الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

محافظات

قبل زيارته السعودية.. أهالي دهب يودعون "يوسف" الأمريكي بائع الأرز باللبن

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
"رز بلبن مثلج".. لا أحد في مدينة دهب لا يعرفه، وما أن تحط بقدميك لمدينة دهب، إلا وتراه في كل مكان على البحر، يملأ الجو حولك بالبهجة، لتجد نفسك تسعد كلما رأيته، خاصة عندما يحاول أن يتحدث اللغة العربية بلسانه الغربي، فيضفي مزيدا من المرح، وفي مشهد مؤثر امتزجت فيه دموع الحزن والفرح يودع أهالي دهب وأصدقاء صاحب "رز بلبن مثلج"، حزنا لمغادرته دهب، وفرحا لتحقيق حلمه، حيث إنه متجها إلى المملكة العربية السعودية لأداء العمرة، ويتطوع للعمل خادما في مسجد الرسول عليه الصلاة والسلام، كما كان يحلم دائما ويدخر من ماله من أجل تحقيق هذا الحلم، إنه"يوسف" بائع الأرز باللبن.
وفي السطور التالية نروي قصة "يوسف" كما ذكرها عشاقه ومحبيه على مواقع التواصل الاجتماعي، والتقوا معه في وداعه لأهالي دهب وتوجه إلى السعودية، متمنين له السعادة والتوفيق في حياته الجديدة، كما تمنوا أن يلتقوا به ثانية في دهب.
"رز بلبن مثلج".. كلمات عند قراءتها قد تبدو لك عادية، ولكن عندما تسمعها من "يوسف" تجذب انتباهك تلك اللهجة الأجنبية، التي تحاول نطق اللغة العربية بصعوبة، فيصبح الأمر بالنسبة لك مشوقًا لأن تعرف لأي بلد ينتمي هذا البائع؟ ولماذا جاء إلى مدينة دهب؟ وما هي قصته؟
هو رجل خمسيني، لا تظهر عليه علامات السن، قد تعتقد أنه شاب خالط الأعوام الأولى في عقده الرابع فقط، تنسدل خصلات شعره الأشقر الناعم على كتفيه، وذقن طويلة نسبيًا بذات اللون، وجسد رياضي ممشوق، يرتدي ملابس بسيطة، راكبًا دراجته التي علق عليها لوحة مكتوب فيها "رز بلبن مثلج"، فوق حافظة للطعام، لا يتحرك أمتار قليلة، حتى تجده يقف ويلتف حوله العشرات من السائحين بمدينة السحر والجمال "دهب"، أو من سكانها، منهم من ينتظر مروره كل يوم، ليشتري منه ما يصنع، وآخرون يحبون التحدث معه لخفة ظله وبساطته.
قصته
عبدالله يوسف أو "ويليام"، هو رجل ذو أصول أمريكية، يبلغ من العمر 58 عاما، كان يعمل في مجال البترول، فقرر ذات يوم أن يقضي إجازته في مصر، وقصد مدينتي شرم الشيخ ودهب، حتى تعلق قلبه بهما، وخاصة بمدينة السحر والجمال دهب، وما إن وضع رأسه تحت مياه البحر الأحمر ذات مرة عام 1987، فسكنته روح عشقت تفاصيل مصر البسيطة وجمالها، وقرر في تلك اللحظة أن يستقر هنا ولا يعود أبدًا.
ترك يوسف أو ويليام زوجته وطفلتيه، وعمله في قطاع البترول، وقرر أن يصنع لنفسه عالمًا جديدًا في مدينة دهب، ولعشقه وولعه بالبحر الأحمر والشُعب المرجانية النادرة، قرر أن يعمل في مجال الغطس، وبدأ في تدريسه، والذي كان هواية له في ذلك الوقت، وبدأ باستيراد المعدات من دول أوروبا لمراكز الغطس في مصر.
يقول يوسف": "تفاجأت زوجتي عندما أبلغتها بقرار استقراري في مصر، ورفضت أن تأتي معي، ولكن حبي لمدينة دهب خاصة، جعلني لا أفكر سوى في العيش هنا"، وبنهاية عام 2010، عندما بدأ نجم ثورة 25 يناير يلمع في سماء مصر، اتخذ يوسف قرارًا -كان قاسيًا عليه- بالرحيل، والعودة إلى بلاده، وظل قلبه متعلقًا بمصر التي كان يتابع أخبارها يوميًا على شاشة التلفزيون، وكأنها طفلته التي تركها بعيدًا، وتمنى أن تعود إلى أحضانه يومًا."
كانت من أكثر الأيام صعوبة مرت على يوسف، منذ أن ترك مصر ورحل، إلى أن عاد إليها مرة أخرى في عام 2016، بعدما أصبح لها رئيسًا جديدًا، ولكن قرر هذه المرة أن يستقر في مدينة دهب للأبد، يبدأ مع معشوقته حياة لها مذاق خاص، اختارها بنفسه.
وعن سر حبه لمدينة السحر والجمال دهب، قال يوسف: "شرم الشيخ مدينة صُنعت من أجل البزنس والتجارة، أما دهب لها سحر خاص، روح تأسرك من أول نظرة، فبساطتها تخطف القلوب، لهذا عشقتها وقررت أن أعيش هنا، ولا أستطيع أن أتركها يومًا".
اعتناقه الإسلام
لـ "يوسف" قصة أخرى حول اعتناقه الإسلام، فبدأ في ادخار الأموال منذ سنوات؛ من أجل أن يسافر للمدينة المنورة، ويتطوع في أعمال النظافة بمسجد الرسول عليه الصلاة والسلام.
صديق يوسف المقرب، كان بطل القصة هذه المرة، فكان صاحب أحد الفنادق التي يقيم بها في مدينة الدهب، وكان له الفضل في اعتناقه الإسلام وتغيير حياته بشكل كامل.
"حزنت حزنًا شديدًا على رحيل صديقي، فوافته المنية منذ نحو 4 أعوام تقريبًا، كان بالنسبة لي شيئًا كبيرًا، ولكن أراد الله أن يأخذه لمكان أفضل"، هكذا قال يوسف بعد وفاة صديقه الذي كان له الفضل في أن يعتنق الإسلام ويبدأ حياة جديدة.
رسالته
عندما قرر أن يستقر في مدينة دهب، وضع "يوسف" أمام نصب عينيه هدفين رئيسيين يعيش من أجلهما؛ أولهم هو تنظيف دهب من كل القمامة التي أصبحت منتشرة في كل أركانها بشكل كبير، قائلًا: "كانت مدينة ساحرة بشكل لا يصدقه عقل، نظيفة وبسيطة، ولكن عندما تركتها أول مرة وعدت من جديد، انتابتني صدمة كبيرة مما رأيت، قمامة في كل مكان، فعقدت العزم أن أنظفها من كل ذلك".
أما الهدف الثاني، فهو أن يحاول تقويم الجيل الجديد من الشباب، خاصة بعدما تغيرت الكثير من العادات والتقاليد، وأصبحت ملابسهم وتصرفاتهم تنافى بشكل كبير تعاليم الدين الإسلامي، وخاصة الفتيات.
من هنا قرر يوسف أن يبيع الأرز بلبن تحديدًا، ليلتف حوله الشباب ممن لديهم فضول لمعرفة قصته، فيجعلها رسالة وعبرة لهم، بالإضافة إلى دعوة المسلمين للصلاة، خاصة بعد أن أصبحت المساجد -بحد قوله- خاوية على عروشها.
ماذا قال "يوسف" في الوداع؟
التقت مجموعة من أصدقاء "يوسف" في وداعه قبل مغادرته دهب وسجلوا معه فيديو ونشر على مواقع التواصل الاجتماعي، بدأ "يوسف" حديثه بتوجيه الشكر كثيرا جدا لكل الناس وكل من وقف بجانبه، قائلا " أحبكم كثيرا جدا"، معلنا عن مغادرته مصر لتبدأ رحلته متوجها إلى السعودية، لافتا إلى أنه لا يعرف هل سيعود إلى مصر مرة ثانية أم لا، ومتمنيا العودة، ولكن إذا لم يعد لمصر سيظل في السعودية، كما وجه "يوسف" كل الشكر لأصدقائه في دهب والذين رافقوه في مغادرته، مؤكدا أن مصر لها مكانة عظيمة في قلبه وأن دهب مملكته شاكرا أخوته ومحبيه في دهب."