الثلاثاء 23 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

حوارات

اللواء الدكتور شوقي صلاح خبير مكافحة الإرهاب وأستاذ القانون بأكاديمية الشرطة في حواره لــ"البوابة": التطرف يقود الشباب للانتحار باسم الدين.. والاتجاه الاستراتيجي الغربي مصدر الخطر الأكبر على مصر

 اللواء الدكتور شوقي
اللواء الدكتور شوقي صلاح
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
أكد اللواء الدكتور شوقي صلاح، خبير مكافحة الإرهاب وأستاذ القانون المساعد بأكاديمية الشرطة المصرية، أن الداعمين للإرهاب يستغلون المنصات الإعلامية التي توفرها وتمولها برعاية "تركيا وقطر"، وتقدم دول الشر الدعم البشري والمادي للتنظيمات الإرهابية، وأن "بقايا جماعة الإخوان"، يبذلون جهدًا لتصدير الإحباط للجمهور المصري، بالتقليل من قيمة الإنجازات التي تحققت على أرض الواقع.
وأضاف صلاح في حواره لـــ"البوابـة"، أن أردوغان يعمل على إشغال الجيش التركي في مهام خارجية يتم من خلالها "استغراق وتشتيت" قادته وضباطه وجنوده، وإبعادهم عن السياسة الداخلية، وهي سياسة يمكن وصفها بــ"شتته ولا تجعله يركز".. وفيما يلي نص الحوار



- بمناسبة ذكرى عيد الشرطة المصرية الذي نحتفل به في 25 يناير، فلتذكرنا لما تم تحديد هذا التاريخ عيدًا لشرطتها؟
في صباح يوم الجمعة 25 يناير 1952 استدعى القائد البريطاني بمنطقة القناة "العميد أكسهام" ضابط الاتصال المصري، وسلمه إنذارًا يطلب فيه من قوات الشرطة المصرية بالإسماعيلية تسليم أسلحتها للقوات البريطانية، ومغادرة مبنى المحافظة وقسم شرطة الإسماعيلية، بل والرحيل عن منطقة القناة بأكملها، بدعوى دعمهم للفدائيين المصريين المناضلين ضد قواته، ورفضت قوات الشرطة هذا الأمر، وكان قوامها وقتها ما يقرب من 800 مقاتل، وقاومت قوات الاحتلال التي يزيد عددها على السبعة آلاف مقاتل، رغم الفارق الجسيم في التسليح؛ فقوات الشرطة كان مسلحة ببعض البنادق البدائية وكميات محدودة من الذخائر، بينما يتسلح الجيش البريطاني بالدبابات والعربات المصفحة والمدافع، وأطلق البريطانيون نيران أسلحتهم بشكل مركز ودون توقف لمدة ساعتين تجاه مواقع تمركزات الشرطة المصرية، ومع هذا دافع الجنود المصريون واستمروا في المقاومة ببسالة وشجاعة فائقة إلى أن نفذت ذخيرتهم، واستشهد في القتال 50 شهيدًا وأصيب 80 جريحا، بينما تكبدت القوات البريطانية 18 قتيلًا، و12 جريحًا في هذه المعركة.. وبهذا سطرت الشرطة المصرية بدماء شهدائها واحدة من أروع ملاحم البطولة والفداء.. لذا اتخذت مصر من تاريخ هذه المعركة عيدًا لشرطتنا الباسلة.
- الشرطة المصرية تقدم لمصر التضحيات من أجل تحقيق الاستقرار الأمني خاصة في معركتنا ضد الإرهاب، فهل لك أن تلقي بعضً الضوء على الدعم الذي يمكن أن يقدمه المواطن لمساعدة الشرطة في مهامها ضد شرور الإرهاب؟
"الأمن مسئولية الجميع" قاعدة يجب أن ننطلق منها، فالشراكة المجتمعية تعد ركنًا جوهريًا في مواجهة الجريمة، خاصة الإرهابي منها، فعلى المواطن دعم جهاز الأمن من خلال الإبلاغ عن الجرم الإرهابي والإرهابيين متى وصلت لعلمه أية معلومة عن هذه الجرائم أو مرتكبيها؛ ونطمئن المبلغ في هذا الصدد بأنه سيكون آمنًا حال إبلاغه عن هذه الجرائم الخطيرة، طالما قدم بلاغه لأجهزة الأمن الوطني المعنية، ولهذا عليه الاتصال فور علمه بأية معلومة تتعلق بجرم إرهابي بشرطة النجدة على رقم (122) وهي بالمناسبة مكالمة تليفونية مجانية، ويطلب من الشرطي الذي يتجاوب معه تحويله لمكتب الأمن الوطني أو منحه رقم التليفون الخاص به للإبلاغ عن جرم إرهابي، وسوف يتحدث معك حال التواصل مع الأمن الوطني أحد الضباط المعنيين بتلقي تلك البلاغات، وسيكون إبلاغك بهذا آمن، أي لن تعلم العناصر الإرهابية ببيانات شخص المبلغ، فتتقي بهذا شرور رد فعل الإرهابيين، ومع الاحتفاظ بحقك في مكافأة مالية إذا ترتب على إبلاغك ضبط الجريمة الإرهابية أو القبض على عنصر أو أكثر من الإرهابيين.



- تحيط إخطار الإرهاب بمصر في أكثر من اتجاه، ويعد الاتجاه الاستراتيجي الغربي من أخطر هذه الاتجاهات، رؤيتك عن جهود مصر في درء المخاطر القادمة من هذا الاتجاه؟ 
بالفعل الاتجاه الاستراتيجي الغربي يعد الآن مصدر الخطر الأكبر على مصر، نظرًا لظروف ليبيا الأمنية، حيث ينشغل الجيش الليبي بمواجهة الإرهابيين في طرابلس، بينما تقدم دول الشر الدعم البشري والمادي للتنظيمات الإرهابية التي يتم توظيف نشاطها الهدام لليبيا ومصر معًا، ويراقب الجيش والشرطة المصرية الحدود لمنع تدفق العناصر الإرهابية من هذا الاتجاه، كما يتطلب الأمر أحيانا توجيه ضربات جوية للعناصر الإرهابية داخل الأراضي الليبية بالتنسيق مع الجيش الليبي؛ ونشير في هذا للضربات الجوية التي استهدفت مواقع لعناصر تنظيم داعش في 16 فبراير 2016 بدرنة وسرت، بعد قتلهم 21 قبطيًا مصريًا من العاملين في ليبيا.
- كيف ترى الدعوات المستمرة من قبل الإعلام الموجه من تركيا وقطر، والذي يحاول زعزعة الاستقرار بمصر، و"عايزينها فوضى"؟
ما من شك أن قوى الإرهاب تستغل المنصات الإعلامية التي توفرها تركيا وقطر في الهجوم على الدولة المصرية، ونخص بالذكر أذناب جماعة الإخوان، فهم يبذلون جهد جهيد لتصدير الإحباط للجمهور المصري، بالتقليل من قيمة الإنجازات التي تحققت على أرض الواقع، كما يركزون على استغلال بعض الآثار الناشئة عن جهود الإصلاح الاقتصادي لدفع الجماهير للاحتجاج ضد السلطات لارتفاع الأسعار وعدم قدرة المواطن على العيش الكريم.. لذا تبذل الدولة جهودا غير عادية في منع الاحتكار ومواجهة الفساد من ناحية، وتوفير السلع الأساسية بأسعار مناسبة من ناحية أخرى، واضطرت الحكومة المصرية إلى اللجوء لأساليب غير تقليدية لتحقيق هذا الهدف، وذلك من خلال دخول الجيش والشرطة بجانب وزارة التموين في الإسهام الفعلي لتوفير تلك السلع بشكل مباشر للجمهور وبأسعار مناسبة، ولقد كان للجهود الأمنية الدؤوبة في مواجهة العناصر الإرهابية بالغ الأثر في خفض معدلات الجرائم الإرهابية، ويؤكد هذا الفارق الجسيم بين عددها في السنوات من 2013 وحتى 2018، ومعدلاتها الأخيرة في 2019، حيث شهدت في عامها الأخير تراجعًا كبيرًا، ولعل هذه الإنجازات الأمنية جعلت التنظيمات تفقد الكثير من قدراتها على الاستمرار في الأعمال الإرهابية بشكلها التقليدي، لذا بحثت عن أساليب أخرى لإسقاط نظام الحكم الحالي، من خلال إشاعة الفوضى، فبها يحققون أهدافهم التخريبية.. لذا أكد الرئيس عبد الفتاح السيسي أن سبيل المواجهة الرئيسي لمختلف الإخطار التي تواجهها الدولة المصرية يتمثل في توحد المصريين واصطفافهم مع قيادتهم السياسية في معركة التحديات الجسام.. وذلك إبان كلمته التي هنأ بها الإخوة المسيحيين بمناسبة عيد الميلاد المجيد، فهو يعلم أن الجمهور المصري قلق جدًا من التحديات الخطيرة التي يواجهها الوطن، فالإرهاب من ناحية، ومشكلة سد النهضة من ناحية أخرى، هذا بجانب احتمالات مواجهة حربية مع تركيا تلوح في الأفق.. ومع هذا كان مطلب الرئيس الوحيد هو تجنب الفرقة والانقسام، وكانت كلماته الباسمة المفعمة بالثقة بمثابة رسالة طمأنه لكل مواطن مصري في الداخل والخارج.



- مصر تواجه الإرهاب منذ ثمانينيات القرن الماضي ولم تنتهِ أخطاره حتى الآن.. فمتى سنقضي على هذه الآفة؟
لعلنا نتفق على أن جهود الدولة المصرية في مواجهة الإرهاب خاصة في السنوات الأخيرة أثمرت عن انخفاض واضح في معدلات الجرائم الإرهابية، رغم الدعم الداخلي والخارجي للتنظيمات الإرهابية المناوئة لمصر، وجدير بالذكر في هذا السياق أن تنظيم القاعدة مازال يعمل على الساحة الدولية رغم كل جهود الدول العظمى في محاربته.. إلا أن هذه الجهود لا شك أنها أنهكته لدرجة كبيرة، وإذا كانت هناك إرادة دولية عازمة على مواجهة الإرهاب فيجب أولًا أن تكون المواجهة شاملة، بمعنى أن تبتعد المواجهة عن أي عمل من شأنه دعم الإرهاب بغرض توظيفه لمصالح دولة معينة، كما أن حقوق الإنسان بما فيها الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، هي بلا شك جزء من الحل لمعضلة مكافحة الإرهاب، فالعمليات العسكرية والأمنية وحدها لا تكفي لتحقيق الهدف.. كما أن الحد من نشوب النزاعات والحفاظ على الدولة الوطنية متماسكة، بجانب تحقيق التنمية المستدامة إنما تمثل محاور رئيسية لمواجهة الإرهاب.
- كيف نحمي شبابنا من السقوط في فخ التطرف باسم الدين؟ 
لا شك أن أعداء الإسلام كان تحركهم على المستوى الاستراتيجي يرتكز على ضرب الإسلام بأيدي أبنائه، لذا نرى أن التنظيمات الإرهابية الكبرى والتي ساهمت في وجودها قوى عظمى توجه سمومها بشكل أساسي لدول أغلب شعوبها من المسلمين، وبهذا نالوا من الإسلام من خلال بعض المسلمين المتطرفين، هذا ومن المؤكد أن جذور الإرهاب الذي هو على شاكلة داعش والقاعدة والإخوان يكمن في التطرف الديني لأتباع هذه التنظيمات، فالتطرف يقود شبابًا للانتحار بتفجير أنفسهم، يقتلون ويقتلون من أجل عقيدة رسخت في أذهانهم، وقد ساقهم فكرهم المنحرف إلى اعتبار جرائمهم نوع من الجهاد في سبيل الله..! لذا فإن مواجهة هذا التطرف تحتاج لجهود قوية من الدولة والمجتمع المدني بكل أطيافه، خاصة المؤسسات الدينية والإعلامية والثقافية والفنية.



- رؤيتك لمواقف دولة تركيا الداعمة للتنظيمات الإرهابية في ليبيا والمنطقة، فما أهدافها، وموقف مصر منها؟
كانت للمحاولة الانقلابية الفاشلة التي قام بها عناصر من الجيش التركي في يوليو 2016 تأثيرها القوي على سياسات أردوغان الداخلية والخارجية، فقد استهدفت سياساته الجيش التركي لمنعه من تكرار هذه المحاولة، فقد رأى ـــ وفقًا للواقع المشهود ـــ أنه من الأصوب لاستقرار حكمه أن يُشغل الجيش التركي في مهام خارجية يتم من خلالها استغراق قادته وضباطه وجنوده، وإبعادهم عن السياسة الداخلية، فهي سياسة يمكن وصفها بكلمة عامية "شتته ولا تجعله يركز" ولعل أهم المظاهر التي ترجمت هذه السياسة إنما تتمثل في التحركات الآتية: 
* في أغسطس 2016 أي بعد المحاولة الانقلابية بشهر واحد بدأ الجيش التركي أعمال الغزو لمناطق بشمال سوريا، واتخذ أردوغان قراره السياسي لشن العملية العسكرية التركية "درع الفرات" ودخول قوات الجيش التركي لاحتلال مساحات شاسعة من الشمال السوري بدعوى إقامة منطقة آمنة، وفي 29 مارس 2017 أعلنت تركيا نجاح عملية "درع الفرات". رغم أن هناك العديد من التحديات التي تحيط بتوغل الجيش التركي في سوريا؛ تتلخّص معظمها في المخاطر المتمثّلة في الاستنزاف المترتب على هذا الأمر، والذي يزداد طرديًا مع الامتداد الزمني للعملية؛ ولقد فاجأ ترامب أردوغان في مكالمة تليفونية قصيرة بقوله "سوريا كلها لك.. انتهينا".
* وفي ديسمبر 2017 صرح الرئيس التركي أردوغان في زيارته للسودان أن الرئيس السوداني البشير وافق على تسليم تركيا جزيرة سواكن الواقعة على البحر الأحمر كي تتولى إعادة تأهيلها وإدارتها لفترة زمنية غير محددة، وصرح أنه طلب من البشير إعادة سواكن لأصلها القديم، وفي ذات السياق وقع الرئيسان اتفاقية للصناعات الدفاعية.. وجدير بالذكر أن ميناء سواكن هو الميناء الثاني للسودان بعد بور سودان، وقد سبق في عهد الدولة العثمانية اتخاذ الجزيرة مقرًا للحاكم العثماني لمنطقة جنوب البحر الأحمر خلال الفترة من 1821: 1885، كما استخدمتها الدولة العثمانية مركزًا لبحريتها.. لذا فإن أردوغان يريد بهذا على الأقل، إنشاء قاعدة عسكرية يسيطر بها على نشاط الملاحة في البحر الأحمر.. ويحضرني هنا كلمة عامية مصرية دارجة ولكنها معبرة: "فاكرها سايبه". 
* وفي أكتوبر 2017 تم البدء في إنشاء تركيا لقاعدة عسكرية في الصومال، بدعوى تدريب الجيش الصومالي ودعمه.. ويعاني الآن الجيش التركي الموجود بالصومال من ضربات حركة الشباب الإرهابية التي تستخدم فيها التفجيرات كسلاح ضد عناصر الجيش الصومالي المدعوم بالجيش التركي، وراح ضحية هذه التفجيرات الكثير من عناصر الجيش التركي.
ونرى أردوغان في الآونة الأخيرة يعلن دعمه لحكومة الوفاق في طرابلس، ولم يقتصر هذا على الدعم السياسي فقط، بل وصل إلى دعم عسكري، من خلال اتفاق مع حكومة السراج على إرسال عناصر من الجيش التركي لدعم ميليشيات الوفاق، ووافق البرلمان التركي للأسف على هذا الاتفاق، بينما رفضه البرلمان الليبي.. هذا وصرح غسان سلامة المبعوث الأممي لليبيا بأن هناك نحو 2000 مقاتل من عناصر الجيش السوري الحر وجهتها تركيا بالفعل لدعم ميليشيات السراج بليبيا، كما أعلن أردوغان أنه أرسل أول دفعة من الجيش التركي لليبيا وقوامها 35 خبيرًا، وتمضي الجهود الدولية الآن في اتجاه منع أي دعم دولي لأطراف الصراع الليبي، ومما سبق عرضه فإن سياسة أردوغان المتعلقة بالجيش التركي عقب الانقلاب الفاشل تتمحور حول تشتيت واستغراق الجيش في مهام خارجية بالغة الخطورة قد تورط تركيا في حروب.
- بمناسبة الحديث عن الجهود الدولية وتأثيراتها على حركة الإرهاب، فهل هناك من السياسات الدولية ما يؤثر سلبًا على تلك المواجهة؟
نعم وبكل تأكيد فمؤخرًا صرح نتنياهو رئيس الوزراء الإسرائيلي أنه وافق على تفعيل مشروع قانون حول ضم غور الأردن لإسرائيل، وقد سبق وصرح مايك بومبيو وزير الخارجية الأمريكي بأن واشنطن لم تعد تعتبر بناء المستوطنات الإسرائيلية على الأراضي الفلسطينية مخالفًا للقانون الدولي! وسبق ونقلت أمريكا سفارتها من تل أبيب للقدس، في اعتراف منها بالقدس عاصمة لإسرائيل.. فماذا لو قام تنظيم إرهابي كالقاعدة مثلًا، بتوجيه عدة ضربات للمصالح الأمريكية والإسرائيلية تحت عنوان "القدس عربية إسلامية"، إنها فرصة ذهبية لتلك التنظيمات الإرهابية للسعي للتحول من وضعها كتنظيم إرهابي، لتصبح تنظيمًا جهاديًا يسعى لتحرير أراض محتلة، ويزعم أنه "حركة تحرير لأوطان محتلة" ومع استمرار هذه العمليات فسرعان ما ستتغير الصورة الذهنية لهذا التنظيم الإرهابي أو ذاك.