الثلاثاء 23 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

تقارير وتحقيقات

«عقد السنة».. أبرز البوابات الخلفية لزواج القاصرات.. القانون يُجرمه.. و«قومى المرأة» يطارده.. قانونيون: غياب قانون رادع يزيد من الظاهرة.. وخبراء اجتماع: يتسبب في رفع مؤشر الطلاق

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
ينتشر زواج السنة في بعض المناطق، خاصة القبلية، وهو أحد صور زواج القاصرات والأطفال، وهو زواج غير معترف به حكوميا، في كثير من الأحيان ينتهى الأمر أمام المحاكم في محاولة لإثبات الزواج، ثم نسب الأطفال، سنوات في المحاكم لفتيات لم تبلغ سنهن الثامنة عشرة، أرغمتهن ظروف أسرهن على زواج السنة.
وطالب الخبراء بضرورة تدخل الدولة لتجريم هذا النوع من الزواج الذى يشبه عمليات البيع، وفيه تساق الفتاة إلى الزواج، وإلى عالم مجهول غير قادرة على التعايش معه.



الوجع متصاعد
الوجع متصاعد في محاكم الأسرة، قصص وحكايات حول أمهات يبحثن عن ورقة لإنقاذ مستقبلهن ومستقبل بناتهن بعدما رفض أزواجهن توثيق الزواج إما هروبًا من المسئولية أو لضيق ذات اليد فور ارتفاع فواتير رسوم التوثيق، وهناك وخلف جدران البيوت مئات القصص لأطفال أنجبن أطفالًا ينتظرن الاعتراف بهم وتوثيق أوراقهم دون نتائج أو حل للأزمة. 
ندم أب
وحكى محمود على، ولى أمر إحدى الفتيات اللاتى ذهبن ضحية «زواج السنة»، قال «لم يخطر ببالى أن تلك المشكلات ستحدث لفتاتي، وأن الأمر سيصل إلى تطليقها في النهاية»، أضاف: «كنت سعيدا عندما تقدم أحد الشباب لابنتي، كانت فرحتى الأولى، وضعنا المادى محدود، دخلنا بسيط يكفى يومنا بالكاد، وسألت عن العريس وسريعا، وافقت ونظرا لأن ابنتى وقتها كان عمرها ١٦ عاما تزوجت بـ «تحليل سنة أو عقد سنة» وأخذنا شيكا بـ ١٥٠ ألف جنيه على العريس لضمان حق ابنتى مع تحرير قائمة منقولات «محترمة» على حد وصفه.
وأكمل بنبرات حزن وندم: «للحق ابنتى وقتها رفضت الزواج حتى تكمل السن القانونية وزعما منها بأنها لا تستطيع تحمل مسئولية بيت والكل حاول معى للعدول عن زواجها، وللأسف كنت مُصرا على موقفى والسبب، لا أستطيع أن أنفق عليها أكثر من ذلك. وتابع: لم يكن زوجها عادلا وظهر ذلك جليا من أول يوم، حيث كان يعاملها بقسوة واستغل قسوة الحياة علينا وأخذ يتفنن في تعذيبها، كنت كل يوم ألوم نفسى على اتخاذ هذا القرار، ولكن زوجها بدأ قلبه يحنو تدريجيا حينما علم بحملها، وعندما وضعت طفلها الأول كانت قد أكملت عامها الـ ١٨ ومن هنا بدأت المشكلات حينما طالبناه بتوثيق الزواج وقتها رفض رفضا قاطعا أن يوثق الزواج، وبعدها أقنعها أن تعطيه الشيك حتى يقوم بتوثيق الزواج عند مأذون شرعى رسمي، وبالفعل أعطته الشيك وقام بتوثيق الزواج وطردها من المنزل هى وطفلها الرضيع. واختتم والأب «تدخل الأهالى لعودتها إلى عش الزوجية لكن الزوج رفض، وطال رفضه وأهمل فيها ورضيعها دون أن ينفق عليهما، طالبناه بالطلاق ولكنه رفض أيضا حتى لجأنا في النهاية إلى المحكمة وقامت بتطليقها.

ضحية أخرى 
وقالت «وفاء شاكر» ضحية أخرى لـزواج «عقد سُنة»: «تزوجت ولم أكمل عامى الـ ١٥ من شخص يكبرنى بـ١٥ عاما، كنت وقتها طفلة لا أملك أى فكرة عن الزواج لذا كنت متخوفة وقلقة للغاية فرفضت، ولكن أهلى أجبرونى على الزواج بحجة عدم قدرتهم على تحمل مصاريفى ومصاريف أشقائى الأصغر مني، مما جعلنى أندم على اليوم الذى قادنى فيه أهلى مجبرة إلى تلك الزيجة وكأنى مساقة إلى الموت لا إلى الزواج.
وأضافت «أهل زوجى عاملونى أسوأ معاملة رغم أننى كنت أتولى خدمتهم بمفردى ولم أقصر يوما عن تلبية طلباتهم، بل كان زوجى عنيفا معى دائما ما يسبنى ويعايرنى بفقر أهلى حتى وصل به الأمر أنه صرح بندمه من الزواج بى وأنه في أقرب فرصة سيطلقنى ويتزوج بغيرى. بالفعل بعد فترة ليست بطويلة طلقنى وتزوج بأخرى ولم يعطنى أى حق من حقوقى نظرا لأن زواجى غير موثق ولم أكمل وقتها الـ ١٨ عاما وبالتالى ضاع كل شيء، ثلاثة أعوام من عمرى ذهبت مع من لا يستحق».

زواج مبكر 
وصفت صفاء عبدالبديع، المحامية وعضو المجلس القومى للمرأة، زواج الفتيات في هذا السن المبكرة بـ«الانتهاك لحقوقها، قائلة ما زال الجهل مسيطرا على بعض القرى وبعض الأماكن النائية رغم التقدم العلمى والفكرى إلا أن رغبة أولياء الأمور في زواج بناتهن في هذه السن كبيرة والسبب قلة الوعى وغياب الثقافة وانتشار الجهل». وأضافت عبدالبديع، زواج الفتاة مبكرا في سن الـ ١٥ أو ١٦ عاما يعد جرما كبيرا، لأن الفتاة وحدها هى من تتحمل عواقبه، هى ضحية الرجعية والأفكار والمعتقدات السائدة، المرأة خلقها الله عز وجل وكرمها وجعل لها مكانه كبيرة بين البشر، وأوضح حقوقها كاملة لكن الإنسان تفكيره محدود وعواقبه تتحمله البنت «الضحية».
واستطردت عبدالبديع، زواج الفتيات في سن صغيرة فيه مخاطر كبيرة، أولها أن البنت لا تستطيع إتمام تعليمها إلا في حالات نادرة تكاد تكون معدودة، وثانيها أن البنت تكون تابعة ومُصيرة لا مخيرة وتخضع لتلبية طلبات زوجها وأهلها دون وعى منها لصغر سنها، مما يدفع أهل زوجها لتحميلها ما لا تطيق، وبالتالى المتضرر الرئيسى هو الفتاة القاصرة التى تواجه مشقة أخرى في مرحلة الحمل بجسم نحيف وسن صغيرة، هى قطعا لا تدرك تلك الأمور ولا تعرف كيفية التعامل معها، كما أن فرصتها في الاستمتاع بحياتها كمثيلاتها من الفتيات تكاد تكون معدومة لأنها تحملت المسئولية في سن صغيرة جدًا.
ولفت عبدالبديع، إلى أن المجلس القومى تلقى استغاثات كثيرة في هذا الجانب تطالب بالتدخل لوقف الزواج في هذه السن الخطر، حرصا على مستقبل الفتيات، وبالفعل نجحنا في إقناع البعض وسيتم اتخاذ كافة الإجراءات اللازمة حيال تلك الواقعة المتكررة، والتى ستهدر حتما حقوق المرأة.

زواج الأطفال 
ومن جانبها، ناشدت الدكتورة عزة العشماوي، أمين عام المجلس القومى للطفولة والأمومة، الدولة أن تضع حدا لزواج الأطفال تحت سن الـ١٨ عاما، وطالبت بفرض عقوبة رادعة لمن تسول له نفسه تزويج فتاته في هذه السن الذى تتكون فيها شخصية الفتاة، قائلة: «الفتاة الأقل من ١٨ عاما تعتبر طفلة، لذا لا بد من تجريم زواج الأطفال تحت هذه السن، لأن زواج الأطفال قبل إتمام السن القانونية مخالف للقانون وفقا للمادة ٨٠ في الدستور والمادة ٩٦ والمادة ٣١ مكرر من قانون الطفل رقم ١٢ لسنة ١٩٩٦ والمعدل بالقانون رقم ١٢٦ لسنة ٢٠٠٨، والتى تنص على عدم جواز عقد الزواج قبل بلوغ الطفلة ١٨ عاما. وأوضحت أن الغرض من منع زواج الأطفال هو أن الفتاة جسمها لم يكن قد اكتمل لتحمل مخاطر الحمل والولادة، وما بعدهما حيث إنها ما زالت طفلة علاوة على المخاطر النفسية التى من الممكن أن تتعرض لها الفتاة في تلك المرحلة.
وتابعت العشماوي، ليست الخطورة في زواج الأطفال، بل إن الخطر يمتد ليصل إلى درجة عدم القدرة على إثبات نسب الأطفال، والسبب أن الزواج في هذا الوضع غير قانونى، حيث يتم شفويا بين أهل الزوج والزوجة مع أخذ شيك لضمان حقها، وبالتالى حال وصول الزوجة إلى السن القانونية، فإن تاريخ توثيق العقد يكون بعد ولادة الطفل، مما يؤدى إلى صعوبة في إثبات نسب الطفل إلى أبيه، مطالبة الدولة بمواجهة الظاهرة، وأن تتخذ إجراءات لازمة للخروج من تلك الأزمة وأن تضع قانونا يجرم زواج الأطفال قبل الوصول للسن القانونية.

زواج مرفوض 
وأكد حسام الجعفري، المحامى والخبير القانوني، أن زواج السنة أو الزواج العرفى غير معترف به من ناحية القانون، قائلا: «القانون لا يعترف إلا بالأشياء الموثقة الرسمية وزواج السنة غير رسمى أشبه بالزواج العرفى لكن الفارق هو الشهود». 
وتابع الجعفري، زواج السنة لا يضمن أى حق من حقوق المرأة على الإطلاق، وإنما فيه إهدار لحقوقها وهدم لكيانها وعواقب كثيرة من الممكن أن تترتب على هذا الزواج، ولفت أن زيادة أرقام وإحصائيات الطلاق توضح مخاطر الزواج المرحلى وغير الموثق. 
وتابع الخبير القانوني، أن زواج السنة صيغة أخرى للزواج المبكر أو زواج القاصرات، قائلا: «هو بمثابة دعارة مقننة وتحايل على القانون»..
وأوضح «الجعفري» أنه حال تلاعب الزوج بالزوجة تصبح وقتها معلقة ولا تستطيع إثبات زواجها، مما يجعلها تضطر لرفع دعوة إثبات زواج ثم بعدها ترفع دعوة خلع أو طلاق للضرر، مشيرا إلى أن إجراءات المحاكم تأخذ وقتا طويلا للغاية حتى تستطيع المرأة إثبات زواجها أو نسب أبنائها. مطالبا بأن يكون هناك تعديل للقانون بحيث أى شخص يقوم بتزويج ابنته وهى لم تكتمل السن بأن تكون هناك عقوبة رادعة تصل إلى الحبس.

جريمة إنسانية
وقال الدكتور سعيد صادق، الخبير الاجتماعي، إن زواج السنة طريقة خاطئة للزواج وجريمة تكون ضحيتها الفتاة في المقام الأول فهى المتضرر الأوحد من تلك الزيجة لما يترتب عليه من ضياع الأبناء وتشريدهم في حالة عدم الاعتراف بهم من قبل الزوج، وبالتالى لا بد من زيادة التوعية ونشر الثقافة بين الأهالى للحد من حالات زواج السنة والذى يترتب عليه الكثير من حالات الطلاق. مؤكدا أن زواج السنة يترتب عليه مشكلات عديدة منها أن فرص الإنجاب تكون أكثر، وبالتالى يزداد عدد السكان مما يشكل أعباء كبيرة على الدولة في تلك الحالة.
عدم تفاهم
ومن جانبه، قال الدكتور جمال فرويز، الخبير النفسي، إن البنت الأقل من سن ١٨ سنة تكون غير متهيئة نفسيا للزواج، فلا يمكنها أن تفكر بعقلانية في المشكلات المحتمل مواجهتها في المستقبل، لأنها طفلة وستنشأ حالة من عدم التفاهم بين الرجل والمرأة وبالتالى ستزداد المشكلات بينهما.
وأضاف السن المناسب للزواج بالنسبة للمرأة من الناحية النفسية ٢١ سنة وما فوقها، والرجل ٣٠ سنة، حيث إن الاكتمال الجسمانى لجسم المرأة يكون في هذه السن، وبالتالى فهو الأنسب للزواج، وإذا تزوجت أقل من هذه السن ستكون غير مكتملة نفسيا وجسمانيا، وبالتالى فهى لا تستطيع تحمل مخاطر الحمل وما يصاحبه من تغير في الحالة النفسية للمرأة، كما أنها تكون غير قادرة على مواجهة مخاطر الولادة وتعجز على تكوين أسرة كاملة تكون هى أساسها.
وأكد الخبير النفسى أن الأصل في الزواج أن تكون المرأة مهيأة نفسيا للحياة المقبلة عليها، وأن تكون على قدر من العقل والرؤية المستقبلية للأمور والقدرة على تقبل شريك حياتها واختياره بدقة، وهذا لا يتوافر في زواج السنة، الذى أشبه بالسلعة التى تباع دون النظر إلى التوابع والنتائج.

رأى الدين
بينما يقول الشيخ محمود أحمد، أحد علماء الأزهر الشريف، إن زواج السنة ظاهرة بين بعض الفئات بالمجتمع، وهو زواج غير موثق أي، دون وجود مأذون شرعي، أو قسيمة زواج أو حتى أى أوراق تثبت الزواج، ويكتفى أصحابه بقراءة الفاتحة بين أسرتى الزوج والزوجة.
وأضاف، أن زواج السنة يختلف كليا عن الزواج العرفى الذى يعتمد في المقام الأول على السرية التامة، ولا يعلم به إلا شخصان على الأكثر، بخلاف زواج السنة الذى يتشابه إلى حد كبير مع الزواج الرسمي، لأنه يعتمد على الإشهار، ولكن بدون أى أوراق رسمية، ويكون عبارة عن إجراء العقد بأن يقول الزوج لزوجه زوجتك نفسى وتقول قبلت، ويكون ذلك عن طريق أخذ بعض الشيكات على الزوج لحفظ حقوق الزوجة. في حين رأى الشيخ ممدوح أحمد، من علماء الأزهر، أن الإسلام لم يحدد سن معينة للزواج، ولكن الحكمة أن الزواج ينبغى أن يبدأ من سن ١٨ عاما حتى تكون هناك أسرة صالحة قادرة على مواجهة تحديات الحياة.
وتابع أحمد، المرأة المقبلة على الزواج لا بد وأن تكون صاحبة عقل ورؤية وأن تكون قادرة على الاستيعاب وتحمل المشكلات وحلها بعقلانية، لكن أن تتزوج في سن الخامسة عشرة فهو مرفوض ويجرمه القانون، مطالبا أولياء الأمور بالاحتكام للعقل في زيجة بناتهن دون الاستعجال على رميهن في شباك المسئولية قبل بلوغهن.

الطفولة والأمومة: 659 بلاغًا عن زواج الأطفال خلال 2019
كشف المجلس القومى للطفولة والأمومة أنه تلقى ٦٤٧ ألفًا و٩٥٦ مكالمة هاتفية واردة من المواطنين والأطفال على خط نجدة الطفل ١٦٠٠٠، خلال العام ٢٠١٩ بنسبة زيادة ١٤٪ على البلاغات التى تم استقبالها في ٢٠١٨، ووفقًا لأرقامه المعلنة فقد أحبط «المجلس خلال ٢٠١٩، نحو ٦٥٩ بلاغًا عن زواج الأطفال بجميع المحافظات.
وبحسب الأرقام والإحصاءات في يناير ٢٠٢٠، فإن ٥ محافظات الأعلى في تفشى زواج القاصرات «البحيرة الفيوم الدقهلية الجيزة الشرقية». 
فيما كشفت بيانات التعبئة والإحصاء ٢٠١٨، أن هناك ١١٨ حالة زواج قاصرات سنويًا أى ما يعادل نحو ٤٠٪ من إجمالى حالات الزواج بينهن ١٢٠٠ مطلقة وأكثر من ١٠٠٠ أرمل، أما عن الفئة العمرية الأقل من ١٥ عامًا فقد بلغت ٥٩٩٩ حالة، ١٥٤١ حالة زواجية للذكور، و٤٤٥٨ حالة زواجية للإناث.
أما منظمة الأمم المتحدة للطفولة «اليونيسيف» خلال عام ٢٠١٩، فقد أعلنت أن هناك ١٢ مليون فتاة دون سن ١٨ سنة يتزوجن كل عام حول العالم.