى وضعها الحراك مثل رحيل رموز نظام الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة قد زالت». وسار على نهج حركة «حمس» حركة إسلامية أخرى هى حركة البناء الوطنى الذى أعلن مرشحها الخاسر في الانتخابات الرئاسية عبد القادر بن قرينة، عن قبوله المشاركة في الحكومة إذا توفرت مجموعة من الشروط، وذهبت بعض الأصوات من داخل الحركة الإسلامية إلى انتقاد ما سمته بـ«راديكالية الحراك».
يذكر أن المرشّح الإسلامى عبد القادر بن قرينة، حل بالمركز الثانى في الانتخابات بنسبة ١٧.٣٨ بالمائة من الأصوات، الذى أكّد منذ بداية الحملة الانتخابية أنّه «الرئيس القادم للبلاد».
ودعت الأحزاب الإسلامية الكبيرة، مثل «حركة مجتمع السلم» المقربة من الإخوان، و«جبهة العدالة والتنمية» القريبة من السلفيين، إلى عدم المشاركة في الانتخابات. لذا فإن علاقة الإخوان بالتحديد والإسلاميين بشكل عام بتبون، ليست على ما يرام لعدم دعمهم له مباشرة في تلك الانتخابات.

استغلال الحراك الجزائرى
ومع أن الحراك الأخير في الجزائر شأنه شأن حركات أخرى كالحراك في لبنان والعراق، يهدف في الأصل إلى إحداث قطيعة نهائية مع النظام والمعارضة على حد سواء، خاصة في شقها الإسلامى الذى تكرر فشله في بلدان عربية عديدة، وأورد الجزائر موارد الهلاك في عشريتها السوداء، فإن الإسلاميين ومع تغيير خطابهم مع الأشهر الأولى للحراك حاولوا مسايرة الخطاب العام للحراك المناهض لبوتفليقة.
يذكر أن إسلاميى الجزائر لم يشاركوا في الاحتجاجات الشعبية التى اندلعت في ٢٢ شباط/ فبراير، لكن ما إن استقال بوتفليقة في ٢ أبريل تحت ضغط الحراك بعد عشرين سنة من الحكم، حتى تصدر إخوان الجزائر الصفوف الأولى من المظاهرات في خطوة تهدف لإعادة الترتيب والتموقع سياسيًا في البلاد بعد مرور ٧ سنوات على انسحابهم من تحالف داعم لبوتفليقة دام ١٠ سنوات.
مع ذلك ففى بيان للحركة الإسلامية للإنقاذ الـ«فيس»، أشادت الحركة بما سمته «تحرير الحراك الشعبى للمجتمع ولقطاعات عريضة في مؤسسات الدولة»، واستطاع الجمع بين جميع الجزائريين باختلاف ألوانهم السياسية والإيديولوجية والفكرية، ووحدتهم على مطلب واضح وصريح يتمثل في رحيل النظام ورموزه.
وفى المقابل، حافظ أكبر الأحزاب المنتمية للإخوان (حمس)، على تقاليده في القفز بين مختلف المواقع، مقابل الاحتفاظ بتصوره في قراءة وبلورة حلول الأزمة، فرغم الحضور الدورى لحركة حمس في لقاءات تكتل قوى التغيير، إلا أنها انفردت بخارطة طريق جديدة، ضمنتها رؤيتها. ولو أنها تقاطعت في بعض التفاصيل مع مختلف الخرائط السياسية المعروضة، لكن يبقى تقلب «حمس»، مثار شك ومصداقية مهتزة لدى الشركاء السياسيين في المعارضة، بعدما دخلت في وقت سابق في اتصالات مع السلطة، لترويج سيناريو تمديد الولاية الرئاسية الخامسة لبوتفليقة، مقابل القيام بإصلاحات عميقة. 

تجربة العشرية تلقى بظلالها
كانت الجزائر قد شهدت بين العام ١٩٩٢ و٢٠٠٢، واحدة من أسوأ موجات العنف التى شهدها العالم العربى والإسلامى في تاريخهما الحديث، وهو ما سمى فيما بعد بالعشرية السوداء، تلك العشرية التى كان الإسلاميون طرفها الأول في مواجهة الجيش الجزائرى، وذلك بعد إلغاء الانتخابات البرلمانية التى فاز فيها الإسلاميون وجبهة الإنقاذ على وجه التحديد، ومع نهاية العشرية السوداء وانضواء جموع الإسلاميين على اختلاف توجهاتهم تحت عباءة المصالحة الوطنية التى أطلقها الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، أيقن الإسلاميون كارثية حمل السلاح ومواجهة الدولة، ومن ثم قبلوا الانخراط في العملية السياسية، والمشاركة الانتخابية بُغية الوصول إلى السلطة. وهو المسار الذى بُررت فيه الكثير من التحالفات مع نظام بوتفليقة للحصول على النصيب الأكبر من المقاعد البرلمانية.

أنتجت العشرية السوداء والحراك الأخير المناهض للرئيس السابق بوتفليقة، وجهًا آخر للحركة الإسلامية في الجزائر، إذ باتت الحركة أكثر ميلًا للسلمية في حراكها بعد أن جرّبت سوء المصير الذى يولده العنف والاقتتال، لكن وفى نفس الوقت فقد أنتج ذلك تشرذمًا واضحًا داخل الحركة، وانقسامها على نفسها مرات عديدة، لتنتج أحزابًا وحركات مختلفة، تختلف في بناها الإيديولوجية، ورؤاها الحزبية. لكن ما لم يتغير من بعد العشرية وإلى الآن هو تصيد إسلاميى الجزائر الفرصة لتحقيق أكبر المكاسب والوصول إلى السلطة.
يتحدث البعض عن أن تصريحات الرئيس تبون الأخيرة، بعدم السماح بوجود أحزاب إسلامية، يعيد إلى الأذهان ما حدث في العشرية السوداء، وأن الجزائر قد تسير في مسار استئصال للحركة الإسلامية كما جرى في التسعينيات، لكن يجادل البعض الآخر، أن الساسة الجزائريين لن ينجروا إلى هذا المصير، لما عايشوه في التسعينيات، لكن يظل هذا مرهون بتخلى إسلاميى الجزائر، وفى القلب منهم حركة «حمس» فرع الإخوان في الجزائر عن رغباتهم التوسعية، التى تجعلهم يتنازلون عن أى شىء في مقابل الحصول على دعم السلطة السياسية الجديدة في الجزائر، بقيادة الرئيس عبد المجيد تبون، لكن يبدو أن القيادة الجزائرية قد تفطنت لهذا التوجه الإخوانى، فاستبق الرئيس تبون الأحداث، وأعلن رفضه لقيام أحزاب إسلامية على الساحة الجزائرية، وهو ما ردت عليه الحركة الإسلامية بأنها ترفضه، لأن من حقها أن توجد بالأيديولوجية التى ترغب بها، كما توجد باقى الأحزاب القائمة على إيديولوجيات يسارية وقومية وليبرالية وغيرها.

علاقة الإخوان بالرئيس تبون

مع أنه لم يتم الكشف إلى الآن عن أى تنسيق بين السلطة والإخوان بشأن المواقف السياسية، ومستقبل هؤلاء في المشهد المقبل، في ظل الحديث عن انتخابات تشريعية ومحلية مبكرة قبل نهاية العام الجارى، إلا أن المتابعين ومنهم الصحفى الجزائرى صبرى بلعيد لا يستبعد حصول الإخوان على ضمانات حول حصصهم في البرلمان والحكومة القادمتين مقابل الطعن في الحراك الشعبى.
ويرى متابعون للشأن الجزائرى، أن استقطاب الأحزاب الإسلامية لمعسكر السلطة، سيكون في سياق صفقة سياسية ستعرف انضمام قوى سياسية أخرى إليها في قادم الأيام، بغية استخلاف الطبقة التقليدية التى لم يعد موثوقا فيها من طرف مؤسسة الرئاسة.
وعكس أحزاب التيار الإخوانى التى تحذق لعبة التلون مع الوضعيات والمواقف، فإن الإسلاميين المنحدرين من جبهة الإنقاذ المنحلة، وعلى رأسهم نائب رئيس الحزب المحظور على بلحاج، وعدد من القيادات الأخرى، لا يزالون يتفادون أخذ مواقع متقدمة في احتجاجات الشارع الجزائرى، للحيلولة دون الوقوع في أى صدام مع السلطة.



كتب- حسام الحداد وهند الضوى

تعتبر حركة مجتمع السلم، الذراع السياسى الأبرز للإخوان في الجزائر، وثانى أكبر القوى الإسلامية في الجزائر، التى نشأت كحزب عام ١٩٩١، بعدما انتقلت الحركة من مرحلة العمل السرى الذى بدأ في عام ١٩٦٣ وقوى في السبعينيات، مستندا في مرجعتيه لمنهج جماعة الإخوان الإرهابية العالمية، تحت راية جمعية «الإرشاد والإصلاح»، إلى مرحلة العمل العلنى في منتصف السبعينيات، بمعارضة صريحة وعملية لحكومة هوارى بو مدين، باسم تنظيم جماعة الموحدين، بقيادة محفوظ نحناح الذى دعا إلى العمل الإصلاحى الإسلامى، وتجنب الصدام مع السلطة محاولًا فتح باب الحوار معها إلى جانب التنسيق مع كافة القوى والفعاليات الإسلامية، تغير وبمقتضى دستور ١٩٩٦م، واستنادا للقانون الخاص بالأحزاب السياسية تغير اسم الحركة ليصبح حركة مجتمع السلم (حمس)، كما غيبت أية إشارة منفردة لمرجعتيها الإسلامية في مشروع برنامجها السياسى الجديد، الذى قدم بعد صدور القانون لتعوض بالثوابت الوطنية كمرجعية فكرية لها.
وشاركت حركة مجتمع السلم في انتخابات عام ١٩٩٧، لتبرز كقوة إسلامية لا يستهان بها تحت قبة البرلمان، فحصلت على ٦٩ مقعدًا لتحتل المركز الثانى قبل جبهة التحرير الوطنى. وتصف نفسها بكونها شعبية إصلاحية شاملة، شعارها: العلم والعدل والعمل.. غير أنه بعد وفاة مؤسسها الشيخ محفوظ نحناح وتولى الشيخ أبى جرة سلطانى حدث التناحر والانشقاق. 


حركة الدعوة والتغيير
حدث انشقاق في الصف الإخوانى في الجزائر ليخرج الشيخ عبد المجيد المناصر، والذى أصبح نائب رئيس حركة الدعوة والتغيير، عن الحركة، وكون هو والشيخ مصطفى بلمهدى، رئيس الحركة، حركة الدعوة والتغيير في أبريل عام ٢٠٠٩.
تعد حركة الدعوة والتغيير الجناح الآخر للإخوان في الجزائر، وتمتد عبر مختلف ولايات الجزائر، ولها مجلس شورى وهيئات تتكفل بالملفات الكبرى للدعوة والتربية وقضايا الأمة، وعلى رأسها قضية فلسطين، وأقسام تنظيمية تشرف على العمل اليومى لمختلف شئون الحركة التنظيمية والتربوية والاجتماعية والسياسية وقضايا المرأة والشباب والجامعات، وبها الآلاف من الإخوان. ويعد عبد المجيد مناصرة القيادى الأبرز بالحركة، وقائد سيناريو الخروج على أبى جرة سلطانى زعيم «حمس» بالانحراف، بعد أن اتهمه بالخروج على نهج الشيخ المؤسس للإخوان في الجزائر محفوظ نحناح؛ ليؤكد للجميع على ثقته في الحصول على دعم الجماعة الأم في مصر. 
موقف إخوان مصر 
اختارت جماعة الإخوان الإرهابية في مصر ألا تحسم موقفها من حركة مجتمع السلم «حمس»، التى ظلت تمثل جناح الإخوان في الجزائر رسميا منذ إنشائها، وحركة الدعوة والتغيير، ورغم إعلان المرشد العام للجماعة السابق، محمد مهدى عاكف، إعفاء «حمس» من تمثيل الإخوان، لم تتوقف الاتصالات بين الجماعة الأم والحركة، التى انقسمت مؤخرا إلى شطرين بعد صراع طال بين قادتها، ما عكس تضاربا إخوانيا، سواء من قبل مكتب الإرشاد أو من قبل قادة التنظيم الدولى في أوروبا.
وإزاء الصراع الذى احتدم بين رئيس الحركة «أبو جرة سلطانى» ونائبه الوزير السابق عبد المجيد مناصرة، وانفلتت معه الأوضاع داخل مجتمع السلم، ولم تُجد محاولات الصلح التى بذلها المرشد العام شخصيا. 
أعلن مهدى عاكف رفع غطاء الإخوان عن أكبر حزب إسلامى في الجزائر، قائلا في تصريحات صحفية إنه بعث برسالة إلى الطرفين يقول فيها: «إنكم الآن لا تمثلون حركة الإخوان»، وهو الموقف الذى كرره للصحفى الجزائرى، أنور مالك ؛ حيث قال المرشد العام: «لا يوجد إخوان في الجزائر»، وإنما «حمس» جماعة تربت فقط على فكر الإخوان.
ولكن ظلت الاتصالات قائمة، خاصة في ظل الحرص الشديد الذى أبداه كلا المتسابقين على الفوز بشرعية الإخوان: حركة مجتمع السلم بزعامة سلطانى، وحركة الدعوة والتغيير المنشقة عنها بقيادة مناصرة، هذه الشرعية التى تصبح في منظور أعضاء الحركتين لا معنى لها دون تزكية التنظيم الدولى لقيادة الإخوان، ما يجعل قادة الحركتين في قلق دائم من أمرهم توجسا من أن ينالها طرف دون الآخر، وقد تحدثت التقارير عن لقاءات محمومة يجريها ممثلون من الجهتين بأطراف نافذة في التنظيم الدولى، إلى جانب اتصالات مع مكتب الإرشاد، خاصة بعدما أبدت شخصيات تاريخية في التنظيم رغبتها في الإسراع بمعالجة الملف.
وفى إطار التحركات التى تقوم بها الأطراف القيادية الفاعلة في «حمس» لكسب ودّ قيادة الإخوان العالمية، لم تتوقف الزيارات التى يقوم بها الإخوان الجزائريون لعدد من مدن العالم، أهمها (القاهرة، ولندن، واستانبول)؛ ويراهنون على الدعم المعنوى لمرجعية الإخوان، وكان آخرها الاجتماع الذى حضره رئيس «حمس» وعدد من قادتها، على هامش فاعلية لنصرة القدس أقامها حزب «السعادة» التركى في إستانبول، وحضرها إبراهيم منير الأمين العام للتنظيم الدولى للإخوان، وعدد من قادة الحركة، بالنظر في ملفهم مع المرشد العام للجماعة بعد أن جدد الإخوان ممن حضروا مع منير أملهم في أن تتجاوز الحركة خلافاتها، مؤكدين أنهم يقفون على الحياد ولا يدعمون طرفا على حساب آخر.

الفشل الذريع
أكد العديد من الخبراء ضعف القيادة العالمية للإخوان إزاء حسم الأزمات الكبيرة، مستدلين بأزمة «حمس»، أرجع آخرون عدم الحسم الإخوانى للأوضاع الإخوانية في الجزائر إلى خلافات إخوانية تدور رحاها على جبهتى مكتب الإرشاد والتنظيم الدولى، وهى خلافات نتيجة رواسب قديمة قدم خلافات «حمس» نفسها، أحد أقطابها إبراهيم منير، أمين عام التنظيم الدولى في لندن، صاحب قرار تجميد انتخابات حمس بعد فوز «أبو جرة سلطانى» برئاسة الحركة في المؤتمر الأخير في أبريل ٢٠٠٨، وهو القرار الذى قيل: إن منير اتخذه في ٢٤ أكتوبر ٢٠٠٨ بالتنسيق مع المشرف العام على الاتصال الخارجى آنذاك الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح، دون الرجوع إلى المرشد، وهو القرار الذى اتهم على خلفيته منير بالانحياز لجبهة «مناصرة»، الذى كان يرافقه في زيارة إلى باكستان؛ حيث اتخذه بناء على مذكرة أرسلها معارضو أبو جرة سلطانى تتضمن اتهامات بتهميشه مؤسسات الحركة، وتزوير كشوف الناخبين، وتحريضه الطلاب والشباب على التظاهر، والاستعانة بأرباب السوابق المالية.
ومثل القرار صدمة لسلطانى أرسل على إثرها يستوضح مكتب الإرشاد في القاهرة، الذى لم يكن يعلم عنه شيئا، فصدر القرار بإجماع أعضاء المكتب بإلغاء القرار واستمرار الأوضاع على ما هى عليه.


استغلال القضية الفلسطينية 

يرى كمال الهلباوى القيادى السابق في التنظيم الدولى، الذى تربطه علاقات جيدة بـ«أبو جرة سلطانى»، أنه من الخطأ رفع يد الجماعة عن إخوانها في الجزائر، وقال في تصريح له: إن «الإخوان في العالم لا بد أن يشعروا بشىء من الضعف إذا فقدوا الحركة الإسلامية في الجزائر»، مضيفا: «ينبغى أن يكون هناك حل ولا تترك المسائل معلقة، وأن قواعد «حمس» يعيشون في اضطراب حول من هو على صواب ومن هو على خطأ؛ لذلك لا بد من حل لهذه المسألة».
وقد عكس الملتقى السنوى الذى نظمته «حمس» لذكرى رحيل مؤسسها الشيخ محفوظ نحناح جانبا كبيرا من التسابق بين جناحى الحركة للظهور بمظهر صاحب ثقة الإخوان، وللفوز بلقب «المراقب العام للإخوان» في الجزائر، ففى حفل منفصل لكل جناح، سعى ممثلو كل طرف إلى حشد أكبر عدد ممكن من قادة وشخصيات الإخوان المسلمين في العالمين العربى والإسلامى. وحرص المتصارعون على التقاط الصور، وبدت الاحتفالية أشبه بمظاهرة يستجمع فيها كل طرف قواه وأنصاره، فقد حضر ملتقى «حركة الدعوة والتغيير» التى يتزعمها عبد المجيد مناصرة، الذى فشل في جلب شخصية ذات وزن ثقيل، كل من: محمد نزال، عضو المكتب السياسى لحركة حماس، وسعيد عرج، القيادى في التجمع اليمنى للإصلاح، وحمدى المرسى من إخوان مصر، إلى جانب مسئول العلاقات العربية في حزب الله حسن عز الدين، وعضو جبهة العمل الإسلامى زهير الجعيد.
بينما حضر ملتقى «حمس» التى يتزعمها «أبو جرة سلطانى» كل من: القيادى التاريخى بالتنظيم الدولى كمال الهلباوى، إلى جانب الداعية المصرى وجدى غنيم، ونائب الأمين العام للتجمع الموريتانى محمد غلام بن الحاج، وممثل «حماس» في اليمن جمال عيسى، ومثنى الكردستانى القيادى بالاتحاد الإسلامى الكردستانى، الذى أكد في مقابلة مع صحيفة «البلاد» المحسوبة على «حمس» أن «كل الحركات الإسلامية القُطرية التى تربت في حضن التيار الإخوانى تحترم المرجعية الفكرية والتربوية للحركة الإسلامية الأم في مصر، وتحترم بنفس الدرجة رموزها الفكرية وقياداتها»، نافيا وجود سلطة تنظيمية لمكتب الإرشاد على التنظيمات القُطرية، بحيث تتلقى من خلالها هذه التنظيمات أوامره من الخارج. وأمام إصرار كل طرف في الجزائر على مواقفه من الآخر، إلى جانب حرصه على دعم الجماعة الأم في الخارج، وفى ظل الانشقاق الأخير وما تبعه من تشرذم على مستوى القواعد الإخوانية والأفراد، واستحالة فرض حل تنظيمى أمام هذه الأوضاع يجد «الإخوان» أنفسهم في وضع لا يحسدون عليه، خاصة مع ما يمثله الملف من مادة إعلامية لا تكاد تتوقف عن نهش الحركة من آن لآخر، وإزاء ذلك يظل السؤال: «من يمثل الإخوان في الجزائر؟» بلا إجابة حتى لدى الإخوان أنفسهم.

علاقة إخوان الجزائر بجبهة الإنقاذ
اتفقت جبهة الإنقاذ كحركة إسلامية سلفية في جوهرها، على نفس الأفكار التى ينادى بها الإخوان بالعودة إلى الإسلام، باعتباره السبيل الوحيد للإصلاح، والقادر على إنقاذ الجزائر مما تعانيه من أزمات اجتماعية، واقتصادية، واستعمار فكرى وثقافى، والمؤهل للحفاظ على شخصية الشعب الجزائرى المسلم بعد احتلال دام ١٣٢ سنة، وترك انعكاسات حضارية عميقة لفّت البلاد كلها بظاهرة التغريب والفَرْنَسة، واتفقوا معهم على تردِّى الأحوال والتحرك لإثارة الضمير الجزائرى والاتجاه إلى الإصلاح الدينى والسياسى والاجتماعي.
تشاركت مع الجبهة الإسلامية للإنقاذ قبل تأسيسها في الجزائر في عام ١٩٨٩، في أنشطة دعوية وأحداث وتجمعات إسلامية عُدَّتْ إرهاصات لقيام جبهة الإنقاذ.
وتواكب ظهورها في نهاية السبعينيات بالظهور العلنى لشباب الإسلام في الجامعات الجزائرية وغيرها، وتقاسموا العمل الإسلامى المنظم معها في مدة ما قبل ١٩٨٨، وكانوا ثلاث جماعات هى جماعة الإخوان الدوليين بقيادة الشيخ محفوظ نحناح وجماعة الإخوان المحليين، بقيادة الشيخ عبد الله جاب الله، وجماعة الطلبة أو جماعة مسجد الجامعة المركزى أو أتباع مالك بن نبى بقيادة الدكتور محمد بوجلخة ثم الشيخ محمد السعيد. وفى ١٢ نوفمبر ١٩٨٢، اجتمعت مجموعة من العلماء، منهم: الشيخ أحمد سحنون، والشيخ عبد اللطيف سلطانى، والدكتور عباسى مدنى، ووجهوا نداءً من ١٤ بندًا يطالب بضرورة تطبيق الشريعة الإسلامية، ويشجب تعيين نساء وعناصر مشبوهة في القضاء، ويدعو إلى اعتماد توجه إسلامى للاقتصاد، ويرفض الاختلاط في المؤسسات، ويدين الفساد، ويطالب بإطلاق سراح المعتقلين ويندد بوجود عملاء أعداء للدين في أجهزة الدولة.
وتم تأسيس رابطة الدعوة عام ١٩٨٩ برئاسة الشيخ أحمد سحنون؛ باعتباره أكبر الأعضاء سنًّا حيث كان عمره ٨٣ عامًا، وكانت الرابطة مظلة للتيارات الإسلامية كلها، ومن بين أعضاء رابطة الدعوة: محفوظ نحناح، الإخوانى وعباسى مدنى، وعبد الله جاب الله، وعلى بلحاج، ومحمد السعيد.
وكان من أبرز أهداف رابطة الدعوة ما يلى: إصلاح العقيدة والدعوة إلى الأخلاق الإسلامية. وتحسين الاقتصاد المنهار في الجزائر. والنضال على مستوى الفكر.
وسرعان ما دارت حوارات عديدة في رابطة الدعوة كان من نتيجتها بروز تيارات متعددة أهمها: تشكيل (الجبهة الإسلامية الموحدة) التى رفضها محفوظ نحناح، وأسس الإخوان الذين شاركوا الجبهة في تظاهرات الخبز عام ١٩٨٨، وخاض الإخوان مع الجبهة الانتخابات البلدية في عام ١٩٩٠، وشاركوا في الانتخابات التشريعية لاختيار مجلس الشعب في الجزائر في ١٩٩١. ليبتعد الإخوان عن الجبهة ويتحالفوا مع النظام الجزائرى في الوقت الذى اعتقل فيه معظم أعضاء جبهة الإنقاذ.



تبون

عبد الرزاق مقرى.. مهندس إخوان المغرب العربى 
ذراع قطر وتركيا في المنطقة.. والجيش الجزائرى العدو اللدود 

يدعو إلى استخدام «التقية السياسية» في التعامل مع الجيوش الوطنية انتظارًا للحظة «الانقضاض»

كتب- على رجب
يعد عبد الرزاق مقرى، مهندس الإخوان في الجزائرى، يقود حزب «حركة مجتمع السلم (حمس)»، ذراع الإخوان الأبرز في الجزائر، ويقود الإخوان للسيطرة على البلاد عبر سياسة «الخطوطة خطوة»، وهو ما وضح من إعلان «حمس» دخولها في حوار مع الرئيس الجزائرى عبد المجيد تبون، ولكن يبقى «مقرى» أحد أبرز قيادات التنظيم الدولى في دول المغرب العربى، بالإضافة إلى راشد الغنوشى، رئيس حركة النهضة الإخوانية، وزعيم إخوان تونس، والذى تربطه به علاقة واسعة ومتينة.
عبد الرزاق مقرى، مواليد ٢٣ أكتوبر ١٩٦٠، يعرف عنه أنه كان إماما وخطيبا لصلوات الجمعة في عدة مساجد في الولاية، خاصة نهاية الثمانينيات وبداية التسعينيات.. وقبل ذلك عرف بنشاطه الطلابى والدعوى في ولايات الشرق الجزائرى أيام دراسته الجامعية في مدينة سطيف، ضمن إطار ما سمى حينها في الجزائر بالصحوة الإسلامية.
وبعد تأسيس حركة المجتمع الإسلامى حماس سنة ١٩٩١ (حمس لاحقا)، من قبل محفوظ نحناح ورفيق دربه محمد بوسليمانى، تم ضم عبد الرزاق مقرى إلى المكتب التنفيذى الوطنى للحركة واستمر فيه حتى وفاة المؤسس، ثم استمر فيه كذلك بعده كنائب لرئيس الحركة الذى خلف المؤسس - أبو جرة سلطانى.
عبد الرزاق مقرى، مدير مركز البصيرة للبحوث والاستشارات والخدمات التعلّمية، والذى عُرف أيضًا بمعارضته للنظام الحاكم في الجزائر فقد أسهم بشكل كبير في سحب حركة مجتمع السلم نحو تبنى خطاب المعارضة بعد خروجها من التحالف الرئاسى لسبب فشل النظام في تبنى إصلاحات سياسية حقيقية في ظل وضع إقليمى خاص ميزته ثورات الربيع العربى، ويقال إن لـ«مقرى» دور رئيسى في فك هذا الارتباط الذى استمر بين «حمس»، ونظام الرئيس عبد العزيز بوتفليقة لأكثر من ١٥ سنة.
في ١٩٩٧، العام الذى تم انتخابه فيه عضوا في البرلمان الجزائرى، والذى استمر فيه إلى ٢٠٠٧، خلال السنوات العشر في البرلمان تقلد منصب نائب رئيس المجلس الشعبى الوطنى، وكذا رئيس الكتلة البرلمانية لحزبه. بعد خروجه من البرلمان برز كنائب لرئيس حركة مجتمع السلم، وذلك بعد أن تم تجديد انتخابه في هذا المنصب لمدة خمس سنوات جديدة خلال المؤتمر الوطنى للحركة سنة ٢٠٠٨، ثم كرئيس للحركة بعد انتخابه وتزكيته من المؤتمرين في منافسة وصفت بالديمقراطية مع عبد الرحمن سعيدى رئيس مجلس الشورى السابق خلال المؤتمر الخامس سنة ٢٠١٣.
يعمل «مقرى» من خلال العديد من مؤسسات المجتمع المدنى إلى تغلغل الإخوان داخل المجتمع الجزائرى، فقد أسس مركز البصيرة للبحوث والاستشارات والخدمات التعليمية.
ويعمل من خلال مركز «البصيرة» إلى التغلغل للعالم العربى، عبر التعاون مع العديد من المراكز البحثية العربية مثل مركز دراسات الشرق الأوسط (الأردن)، مركز الإعلام العربى (مصر)، مركز الزيتونة للدراسات الاستشارات (لبنان).
كما يعتبر مقرى نفسه تلميذا لمحمد أحمد الراشد، الذى يعد من أكبر المنظرين لفكر الإخوان في العصر الحديث، خاصة في الجانب التربوى الذى اعتمد عليه كثيرا في تأسيسه لأكاديمية جيل الترجيح للتأهيل القيادى.
ومقرى هو مؤسس أكاديمية «جيل الترجيح للتأهيل القيادى»، والرئيس الفخرى لها، والتى تعنى بتكوين عدد من الشباب وتدريبهم على القيادة في عدة أقاليم من الجزائر، وهو ما يشكل الطابع المدنى لشعب الإخوانية للسيطرة الإخوان على الشباب، وأيضا الأقاليم الجزائرية، بما يخدم مشروعهم في الانقضاض على السلطة «وقتما» تسمح الظروف بذلك.
يعمل رئيس حركة «حمس»، من خلال كتابته على إظهار «إخوان الوسطية» ودعاة الديمقراطية ونفذ العنف، بانتقاده لكتابات الإخوانية الداعية للعنف وإعادة رسم اشكالية الحركة الإسلامية في الجزائر في بعديها المحلى والإقليمى والدولى.
وطرح الدكتور عبد الرزاق مقرى كتابا بعنوان «البيت الحمسى»: مسارات التجديد الوظيفى في العمل الإسلامى، وقد كان في الحقيقة «برنامج حملة انتخابية» لرئاسة الحزب، يعرض تصوّر الرجل لإشكالات الحركة الإسلامية في بُعديها المحلّى والعالمى، وإن ركّز على الواقع الجزائرى، منطلقًا من تجربة حركة الراحل محفوظ نحناح.
يتحدث عبد الرزاق مقرى في البداية عن بعض المُعطيات التاريخيّة التى ظلت طيلة عقود محلّ جدال بين الإسلاميين المتنازعين بشأن أهل «الفضل والسبق» في البناء التنظيمى للحركة الإسلامية في الجزائر، وبهذا الصدد، يعترف المؤلف أن الشيخ محفوظ نحناح حينما خرج من السجن سنة ١٩٨١ كان تنظيمه «ضعيفًا مفكّكا يعتمد على عناصر أغلبهم بلا مستويات علمية عالية، لكن اجتمعت له ظروف ساعدته على التحاق قيادات محلية عالية الكفاءة بتنظيمه، ومن هذه الظروف انحياز تنظيم الإخوان إليه في النزاع على الصلة، بينه وبين الشيخ جاب الله، ثمّ يذهب أكثر من ذلك، ليقرّ بمسئولية الإخوان العالميين سنوات الثمانينيات في منع قيام الوحدة بين الفصائل الإسلامية الجزائرية، إذ ينقل عن شيخه الروحى الدكتور أحمد بوساق قوله: «لو كنت أتبع هوى نفسى لجمعت كل القوى الإسلامية في الجزائر من أجل محاربة الشيخ محفوظ، بسبب مسئوليته ومسئولية الإخوان في فشل مسعى الوحدة، لكن حينما أتبّع العقل والشرع، أقول لكم كونوا مع الشيخ محفوظ؛ لأنه رغم سلبياته هو أفضل من غيره من الدعاة في الجزائر، نعم يضع الجملة الاعتراضية المشار إليها أعلاه بين مزدوجين، وقد شعرت أن الدكتور مقرى تعمّد حصر العبارة السالفة بين قوسين حتى لا يتحمّل مسئولية الإقرار بها، لكنها في النهاية، تفيد موقف فصيل معتبر في تلك المرحلة، يسمّى جماعة الحياد التى كان ينتمى إليها المؤلف في جامعات الشرق/ الوسط الجزائرى قبل اندماجها في الهيكل الإخوانى لاعتبارات تقديرية رأتها المجموعة المذكورة.
وفى مسألة أخرى تتعلق بالأنماط التنظيمية التى عرفتها الجماعة، يرى مقرى «أن التيار الجارف لجبهة الإنقاذ لم يؤثّر في تماسك الحركة كالتأثير الذى صنعه تغيير الطبيعة الهيكلية والمقاربات التنظيمية التى اتّجه إليها الشيخ حينما أراد الانتقال من جمعية الإرشاد إلى تأسيس الحزب، وخصوصًا حينما قاد الحركة إلى قرار التكييف الذى بموجبه اندمجت الجماعة في الحزب»، مضيفا أن «تلك التحولات أدت إلى اهتزازات كبيرة في المنظومة القيادية، إذ انشق عن الشيخ محفوظ نحناح أكثر من نصف القيادات الجهوية، وكانت كلها ذات كفاءة ومستويات علمية عالية».
ويضيف الكاتب ضمن نفس التداعيات، أن تكييف هيكلة الحركة أى (الدمج) ساهم في إرباك «المرجعيات الإسلامية والشرعيّة»، علما أنّ إشكالية غيابها من أهم العقبات التى واجهت مسيرة العمل الدعوى في الجزائر، وقد فاقم دخول أكثر الدعاة معترك الحياة الحزبية والانتخابية من هذا المأزق التاريخى.
يعتبر مؤلف الكتاب في موضع آخر، أن «الخطأ الأساسى الذى وقعت فيه الحركة هو تأخرها في تأسيس حزب سياسى، باعتبارها القوة الإسلامية الأولى والأساسية إلى غاية الثمانينيات، مما جعل كل أدائها يقوم على ردود الأفعال التى أصبح يصنعها الصراع الثنائى بين نظام الحكم والجبهة الإسلامية للإنقاذ».
ثم يعرّج المؤلف على تداعيات ذلك الاستقطاب الذى نشب لاحقا بين حركة المجتمع الإسلامى (حماس) وفق التسمية الأصلية وبين الحزب المحلّ، في سياق النأى بالنفس عن الأخطاء الجسيمة الواقعة، إذ يؤكد الرجل بهذا الشأن، أن «إستراتيجية التميّز عن الفيس كانت صحيحة وضرورية وواقعية، بغض النظر عن الأخطاء التكتيكية التى وقع فيها الشيخ محفوظ نحناح رحمه الله، سواء من حيث التصريحات أو السلوك السياسى في توازن العلاقة بين طرفى الصراع»، (ص ٤٢)، قبل أن يقدّم في موضع ثان نماذج عمّا يراها «هفوات»، مثل قول الراحل نحناح: «إنّ الجيش نزل إلى الشارع لحماية الديمقراطية»، على إثر اضطرابات ساحة أول مايو سنة ١٩٩٤، وكتصريحه عن جبهة الإنقاذ بعد حلّها أن «الزجاجة انكسرت».
لا يختلف «مقرى» عن أى «عقل» إخوانى في استهداف الجيوش الوطنية، واستخدام «التقية السياسية» في التعامل مع الجيوش الوطنية، حتى تأتى لحظة الانقضاض.
وفى أبريل ٢٠١٩ كشف «مقرى» عداوته للجيش الجزائرى، بتصريحات ظهر فيها بنظر الحمل، قائلا على صفحته الرسمية على «فيس بوك»، إن المؤسسة العسكرية «إن رافقت التحولات الكبرى التى تعرفها الجزائر لضمان انتقال ديمقراطى سلس تتجسد فيه وإثناءه وبعده الإرادة الشعبية وفق المادتين ٧ و٨ بإجراءات عملية تفضى إلى تحرير العمل السياسى والمجتمع المدنى والوظيفة الإعلامية والانتخابات الحرة والنزيهة واستقلالية القضاء وحياد الإدارة والعسكر في التنافس السياسى والتداول السلمى على السلطة، ستكون – أى المؤسسة العسكرية – كجيش التحرير الوطنى الذى استند على تجنيد الجزائريين وتضحياتهم ووهب لنا الاستقلال الوطنى».
وأضاف لو فعلتها المؤسسة العسكرية اليوم ستهب الجزائر استقلالا ثانيا بأتم معنى الكلمة، وسيدخل قادتها الحاليون التاريخ وستكون مكانتهم عندنا وعند الأجيال اللاحقة كمكانة أبطال نوفمبر وشهداء وقادة الثورة العظام.
أما السبيل الثانى بحسب مقرى فهو على طريقة جيش الحدود، وقال إن عادت بنا إلى عادة صناعة الرؤساء وتشكيل الطبقة السياسية وتسخير وسائل الدولة لصالح وسائطها السياسية والتحكم في قوى المجتمع، وقهر المخالفين وتشويه المعارضين، فستكون – أى المؤسسة العسكرية- كجيش الحدود.
يعد مقرى أحد أبرز قادة التنظيم الدولى للإخوان في الجزائر ودول المغرب العربى، وهو يعمل بالإضافة إلى زعيم حركة النهضة راشد الغنوشى، مهندسى الإخوان في دول المغرب العربي.
دعم «إخوان الجزائر» برئاسة مقرى، ميليشيات طرابلس في ليبيا، وكذلك مخططات قطر وتركيا في دول المغرب العربى، وكان «إخوان الجزائر» أكبر المرحبين بزيارات أردوغان إلى تونس والجزائر.