الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

بوابة العرب

بعد اغتيال سليمانى.. «جنون الملالى» يهدد بإشعال الشرق الأوسط.. طهران تمارس ضغوطا على العراق.. ودول خليجية تسعى لتخفيف حدة التوتر بين أمريكا وإيران

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

شهدت منطقة الشرق الأوسط تحديات كبيرة بعد التصعيد الخطير بين إيران والولايات المتحدة الأمريكية ودول المنطقة ولا سيما دول مجلس التعاون الخليجى، بعد أن أعلنت واشنطن استشارتها دول المنطقة قبل اتخاذ قرار اغتيال قائد فيلق القدس التابع للحرس الثورى ومهندس العمليات الإيرانية في المنطقة قاسم سليمانى، ونائب قائد ميليشيا الحشد الشعبى العراقية الموالية لطهران أبومهدى المهندس، إثر ضربة جوية من خلال إسقاط 3 صواريخ كاتيوشا بالقرب من مطار بغداد الدولى.

 

وبدأت مرحلة جديدة من التصعيد بين العراق والولايات المتحدة، على خلفية تصويت البرلمان العراقى على إصدار مشروع قانون لإخراج القوات الأمريكية من العراق، اتساقًا مع حملة الضغوط الإيرانية المتصاعدة على بغداد ومطالبتها بإنهاء الوجود الأمريكى في العراق، فضلًا عن تأهب جماعة الحوثى اليمنية لتلقى توجيهات إيرانية بالعمل ضد المصالح الأمريكية في المنطقة.

 

النفوذ الإيرانى وتصدير الثورة

تقوم العقيدة السياسية الإيرانية لنظام ولاية الفقيه منذ قيام الثورة الإسلامية لعام ١٩٧٩على فكرة تصدير الثورة، القائمة على التدخل في شئون دول الجوار التى تربطها بها مصالح مباشرة، وتسعى إلى تعميق النفوذ الإيرانى بداخلها؛ حيث بات ذلك واضحًا في كل من سوريا، والعراق ولبنان واليمن بعد سعى طهران لتكوين ما يسمى الهلال الشيعى.

وكانت سوريا من أولى الدول التى دعمتها طهران في المنطقة من خلال تكوين علاقات جيدة مع الرئيس السابق حافظ الأسد، وظلت العلاقات مستمرة على الرغم مما عصف بها من أحداث عصيبة منذ أحداث الربيع العربى في عام ٢٠١١؛ حيث تتمحور الأولوية القصوى لدى طهران في سوريا حول بقاء النظام واستمرار سيطرتها على دمشق، لأنها توفر لها مساحة من الحركة لتكون اللاعب الرئيسى في بلاد الشام والفاعل الإقليمى المتحكم في شئون الشرق الأوسط.

بينما توغلت طهران في العراق بشدة منذ الغزو الأمريكى في عام ٢٠٠٣ نتيجة التغيرات الإقليمية والدولية الحادثة في هذه الفترة، والإطاحة بصدام حسين في ذلك الوقت؛ حيث سعت إيران لتعزيز علاقتها مع الحكومات العراقية المتوالية منذ الغزو، وتمكنت من ذلك تمامًا عن طريق أذرعها السياسية التى تلاعبت بالعملية السياسية برمتها ونجحت في الهيمنة على مراكز صنع القرار في بغداد مبكرًا قبل أى دولة أخرى، واستطاعت تعزيز هذا الدور بعد الخروج الأمريكى، من خلال ميليشياتها الموجودة هناك والتى يتربع على رأسها الحشد الشعبى.

أما فيما يتعلق بلبنان، فامتد النفوذ الإيرانى بداخلها عن طريق جماعة «حزب الله» الشيعية وهو المحور الذى لطالما لعبت عليه طهران للتدخل في شئون الدول الأخرى، واستخدامه كورقة ضغط على الجانب الإسرائيلى في تهديد لحدوده الجنوبية؛ حيث يصف الكثير من المحللين العلاقة بين طهران وحزب الله بأنها علاقة مذهبية تصل إلى حد التوحد في الرؤى والسياسات بين وحدة دولية وفاعل من غير الدول، الأمر الذى يتمثل في تحدث كلا الطرفين باسم الآخر في المواقف الدولية والإقليمية.

كما مرت العلاقات الإيرانية اليمنية بمنعطفات كثيرة منذ قيام ثورة الخمينى عام ١٩٧٩ فتارة تتجه إلى التحسن والتطور وتصل إلى حد التأزم تارة أخرى؛ حيث بدأت طهران منذ عام ٢٠١٣ في دعم جماعة الحوثى الشيعية التى كانت تعادى الدولة اليمنية في ذلك الوقت، إلى أن باتت هذه الجماعة بمثابة الزراع السياسية لطهران في اليمن؛ الأمر الذى أدى لاستخدام إيران لها في مواجهة منافسيها في المنطقة مثل المملكة العربية السعودية التى قامت جماعة الحوثى بالهجوم على منشأتى نفط تابعة لها في سبتمبر لعام ٢٠١٩.

 

تصعيد أمريكى إيرانى بعد اغتيال سليمانى

اشتعل فتيل الأزمة المستمرة حتى الآن بين الولايات المتحدة الأمريكية والجمهورية الإسلامية الإيرانية على خلفية اغتيال واشنطن لقائد فيلق القدس التابع للحرس الثورى الإيرانى قاسم سليمانى الذى يعد من أبرز القادة العسكريين داخل إيران؛ حيث كان مرشحا لتولى منصب قيادة الحرس الثوري، بل ومنصب المرشد الأعلى في إيران على خلفية وصفه بثانى أهم رجل داخل الجمهورية الإسلامية.

الأمر الذى جاء رد إيران عليه شديد اللهجة؛ وتمثل في تصريحات المسئولين الإيرانيين بداية من المرشد الأعلى على خامنئي، والرئيس الإيرانى حسن روحاني، ووزير الخارجية جواد ظريف وصولًا إلى قيادات الجيش والحرس الثورى.

وأعلنت طهران أن اغتيال سليمانى بمثابة انتحار سياسى لواشنطن، لذا، فأنها سترد في أى وقت وبالشكل الذى تراه مناسبًا؛ وهو ما اتضح في تصريح الرئيس الإيرانى «حسن روحانى» في ٤ يناير لعام ٢٠٢٠عندما قال « إن هذه الجريمة ستبقى وصمة عار في تاريخ الأمريكان، وسيحاسبون عليها لسنوات طويلة مقبلة».

وهو ما أثار حفيظة الرئيس الأمريكى دونالد ترامب، والذى أكد على أن اغتيال سليمانى يعد بمثابة القضاء على الإرهابى الأكثر خطورة في العالم، الذى كان يقوم ببعض التجهيزات للإضرار بالمصالح الأمريكية في المنطقة، وهو الأمر الذى أكده وزير الخارجية الأمريكى مايك بومبيو بقوله انتهى عصر مسايرة الولايات المتحدة الأمريكية للإرهابيين».

وهو ما ردت عليه طهران عسكريًا عن طريق ضرب بعض القواعد الأمريكية في العراق؛ حيث استهدفت صواريخ بالستية إيرانية فجر يوم ٨ يناير لعام ٢٠٢٠ قاعدتين عسكريتين يتمركز فيهما جنود أمريكيون من خلال إسقاط ١٧ صاروخًا على قاعدة عين الأسد الجوية و٥ آخرين على مدينة أربيل عاصمة إقليم كردستان.

لكن لم تسبب هذه الضربات في أى خسائر بشرية أمريكية أو عراقية، وهو الأمر الذى علق عليه الرئيس الأمريكى «دونالد ترامب»، بأن « كلّ شيء على ما يرام» مشيدًا بالقدرات العسكرية التى تمتلكها الولايات المتحدة الأمريكية؛ حيث تمتلك أقوى جيش بالعالم مُجَهّز تجهيزًا جيدًا في أى مكان، في إشارة إلى فارق قوة الردع بين كل من طهران وواشنطن، وأن ما قامت به إيران لم يكن إلا لحفظ ماء الوجه أمام دول العالم فقط.

واتسق ما سبق مع التصريح الذى أدلى به وزير الخارجية الإيرانى «جواد ظريف» في الثامن من يناير لعام ٢٠٢٠ مؤكدًا على أن الضربات التى قامت بها طهران في مواجهة القوات الأمريكية بالعراق كانت بغداد علم بها، مما مكن القوات المتمركزة في هذه القواعد من أخذ الحيطة والحذر، الأمر الذى لم يسفر عن وقوع أى خسائر.

 

تصعيد غير مسبوق

شهدت منطقة الشرق الأوسط درجة غير مسبوقة من التصعيد بعد اغتيال قاسم سليمانى على خلفية كون المملكة العربية السعودية، الإمارات العربية المتحدة ودولة الكويت من أهم حلفاء واشنطن في المنطقة، كما تجمعهم علاقة متوترة بإيران، ما خلق حالة كبيرة من التأهب خوفًا من أن يكون الرد الإيرانى داخل أراضيهم.

في السياق ذاته، تعد العراق بمثابة طرف رئيسى في معادلة التصعيد الإيرانى الأمريكى على خلفية اعتبارها حليفًا مهمًا بالنسبة لطرفى الصراع وتجرى على أرضها الحرب بالوكالة بين الطرفين منذ وقت طويل، بينما ترغب جماعة الحوثى اليمنية في الثأر من واشنطن على خلفية اغتيال سليماني، واعتبار ذلك بمثابة رد جميل لطهران التى تعتبر الداعم الرئيسى لها في المنطقة.

 

ضغوط على العراق

مارست طهران حملة كبيرة من الضغوط على بغداد للمطالبة بخروج القوات الأمريكية من العراق؛ وهو الأمر الذى اتضح في تصريحات رئيس الوزراء العراقى «عادل عبدالمهدي» خلال في بيان صحفى صدر في ٦ يناير لعام ٢٠٢٠ أقر فيه بأن الحكومة العراقية تعد مذكرة قانونية وإجرائية لتنفيذ قرار مجلس النواب العراقى القاضى بانسحاب القوات الأجنبية من البلاد، على خلفية إقرار مجلس النواب العراقى بإلغاء الاتفاقية الأمنية مع الولايات المتحدة الأمريكية، وإنهاء تواجد القوات الأجنبية في البلاد، فضلًا عن إلغاء طلب المساعدة من التحالف الدولي، وإلزام الحكومة بتقديم شكوى ضد واشنطن في مجلس الأمن.

ولكن تلقت الولايات المتحدة الأمريكية هذا الأمر بالرفض القاطع؛ حيث أكد الرئيس الأمريكى «دونالد ترامب» أنه لا نية أمريكية لذلك، لأن البديل سيكون أسوأ، الأمر الذى يتيح فراغًا كبيرًا لإيران لتعزيز نفوذها، وهو ما تعمل الولايات المتحدة الأمريكية للقضاء عليه في الوقت الحالي. ومع الهجوم الإيرانى على القواعد العسكرية الأمريكية في الثامن من يناير ٢٠٢٠، اعترضت الحكومة العراقية على لسان رئيس مجلس النواب العراقى «محمد الحلبوسي»، الذى أقر بأن الهجمات الإيرانية تعد بمثابة انتهاك لسيادة الدولة العراقية، وهو الأمر الذى من شأنه تحويل العراق إلى ساحة لحرب بالوكالة بين الطرفين الأمريكى والإيرانى.

 

الدور الخليجى

سعت الدول الخليجية وعلى رأسها المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة للتخفيف من حدة الأزمة المتصاعدة بين طهران وواشنطن على خلفية اغتيال «سليمانى»؛ وفى هذا السياق أجرى نائب وزير الدفاع السعودى الأمير خالد بن سلمان بن عبد العزيز عدة زيارات متلاحقة لكل من واشنطن ولندن للتأكيد على ضرورة ضبط النفس والتهدئة من حدة الأزمة المتصاعدة في المنطقة، بالتوازى مع ذلك. كما قام ولى العهد السعودى الأمير محمد بن سلمان بدور دبلوماسى كبير على المستوى الإقليمى من خلال التنسيق مع غالبية دول المنطقة وسيما مع رئيس الوزراء العراقى «عادل عبدالمهدى» لمنع تحويل بغداد إلى ساحة للحرب. بينما نفت أبوظبى مزاعم بتهديدات إيرانية موجّهة لدولة الإمارات العربية المتحدة، وأفادت وزارة الخارجية والتعاون الدولي، في بيان نقلته وكالة أنباء الإمارات (وام) في ٨ يناير ٢٠٢٠ «أن التطورات الإقليمية الأخيرة لن تؤثر على الدولة أو مواطنيها أو المقيمين على أراضيها وكذلك الزائرين لها، كما أن كل الأنشطة في الدولة وفى جميع قطاعاتها مستمرة وتسير بشكل اعتيادى»، يتوازى ذلك مع تأكيد وزير الدولة الإماراتى للشئون الخارجية أنور قرقاش «إن خفض التصعيد، واتباع المسار السياسى من أجل استقرار المنطقة أمر ضرور».

 

تأهب حوثى

أعلنت أغلب الميليشيات التابعة لطهران في المنطقة وعلى رأسها جماعة الحوثى اليمنية رغبتها وقدرتها على الانتقام لمقتل اللواء قاسم سليماني، الأمر الذى عكسته ردود فعل القيادات الحوثية الغاضبة والمرتبكة. حيث، أكد زعيم الجماعة «عبد الملك الحوثي» في سياق تعزية القيادة الإيرانية بأن دماءه «لن تذهب هدرا»، بينما أعلن رئيس ما تسمى اللجنة الثورية العليا التابعة للحوثيين، محمد على الحوثى إن «الرد السريع والمباشر بضرب القواعد العسكرية الأمريكية المنتشرة في المنطقة هو الحل والخيار الأفضل».