السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

فليصعد الأطباء على المنبر

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
اعتدنا منذ نعومة أظافرنا على أن يعتلي رجال الدين – وحدهم - وحاملو العمامة البيضاء فوق رؤوسهم عتبات المنبر المقدس، إيذانًا ببدء طقوس صلاة الجمعة أو العيدين، يتلون ما تيسر من القرآن والأحاديث النبوية الشريفة، والقصص الملهمة، لتوعية الناس بأمور دينهم، فيسمع الجالسون ما يتلى عليهم، وينصرفون إلى ما كانوا قد انتهوا منه قبل دخول المسجد وكأن شيئًا لم يكن إلا من رحم الله، لكن في ظل ما نحن فيه الآن، قد يبدو أنه من الجدير بالحدوث أن يصعد آخرون تلك العتبات المقدسة للحديث عن شيء آخر قد يجد الناس فيه مأمن من الموت، أو حصانة من المرض.
الكل الأن أصبح في فزع بالغ من انتشار أنباء عن تفشي فيروس «كورونا» في جميع دول العالم وبلا استثناء، وحين كنا فيما سبق نسمع عن تلك الأوبئة التي تصيب العالم، لم نكن نعبأ كثيرًا بكل ما يثار، مادام الأمر بعيدًا عنا، عملًا بالمثل الشعبي الخاص بأسطورة «حجا» «ما دام الخطر بعيد عن بيتي مش مهم»، أما وأن جاء الخطر إلى البيت، فأصبح الجميع الآن في ترقب لما تعلنه نشرات الأخبار من حالات إصابة ووفيات حول العالم، حتى أصبح كل الشعب المصري متابعًا – وبشغف – للشأن العام والعربي والدولي.
تلك المتابعة تستلزم الحذر من كل شيء، كما تستلزم الحصول على المعلومة الطبية من مصدرها، وهو ما جعل مدينة طولكرم الفلسطينية، تتجاوز حدود الزمان بمراحل كثيرة، فتجعل الصدارة على منابر المساجد للأطباء الذين أخذوا على عاتقهم مهمة توعية المواطنين بتلك النوعية من الفيروسات، وطرق الوقاية الصحيحة منها، بدلًا من إتاحة الفرصة لكل مواطن أن يدلي بدلوه، ويصدر روشتات ونصائح طبية لا علاقة لها من قريب أو بعيد بالمرض، بعد أن تفشى ما هو أبعد من المرض، فقد يسمع البعض أن المرض لا يصيب الأطفال الرضع، ونسمع أنه يصيب كبار السن ويذهب بهم إلى الوفاة، وكأن المرض ينتقي حاضنه.
آن الأوان لأن يصعد الأطباء للمنبر، حتى ولو قبل الـ 15 دقيقة التي أعلنت عنها وزارة الأوقاف، كوقت محدد لخطبة الجمعة قبل الصلاة، تجنبًا لإطالة الصلاة في تجمعات المساجد، لكن على الأرجح، قد يتسبب ذلك في توعية للمواطنين بخطر عادات قد تتسبب في قتلهم، وتنهي حياة الروشتات الطبية العشوائية للمواطنين الذي يعلمون كل شيء عن كل شيء.
قد تبدو تلك الخطوة غريبة على الأذهان، ومتقدمة إلى حد بعيد، لكن ما نمر به الآن من كوارث وانتشار لأمراض وأوبئة، هزت دولًا كبرى، ولم نعد نحن أيضًا بمأمن من تلك الأوبئة، حتى قد انتهت أقاويل «نعيش ببركة ربنا»، و«ربنا حفظ البلد في القرآن»، وكأن الآيات القرآنية التي نزلت في تقديس المدن والقرى أصبحت مسوغًا للعيش بلا ضوابط ولا تدابير، لتصبح رخصة للعيش بمنتهى العشوائية، وحينما نصاب بالمرض والوباء نتيجة تلك العشوائية لا نحمل أنفسنا أي مسئولية تذكر من الإهمال الذي قد يودي بحياتنا، فنعيش حياة النادمين الذين انقسموا إلى جزئين قسم يندم على الماضي والأخر يخشى المستقبل.
أطلبوا من الأطباء أن يصعدوا المنابر لتوعية الناس، فلن ينصح الطبيب بما يخالف الدين، لكنه - ولو بالقدر اليسير - قد يحافظ على بقاء الدنيا، فما من شيء أفضل عند الله من الحفاظ على النفس، التي من أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا.. أقول ذلك مع الإيمان بأن دور الطبيب أساسًا في المستشفى يستقبل المرضى ويعمل على تشخيص الداء وتحديد الدواء، في مهمة إنسانية باقية ما بقى الزمان.