الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

العالم

معركة "إصلاح نظام التقاعد" تزيد حدة الخلاف في المشهد الفرنسي

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
تشهد الشوارع الفرنسية اليوم الخميس خروج موجة جديدة من المظاهرات، وهي العاشرة من نوعها منذ بدء الاحتجاجات في ديسمبر الماضي، وتضم مختلف القطاعات المهنية، استجابة لدعوة النقابات العمالية المعارضة لإصلاحات أنظمة التقاعد المقترحة من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وحكومته.
ومن المتوقع أن تشهد حركة النقل والمواصلات في البلاد اضطرابات ملحوظة مع غلق عدد من محطات مترو الأنفاق، وهو ما يحدث دائما في أيام التعبئة التي تدعو إليها النقابات والتي كان آخرها في السادس من فبراير الجاري، وخرج فيها نحو 121 ألف متظاهر في مختلف أنحاء فرنسا، من بينهم 15 ألف متظاهر في شوارع العاصمة باريس.
تأتي هذه المظاهرات بعد أن أعلنت الكونفدرالية العامة للعمل CGT، أكبر النقابات في فرنسا، أمس الأربعاء أنها أغلقت الحوار في "مؤتمر التمويل" الخاص بإصلاح نظام التقاعد، نظرا لصعوبة التوصل إلى حل وسط مع الحكومة، وأبدت استعدادها لتنظيم مؤتمر آخر بديل في جميع أنحاء البلاد لتوعية المواطنين بمخاطر الإصلاحات المقترحة حول قانون التقاعد، وطرح بدائل أخرى للإصلاحات.
وكان البرلمان الفرنسي قد بدأ الأثنين الماضي مناقشة مشروع قانون إصلاح أنظمة التقاعد بعد أن أدخلت الحكومة حزمة من التعديلات عليه.
وخلال الجلسة، طالب النواب اليساريون الحكومة بعرض القانون في استفتاء شعبي على الفرنسيين يسمح لهم بتقرير مصيرهم، وهو الاقتراح الذي يحظى بدعم شعبي ملحوظ إذ أظهر آخر استطلاع للرأي أجراه معهد "ايفوب" الفرنسي في 13 فبراير الجاري، أن 2 من كل 3 فرنسيين يؤيدون تنظيم استفتاء شعبي حول الإصلاحات المقترحة.
وكانت الحكومة تتطلع إلى التصويت على نص القانون قبل منتصف مارس المقبل، وهو الموعد المقرر للانتخابات البلدية الفرنسية، ولكن يبدو أن عملية التصويت ستسغرق وقتا طويلا حيث أنه لا يتوقع إجراء تصويت نهائي قبل الصيف المقبل.
وبالتزامن مع جلسة البرلمان، تظاهر العمال الفرنسيون في العاصمة باريس احتجاجا على الإصلاحات المقترحة لأنظمة التقاعد، وطالب المتظاهرون بسحب التعديلات التي اقترحتها الحكومة، مرددين شعارات مؤيدة لحركة "السترات الصفراء"، كما حملوا لافتات عليها عبارات منددة بالتعديلات.
ويثير مشروع إصلاح نظام التقاعد جدلا واسعا على الساحة الفرنسية، حيث شهدت البلاد منذ 5 ديسمبر الماضي مظاهرات عارمة رافقها شلل في حركة المواصلات احتجاجا على مشروع القانون الجديد الذي تقترحه حكومة الرئيس ماكرون، والهادف إلى تغيير نظام التقاعد المكون من 42 خطة منفصلة بامتيازات مختلفة، ليحل محله نظام واحد قائم على أساس النقاط، يتمتع فيه جميع المتقاعدين بحقوق متساوية، إضافة إلى رفع سن التقاعد تدريجيا من 62 إلى 64 عاما.
واستمرت هذه الاحتجاجات والاضرابات قرابة شهرين حتى أنها لم تتوقف خلال فترة أعياد الميلاد واحتفالات العام الجديد، واعتبرت أطول فترة إضراب منذ احتجاجات مايو 1968، وأدت إلى تعطيل مختلف وسائل المواصلات بالبلاد، مما تسبب في خسائر تجاوزت المليار يورو.
كما أدى إضراب عمال النظافة إلى ترك المخلفات في الشوارع وعلى الأرصفة دون جمع لعدة أيام في مختلف المدن الفرنسية، وأصبحت تفيض حاويات النفايات بالقمامة وهو ما شكل عائقا أمام المواطنين وأثار مخاوف صحية.
ولاتزال هذه القضية محور خلاف داخل المشهد الفرنسي. ففي الوقت الذي ترى فيه الحكومة أن نظام التقاعد المقترح "أكثر عدلا"، يرى المعارضون له أن هذه الإصلاحات، والتي من شأنها إلغاء عشرات الخطط المنفصلة لعمال القطاع العام، بها قدر كبير من عدم الأمان وعدم المساواة فهي تعمل على التمييز بين الموظفين والعمال، وتحرم العاملين من العديد من الامتيازات التي تعد من أفضل مزايا أنظمة التقاعد في العالم، فضلا عن أنها تجبر ملايين الأشخاص في القطاعين العام والخاص على العمل لسنوات بعد سن التقاعد وهو 62 عاما.
ويؤكد المراقبون أن حسم هذه المعركة لن يكون سهلا. فمن ناحية ترغب النقابات الفرنسية في إثبات أنها لاتزال قادرة على تلبية المطالب الشعبية والقيام بدورها في الدفاع عن مكتسبات الفرنسيين ومصالحهم ونموذجهم الاجتماعي، لذلك لايبدو من السهل أن تتراجع عن موقفها إزاء الإصلاحات المقترحة، لاسيما وأن موضوع التقاعد من أكثر الملفات الحساسة والشائكة على الساحة الفرنسية.
من ناحية أخرى، من المستبعد أن يرضخ ماكرون أمام مطالب النقابات ويتراجع عن خططه الإصلاحية التي يولي لها اهتماما أوليا في برنامج حكومته، ويصمم على المضي قدما في تنفيذها.