الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

حوارات

الأديبة اللبنانية إخلاص فرنسيس تتحدث لـ"البوابة نيوز": حملت لبنان معي بحقيبة السفر.. انتصرت على الحرب في بلادي بالكتابة عن الحب.. والإبداع طريق تحقيق حلم العيش بعالم خالٍ من الكراهية والطائفية

الأديبة اللبنانية
الأديبة اللبنانية إخلاص فرنسيس
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
أخرجت مطابع القاهرة والعاصمة الأردنية عمان فى توقيت واحد مجموعة قصصية بعنوان «على مرمى قُبلة» آخر إبداعات الكاتبة اللبنانية إخلاص فرنسيس، ومن المقرر أن تشارك الكاتبة فى معرض القاهرة الدولى للكتاب فى دورته الجديدة.. وكان معها هذا الحوار.



■ صدرت مجموعتك القصصية الجديدة «على مرمى قُبلة» فى القاهرة وعمّان فى نفس الوقت.. ماذا يعنى ذلك؟ 
- سبب صدور المجموعة فى عاصمتين عربيتين فى ذات الوقت هو أنّها قد تمّ تبنّيها من قبل دار يافا للنشر فى الأردن بالتزامن مع النشر فى مصر، ولم تصدر فى بيروت بسبب ما يمرّ البلد به من ظروف واضطرابات سياسية واقتصادية، فبيروت لها مكانة فى القلب حتى ولو لم تصدر هذه المجموعة هناك.
■ أول إصدار روائي لك بعنوان «رغبات مهشّمة» أثار اهتمام النقّاد وقرّاء العربية لجرأتها ودخولها فى مناطق فكرية وشعورية مليئة بالألغام.. وهل تعمّدت الصدام مع الفكر التقليديّ السائد فى عالمنا العربيّ؟ 
- كان لا بدّ لها من أرض يسود فيه ليس الفكر التقليديّ فحسب بل الازدواجية فى حياة الفرد، حيث يعيش الإنسان حياة فى السرّ وأخرى فى العلن خوفًا من التقاليد والعادات على المستويين الدينيّ أو الاجتماعي، إضافة إلى أنّ الرواية هى صورة عن الحياة، والحياة مغامرة، ولا بدّ أن تكون الرواية قادرة على خوض هذه المغامرة بتحدٍّ وشجاعة. 
وأنا لا أتصادم مع الفكر التقليديّ الذى ساد مصر فى عهد أنور وجدى وليلى مراد وفاتن حمامة، ولكنّى أتصادم مع التلوث الفكريّ المستورد الحديث الغريب عن القاهرة الذى يتعمّد إلغاء هوية المرأة وينسبها إلى والدها أو زوجها أو عائلتها ويخفى هويتها.
والمجموعة القصصية تكشف مواطن الضعف والكراهية والوجع فى المجتمع، ومحاولة معالجتها بالحديث عن الحبّ ونشره ورسالة السلام بين البشر. 
■ أعرف أنّك شاعرةً.. لكنّك بدأت النشر بالرواية..هل وجدت أنّ النصّ الشعريّ يضيق بتعبيرك؟
- النصّ الشعريّ يختلف تماما عن النصّ الروائي وعن القصة القصيرة، فلكلّ منها مقوماتها، ولعلى مغرمة بالسرد ونقل صورة واقعية عما نعانيه فى أوطاننا ومنافينا، لأنّ الرواية والنثر عامة أكثر إيغالا فى تفاصيل الحياة، أما الشعر فمناجاة مع النفس، وغناء على إيقاع القلب.
ففى رواية «رغبات مهشمة» كان للشعر النصيب الوفير لأنّى أؤمن بانّ الشعر يكمل الرواية، وأراهما يسيران معًا يدًا بيد، فالشعر الموسيقى التصويرية التى يهيّئ الروح والفكر لاستقبال الأحداث المتتالية فى الرواية، ويخفّف من حدتها بأسلوب راقٍ، ويبقى كلاهما الشعر والرواية فرشاة أرسم بها ما أشعر به، ويظلّ الفيصل بينهما هو اتساع رقعة القراء، فالقصة لها مريدون أكثر من الشعر الذى تضيق رقعته بين القراء، لكن هذا لا ينفى أنّ قراء الشعر ما زالوا هم النخبة المؤثرة.

■ فى المجموعة القصصية كان إهداؤكً صرخة انحياز لكلّ امرأة عربيّة وشرقيّة، وإدانة للرجل الذى سقط من بين سطورك... ألا ترين أنّ هذا الموقف يختلف عن حلم أبطال قصصك فى العثور على النموذج الأمثل لقصص الحبّ والحياة؟ 
- كما قلت الرواية صورة حياة، وأصور أحداثها كما تجرى دون أى تدخّل منّي، وربما ظهر انحيازى إلى هذه الشخصية أو تلك بشكل غير مباشر، وأرى أنّ الرجل كما المرأة ضحية المجتمع المتخلف، لكن مأساة المرأة مضاعفة، لأنّ قوانين المجتمع ذكورية، تجعل من المرأة تابعة منصاعة لرجل قد لا يستحقّها، وهنا الطامّة الكبرى.
إنّ الرجل الذى سقط سهوًا بين سطورى هو ذلك الرجل الحرّ الذى تحلم به كلّ امرأة، الذى نفتقده كثيرًا فى المجتمعات الشرقية. لو كان الرجل حرًّا لما احتاجت المرأة إلى مطالبته بحريتها، موجود لكنه مقموع من الفكر الذى يرى الرجل موجودا بتحكمه وتسلطه الكامل على المرأة، وتحكمه بالبيت والشغل فى كلّ كبيرة وصغيرة. أنا أرى أنه كلما ازداد قمع المرأة فى المجتمع كان ذلك دليلا واضحًا على جهل الرجل وضعفه، وليس دليل قوة. 
الرجل الشرقيّ هنا أعنى ذلك الذكر الذى لا يرى فى المرأة سوى سلعة ولعبة يُشبع بها غريزته وأهواءه، ويراها دونه، فأهدر مشاعرها، ولم يأبه لها بل كان يفتخر بذكوريته وسطوته، ومع هذا كان هناك الرجل الذى وإن كان قليلا ونادرا فى مجتمعنا، لكنه موجود هنا فى هذا الحلم الذى تتكلم عنه هو الصرخة لضمير ذلك الذكر أن يكون الرجل الذى يتخذ من المرأة شريكا ومعينا وليس جارية تباع وتُشترى على هواه وحسب استحسانه، وصرخة للمجتمع كى يستيقظ من كبوته، وإن أردت إصلاح مجتمع فعليك بتنشئة إناثه على قوة التعبير، عندها تستطيع الأنثى أن تقوم بدورها فى تربية رجال ونساء لهم نفس قوتها. 

■ أما زلت تؤمنين بأنّ الكلمة يمكن أن تغير مجتمعا بتقاليده وأفكاره القديمة؟
- أصرّ على الكتابة نعم، وأؤمن أنّ للكلمة قوتها فى كلّ المجتمعات الشرقية والغربية على السواء، إن تغير المجتمع يبدأ بتغيير وجدانه، والتاريخ يخبرنا بأنّ وجدان المجتمع يتغير مع الفنون والآداب، فلا يخفى على جميعنا ما صقلته القصص والمسلسلات فى وجداننا من قيم ومعتقدات ترسخت فى أعماقنا، وتحكمت فى أقدارنا ومصائرنا، فالقلم يحدث تغييرا عن طريق عرض المشكلة وإظهارها للنور، كى يستطيع الطبيب معالجتها ووصف الدواء المناسب.
نعم ربما تأخذ وقتا أطول فى المجتمعات الشرقية لأنّ المشكلة ليست فى التقليد بحد ذاته، بل من المستفيدين من هذا التقليد، وخاصة عندما تدخل الأفكار المتطرفة، وتستخدم الرموز الدينية، ونحن نعلم قوة سلطة الدين على الإنسان العادى البسيط الذى يصبح نعجة تسير مع القطيع دون أن يجرؤ على السؤال أو حتى التفكير وإلا اتهمت بالتكفير والإلحاد.

■ أنت لبنانيةً.. تعيشين فى المهجر.. فماذا فعلت الغربة فى وجدان وإبداع إخلاص فرنسيس؟ 
- البعد عن الوطن يجعلنا نحبّه أكثر، فالظروف القاسية هى التى تبعدنا عنه من حيث المسافات الجغرافية، لكنه على مرمى قبلة من قلوبنا وأرواحنا التواقة إلى صنّينه وأرزه وأخطله وفيروزه.
فكلّ مجتمع يساند حرية الإنسان ويؤمن بالتعددية أحسبه وطنيا، فلا أستطيع أن أجزم بأنى مغتربة فى بلاد الغرب أو مواطنة فى الوطن العربي، فالغربة هى ليس فقط أن تكون خارج وطنك بالجسد، لكن الغربة هى أن تكون فى وطنك وتشعر بالغربة.
لبنان حلمنا الذى لا ينتهي، حبنا الذى يواجه الحرب بكلّ شجاعة وثقة بأنّ الغد أجمل. لقد حملت لبنان معى فى حقيبة السفر، وكان يرافقني، ويطلّ من بين سطورى فى كلّ بلد كنت أزوره وكأنى بى أبحث عن لبنان فى كلّ البلاد، بذكرياته المفرحة والمؤلمة منها، كمن تبحث عن حبيبها فى كلّ الوجوه.
ولا أنكر فضل بلاد الاغتراب التى منحتنى الأمان، وتعلمت فيها الاعتماد على الذات وحرية الآخر وحرية التعبير، لكنها لا تستطيع أن تنسينى الهوية الروحية التى أحملها فى جيناتي، تلك الهوية التى يولد الإنسان بها، ويحملها معه أينما حلّ، ولا يستطيع استبدالها، ولا أحد يستطيع أن يعوضها، لأنها فى رائحة حضن أبى وأمّي، وفى جدران منزلى ورائحة الزيتون والغار، وفى لون الفجر من على سطوح منزلى فى قريتى المتواضعة، فترانى أُحمل فى كلّ القصص التى أكتبها إلى كلّ ما فى لبنان، فصوله.. بحره.. جبله، ألوان ضيعتى الجبلية الصغيرة حيث الربيع خلع على قلمى حبره، يأخذنى القلم إلى لبنان، إلى فيروز وصباح وروح جبران خليل جبران، إلى ذلك البلد الذى أكنّ له الحبّ ووجع الحنين حيث سلختنى الحرب عمّن أحبّت نفسي، وعن أصدقائي، وشرذمت العوائل فى بقاع الدنيا، وكانت كتاباتى انعكاس تلك المعاناة، وحلمى أن أوصل فكرتى على لسان الأبطال فى المجموعة القصصية على مرمى قُبلة.