الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ملفات خاصة

منصات التواصل الاجتماعي في خدمة الإرهاب بالمنطقة العربية

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

نشر الدعاية والدعوة للجهاد وتجنيد الشباب.. أهم الأهداف

استخدام أكثر من لغة لتجنيد الأجانب.. والتركيز على الشباب

حسابات بديلة على تويتر لتفادى حجب المواقع.. وفريق محترف يدير الإعلام


المركز العربى للبحوث والدراسات- مركز علمى بحثى تابع لمؤسسة المركز العربى للصحافة، يهتم بالقضايا والدراسات الإقليمية، في تخصصات النظم والعلاقات الدولية. وفى إطار التعاون بين جريدة «البوابة نيوز» والمركز العربى للبحوث والدراسات، ننشر اليوم عروضا لعدد من الدراسات الصادرة عن المركز في محاولة لإلقاء الضوء على آخر المستجدات على الساحة العربية والإقليمية والدولية كخدمة تقدمها «البوابة نيوز» لقرائها.

أولت التنظيمات الإرهابية الإعلام ووسائطه الجديدة ولاسيما شبكة الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي أهمية قصوى في الترويج لأطروحاتها الأيديولوجية فكريًا وعسكريًا وسياسيًا، فسعت تلك التنظيمات إلى تمرير رسائل مباشرة وغير مباشرة عبر المحتوى الإعلامي، الذى قدمته عبر المنصات المختلفة سواء كان هذا المحتوى مكتوبًا أو مسموعًا أو مرئيًا.

أدركت تلك التنظيمات خطورة وأهمية الحرب الإعلامية، فقامت بتدعيم صفوفها بجيلٍ محترف من الإعلاميين فضلًا عن مؤيدى التنظيم من الشباب أصحاب الخبرات التقنية المتميزة، لتنجح تلك التنظيمات خلال فترة وجيزة في فرض نفسها وأفكارها إعلاميًا.

وسعت الدراسة للتعرف على استراتيجيات التنظيمات الإرهابية في توظيف وسائل الإعلام الجديدة لتحقيق أهدافها والتعرف على المضامين المقدمة بالوسائل الإعلامية الجديدة لتلك التنظيمات وأهدافها التواصلية وعوامل الإبراز الفنى للمحتوى المقدم عبر المنصات المختلفة، والتعرف على معايير طرح محتوى إعلامى معين عبر وسائل الإعلام الجديدة بما يتناسب مع طبيعة كل وسيلة إعلامية (مواقع إلكترونية – تويتر – يوتيوب) والهدف المرجو تحقيقه؛ حيث تقدم هذه المضامين رسائل غير المباشرة ترسم صورةً كاملة للتنظيم وقادته وأفراده والمناطق التى يقع بها الصراع.

استخدمت الدراسة أداة تحليل المضمون للتعرف على الأهداف الاتصالية للتنظيمات الإرهابية والأشكال الإعلامية المستخدمة في تقديم المحتوى الإعلامى لهم، ومدى الترابط الاتصالى بين الوسائل المختلفة لكل تنظيم من التنظيميْن محل الدراسة وهما «داعش» و«جبهة النُصرة»، وامتدت الدراسة التحليلية في الفترة من يناير حتى مارس ٢٠١٨، خضعت خلاله وسائل الإعلام التابعة للتنظيميْن للتحليل.

ركزت التنظيمات المتطرفة على توظيف موقع «توتير» لخدمة أهدافها الاتصالية لما يتصف به من حيث العمومية وإمكانية التدوين المباشر وبث التغريدات القصيرة الفورية لمستخدميه وقت وقوع الحدث، كما أمكنها استغلال أنشطة الوسم (الهاشتاج) الأكثر تكرارًا وانتشارًا للوصول لأكبر عدد ممكن من المغردين.

امتلك تنظيميْ الدراسة (داعش -جبهة النُصرة) حساباتٍ عديدة على «توتير» تنوعت ما بين حسابات مركزية لنشر الرسائل والبيانات والأخبار العامة، إضافةً إلى حساباتٍ محلية في كل منطقة صراع أو ولاية تقع تحت سطوة التنظيم، ورغم الحملة القوية التى قام بها موقع «توتير» لغلق وحذف حسابات أعضاء التنظيمات المتطرفة، إلا أن الدراسة التحليلية أوضحت وجود محاولات تحايل من قبل تلك التنظيمات على حملات الحجب، بإنشاء حسابات مختلفة بأسماءٍ وهمية لإيصال الجهود الدعائية التى تشنها تلك التنظيمات المتطرفة. وغالبًا ما تأتى تلك الحسابات لتحمل أسماءً عشوائية ولا تدل على أى شيء متعلق بالتنظيم.

ورغم إجراءات التحايل من قبل تنظيميْ الدراسة على إجراءات الحجب فقد تبين جليًا خلال الدراسة أن قدرة التنظيميْن على الحفاظ على تواجدهما الفعال على «تويتر» قد تم تحجيمها بشكلٍ كبير مقارنةً بالبداية القوية في خلال الفترة من ٢٠١٤-٢٠١٦، وقد تم تحليل التغريدات التى تم نشرها عبر عدة صفحات بديلة تابعة لتنظيميْ الدراسة خلال فترة التحليل بواقع ٧٠١ تغريدة لتنظيم «داعش» تم نشرها عبر حسابات مختلفة، و٢٢٤ تغريدة لتنظيم «جبهة النُصرة» تم نشرها عبر حسابات مختلفة.

وتبين من الدراسة أن أهم القوالب الصحفية التى تم توظيفها بموقع «تويتر» لتنظيم «داعش» هو الصورة الصحفية بنسبة ٢١٪ يليها التقرير المصحوب برابط إلكترونى بنسبة ١٩٪ يليه الخبر بنسبة ١٧٪ ثم بث مقطع فيديو ورابط إلكترونى بنسبة ١٥٪ ثم التقرير المصور ورابط إلكترونى بنسبة ١٤٪ يليه الإنفوجرافيك بنسبة ١٣٪، بينما كان الخبر هو القالب الصحفى الأكثر توظيفًا لدى حسابات تنظيم «جبهة النُصرة» بنسبة ٣٨.٤٪ يليه الصورة ٢٢.٣٪ ثم التقرير المصور ورابط إلكترونى ٢١.٣٪ وفى المرتبة الأخيرة جاء التقرير الخبرى بنسبة ١٨٪.

أما عن عناصر الإبراز في المادة التى يتم نشرها عبر موقع «تويتر»، فقد أوضحت الدراسة أن تنظيم «داعش» حقق درجة عالية من الإبراز للمحتوى المقدم عبر حساباته، وهو ما يعنى تحقيق الاستغلال الأمثل لإمكانات «تويتر» كمنصة إعلامية، أما «جبهة النُصرة» فكانت أقل من «داعش» من حيث توظيف عناصر الإبراز بمحتواها على «تويتر».

أوضحت الدراسة قدرة التنظيميْن على إدارة حساباتهما على «تويتر»، إذ استخدم القائمون على تلك الحسابات وسومًا (هاشتاجات) رائجة عند التغريد بإرسال رسائلهم عن طريق استعمال الوسم، حتى يدفعوا المستخدمين المتابعين لقضية أخرى إلى قراءة هذه التغريدات المشجعة على الانضمام إليهم، وتحقيق أكبر قدر من الانتشار لرسائلها أو إصداراتها.

وكان من أهم الأهداف الاتصالية التى ركزت عليها حسابات التنظيمات المتطرفة على «تويتر»، والتى اتضحت من خلال الدراسة التحليلية التجنيد والتوظيف باستهداف فئة الشباب، حيث اهتم تنظيما الدراسة بنوع الجمهور وفئاته، فاستهدفا بالأساس فئة الشباب، الذين تتراوح أعمارهم بين ١٦-٣٠عامًا، كذلك لا يهمل التنظيم سائر فئات المجتمع الأخرى وإن كان ذلك بنسبٍ متفاوتة، كما يحرص على شريحة النساء والتى تعد سندًا قويًا له، لذلك أدركت «داعش» أهمية الخطاب الشبابي.

ولتحقيق هذا الهدف اتبعت «داعش» إستراتيجية محددة لمخاطبة الشباب بهدف كسبهم وتطويعهم باستخدام ما يُعرف بقاعدة إطلاق التسميات وألفاظ التعميم البراقة في الدعاية، من خلال تشكيل أفواج أو كتائب مسلحة تابعة للتنظيم تحت أسماء تاريخية أو رمزية موحية لخلق نوعٍ من الامتداد مع الماضى أو إظهار الصلة التى تربط (الخلافة) كدولة التنظيم بالخلافة الأولى، ومن ذلك تسمية «كتيبة دابق» و«جيش الخلافة» و«جيش العسرة».. وغيرها من المسميات، كما تعمد التنظيم استخدام عبارات مختصرة سريعة تحمل في طياتها الألفة والحميمية والقرب مثل أخى المناصر -أخى المجاهد -أخى المسلم، فهم يستغلون تعاطف الآخرين من مستخدمى الإنترنت مع قضاياهم، ويجتذبون هؤلاء بعبارات براقة وحماسية.

وضمن نفس الإستراتيجية ركز داعش على إبراز دور الشباب بداخل التنظيم في مختلف إصداراته ولا سيما المصورة والمرئية منها، للإيحاء بمدى قوة التنظيم، فالمتابع لإصدارات التنظيم المتطرف يجد أن الشباب والقوة والفتوة عناصر حاضرة بقوة في إعلامهم، وهى رسالة مهمة متضمنة داخل هذه الإصدارات، جيل جديد يجيد استخدام أنواع الأسلحة، يجيد استخدام أنواع مختلفة من التقنية، وفى الوقت نفسه مؤمن بفكرته وهدفه.

تبين كذلك أن استخدامات تنظيميْ الدراسة لموقع «تويتر» تركز على نشر الدعاية وضمان الاتصال الداخلى وتوجيه المستخدمين إلى روابط أخرى تستعملها التنظيمات على الشبكة، والدعوة للجهاد والانضمام لصفوف التنظيم. ويُلاحظ على المحتوى الإعلامى المنشور حرص التنظيميْن على استخدام النصوص الدينية واللغة العاطفية التى يستطيع من خلالها إحداث التأثير النفسى في المتلقى المستهدف لديه.

وحرص «داعش» بشكلٍ خاص على استخدام أكثر من لغة في نشر تغريداته، وذلك كى يستطيع أن يصل إلى أكبر عدد ممكن من الأفراد حول العالم وتجنيد مزيدٍ من المقاتلين الأجانب، بالإضافة إلى إطلاق وسوم (هاشتاجات) واسعة يتابعها أعداد كبيرة من المتابعين لها، ومن ثم يستطع أن يضم عديدًا من الأفراد.

وإجمالًا يمكننا أن نشير إلى الدور المهم الذى لعبته المواقع الخاصة بتنظيم «داعش» في مقابل دور مواقع «جبهة النُصرة»؛ حيث لعبت مواقع تنظيم «داعش» دورًا هامًا في الترويج للحسابات البديلة والمواقع البديلة في حال تعرض أيّ من النوافذ الإعلامية للتنظيم للحظر أو واجه المهتمون صعوبة في الوصول إليها. وضمن سياسة ترويجية واضحة، حرصت تلك المواقع على اتباع أكثر من وسيلة لنشر دعايات التنظيم منها نشر أكثر من URL لمقاطع الفيديو التى عملت على الترويج لها بحيث يسهل على المتصفح الوصول للنسخة التى تعمل من بينها، كما لعبت دورًا مهمًا في خلق حالة من التشويق الذى يسبق الإصدارات المرئية للتنظيم والعمل على الترويج لها بعد إصدارها بالفعل، بالإضافة إلى إعادة نشر جميع الإصدارات القديمة بشكل دورى ومتكرر، وأيضًا العمل على الترويج لوسائل الإعلام الناطقة باسم التنظيم مثل الترويج للعدد الأسبوعى لصحيفة «النبأ» التى يُصدرها التنظيم، والترويج أيضًا لمقاطع إذاعة «البيان» التى يبثها التنظيم، بالإضافة إلى نشر حصاد يومى يضم جميع أخبار التنظيم التى تم نشرها عبر الولايات المختلفة وعبر النوافذ الإعلامية الناطقة باسم التنظيم حيث تضم ما تم نشره بصحيفة «النبأ» وإذاعة «البيان» وبيانات وكالة «أعماق» و«أجناد» و«الفرقان» و«الحياة» ومكتبة «الهمّة». ولعبت هذه المواقع دورا مهمًا للغاية في خدمة الأرشفة الإلكترونية لإصدارات التنظيم الصادرة من مختلف الولايات، كما تم نشر أرشيف ضخم جدًا يضم جميع إصدارات ومقاطع الفيديو الخاصة بتنظيم «داعش»، يضم ٥٣٥٠ مقطع فيديو تم نشرها من قبل التنظيم منذ ظهوره.

موقع «يوتيوب»

يُعد موقع «يوتيوب» من أوائل المنصات التى استخدمتها التنظيمات المتطرفة لتمرير خطابها الدعائي، بهدف التعريف عن النفس والتسويق للذات، إضافةً إلى توظيف الموقع لضمان الحضور الإعلامى من خلال نشر الوسائط السمعية البصرية. وتكمن ميزة الموقع الأساسية أن نظام المراقبة الخاص به يتم بعد نشر الفيديوهات على الموقع بالفعل، وبالتالى يمكن للمشاركين تحميلها مباشرةً قبل حذفها.

تم تحليل المحتوى المقدم عبر الحسابات البديلة لتنظيميْ «داعش» و«جبهة النُصرة» خلال فترة الدراسة، وقد بلغ عدد المقاطع التى نشرها تنظيم «داعش» عبر الحسابات المختلفة ٧٦ مقطع فيديو بينما وصل عدد مقاطع تنظيم «جبهة النُصرة» إلى ٥٨ مقطع فيديو، تنوعت إصدارات «داعش» ما بين تقارير مصورة ٤٣.٤٪ وأفلام وثائقية ٣٠.٣٪ وإصدارات خاصة بنسبة ٢٦.٣٪، والذى جاء محتواها بسيطًا وقليلَ الجودة تم تصويرها بكاميرات هواتف محمولة غير واضحة لعمليات التنظيم في مناطق الصراع.

كما تنوعت إصدارات تنظيم «جبهة النُصرة» ما بين تقارير مصورة ٥٨.٦٪ وأفلام وثائقية بنسبة ١٢٪، بينما مثلت الإصدارات المتنوعة للتنظيم ٢٩.٤٪، في حين لم يوظف أيّ من «داعش» أو «جبهة النُصرة» خلال فترة الدراسة قالبيْ النشرة الإخبارية أو الحوار الصحفى في المادة المنشورة عبر يوتيوب. ويُلاحظ من النتائج السابقة وجود تفوق ملحوظ لتنظيم «داعش» في إنتاج الأفلام الوثائقية المحترفة عالية الجودة مقارنةً بالأفلام الوثائقية الخاصة بتنظيم «جبهة النُصرة»، وهو ما يتضح من حيث توظيف كلٍ منهما لعناصر الإبراز داخل المقطع المقدم وجودته.

واتضح من الدراسة أن إصدارات «داعش» جاءت بنسبة ٥٠٪ بجودة عالية جدًا من حيث وضوح الصورة والألوان وجودة الصوت، بينما ٣٦.٨٪ منها جاءت بجودة قليلة ونشير هنا إلى أن المقاطع قليلة الجودة جاءت معظمها مقاطع قصيرة تم تصويرها بكاميرات موبايل محدودة الإمكانات مثل قيام أحد أعضاء التنظيم بتصوير زميل له أثناء قيامه بإطلاق أحد الصواريخ على أحد الأهداف لتأتى الصورة مهزوزة غير واضحة المعالم ذات جودة متواضعة، كما أن ٥٠٪ من المقاطع التى تم تحليلها جاءت مدعمة بمؤثرات صوت وصورة، وهو ما يشير لحرص القائمين عليها على إحداث أعلى درجة من التأثير في المتلقي، مع الحرص على تقديم مضمون قوى داخل ٥١٪ من المقاطع وذلك بدعم الصورة بتعليق صوتى محترف ومحتوى مكتوب ومحرر إعلاميًا على درجة عالية من الكفاءة والمهنية.

أما عن تنظيم «جبهة النُصرة» فجاءت ٥٧٪ من إصدارات التنظيم والتى تم تحليلها خلال فترة الدراسة متوسطة الوضوح من حيث وضوح الصورة والألوان، وتنوعت حركة الكاميرا داخل المقاطع المصورة ما بين سريعة ٦٥.٥٪ وبطيئة بنسبة ٣٤.٥٪، وجاءت جميع المقاطع مدعمة بمؤثرات صورة و٨٢٪ يحمل مؤثرات صوتية، أما عن المضمون فجاء بنسبة ٦٥.٥٪ صورة وتعليقا صوتيا، ٣٤.٥٪ صورة فقط بدون أى تعليق أو محتوى مكتوب على الصور.

وتبين من الدارسة التحليلية وجود فرق ملحوظ في جودة واحترافية المقاطع المصورة لكلا التنظيميْن ما بين منتج محترف عالى الجودة يقدمه مجموعة من المحترفين وما بين منتج متوسط الجودة في الأغلب يقدمه مجموعة من الهواة، حيث جاءت إصدارات «داعش» بتميز احترافى عالٍ يتضمن أعمال مونتاج ومؤثرات واستخدام كاميرات ثابتة عالية الاحترافية والجودة تتحرك على قضبان أفقيًا، وترتفع إلى أعلى بأدوات رفع عالية وتستطيع التصوير بأكثر من زاوية، بينما جاءت إصدارات تنظيم «جبهة النُصرة» متواضعة خالية من عناصر الإبهار أو الاحترافية أو الجذب الإعلامي.

فيتضح من تحليل المحتوى الإعلامى لإصدارات «داعش» توظيفها الجيد لفتاوى أئمة الإسلام بما يخدم مصالحها وأهدافها أو يبرر تصرفاتها ويؤكد على شرعيتها، مع العمل على إظهار قوة التنظيم والتهديد وبث الرعب في قلوب الناس. وبالإضافة إلى الأساليب السابق الإشارة إليها فإن التنظيم عَمِدَ إلى وصف نفسه بحُمَاة الشريعة وجنود الإسلام، وهو ما وضح جليًا في إصدار «حُمَاة الشريعة» الذى صدر في ١٣ فبراير ٢٠١٨ عما يُسمى بـ «ولاية سيناء»، حيث استهدف الإصدار الإشارة إلى ما أسماه بجرائم النظام المصرى وتعمد إظهاره متواطئًا مع اليهود لقتل وتشريد أهالى سيناء، وذلك من خلال نشر صور لأطفال ونساء قتلى ادعى الإصدار أنهم ضحايا النظام المصرى الذى يتعمد تصفية أهل سيناء.

كما حرص التنظيم على نشر إصدارات خاصة تخاطب المجاهدين في كل بقاع الأرض وتقديم النصائح لهم، مثل ما ظهر ببعض إصدارات مركز الحياة للإعلام مثل إصدار (إليك أيها المناصر) وإصدار (من الداخل) وإصدار (لبوا النداء)، وكذلك مجموعة إصدارات ولاية الخير (اخذلوا دولتكم)، حيث عَمِدَ التنظيم في تلك الإصدارات على التواصل مع المتعاطفين والمؤيدين له والمجاهدين في كل بقاع الأرض وتقديم النصائح لهم وحثهم على الهمة والفزعة لبث الرعب في قلوب الأعداء ونُصرة الإسلام.

كما حملت الإصدارات رسائل تهديد واضحة ومباشرة للغرب بمزيدٍ من العمليات التفجيرية داخل أراضيهم مع نشر لقطات من حالات الفزع والفوضى التى تصيبهم بعد العمليات التفجيرية التى يعلن التنظيم عن تبنيها داخل أراضهم، إضافةً إلى الفيديوهات التى توضح قوة التنظيم وبطشه وذلك من خلال نشر فيديوهات واضحة تظهر عمليات لقطع الرؤوس أو عمليات تفجيرية مباشرة Live، بهدف إعطاء الشباب إحساسًا بالقوة وخلق الرغبة لديهم للانضمام لهذا التنظيم القوي.

وفى معظم هذه الفيديوهات يتم نشر أبشع ما يقوم به التنظيم من ذبح وحرق وقتل أو حتى فيديوهات لدعوة الشباب للانضمام للتنظيم، وبغض النظر عن هدف متابعى هذه المقاطع والإصدارات سواء كان هدفهم هو المراقبة فقط، أو فهم هذا التنظيم وأيديولوجيته، أو بهدف وضع استراتيجيات لمحاربة التنظيم، إلا أن هناك من يشاهد بهدف الانضمام إلى هذا التنظيم أو على أقل تقدير اقتناعه بما يقوم به التنظيم وهو النوع الأخطر.

ومن الملاحظ أيضًا على إصدارات تنظيم «داعش» حرصه على نشر مقاطع مصورة لتدريب الأطفال بين صفوف التنظيم، يوضح فيه طريقة تجنيدهم وتعليمهم طرق الجهاد في سبيل الله، ولم تقتصر إصدارات التنظيم المصورة على نشرها باللغة العربية فقط، بل حرص على إطلاق إصدارات بلغات مختلفة كالإنجليزية والفرنسية وغيرها، وذلك ببراعة واحترافية شديدة ويرجع ذلك إلى أن بعض أفراد التنظيم من المقاتلين الأجانب وبالتالى يستطع أن يخاطب العالم بلغات مختلفة.

أما تنظيم «جبهة النُصرة» فلم تقم حساباته بنشر إصدارات جديدة تم إنتاجها حديثًا، بل اقتصرت على إعادة نشر إصدارات قديمة مثل إصدار «غزوة حرائر الشام» الذى صدر عن مؤسسة «المنارة البيضاء»، والتى اتضح بها أيضًا توظيف الآيات القرآنية والأحاديث والفتاوى لبسط الغطاء الدينى على أعمال التنظيم وكسب الشرعية، حيث بدأ التنظيم بآية قرآنية وكلمة لأبى محمد الجولانى تحمل بين طياتها تهديدًا ووعيدًا، ثم كلمة لسيدة منتقبة تدعى «أم عبدالله» تتحدث عن جرائم جيش بشار الأسد ورجاله وتدعو أهل النخوة والدين لنُصرة نساء سوريا والدفاع عنهم ضد نظام بشار الجائر، وينتهى الإصدار بتصوير عملية تفجيرية لجنود التنظيم قاموا بها ثأرًا لنساء الشام.

ويتضح مما سبق أن تنظيميْ الدراسة تمكنا من استغلال الحسابات الوهمية على «يوتيوب» في نشر بعض المحتوى الإعلامى لهم، ولم يكتفيا بنشر المحتوى الجديد والإصدارات الحديثة بل قاما أيضًا بتوظيفها في إعادة نشر المحتوى القديم والإصدارات السابقة، ورغم ذلك تبين من خلال الدراسة التحليلية أن «يوتيوب» كان توظيفه محدودًا مقارنة ببقية المنصات التى خضعت للتحليل خلال فترة الدراسة، وهو ما يشير إلى نجاح إجراءات الحذف التى اتبعها الموقع لتحجيم نشر المحتوى المتطرف عبر قنواته بشكل كبير.

توظيف وسائل الإعلام الجديد

تبين من الدراسة أن تنظيم «داعش» استطاع أن يحقق درجة عالية جدًا من التواصل بين المنصات المختلفة بعكس الحال لتنظيم «جبهة النُصرة»، فقد بدا إعلام «داعش» مخططًا كإعلام محترف، بينما بات إعلام «جبهة النُصرة» مشتتًا لا يخرج عن نطاق إعلام جماعة متطرفة، واتضح ذلك من خلال وجود خطة إعلامية متكاملة بين منصات «داعش» المختلفة، فكل منها يخدم الآخر ويروّج له وللمحتوى المقدم من خلاله من خلال عملية ترويجية ذات ملامح واضحة ومحددة، أما «جبهة النُصرة» فاتضح من الدراسة أنها افتقرت لوجود خطة إعلامية ترويجية للمحتوى الإعلامى الذى تقدمه، وافتقرت لوجود تواصل بين منصاتها الإعلامية، فبدا الأداء الإعلامى لها متخبطًا، فضلًا عن قدرة «داعش» على توظيف كل وسيلة إعلامية لتحقيق أهداف تتناسب مع طبيعة الوسيلة ذاتها.

فقد وظّفت «داعش» المواقع الإلكترونية في أرشفة الإنتاج الإعلامى للتنظيم بالإضافة للترويج لوسائل الإعلام التقليدية (إذاعة البيان وصحيفة النبأ)، والترويج للإصدارات المصورة التى يُصدرها التنظيم، في حين وظفت «تويتر» في الترويج للحسابات البديلة حال تعرض إحداها للحذف أو الإغلاق بالإضافة إلى نشر الأخبار القصيرة السريعة استغلالًا لإمكانية التدوين المباشر وبث التغريدات القصيرة الفورية لمستخدمى الموقع وقت وقوع الحدث، أما يوتيوب فاستغلته «داعش» في الترويج لإصداراتها المصورة ومقاطع الفيديو للعمليات التى يقوم بها أفراد التنظيم بالإضافة إلى نشر أفكار التنظيم، مع توظيف وسائل الإعلام التقليدية في شرح الأفكار والأيديولوجيات وتحسين الصورة الذهنية للتنظيم لكسب مزيد من الشرعية وهو ما يتوافق مع الهدف الذى وُجدت من أجله (مجلة دابق أو جريدة النبأ) بحيث أفرد التنظيم مساحات واسعة لتبرير تصرفات التنظيم ودعم وجهة نظره بالفتاوى والقصص المقتبسة من التاريخ الإسلامي.

وتؤكد الدراسة التحليلية على اختلاف الخطاب الإعلامى لتنظيمات الدراسة تمامًا عن الطريقة التقليدية للتنظيمات الجهادية القديمة مثل تنظيم «القاعدة»، حيث لم تكتفِ تلك التنظيمات بالتحرك الميدانى عسكريًا فقط، بل أظهرت الدراسة درجةً ملحوظة من التطور التنظيمى للأداء الإعلامى لتلك التنظيمات على الشبكة العنكبوتية ومنصات التواصل الاجتماعي.

وكشفت الدراسة بوضوح تراجع نشاط التنظيم الإعلامى وانحساره على مختلف الأصعدة لتنظيميْ «داعش» و«جبهة النُصرة»، حيث عمل تنظيما الدراسة على إعادة نشر الكتابات والمطويات والإصدارات القديمة، في سياق يدل على فقدانهم الكوادر الإعلامية والموارد الكافية لتقديم منتج إعلامى جديد، وفيما يخص توظيف تنظيميْ الدراسة للإعلام الجديد، فأكدت الدراسة تقلص نشاط التنظيمات المتطرفة على وسائل الإعلام الجديدة بما فيها المواقع الإلكترونية و«تويتر» و«يوتيوب» مقارنةً بفترة التوهج والنشاط الإعلامى التى صاحبت صعود تلك التنظيمات في الفترة من ٢٠١٤-٢٠١٦ بشكلٍ خاص؛ حيث واجهت هذه التنظيمات عدة عقبات وتحديات حقيقية حدت من انتشار المحتوى الإعلامى الخاص بها، الأمر الذى يرجع لعدة أسباب.

ومن بين هذه الأسباب إجراءات المواقع الكبرى لحذف المحتوى المتطرف وإغلاق الصفحات والمواقع التابعة للتنظيمات المتطرفة، وضعف التمويل لتنظيميْ الدراسة، والهزائم العسكرية التى لاقاها تنظيما الدراسة على أرض الواقع، فضلًا عن فقدان التنظيم لكثير من عناصره وجنوده في الحروب والصراعات التى خاضها بسبب نجاح كثيرٍ من الضربات الموجعة التى تلقاها التنظيمان.

كما تبين من الدراسة أن تنظيم «داعش» يتبع النمط نفسه في التعامل على مختلف منصاته الإعلامية باستخدام أكثر من لغة وذلك لكى يستطيع التأثير في أكبر عدد من الأفراد، وأيضًا استخدم بعض النصوص القرآنية والفتاوى الدينية في محاولة لإيهام المتلقى أنهم يسيرون وفقًا لتعاليم الدين الإسلامي، إضافةً إلى التركيز على قوة التنظيم وبطشه، علاوة على نشر شكل الحياة المرفهة التى يتمتع بها أعضاء التنظيم، مما يجعل كثيرين يريدون أن يتمتعوا بهذه الحياة، وكان ذلك يوّلد لديهم الدافع للانضمام للتنظيم.