الثلاثاء 23 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

وللأوبئة تاريخ قديم في العالم

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
منذ أن عرف الإنسان التجمع في أنشطة تعاونية محاولًا ترويض مفرداته البيئية وهو يواجه بين الحين والآخر ظواهر تنال من سلامته الجسدية وتؤثر بانتشارها على تناميه عدديًا أو عمليًا، فيما عرف بالأوبئة التى دائمًا ما تكون مفاجئة وسريعة الانتشار لكونها دخيلة على تجمع بشرى في رقعة جغرافية سرعان ما يتسع تأثيرها مكانيًا وعدديًا في زمن قصير وبما يميزها عن نظيرتها المتوطنة. ولعل ما يواجهه العالم اليوم حيال وباء (كورونا) الفيروسى والذى بدأ ينال من بعض التجمعات نوال النار من الهشيم ليجعل الأمر بالغ الأهمية وعيًا ومواجهة. 
ونظرًا لأن مهمة الوعى تقتضى إلقاء الضوء على معاناة البشرية عبر تاريخها الطويل فقد حاولنا في هذا العرض أن نستجمع بعض الأفكار حيال تاريخ الأوبئة في طرح تحليلى يتسم بالشمولية. ولعل تناول المصادر التاريخية بعض الأوبئة بالحديث منذ بواكير التاريخ ليؤكد على معرفة الإنسان بها وبمدى خطورتها، ومن ثم لم يكن مستغربًا أن يشبه المصرى القديم استيطان الهكسوس بوباء الطاعون نحو القرن السابع عشر قبل الميلاد. في حين شهدت الإمبراطورية الرومانية في القرن الثانى للميلاد وباء لأحد أنواع الطاعون استمر قرابة عقدين من الزمان وأودى بحياة الملايين في أرجاء الإمبراطورية بل ولم يسلم منه الإمبراطور ذاته. 
ولو استعرضنا تاريخ الأوبئة من حيث الزمان والمكان لوجدنا الأمر في دقته يستعصى على الحصر، ولكن النظرة الشمولية تجعل بعض المعلومات المتاحة تستوقفنا لتؤكد على عدد من المفردات التى يمكن ملاحظتها من استعراض تاريخ الأوبئة عبر العصور. وأول هذه الملاحظات أنه على غير الشائع فإن أوروبا وتليها الأمريكتين قد حظيتا إحصائيًا بالعدد الأكبر من الوبائيات التى حصد بعضها آلاف الأرواح. بالإضافة إلى الاشتراك في الأوبئة المليونية التى كانت تسود العالم بدءًا من الطاعون الانطونى وانتهاءً بالأنفلونزا الإسبانية التى ناهز ضحاياها في العالم الأجمع الخمس والسبعين مليونًا، ويبدو أن ظهورها جاء متزامنًا مع نهاية الحرب العالمية الأولى عام ١٩١٨ لتضيف لمآسى البشرية مأساة مكملة لمآسى الحرب الكونية الأولى. 
أما ثانية الملاحظات فما من شك أن شيوع الوباء على المستوى الأممى قد عرفه العالم إبان حكم الإمبراطورية الرومانية وأيضًا خلال قرون الدولة العثمانية الأربعة، وذلك بحكم اتساع المساحة السيادية وتنوعها البيئى. ولعل من أشدها فتكًا طاعون جستنيان في منتصف القرن السادس الميلادى الذى حصد قرابة الخمس والعشرين مليونًا، وظل تأثيره في موجات وبائية متتابعة ليصل في القرن الرابع عشر لذروة الانتشار فيما عرف بالطاعون الأسود. بعدما راح ضحيته في أرجاء المعمورة ما يربو عن مائة مليون شخص في مدة لم تتجاوز عقدين من الزمان. 
ومن الأمور التى تستوجب الملاحظة كثالثة هى أن أفريقيا لم تظهر على الخريطة الوبائية بشكل ملحوظ إلا مع نهايات القرن التاسع عشر وما تلاه، لتصبح مع آسيا بمثابة المصدر الرئيسى لأوبئة هزت العالم اكتشافًا ومقاومة. والرأى عندى أن ما كانت ترزح فيه أفريقيا تحديدًا من تخلف مقيت حال دون الرصد الإحصائى لمثل هذا الأمر، بمعنى أنها لم تكن بمعزل عما كانت تعانيه أوروبا والأمريكتان بيد أنها كانت تفتقر للتعامل مع مثل هذه الموجات طالما لم تبادر بها الدول الغربية أو بالأحرى الاستعمارية.
أما رابعة الملاحظات فتتمثل في أن العالم قد ظل حتى القرن التاسع عشر يعانى من أوبئة باتت تقليدية من تكرار وجودها وعلى رأسها الطاعون إلى جانب الحمى بأنواعها وأشهرها الصفراء والتيفود، في حين تأتى الملاريا والكوليرا على استحياء لا سيما الأخيرة التى عرفها العالم في بواكير القرن التاسع عشر. بيد أن الإنفلونزا تظل بمثابة الخطر المستدام حيث عرفناها بأشكال شتى منها الإسبانية ومنها الطيور والخنازير وكذا السارس والإيبولا وأخيرًا الكورونا حديث الساعة، والتى تتوقع الإحصائيات - لا قدر الله - حصدها لمائة ألف من الأرواح. 
أما الملاحظة الخامسة والأخيرة فتخص وباء (كورونا) تحديدًا، وتتمثل في أساليب المواجهة التى تعكس في تفاوتها السمت الحضارى لكل مجتمع. إذ بينما تحاول بعض الدول إخفاء الحقيقة أو التهوين منها نجد غيرها يطرح الأمر بكل أبعاده كى تتضافر الجهود الشعبية مع الرسمية في المواجهة. بل إن ما يثار عن حكم الإعدام المسبق على أى شخص يصاب بالمرض في كوريا الشمالية ليؤكد ما تم سوقه حال ثبوته. أو ربما هو جزء من تسييس الأمر الذى بات حديث الأوساط السياسية لا الطبية من منطلق الاستهداف الدولى للصين، والذى يدخل ضمن الحروب غير التقليدية بين القوى الكبرى وهى الحرب الفيروسية.