الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

بروفايل

مجدي يعقوب.. أمير القلوب

مجدي يعقوب
مجدي يعقوب
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
في ليلة شتوية ممطرة بمدينة بلبيس بمحافظة الشرقية، في 16 نوفمبر من العام 1935، ولد الدكتور مجدي حبيب يعقوب، جراح القلب العالمي الذي ملأت شهرته الآفاق فيما بعد، لعائلة قبطية أرثوذكسية، تعود أصولها إلى صعيد مصر في المنيا.
يجلس في بداية حياته على مقعد خشبي في مدرسة بلبيس الابتدائية، يحيط به ثلاثة من زملاء دراسته، لا يتحدث كثيرًا، منعزلًا عما حوله، يثير الاستغراب في كثير من الأحيان، والجالسون بجواره لا يعلمون من سيكون هذا الصبي الذي سيقوده المقعد المتهالك إلى سموات المجد.
في أربعينيات القرن الماضي يسود المنزل حزن، يسقط والده في بحر من الدموع، الأصوات تتعالى، رحلت عمته عن الدنيا بسبب ضيق في صمام القلب، يذهب الصغير إلى والده، يحاول أن يضمد جرحه النازف على وفاة شقيقته وهي في ربيعها الحادي والعشرين، وعجزه رغم كونه طبيبًا عن تقديم المساعدة، يقول مجدي لأبيه: "هون عليك يا أبي، سأصبح طبيب قلب يغير مصير الكثيرين".
بعد سنوات يلتحق مجدي يعقوب بكلية طب القاهرة، وفي عام 1957 يحمل مجدي شهادته مسرعًا إلى والده، سأتخصص في جراحة القلب، يعارضه والده الطبيب المتخصص في الجراحة العامة، ويسقط على أذنيه جملة كالصاعقة:«لا يا مجدي.. هذا التخصص دقيق في تفاصيله.. وأنت لست جيدًا في التفاصيل!».
رفض الابن الخضوع للكلام، ولملم ما يمتلك من أفكار وأوراق، وفي عام 1962 توجه إلى مدينة الضباب، حيث الصراع لا يتوقف بين الأطباء في لندن، والإنجليز لا يقبلون أحدًا بينهم بسهولة، وجد البريطانيون مجدي يعقوب عقلية فريدة ستغير من تاريخ الطب، فاستقبلوه بعد ذلك بحرارة، حتى شعر أنه واحد منهم، والتحق بمستشفى الصدر في العاصمة "لندن"، وفي عام 1966 منحته الملكة إليزابيث الثانية لقب "فارس" أو ملك القلوب، كما أطلق عليه الإعلام الإنجليزي. 
بعد وصوله بخمس سنوات، وتحديدًا عام 1967 بدأ مجدي يعقوب يهتم بتقنيات جراحات نقل القلب، لينتقل بعد ذلك إلى مستشفى هارفيلد الشهيرة في عام 1969.
غير السير مجدي يعقوب تاريخ جراحة القلب، عندما نقل قلب مريض يُسمى "دريك موريس" في عام 1980، ليصبح موريس أطول مريض يجري عملية نقل قلب في أوروبا على قيد الحياة، إضافة لكونه أجرى عمليات جراحية للكثير من المشاهير، منهم الكوميديان الإنجليزي إريك موركامب.
ودخل ملك القلوب موسوعة جينيس الشهيرة، بعد إجراء عملية قلب لشخص عاش أطول فترة في حياته بقلب منقول في عام 1983.
وفي عام 1986 عُين السير مجدي يعقوب أستاذًا في المعهد القومي للقلب والرئة، وبعد أن بلغ عمر 65 عامًا، اعتزل إجراء عمليات جراحية، ليكمل حياته في العمل كاستشاري لعمليات نقل الأعضاء، وقام بإجراء أعقد تلك العمليات رغم اعتزاله، بعد أن قام بإزالة قلب مزروع في إحدى المريضات بعد أن أتم قلبها الطبيعي الشفاء.
أسر مجدي يعقوب قلوب العالم، بما قدمه للطب من إنجازات، وليس هذا فحسب بل ترجيح كفة الإنسانية على كل الصراعات والإختلافات، وفي جنوب مصر أقام مستشفى لعلاج أمراض القلب، وأصبح رحالة بين دول العالم لعلاج أفئدة الناس دون النظر إلى عرق أو لون أو دين.
حصل السير يعقوب على الكثير من الألقاب والأوسمة، منها قلادة النيل العظمي في مصر، كما حصل على الدرجات الشرفية من جامعات " برونيل، كارديف، لوفبرا، وميدلسكس" وكلها جامعات بريطانية، وكذلك من جامعة" لوند " بـالسويد. وله كراسى شرفية في جامعة لاهور بـباكستان، وجامعة سينا بـإيطاليا.
يحلم الطبيب العظيم في عمره الـ 85 بالانتهاء من بناء مستشفى مجدي يعقوب الخيري لعلاج أمراض القلب في مصر، والتي ستجري قرابة 12 ألف عملية جراحية لمرضى القلب في مصر والعالم، أكثر من نصفهم أطفال، ويقدم السير كل مايملكه من معلومات في جراحة القلب من خلال تدريب للأطباء في مصر والعالم، ليبقي الرجل الذي فاز بالقلوب رغم اختلاف الألسنة وتنوعها.