الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ثقافة

الأوبئة.. معارك انتصر فيها العلم

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
رغم قوتها وانتشارها، لم يعد مصطلح «الوباء» أو «الأوبئة» يُثير في النفس البشرية الخوف كالماضي، فتاريخ الأمراض سريعة الانتشار صار نسيًا منسيًا بعد تطور التقنيات الطبية الحديثة، مثلما يخوض العالم الآن بتقنياته الحديثة سباقا في اكتشاف عقار للحد من انتشار فيروس كورونا، الذى يشغل بال الجميع وتتخذ كافة دول العالم إجراءات الوقاية والحجر الصحى لمنعه من الوصول إلى مواطنيها؛ بينما في الماضى كان مرض واحد يسبب وفاة عشرات الآلاف من الناس بين عشية وضحاها، ويمتلئ التاريخ بأرقام هائلة لضحايا أمراض اكتشف لها العلم أدوية وإجراءات وقاية بسيطة لو عُرفت في وقتها لتجنبت حصد هذه الأرواح.
ويعتبر «الطاعون» هو أول وباء حقيقى على الأرض، وذكر في التاريخ قبل الإسلام، وذكر في الأحاديث النبوية؛ وقضى على جماعات سكانية كاملة في قارتى آسيا وأوروبا في القرن الرابع عشر. وقد سمى بـ«الموت الأسود» لأن المرضى يظهر عليهم بقع سوداء نتيجة النزف الحاد للدم تحت الجلد وموت الأنسجة. والبعض يعزو التسمية إلى ارتباط الموت في اللون الأسود عن الكثير من الثقافات.
ورغم أن أسباب المرض أو سلالات الوباء لا تزال موجودة حتى اليوم، لكن بفضل التطورات الطبية فإن أية حالات محتملة من السهل علاجها في وقت مبكر؛ وقد ذكر بعض المؤرخين أن الأوروبيين استخدموا المرضى بالطاعون كقنابل جرثومية كانت تقذف جثثهم إلى حصون الأعداء ليتفشى فيهم الطاعون ويستسلموا بسرعة. ولا زال الميكروب يصنف تحت العوامل البيولوجية المحتملة في الحروب البيولوجية. 
ومن أشهر الأوبئة التى أخافت العالم ثم تراجعت «حمى التيفوس» الذى كان ينتشر في الأماكن المكتظة والفقيرة، ويعود تاريخه إلى القرن السابع عشر؛ وتبدأ الأعراض بصداع وغثيان وحمى، وإذا تُركت دون معالجة قد يسبب ما يعرف بـ«الإرهاق الحراري» مؤثرًا على الدورة الدموية في الجسم، مع مضاعفات أخرى تؤدى إلى فشل الأعضاء. 
وقد انتشر التيفوس الوبائى في أوروبا خلال «حرب الثلاثين عامًا» خلال القرن السابع عشر، وحصد قرابة ١٠ ملايين نفس، وأكثر منهم ماتوا في روسيا وبولندا ورومانيا خلال الحرب العالمية الأولى؛ أما الآن فيحدث فقط بشكل حالات متفرقة بسبب ازدياد الاهتمام بالصحة العامة والنظافة العامة والشخصية والقدرة على مكافحة القمل ويسهل علاج المرض بالمضادات الحيوية.
كذلك يُعد «الملاريا» الذى يتسبب في نقله البعوض من أقدم التهديدات لحياة البشرية، ويعود تاريخه إلى ما يقارب ٤٠٠٠ عام، وهناك حالات جديدة لا تزال تسجّل حتى اليوم؛ وينتشر في المناطق الجنوبية للصحراء الكبرى في أفريقيا مع وجود نسبة وفيات صغيرة حاليًا؛ وكان أكبر انتشار للملاريا في الحربين العالميتين الأولى والثانية؛ ويتسبب في المرض طفيل يقضى جزءًا من دورة حياته في البعوضة «الناقل» والجزء الآخر في الإنسان «العائل».
وبالطبع هناك «الكوليرا» الذى خلّد اسمه الراحل جابرييل جارسيا ماركيز في روايته الأشهر «الحب في زمن الكوليرا»، وكان شائعًا في الهند لعدة قرون، وانتقل بعدها لأنحاء مختلفة العالم في القرن التاسع عشر، وتتسبب فيه بكتيريا «ضمة الكوليرا» وهى بكتيريا سريعة النمو ويمكن أن تبقى في بيئات مختلفة لفترات طويلة؛ ويعالج بتعويض السوائل والأملاح بالإضافة إلى إعطاء المريض مضادات حيوية من فصيلة التتراسيكلين. أكبر وأحدث انتشار للكوليرا حدث في هاييتى عام ٢٠١٠ حصد فيها أرواح ٧٠٠٠ شخص.
وفى القرن السادس عشر قضى وباء «الجدري» الذى يسببه فيروس الفاريولا على مجموعات سكانية بأكملها، وتسبّب في وفاة ٩٠ مليون من الهنود الحمر عندما أحضره الأوربيون معهم إلى العالم الجديد؛ وقد قتل الجدرى أربعمائة ألف مواطن سنويًا في أوروبا في نهايات القرن الثامن عشر، لكن تمّ تصنيع لقاح للمرض في عام ١٧٩٦ ؛ لكن بالرغم من استخدامه إلا أنه لم يمنع انتشار المرض، ففى عام ١٩٦٠ تسبب في قتل مليونى شخص حول العالم؛ وكانت آخر حالة مسجلة للمرض في عام ١٩٧٩. 
وهناك مرض «شلل الأطفال»، والذى يسببه فيروس يتنقل عادةً عن طريق الماء والطعام الملوثين، ويستهدف الجهاز العصبى مسببًا أعراضا تؤثر على الساقين عادةً ويؤدى إلى الشلل؛ وعلى مدى عقود كان يتسبب في شلل ووفاة أكثر من نصف مليون شخص في جميع أنحاء العالم كل عام؛ رغم عدم وجود علاج لهذا المرض، قد تم تطوير لقاح في ١٩٥٠، الذى أثبت فعاليته. وفى عام ٢٠١٥ أعلنت منظمة الصحة العالمية خلو معظم دول العالم من إصابات جديدة باستثناء باكستان وأفغانستان.