الثلاثاء 23 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

بروفايل

القديس توما.. تلميذ ألبير الأكبر

القديس توما الإكويني
القديس توما الإكويني
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
نشأ في عائلة إيطالية نبيلة، درس الفنون ثم التحق برهبنة الدومينيكان وانتقل إلى باريس حيث تتلمذ على يدي ألبير الأكبر، حصل على درجة الأستاذية وصار أستاذا في الحادية والثلاثين، ووضع مؤلفات أشهرها: "الرد على المناوئين" و"الشروح على أرسطو" و"رسالة وحدة العقل" و"رسالة في أزلية العالم" وغيرها، إنه الفيلسوف القديس توما الإكويني، الذي ظهر كأحد الفلاسفة واللاهوتيين الغربيين الكبار، في القرون الوسطى.
تأثر الإكويني بالفلسفة العربية، التي انتقلت للغرب عبر وجود العرب في شبه الجزيرة الإيبرية، كما أن الفلسفة العربية واليونانية انتقلت في العصور الوسطى للغرب عن طريق احتكاك الغرب بالعرب المسلمين، وأيضا غزو بلادهم الذي تمثل في الحملات الصليبية المتتالية.
كان الإكويني - الذي تحل ذكرى وفاته اليوم السبت - تأثر بفلسفة أبي الوليد ابن رشد، حتى اعتبر من تلامذته وناقلين فكره للفلسفة الغربية، وساهم بدوره في ظهور تيار الرشدية الغربي، وكان يسميه "الشارح العربي" في كتاباته حين ينقل عن الاقتباسات التي قيل إنها تجاوزت الخمسمائة، وتأثر أيضا بفلسفة أبي عمران موسى بن ميمون، والمطالع لنظريات الإكويني وآرائه في أدلة وجود الله، ومعرفة الخلق والخالق، والنفس الإنسانية، والأخلاق، وطبيعة الخير والشر، يعرف حقيقة تأثره بالفلسفات الشرقية ولا سيما فلسفة المفكرين المسلمين، وغير المسلمين الذين عاشوا في ظل الدولة الإسلامية.
وعن فلسفة الأخلاق مثلا يرى الإكويني إن ما تسعى إليه الإرادة من غاية نهائية هو الخير الكلي، وما يسعى إليه العقل من منتهى لإدراكه هو الحق الكلّي، والله هو الخير الكلّي والحق الكلّي معًا.
والغاية القصوى للإنسان تتضح -في رأيه وفلسفته- من شرحه للسعادة الناقصة، وهي تلك الأفراح الجزئية التي يحققها الإنسان على الأرض، إنما ممارسة الفضائل وفق معرفة الإنسان لله وللواجبات التي يفرضها، هي الطريق للعبور إلى السعادة الحقيقية في الآخرة.
كما أن للخير والشر في الحياة الزمنية ثلاثة توجهات: أولا، أن يكون الفعل مطابقًا لأوامر العقل أو مخالفًا لها، لأن العقل ملتزم بالخير كحد أقصى. ثانيا، أن يحسن الإنسان معرفة التفاصيل الجزئية لأعماله كي يحقق في النهاية ما يكون العقل قد رسمه.. ثالثا، أن تكون النية الحسنة مرافقة لكل هذه التفاصيل والأفعال، ومعبرة بالظاهر عن رغبات الخير الباطنة.
وأهمية النية هنا عميقة، مثلًا: إذا كانت الغاية من الغضب تحقيق خير ما صار الغضب خيرًا، وإذا كانت غايته تحقيق منفعة ذاتية فردية لا غاية خيرة فيها للحياة صار هذا الغضب عملًا شريرا، هذه الأمور وسواها يدركها العقل الطبيعي من دون رجوع إلى الوحي الديني، فلكل كائن ماهيته، وأفعاله تعبر دوما عن ماهيته، وبما أن ماهية الإنسان هي التعقل، والتعقل يعني فعل الخير واجتناب الشر، صار العمل الحسن بروزًا طبيعيًا للماهية الإنسانية، أي تعبيرا خارجيا عن ماهية باطنة خيّرة، وهذا الإدراك الطبيعي مشترك بين البشر أجمعين، لذلك يتفقون في قواعد الخير الأساسية، كالامتناع عن الكذب والسرقة والتعدي …إلخ. وإن كانوا يختلفون في تفاصيل أخرى عائدة إلى ظروف الحياة.
إن أفكار الإكويني التي شهدت هجوما كبيرا عليه كانت بمثابة التجديد الفكري للاهوت المسيحي وساهمت بشكل كبير في تقويته أمام النزعات الإلحادية واللادينية.