الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

بوابة العرب

الغزو التركي.. "العثمانلي" يستغل احتياج "السراج" للحصول على موطئ قدم فى ليبيا.. بداية لإقامة قاعدة عسكرية تركية دائمة.. وحكومة "أردوغان" تتمتع بعلاقات قوية مع ميليشيات إرهابية

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
مع بدء الجيش الوطنى الليبى بقيادة المشير خليفة حفتر للعملية العسكرية الأخيرة التى تستهدف السيطرة على العاصمة الليبية طرابلس، أخذت الأزمة الليبية تطورات متسارعة، ولجأت حكومة الوفاق إلى نظيرتها التركية للدعم والمساعدة فى مواجهة تقدم قوات الجيش الليبي، حيث طلبت حكومة فايز السراج دعمًا وتدخلًا تركيا واسع النطاق ليغير من مسارات المعركة، وقد تلقف الرئيس التركى رجب طيب أردوغان هذا الطلب، ليعزز من نفوذه داخل الأراضى الليبية، وليستفيد من ذلك على عدة محاور.


ويثير طلب «الوفاق» وقرار البرلمان التركى بالموافقة على نشر قوات عسكرية تركية فى ليبيا تساؤلات حول طبيعة وحدود التعاون العسكرى بين الطرفين، وكذلك حول الأدوات العسكرية التى تستخدمها أنقرة فى الداخل الليبي، كما يثير تساؤلات أيضا بخصوص آثار هذا التدخل المستمر على الجماعات المسلحة والإرهابية فى ليبيا.



أولا: صور التدخل العسكرى التركى فى ليبيا
١- التواجد العسكرى التركى الرسمي:
رغم أن تركيا كانت ولا تزال تمتلك عدة بدائل تتمكن من خلالها من دعم حليفها السراج دون أن تنقل قوات عسكرية تركية للقتال هناك، إلا أنه يمكن القول: إن أردوغان استغل حاجة السراج إلى مثل هذا الدعم، حتى يحصل على موطئ قدم فى ليبيا لعدة اعتبارات منها محاولة استفزاز مصر، ومنها حقول النفط، وكذلك مسألة غاز المتوسط، وقد تكون هذه الخطوة مقدمة لإقامة قاعدة عسكرية تركية دائمة فى ليبيا إذا ما استتب الأمر لحكومة السراج كما يراهن الأتراك، وذلك لما لليبيا من موقع جيوستراتيجي، أو على الأقل بقاء تواجد عسكرى رسمى تركى أيًا كان عدده على الأراضى الليبية.
٢- إمدادات التسليح:
تقدم الحكومة التركية دعمًا عسكريًا لقوات السراج والميليشيات المسلحة، عبر إرسال أسلحة ومعدات عسكرية تركية ومستوردة إلى هذه الميليشيات، خارقة بذلك الحظر الأممى المفروض منذ ٢٠١١ والذى كان آخر تجديد له من قبل مجلس الأمن فى يونيو ٢٠١٩، ولعل تركيا بهذا الأمر تهدف إلى تحقيق ثلاثة أمور، الأول يتعلق بدعم قوات السراج والميليشيات الإرهابية فى معاركها أمام قوات الجيش الوطنى الليبي، أما ثانى الأهداف فيتعلق بالصناعة العسكرية التركية، وتسويق الأسلحة والمعدات التركية وتجربتها، بالإضافة إلى المكاسب الاقتصادية المباشرة.
وقد كانت قوات الجيش الوطنى الليبى أعلنت أغسطس الماضى عن استهداف وتدمير طائرة إمداد عسكرية تركية ضخمة تحمل ذخائر وطائرات مسيّرة وصواريخ متعددة الأغراض، كما تعد سفينة «أمازون» من أشهر الحوادث على خرق تركيا لحظر التسليح، وتستخدم تركيا فى مسألة إمدادات التسليح الطريقين البحرى والجوي، كما أن إسقاط الجيش الليبى لطائرات مسيرة تركية وتدميره لمدرعات تركية الصنع، لدليل على هذا الدعم التركى وتهريب الأسلحة بالمخالفة للقرار الأممي، لكن يبقى أن هذا الدعم لم يشكل فارقًا كبيرًا فى المعارك الجارية، ولم يسهم فى تحقيق تقدم للميليشيات على قوات الجيش، بل ربما يكون كل ما يسهم فيه، هو تأخير وتعطيل تقدم قوات الجيش الوطنى الليبى باتجاه العاصمة.
٣- علاقات تركيا مع ميليشيات مسلحة ليبية
يتمتع أردوغان وحكومته بعلاقات قوية مع ميليشيات مسلحة إرهابية ليبية، تتراوح ما بين الدعم والتنسيق إلى الإمداد بالمعدات والأسلحة العسكرية، وعلى رأس هذه الميليشيات المجموعات التابعة لجماعة الإخوان، وكتائب مصراتة، فضلا عن العلاقات الوثيقة مع قادة الجماعة الليبية المقاتلة، وكتيبة النواصي، ولواء الحلبوصي، وميليشيات أسامة الجويلي، وقوة الردع والتدخل المشتركة محور أبو سليم، وميليشيات فجر ليبيا، وغيرها من الميليشيات التى تقاتل ضد قوات الجيش الوطنى الليبى بدعم تركى وقطري.
وتستهدف تركيا من علاقتها مع هذه الكتائب والميليشيات الحرب بالوكالة، حيث تدعم حكومة أردوغان الميليشيات الليبية المسلحة لتحقيق أهدافها، فهى من جهة تسعى إلى أن تكون أحد الفاعلين السياسيين فى الأزمة الليبية، ومن جهة أخرى تحاول قدر الإمكان البعد عن تحمل الخسائر البشرية للمعارك.
٤- إعادة توظيف الإرهابيين السوريين
لا يعتبر التوظيف التركى للميليشيات المسلحة والجماعات الإرهابية النشطة بسوريا فى ليبيا جديدًا، وربما كل ما يختلف الآن هو التوسع فى هذا التدفق، بجانب التواجد العسكرى التركى النظامى المتوقع.
ففى يونيو ٢٠١٩ عبر الرئيس الروسى فلاديمير بوتين عن قلقه، من تدفق الإرهابيين إلى ليبيا من إدلب السورية، وذلك على ضوء تقارير ومعلومات، كانت قد تحدثت عن نقل الأمير السابق للجماعة الليبية المقاتلة عبدالكريم بلحاج، عبر شركة «الأجنحة الليبية» لعناصر إرهابية مسلحة من إدلب إلى ليبيا، وأشارت عدة تقارير غربية، إلى عمل حكومة الوفاق، على استجلاب ما تبقى من إرهابيين فى سوريا عبر تركيا، كما أكدت لجنة الدفاع والأمن القومي، بمجلس النواب بطبرق، مايو ٢٠١٩، وصول إرهابيين تابعين لجبهة النصرة من إدلب السورية للقتال إلى جانب قوات الوفاق، بجهود تركية.
وبدأت تركيا منذ ٢٥ ديسمبر ٢٠١٩ فى تسيير رحلات يومية ليلية من إسطنبول إلى ليبيا بمعدل رحلتين إلى أربع رحلات تابعة لشركات طيران ليبية هى «الأفريقية، الأجنحة الليبية، البراق» فى اتجاه طرابلس ومصراتة، وذلك لنقل عناصر مسلحة وإرهابية من تلك التى كانت تقاتل الجيش السورى إلى حيث تدعم حكومة الوفاق، وتعوض خسائرها البشرية وتقاتل الجيش الليبي.
وفى هذا السياق، فقد كانت أنباء تحدثت عن عقد اجتماعات بين عدد من كبار الضبّاط الأتراك عقدوا مع ضبّاط تابعين لرئاسة أركان حكومة الوفاق فى طرابلس، تلتها اجتماعات بين ضبّاط من المخابرات التركية وقياديين من أبرز الفصائل الإرهابية المسلّحة الموالية لتركيا فى الشمال السوري.
وتعد غالبية هذه العناصر من القومية التركمانية، وأفراد من الجيش السورى الحر المدعوم من تركيا، وقد اختاروا الذهاب للقتال فى ليبيا، مقابل وعود بمرتبات شهرية مجزية، وخدمات الإعاشة والسَكن التى ستقدّمها لهم حكومة الوفاق فى طرابلس، بالإضافة إلى منحهم الجنسية التركية.
وتشير تقديرات المرصد السورى لحقوق الإنسان، إلى أن ٣٠٠ من المرتزقة وصلوا بالفعل إلى الأراضى الليبية، فيما وصل ١٦٠٠ مرتزق إلى المعسكرات التركية لتلقى التدريبات والتجهيز للسفر، وهؤلاء الإرهابيين من فصائل «السلطان مراد» و«سليمان شاه» و«لواء المعتصم»، وهو ما يعد جريمة طبقا للقانون الدولي،الذى يمنع تجنيد المرتزقة واستخدامهم فى القيام بأعمال مسلحة أو إرهابية، وذلك فى ضوء الاتفاقية الدولية لمناهضة تجنيد المرتزقة واستخدامهم وتمويلهم وتدريبهم.
ويحقق هذا الأمر لتركيا هدفين، الأول يتمثل فى حل مشكلة تدفق هذه العناصر الإرهابية المسلحة لتركيا إذا ما نجح الجيش السورى فى إكمال سيطرته على أراضى الشمال، مما يخلق عبئًا على الداخل التركي، وثانى الأهداف هو دعم حكومة السراج وتحقيق نفوذ تركى أكبر فى ليبيا.

ثانيا: تداعيات التدخل التركى على الميليشيات المسلحة والجماعات الإرهابية فى ليبيا.
١- تحويل ليبيا إلى بؤرة إرهابية
تكمن خطورة نقل مسلحين سوريين إلى ليبيا فى استقرار هؤلاء الإرهابيين هناك، وإقامة منطقة تجمع لهم على الأراضى الليبية، لتمثل ليبيا ما كانت تمثله سوريا كقاعدة تمركز وانطلاق للجماعات الإرهابية. وفى هذه الحالة، فإن هذه البؤرة ستهدد دول شمال أفريقيا وعلى رأسها مصر، حيث ستصبح الدولة الليبية، نقطة انطلاق لعناصر إرهابية إلى داخل الأراضى المصرية عبر الصحراء الغربية، ويمثل النموذج السورى والأفغانى من قبله، ما يدلل على خطورة نقل عناصر مسلحة، وإقامة مناطق تجمع لها فى دولة أخرى.
٢- فتح الباب أمام تنظيمات إرهابية جديدة
ارتباطا بالنقطة السابقة، فإن نقل الإرهابيين من سوريا إلى ليبيا، يمكن أن يحمل معه نقل تنظيمات وليس أفراد، حيث قد تشكل هذه المجموعات تشكيلات جديدة فى ليبيا، استغلالًا لحالة السيولة الأمنية ولحالة العسكرة، وتعدد الميليشيات الموجودة وهو نمط شائع، حيث ستكون الخيارات أمام هؤلاء المسلحين، أما الانضمام إلى جماعات موجودة بالفعل، أو تشكيل جماعات إرهابية جديدة، أو تشكيل أفرع لجماعات كانت فاعلة فى سوريا.
٣- تحول ليبيا إلى بيئة جاذبة للمرتزقة
فى سياق نقل الحكومة التركية للإرهابيين من سوريا إلى ليبيا، ومع استمرار حالة القتال فى ليبيا، فقد لا يقتصر الأمر على المقاتلين السوريين فقط، بل ربما يطمح مسلحين من جنسيات مختلفة عربية وغربية إلى الاستفادة من المميزات التى تقدمها حكومتا أردوغان والسراج إلى المرتزقة للقتال فى صفوفهم فى ليبيا، وفى ظل وجود شركة «سدات» الأمنية التركية، وشركة الطيران التابعة لبلحاج وغيرها من الشركات، ومع العوامل الجاذبة لانتقال المسلحين إلى ليبيا، فإن كل ذلك قد يدفع إرهابيين من جنسيات مختلفة سواء من داخل سوريا أو خارجها، إلى السعى نحو الانتقال للقتال فى ليبيا، لتصبح الأخيرة مركزًا للمرتزقة.
٤- ميليشيات برعاية حكومية
يهدف التدخل التركى - الرسمى وغير الرسمي - إلى تمكين قوات حكومة الوفاق من صد تقدم قوات الجيش الوطنى الليبي، ويعنى هذا ضمن ما يعنى استمرار سيطرة حكومة السراج على العاصمة الليبية، واستمرار الاعتماد على الميليشيات المسلحة وزيادة نفوذها، حيث من المعروف أن السراج يعتمد على عدد من الميليشيات الإسلاموية سبق ذكرها، وبالتالى فإن استمرار سيطرة السراج على مناطق نفوذه أو التوسع فيها، يجعل هذه المناطق تحت سيطرة الميليشيات المسلحة دون أطر مؤسسية ونظامية، أو على أقل تقدير، سوف يضفى الشرعية وغض الطرف عن عمل هذه الميليشيات.
٥- زيادة خطورة وفعالية الميليشيات المسلحة
كما ذكرنا فإن أحد أشكال التدخل العسكرى التركى هو عبر إمداد الميليشيات بالأسلحة والمعدات، وهو ما يزيد من درجة نشاطها وفعاليتها، ويمدد بقاءها، وهذا الأمر يدخل تحت ما يسمى بتمويل وإمداد جماعات إرهابية مسلحة بالسلاح والمعدات، فى محاولة تركية لدعم بقاء وأنشطة هذه الجماعات وتمددها، إضافة إلى تدريب وتأهيل هذه الميليشيات عبر قادة القوات العسكرية التركية التى ستتواجد فى ليبيا، أو عبر الخبراء العسكريين الأتراك المتواجدين بالفعل، ويمكن القول إن الدعم التسليحى التركى للميليشيات الليبية كان من ضمن العوامل التى أسهمت فى بقاء هذه الميليشيات.
٦- عودة الإخوان إلى الساحة السياسية بشمال أفريقيا
يهدف التدخل العسكرى التركى ضمن ما يهدف إلى دعم حكومة الوفاق المحسوبة على جماعة الإخوان المسلمين، وتحاول تركيا أن تحافظ على تواجد للمشروع الإخوانى فى شمال أفريقيا، خاصة بعد تراجعه فى تونس والجزائر ومصر، فيمكن فى تلك الحالة أن تصبح ليبيا تحت رئاسة الوفاق، مرتكزا للإخوان فى الإقليم، ونقطة لإعادة الانطلاق بعد خسارة نفوذهم السياسي.
أخيرًا يبدو واضحًا وجليًا، أن تركيا تسعى لتحقيق تواجد فى شمال أفريقيا، وأن ليبيا هى الموقع المثالى الآن لهذا التواجد لعدة عوامل، بعضها يتعلق بإمكانات ليبيا وموقعها ومواردها من جهة، وبعضها يتعلق بالميزة النسبية التى تراها الحكومة التركية لنفسها هناك، ومدى قدرتها على تحقيق تواجد فى ليبيا مقارنة بأماكن أخرى، وفى سبيل ذلك، فإن من الواضح أن أردوغان لا يتعامل مع السراج كحليف عادي، بل يتعامل مع «الوفاق» على أنها فرصته الوحيدة، حتى لا يلاقى ذات المصير الذى لاقاه فى سوريا. وبالتالى فهى معركة مصير بالنسبة لأردوغان، لحسم مسألة النفوذ والتواجد التركى فى ليبيا وشمال أفريقيا، وهو بذلك لا يكتفى بأشكال الدعم الاقتصادى والسياسى المختلفة، بل يستخدم عدة أشكال من الدعم العسكري، تتراوح ما بين الدعم والحرب بالوكالة والحرب المباشرة.
وهذا الدعم والتدخل لا يؤثر فقط على الأزمة السياسية الليبية، بل يلقى بظلاله على انتشار ودرجة قوة التنظيمات الإرهابية المسلحة فى ليبيا وشمال أفريقيا، وتبقى هذه الآثار والتداعيات مرتبطة بمدى تغلغل التدخل التركى العسكرى والصور التى سيركز عليها هذا التدخل، ومدى نجاحه، وموقف الأطراف الأخرى لمحاولة منع ذلك، أو الحد من آثاره.