السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

البوابة القبطية

ماذا قالوا عن صوم "يونان"؟

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
يستعد الأقباط الأرثوذكس غدا الاثنين، لبدء صوم «يونان»، بحسب الكنائس الشرقية، حيث يستمر ثلاثة أيام يصوم فيه المسيحيون الأيام الثلاثة تشبهًا بيونان النبي.
يقول البطريرك الراحل مار إغناطيوس زكا الأول عيواص، بطريرك أنطاكية وسائر المشرق والرئيس الأعلى للكنيسة السريانية الأرثوذكسية في العالم أجمع، أن الصوم هو زهد اختياري، ودلالة على طاعة اللّه وشرائعه والعمل بفرائضه تعالى وذلك بالانقطاع الإرادى عن تناول أى طعام أو شراب مدة معينة من الزمن، ثم تناول مأكولات خفيفة في مقدارها، خالية من الدسم، فيقتصر الصائم على أكل الحبوب، والبقول، والفواكه، وزيوت النبات ويمتنع عن أكل اللحوم ونتاج الحيوانات باستثناء السمك وسائر الحيوانات المائية، وعسل النحل، لأن النحل حيوان بغير شهوة.
وأضاف البطريرك الراحل، أن القصد من الصوم هو إضعاف قوة الجسد الشهوانية، وترويض الإرادة على ضبط نزواته، وإتاحة الفرصة الثمينة للروح لترتفع عن الأرضيات إلى السماويات فتتنقى، وتتطهر، وتعبر عن محبتها للّه تعالى وتفضيلها الحياة الروحية على الجسدية، وبذلك تغلب الروح الجسد،
وأوضح: لما أنذر النبى يونان أهل نينوى بحسب أمر الرب قائلًا: «بعد أربعين يومًا تنقلب نينوى، آمن أهل نينوى باللّه ونادوا بصوم ولبسوا مسوحًا من كبيرهم إلى صغيرهم، وبلغ الأمر ملك نينوى فقام عن كرسيه وخلع رداءه عنه، وتغطى بمسح، وجلس على الرماد ونودى وقيل في نينوى عن أمر الملك وعُظمائه قائلًا: لا تَذُقِ الناس ولا البهائم ولا البقر ولا الغنم شيئًا، لا ترع ولا تشرب ماء. ولتغط بمسوح الناس والبهائم ويصرخوا إلى اللّه بشدة ويرجعوا كل واحد عن طريقه الرديئة وعن الظلم الذى في أيديهم. لعل اللّه يعود ويندم ويرجع عن حُمُوّ غضبه فلا نهلكُ. فلما رأى اللّه أعمالهم أنهم رجعوا عن طريقهم الرديئة ندم اللّه على الشرّ الذى تكلّم أن يصنعه بهم فلم يصنعه» (يو 3: 1 ـ 10).
وأشار البطريرك الراحل إلى أن صوم نينوى «يونان»، سمى كذلك لأن أهل نينوى كانوا أول من صامه طلبًا لرحمة اللّه ومغفرته واقتداء بأهل مدينة نينوى في الأجيال الساحقة الذين سمعوا بإنذار اللّه الذى جاءهم على لسان النبى يونان، فصاموا جميعًا الإنسان والحيوان، الكبير والصغير استعطافًا للّه، فرجع الرب عن حمو غضبه وندم على الشر الذى كان مزمعًا أن يصنعه بهم (يون 3).
ويقول البابا الراحل شنودة الثالث، إن قصة يونان النبى هى قصة صراع بين الذات الإنسانية والله. ويونان النبى كان إنسانا تحت الآلام مثلنا، وكانت ذاته تتعبه. ونتأمل هنا صراع ذاته مع الله، الذى يريد أن يسير في طريق الله، ينبغى أن ينكر ذاته، يجحدها وينساها، ولا يضع أمامه سوى الله وحده.
ومشكلة يونان النبى أن ذاته كانت بارزة ومهمة في طريق كرازته، وكانت تقف حائلا بينه وبين وصية الله، ولعله كثيرا ما كان يفكر في نفسه هكذا: ما موقفى كنبي، وكرامتي، وكلمتي، وفكرة الناس عني؟ وماذا أفعل إذا اصطدمت كرامتى بطريقة الله في العمل؟ ولم يستطع يونان أن ينتصر على ذاته، كلفه الله بالذهاب إلى نينوى، والمناداة بهلاكها، وكانت نينوى عاصمة كبيرة فيها أكثر من 120000 نسمة، ولكنها كانت أممية وجاهلة، ولكن يونان أخذ يفكر في الموضوع: سأنادى على المدينة بالهلاك، ثم تتوب، ويتراءف الله عليها فلا تهلك. ثم تسقط كلمتي، ويكون الله قد ضيع كرامتى على مذبح رحمته ومغفرته. فالأفضل أن أبعد عن طريقه المضيع للكرامة.
وهكذا وجد سفينة ذاهبة إلى (ترشيش)، فنزل فيها وهرب. لم يكن يونان من النوع الذى يطيع تلقائيا. إنما كان يناقش أوامر الله الصادرة إليه، ويرى هل توافق شخصيته وذاته أم لا.
لكن مهما هربت من الوصية ستجدها تطاردك حيثما كنت ترن في أذنيك وتدور في عقلك، وتزعج ضميرك، إن كلمة الرب قوية وفعالة، ومثل سيف ذى حدين، وتستطيع أن تخترق القلب والعقل وتدوى في أرجاء الإنسان.
هرب يونان إلى (ترشيش) ونسى أن الله موجود في ترشيش أيضا. وركب السفينة وهو يعلم أن الله هو إله البحر كما أنه إله البر أيضًا. ولم يشأ الله أن يصل يونان إلى ترشيش وإنما أمسكه في البحر وهيج الأمواج عليه وعلى السفينة كلها. والعجيب أن يونان كان قد نام في جوف السفينة نوما عميقًا، وتمركز حول ذاته وشعر أنه حافظ على كرامته فنام نوما ثقيلًا. وتصرف ركاب السفينة بحكمة وحرص شديدين، وبذلوا كل جهدهم الفنى وصلوا كل واحد إلى إلهه وألقوا قرعا ليعرفوا بسبب من كانت تلك البلية فأصابت القرعة يونان.
الوحيد الذى لم يذكر الكتاب أنه صلى كباقى البحارة. كان يونان وحتى بعد أن نبهه أو وبخه رئيس النوتية لم يلجأ إلى الصلاة. كأن عناده أكبر من الخطر المحيط به.
أما مشيئة الله فكانت لا بد أن تنفذ، هل تظن يا يونان أنك ستعاند الله وتنجح هيهات لا بد أن تذهب مهما هربت، ومهما غضبت. إن الله سينفذ مشيئته سواء أطعت أم عصيت، ذهبت أم هربت. ألقى يونان في البحر، وأعد الرب حوتا عظيما فابتلع يونان. «يا يونان صعب عليك أن ترفس مناخس». إن شئت فبقدميك تصل إلى نينوى، وإن لم تنشأ فستصل بالبحر والموج والحوت. بالأمر، إن لم يكن بالقلب.
وفى جوف الحوت وجد يونان خلوة روحية هادئة ففكر في حاله، إنه في وضع لا هو حياة ولا هو موت، وعليه أن يتفاهم مع الله، فبدأ يصلى إنه لا يريد أن يعترف بخطيئته ويعتذر عنها وفى نفس الوقت لا يريد أن يبقى في هذا الوضع. فاتخذ موقف العتاب وقال: «دعوت من ضيقى الرب فاستجابني.. لأنك طرحتنى في العمق.. طردت من أمام عينيك».
في كل هذا لم تكن مشيئة يونان موافقة لمشيئة الله، ولم يكتف يونان بهذا بل عاتب الله وبرر ذاته وظن أن الحق في جانبه، فصلى إلى الله وقال: آه يا رب أليس هذا كلامى إذا كنت بعد في أرضي. لذلك بادرت بالهرب إلى ترشيش لأنى علمت أنك إله رءوف ورحيم.
وفى تلك الحالة القلبية الخاطئة تكلم يونان كما لو كان مجنيًا عليه وقال: آه يا رب؟ وكيف ظن الحق في جانبه قائلًا: أليس هذا كلامى وكيف برر هروبه قائلا: لذلك بادرت بالهرب.. لم يقل ذلك في شعور بالندم أو الانسحاق بل في شعور من له حق، وقد رضى بالتعب صابرًا! عجيب هو الإنسان حينما يجامل نفسه على حساب الحق، ويرفض الاعتراف بالخطأ مهما كانت أخطاؤه واضحة. على أن الله استخدم في علاجه أربعة أمثلة من مخلوقاته غير العاقلة التى كلفت بمهام صعبة وأدتها على أكمل وجه دون نقاش: «الأمواج» التى لطمت السفينة حتى كادت تغرق، «الحوت» الذى بلع يونان، الشمس التى ضربت رأسه فذبل، الدودة التى أكلت اليقطينة.
وجلس "يونان" شرقى المدينة، ليرى ماذا يحدث فيها، كما لو كان ينتظر أن يعود الله فيهلك الشعب كله إرضاء لكرامة يونان، وأعطاه الله درسا من كل تلك الكائنات غير العاقلة التى كانت أكثر تنفيذًا لمشيئته من هذا النبى العظيم الذى لم يتركه الرب بل هداه إلى طريقه.