الخميس 18 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

"الكورونا" تكشف معادن النجوم

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

الإبداع يلعب دورا حيويا في حياة البشر، يجعل الإنسان أكثر رقيًا وأكثر تحضرًا، كما تكشف الفنون ثقافة المجتمع ودرجة تقدمه، ودور الفنان بالغ الأهمية، باعتباره عنصرًا فاعلًا ومؤثرًا في وجدان الجماهير، ويشكل صفوة المجتمع، وبالتالى يقع على كاهله مسئولية كبرى في قيادة المجتمع نحو الرقى الحضارى والثقافى، إلى جانب مساندة الشعب في المحن والكوارث.
والمعروف أن ثروات نجوم الفن ورجال الأعمال لا تعد ولا تحصى، وقد تصل إلى مليارات الجنيهات، إنهم يعيشون حياة رغدة مترفة، وهذا حقهم تماما، لكن في الوقت ذاته هناك الملايين من الفقراء في حاجة ماسة إلى المساندة والدعم، ولا سيما في النكبات والكوارث الطبيعية.
توجد نسبة ليست كبيرة من الفنانين يؤمنون بحتمية القيام بالأعمال الإنسانية فيتبرعون بالأموال لمساعدة الفقراء والمحتاجين في جميع أنحاء العالم، باعتبارها مسئولية اجتماعية ملقاة على عاتقهم.
ليت نجومنا في مصر ورجال الأعمال يتعلمون من أثرياء الغرب كيفية دعم شعوبهم، ومن بين هؤلاء الداعمين لأوطانهم رجل الأعمال والملياردير الأمريكى الشهير بيل جيتس، الذى قدم أكبر تبرع مالى من نوعه منذ مطلع القرن الـ 21، حيث تبرع بملبغ 4.6 مليار دولار، ومن المعروف أن معظم تبرعات جيتس تذهب لصالح مؤسسة «بيل آند ميليندا» الخيرية.
ومؤخرا أعلن بيل جيتس حسب صحيفة «ديلى ميل» البريطانية، التبرع بمبلغ 100 مليون دولار لمكافحة فيروس كورونا المستجد، بهدف تعزيز جهود الكشف والعزل والعلاج، والإسراع في اكتشاف وتطوير اللقاحات اللازمة لعلاج الفيروس.
في السياق ذاته، ومع تصاعد حدة وباء الكورونا، تردد أن لاعب كرة القدم البرتغالى كرستيانو رونالدو، قد قام بتحويل الفنادق التى يمتلكها في البرتغال إلى مستشفيات مجانية، مع التكفل بأجور الأطباء وفريق التمريض وكل نفقات العلاج من ماله الخاص، ما يعطى نموذجا للاعب المسئول الذى يشارك في أزمات مجتمعة، وهو ما نفتقده في بلادنا رغم وجود أصحاب الثروات الباهظة، وعلى الدرب نفسه أعلن أكثر من لاعب عن بعض التبرعات لمواجهة هذه الأزمة العالمية.
في السابق قام الرئيس التنفيذى لشركة فيسبوك الأمريكى «مارك زوكربيرج»، وزوجته «بريسيلا تشان» اللذان أعلنا تخليهما عن 99% من ثروتهما، والتى بلغت نحو 45 مليار دولار، بعد أن رزقا بابنتهما «ماكس»، لصالح مؤسسته الخيرية التى أنشأها من أجل الفقراء، إلى جانب العديد من التبرعات شملت المدارس العامة والمستشفى العام في سان فرانسيسكو، لعل رجال الأعمال في مصر ينهجون ذات النهج.
وفى أمريكا أيضا باتت الإعلامية الأكثر شهرة على مستوى العالم أوبرا وينفرى، مثالا يحتذى، فقد جمعت ما يقرب من 80 مليون دولار من برنامجها، وضعتها جميعها في مشاريع خيرية في مختلف أنحاء العالم، أعطت المنح للمنظمات التى تساند الفقراء والمرأة والعائلة، لتحسين أحوالهم المعيشية سواء في أمريكا أو في غيرها من البلدان.
ومن ضمن إسهاماتها الخيرية المتعددة منحت ملايين الدولارات لإعطاء فرصة أكبر في التعليم للطلبة المتميزين من الفقراء، كما توسعت مؤسسة أوبرا في مشاريعها الإنسانية في العالم، عملت أوبرا على تغيير أحوال الناس في جميع أنحاء العالم بمنحها الدراسية وبيوت للشباب.
في السياق ذاته، سارعت النجمة العالمية أنجلينا جولى أكثر من مرة بإعلان تبرعها للاجئين السوريين، ليس فقط من باب المساعدة المادية، لكن لتشجيع الآخرين على اتخاذ الخطوة نفسها. كما تبرعت جولى لأحد معسكرات اللاجئين الأفغان في باكستان بمبلغ مليون دولار، وأعطت مليون دولار أخرى لمنظمة «أطباء بلا حدود»، وكذلك مليون دولار وهبتها لمنظمة «الطفل العالمى»، كما تبرعت بمليون دولار لمنكوبى دارفور في السودان.
وتبرعت أنجلينا جولى أيضا لمساعدة اللاجئين السوريين، وفتحت تلك الخطوة الباب أمام سيل من الهجوم على النجوم السوريين والعرب، وسط تساؤلات عما إذا كان هؤلاء الفنانون العرب قد تبرعوا ببعض أموالهم لإخوانهم السوريين الذين نزحوا من جميع المناطق داخل وطنهم وخارجه.
اللافت في مصر أن الغالبية العظمى من الفنانين يتباهون ويتسابقون في المساهمة بأعمال الخير فقط خلال شهر رمضان، سواء في موائد الرحمن وإطعام الفقراء، أو التبرع لسداد ديون الغارمات، أو التبرع للمستشفيات ومرضى السرطان!
علمًا بأنه في السابق كان لرجال الأعمال والفنانين المصريين دور بارز في مساندة الدولة في الحروب والكوارث الطبيعية والأزمات الاقتصادية التى تمر بها، وما زلنا نتذكر تبرعات المطربة ليلى مراد خلال حرب فلسطين، وتبرعت وقتئذ بمبلغ مائة جنيه، وأيضا تبرع زوجها الفنان أنور وجدى بنفس المبلغ، وذهبت تلك المبالغ لصالح الجيش، وفى عام 1953 زارت الفنانة ليلى مراد مدير مكتب الرئيس محمد نجيب، وتبرعت له بمبلغ ألف جنيه لصالح الجيش المصرى.
وعقب نكسة 1967، كانت سيدة الغناء العربى أم كلثوم من أوائل المطربات اللائى أقمن الكثير من الحفلات داخل مصر وخارجها للتبرع بأرباحها إلى المجهود الحربى، ولعبت دورا فريدا لمساندة الجيش المصرى يذكره التاريخ حتى الآن.
كذلك العندليب عبد الحليم حافظ من النجوم الذين ساندوا مصر، حيث تبرع بأجر جميع حفلاته لصالح الجيش المصرى، كما أقام العديد من الحفلات الغنائية من أجل أن يتم تحويل جميع إيراداتها لتسليح الجيش المصرى، بالإضافة أنه قدم العديد من الأغنيات الوطنية التى أحدثت صدى كبيرا في الشارع المصرى، وكان لها دور بالغ الأهمية في تحفيز الجيش المصرى.
كذلك تبرعت الفنانة دولت أبيض بكل مجوهراتها لتسليح الجيش المصرى.
وفى الزمن الجميل أيضًا نجد رموزا وطنية ما زالت آثارها باقية حتى اليوم، ومن هؤلاء طلعت حرب أحد أعلام الاقتصاد، الذى لعب دورا رائدا في الارتقاء باقتصاد مصر، فقام بتأسيس بنك مصر، وأنشأ العديد من الشركات المهمة مثل: مصر للطيران، ومصر للغزل والنسيج، ومصر للتأمين، ومصر للسياحة، وقام بتأسيس شركة مصر للتمثيل والسينما «استديو مصر» لإنتاج أفلام مصرية لفنانين مصريين مثل أم كلثوم، وعبد الوهاب وغيرهما، وأنتج أفلاما قصيرة للإعلان عن المنتجات المصرية. وأنتج نشرة أخبار أسبوعية عن الأحداث في مصر يتم عرضها في دور العرض قبل بداية أى فيلم، وقام استوديو مصر بإرسال البعثات الفنية من المصريين إلى أوروبا لتعلم فنون التصوير والإخراج والديكور.
وكلها شركات ناجحة أسهمت في إحداث نهضة ثقافية وفنية، بالإضافة إلى نهضة الاقتصاد المصرى، والأهم من ذلك أنها اقترنت باسم مصر وليس باسم مؤسسها طلعت حرب، ما يدل بما لا يدع مجالا للشك على وطنية طلعت حرب، وكيفية الإخلاص والانتماء والعطاء، فترك بصمة كبيرة، سيظل يذكره المصريون ويتباهون بإنجازاته ودوره الوطنى.
وعلى الصعيد الإنسانى نجد الفنان الكبير زكى رستم، الذى فقد حاسة السمع قبل وفاته بسنوات، ولم يكن يرافقه في الحياة سوى كلبه وخادمه، عندما رحل اكتشفت أسرته أنه كان يرعى ويكفل ٢١ طفلا يتيما في دار رعاية الأيتام.
ليتنا نجد كبار نجومنا يتنافسون من أجل إنشاء المدارس والمستشفيات والجمعيات الخيرية، أعتقد أن رجال الأعمال والنجوم في حاجة لأن يدركوا الدور المنوط بهم لمساندة الوطن، خاصة أن بلادنا اليوم في حاجة ملحة كى يقف القادرون من أصحاب الضمائر مع بلادهم ومع منكوبى السيول، والفقراء في قرى مصر المعدمة، ومع الضعفاء والمساكين، وأن يرسموا البسمة على شفاههم، إيمانا بأن مصر تعيش الآن أصعب اللحظات في تاريخها المعاصر، وتحتاج لسواعد أبنائها.
فهل آن الأوان كى يسهم المليارديرات من الفنانين والإعلاميين ورجال الأعمال وكل الشرفاء في تلك المرحلة الحرجة، التى تمر بها مصر والعالم، وتطلب من الجميع التكاتف من أجل محاصرة وباء الكورونا اللعين.. أم لا؟ سؤال ينتظر إجابة.