الثلاثاء 23 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

الصين.. الأرض الطيبة

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
«المرءُ يستشرفُ المستقبل بماضيه»، تقول الروائية الأمريكية «بيرل باك» التى ترعرعت في الصين، وكتبت عنها روايتها الجميلة «الأرض الطيبة»، ونرى فيها كيف تستشرف الصين مستقبلها بماضيها، الذى علّم العالم، آلاف السنين قبل الميلاد، تربية القز ونسيج الحرير، وزراعة الرز، وصناعة الورق، والسفن، والبارود، وصب الحديد، وأول آلات رصد وقياس الزلازل، والخزف (ويُسّمى «صيني» في لغات عالمية عدة، بينها العربية)، وعلوم الرياضيات والهندسة والفلك، والطب الصينى التقليدى الذى ساهم في الحملة ضد الوباء الجديد، حيث شفا في الأسبوع الماضى 18 مصابًا غادروا المستشفى في مدينة «يوهان» التى اندلع فيها الوباء. 
وأروع ما أبدعته الصين الحكمة؛ عقيدتها الأساسية عبر العصور، ويقول عنها «كونفوشيوس» أشهر الحكماء الصينيين: «نيل الحكمة أولًا بالتأمل، وهى أرقاها، وثانيًا بالتقليد، وهى أسهلها، وثالثًا بالتجربة، وهى أكثرها مرارة».
ومن حسن حظ العالم حدوث وباء الأنفلونزا الجديدة في أكثر بلدان العالم حكمة وانضباطًا، وقدرة على مواجهة الكوارث، أى الصين التى تقول حكمتها: «أعظم أمجادنا ليس في أن لا نقع قطُّ بل أن ننهض كلّما وقعنا». 
وعلى خلاف المألوف، لم تهرع الصين لطلب المعونة من «منظمة الصحة العالمية» التى انتظرت نحو أسبوعين بعد زيارة رئيسها بكين، والتقائه بالزعيم الصينى «شي»، الإذن لخبرائها بالدخول. وفيما يلى مقتطفات من آخر تقارير الصحف العالمية:
«عودة النشاط لمدن الصين الرئيسية»، و«زيارة الرئيس الصينى مستشفيات بكين وهو مكمم بالقناع الطبي، ويرفع كم معطفه لقياس الحرارة، الأسلوب المتبع الآن في جميع الأماكن العامة»، و«66 إصابة بفيروس كورونا في ناقلة ركاب بحرية فارهة محتجزة في المياه اليابانية»، و«شخص واحد نقل الفيروس من سنغافورة إلى بريطانيا عبر فرنسا»، و«وقوع إصابات بالفيروس لا علاقة لها بالصين»، وقد اعتبرتها «منظمة الصحة العالمية» أخطر التطورات في أزمة «الفيروس» الجديد، الذى يستمد اسمه من «كورونا»، وتعنى «التاج» باللاتينية، وذلك لشكله المتوّج. وهو أحد أنواع الفيروسات العابرة لحاجز الأنواع بين الحيوانات والبشر، ومن بينها فيروس ينتقل من الجمال. ولم يتفق الرأى العلمى بعد على ناقل الفيروس الجديد، حيث قيل في البداية إنه من الخفافيش، ثم الأفاعي، ويُعتقدُ الآن أنه من الحيوان «آكل النمل» الذى يستخدم في الطب التقليدى الصيني.
والتهويل بشأن الفيروس الجديد يجهل حقيقة أن 2 في المائة فقط من المصابين به يموتون بسببه، ومعظمهم متقدمون في السن، أو صحتهم واهنة. وتقتل الأنفلونزا العادية 60 ضعفًا لما يقتله من الضحايا، وقد توفى بالأنفلونزا العادية في الولايات المتحدة منذ أكتوبر الماضى نحو عشرة آلاف شخص.
وما إن تلتفت إلى الصين حتى تتفاجأ برقم قياسى خارق جديد تحطمه، ليس فقط في العلوم والتكنولوجيا والتعليم العالي، بل في الاقتصاد أيضًا، وآخرها في الشركات المليارية Unicorns، وهى الشركات الناشئة برأسمال قدره مليار دولار، وقد بلغ عددها في الصين 206 مقابل 203 في الولايات المتحدة.
وتُساعدنا حكمة «كونفوشيوس» أيضًا في فهم أنفسنا والصين: «أينما تذهب اذهب بقلبك كله». وعندما نذهب بقلبنا كله إلى الصين، نرى كيف أنشأت خلال بضعة أيام فقط مستشفى يضم 1000 سرير، لعلاج ضحايا الفيروس، وأعقبه في بضعة أيام إنشاء مستشفى متخصص كامل التجهيز بشبكات المياه والكهرباء، والإنترنت.. للنزلاء، وللعاملين بالمستشفى، الذى زُرعت في باحاته الأشجار.
وفى «الأرض الطيبة»، وهى أول رواية كتبتها روائية أمريكية نالت عنها «نوبل» عام 1932، نعرف مصادر ثراء الصين التى لم تستعمر ولم تنهب ثروات أى بلد عبر تاريخها الطويل. «إذا كانت عندى حفنة من الفضة، فذلك لأنى أعمل، وزوجتى تعمل، ونحن لا نفعل ما يفعله البعض، ننكّب على موائد القمار، أو إطلاق الشائعات على عتبات لا تُغسل قط، تاركين الأعشاب تنمو في الحقول، وأطفالنا نصف جوعى».
• نقلًا عن «الاتحاد» الإماراتية