الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

كورونا .. ما بعد الصدمة الأولى

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
عشرات الآلاف من السنين سكن الإنسان فيها كوكب الأرض، عاش أكثر هذه السنوات في توازن مع الطبيعة وبقية المخلوقات، حتى بدأت ثوراته الكبرى الصناعية والتكنولوجية، ولم يصاحبها بقدر كافي إحساس بالمسئولية تجاه البيئة وبقية المخلوقات وأيضا تجاه الأجيال القادمة، تمادي الإنسان في الصيد الجائر والقطع الجائر للأشجار وتلويث المياه والهواء والنبات ورفع درجة حرارة الكوكب، فاختفت سلالات من النباتات والأسماك والحيوانات وتغيرت صور كثيرة من الحياة الطبيعية للأسوأ، ورغم صبر الخالدين الذي تتعامل به الطبيعة مع الإنسان إلا أنها تتعمد أن ترد له الصفعة كل حين عله يستفيق ويراجع أولوياته.
ظهر فيروس كورونا المستجد (كوفيد ١٩) فجأة وانتشر بطول الأرض وعرضها خلال أسابيع متخطيا الحواجز والحدود والموانع الجغرافية وفوارق الطبقات ليتسيد المشهد ويهزم غرور الإنسان ويربك كل خططه المستقبلية ويضرب صحته واقتصاداته.
ميكروب لامرئي أصبح يهدد الوجود الإنساني فتوقف الجميع ليراجع أولوياته ويبحث عن سبل النجاة فلم يجد غير العلماء والأطباء فتوقفت كل أنشطة الحياة البراقة لتسلط على هؤلاء الأضواء وتتعلق بهم القلوب أملا في النجاة.
في الرياضة والفنون - التي صنعها الإنسان خصيصًا لنشر المودة والسلام - تنمو عنصرية غريبة قد تصل إلى الكراهية والعنف ويتمني أنصار كل فريق أن يفوز دون غيره بالجائزة واللقب، لكن الآن حين يتعلق الأمر بالوجود الإنساني ينتظر الجميع بوادر الأمل في وقاية وعلاج ضد العدو المشترك من أي فريق طبي وعلمي على ظهر الأرض دون تمييز أو عنصرية فالمصير واحد.
كورونا المستجد ظهر للبشرية برسائل مهمة نتمني أن يعيها الإنسان، فالدول والحكومات الآن تطبق بروتوكولات عزل وتعقيم ومراقبة صارمة للحد من تفشي الوباء لكنها لن تستطيع أن تستمر هكذا إلى أن يختفي الفيروس الجديد من الأرض ولابد أن تكون هناك استراتيجيات طويلة المدي للتعامل مع هذا الفيروس وغيره تشمل تغيرات في السلوك الاجتماعي للأفراد واهتمام بالنظافة الشخصية والعامة وتقيد بإرشادات المؤسسات الصحية وتقوية للنظام الصحي والإحساس بوحدة المصير الإنساني وإعادة ترتيب أولويات المجتمعات طبقًا لما هو أنفع للبشرية في أوقات الشدة الحقيقية وضخ مزيد من الاستثمارات في سبل الوقاية وصناعة الحياة بديلا عن الإنفاق الهائل في أدوات صناعة الموت.
سيبقي كورونا بيننا بعض الوقت ثم يبدأ في الإنحسار تدريجيا بعد أن يدفع الإنسان فاتورة بقاءه ومحاربته بتكلفة مادية وإنسانية لا نعرف إلى الآن كم ستكون، ثم تتغلب إرادة الحياة من جديد بأولويات عالمية ومحلية أخري نتمني أن تعي الدرس جيدا حتى لا تضطر الطبيعة إلى توجيه صفعات أكثر قسوة لتستفيق المجتمعات الإنسانية.
* أستاذ مساعد بكلية الطب جامعة سوهاج