الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

البوابة القبطية

حياة يسوع التفصيلية.. قصص وتعاليم مجهولة للسيد المسيح.. "الحزن يعطى ثمارا.. والحب يخفف الألم ويمنح الفرح".. الله رحمة.. وخادم الله يجب أن يكون رحيما

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
في ظل الاحتفال بميلاد المسيح يرى البعض أن قصة حياته وتعاليمه بالأناجيل جاءت مقتضبة وبلا تفاصيل، وفى الغرب اعتمدت الكنيسة الكاثوليكية رؤى لراهبة تدعى «ماريا فالتورتا»، قالت إن المسيح ظهر لها في رؤى حقيقية من عام 1943 إلى عام 1953 وأملاها تفاصيل حياته.
ومؤخرا قام رهبان برية شيهيت بوادى النطرون بترجمة أجزاء من «حياة الرب يسوع التفصيلية» التى كشفت عن الكثير من المجهول اعتمادا على الآية التى جاءت بإنجيل يوحنا وتقول «وَأَشْيَاءُ أُخَرُ كَثِيرَةٌ صَنَعَهَا يَسُوعُ، إِنْ كُتِبَتْ وَاحِدَةً وَاحِدَةً، فَلَسْتُ أَظُنُّ أَنَّ الْعَالَمَ نَفْسَهُ يَسَعُ الْكُتُبَ الْمَكْتُوبَةَ. آمِينَ».
«البوابة» ننشر أجزاء من هذه التفاصيل التى تنشر لأول مرة.

 الحزن يعطى ثمارًا.. والحب يخفف الألم ويمنح الفرح
أعطوا الحب للبشرية التعِسة التى تعانى أكثر.. والعالم مفتوح للذين يرغبون في خدمة الله في القريب
من أجمل التعاليم التى نحتاجها لزماننا معالجة الكآبة والحزن، يقول المسيح «في أرض اليهودية هذه القريبة من بيت لحم التى لنعمى، أذكّركم أن الحب يخفف الألم ويمنح فرحًا، أيها الذين يبكون، تفكروا في وحشة نعمى عندما صار بيتها خاليًا من الرجال» (انظر را 1: 1). استمعوا لكلام تلك المنسحقة القلب عندما أرادت أن تصرف عُرفة وراعوث: «فقالت نعمى لكنّتيها: اذهبا ارجعا كل واحدة إلى بيت أُمها، وليصنع الرب معكما إحسانًا كما صنعتما بالموتى وبي» (را 1: 8). واستمعوا لإصرارها المنهك. فإن تلك التى كانت نعمى الجميلة أصبحت نعومى المليئة بالأسى والمنسحقة بالحزن ولم تأمل في أى شيء في الحياة. 
لقد رغبت فقط أن تذهب لتموت في المكان الذى كانت فيه سعيدة في أيام شبابها بحب زوجها وقبلات أبنائها. لقد قالت: «اذهبا، فلا جدوى من مجيئكما معي، إننى كالميتة، وحياتى لم تعد هنا بل هناك في العالم الآخر حيث يتواجد رجالي. لا تضحيا بحياتكما بعد ذلك مع ميتة، فأنا في الحقيقة مجرد «شيء»، ولم أعد أبالى بشيء. فقد انتزع الله منى كل شيء، وأنا في مرارة الحزن، وسأسبب لكما الحزن مما سيكون ثقلًا على قلبي. والرب سوف يحاسبنى على ذلك، وهو الذى ضربنى بشدّة، لأنه سيكون من الأنانية أن أحتفظ بكما حيتين بجوارى أنا الميتة. اذهبا إلى أُمّكما». ولكن راعوث بقيت لتسرّى عن تلك العجوز الحزينة.
لقد أدركت راعوث أن هناك أحزانًا أعظم من حزنها وأن حزنها، وهى تلك الأرملة الشابة، كان أخف من حزن العجوز التى فقدت زوجها وابنيها الاثنين، كما أن حزن الصبى اليتيم، الذى أُجبر أن يعيش متسولًا بدون ملاطفات أو نصائح من أحد، إنما هو أعظم جدًّا من الحزن العميق لأُمٍّ فقدت أبناءها، هكذا أيضًا الحزن الشديد لذاك الذي، لأسباب عديدة، يبلغ إلى بغض الجنس البشرى ويرى في كل إنسان عدوًّا عليه أن يخشاه ويدافع عن نفسه منه، فهو حزن أعظم من أحزان أخرى، لأنه يؤثر ليس على اللحم والدم والعقل فحسب؛ بل أيضًا على النفس بحقوقها وواجباتها الفائقة على الطبيعة ويقودها إلى الهلاك. كما أنه توجد أُمهات بلا أبناء في العالم وأبناء بلا أُمهات! وكما توجد أرامل بلا أبناء أمكنهن أن تكنّ شفيقات على شيوخ يعيشون منفردين في عزلة! كم يوجد محرومون من كل حب لدرجة أنهم يعيشون في تعاسة تامة، وفى احتياجهم إلى الحب يصارعون مع الحقد فيعطون الحب للبشرية التعِسة التى تعانى أكثر فأكثر لأنها تحقد أكثر فأكثر!.
«الحزن إنما هو صليب، ولكنه أيضًا جناح. النوح يعرّينا لكى يُعيد إلباسنا. انهضوا أيها الباكون! افتحوا عيونكم وتخلّصوا من الكوابيس، من الظلمة، من الأنانية! انظروا، فإن العالم إنما هو أرض عقيمة يبكى فيها الإنسان ثم يموت. والعالم يصيح طالبًا المعونة بأفواه اليتامى والمرضى والمنعزلين والمرتابين، وبأفواه الذين جعلت منهم الخيانة والقسوة أسرى للحقد. اذهبوا إلى أولئك الذين يصيحون. انسوا أنفسكم وسط الذين هم منسيون! استعيدوا صحتكم وسط المرضى! امتلئوا بالرجاء وسط اليائسين!، العالم مفتوح للذين يرغبون في خدمة الله في القريب وليربحوا السماء لكى يتحدوا بالله وبالذين ننوح عليهم. هنا الصراع وهناك النصرة، فتعالوا، تشبهوا براعوث في كل أحزانكم وقولوا معها: «سوف أكون معكِ حتى أموت». وحتى تلك المحن، التى تُعتبر غير قابلة للعلاج، إذا قالت لكم بإصرار: «لا تدعونى «نعومي» بل ادعونى مرّة لأن القدير قد أمرنى جدًّا» (را 1: 20). فيجب أن تصرّوا، وأنا أقول لكم الحق إن أولئك المنكوبين سيقولون لكم يومًا ما بسبب إصراركم: «مباركٌ هو الرب الذى خفّف عنى مرارتى ومأساتى وعزلتى بواسطة إنسان عرف كيف يجعل الحزن يحمل ثمرًا جيدًا. فليباركه الرب لأنه منقذي».
«وتذكروا أن طيبة قلب راعوث قد جاءت بالمسيّا إلى العالم، لأن المسيّا ينحدر من داود كما انحدر داود من يسّى ويسّى من عوبيد وعوبيد من بوعز وبوعز من سلمون وسلمون من نحشون ونحشون من عميناداب وعميناداب من رام ورام من حصرون وحصرون من فارص (را 4: 18-22)، وهؤلاء عمّروا حقول بيت لحم مهيّئين لمجيء أجداد الرب. فكل عمل صالح يكون هو الأساس لأمور عظيمة لا تتصورونها. وما يعمله الإنسان ضد أنانيته يمكنه أن يسبب موجةً من الحب قادرةً أن تسمو وتسمو معضدةً في صفائها ذاك الذى تسبب فيها حتى ترفعه إلى أقدام المذبح، إلى قلب الله... ليمنحكم الله سلامًا».
الله رحمة.. وخادم الله يجب أن يكون رحيمًا
ثم صعد يسوع على حافة صغيرة لكى يراه الجميع، وها هم الخمسة الذين يحملون اسم يوحنا أمامه في الصف الأول. وها هو خلفهم جماعة من التلاميذ مختلطون بالجموع الذين جاءوا من كل أنحاء فلسطين طالبين الصحة لأجسادهم والاستماع لتعليم الرب.
ثم قال يسوع: «سلامٌ لكم جميعًا وتحلّ عليكم الحكمة. اسمعوا: سألنى واحد يومًا ما إن كان الله رحيمًا على الخطاه وإلى أية درجة. والذى سأل كان خاطئًا. ورغم أنه قد غُفر له لم يستطع أن يصدّق أن الله غفر له بالكامل. فهدّأتُ من قلقه بواسطة بعض الأمثال، وقد طمأنته ووعدته أنه من أجله سوف أتكلم دائمًا عن الرحمة، وذلك حتى إن قلبه التائب الذى بكى بداخله مثل طفل تائه يجب أن يشعر باليقين أنه ملكٌ لأبيه السماوي».
الله رحمة لأن الله حُبٌّ. وخادم الله يجب أن يكون رحيمًا لكى يتشبه بالله. إن الله يستعمل الرحمة لكى يجتذب لنفسه أبناءه الضالين. وخادم الله يجب أن يستعمل الرحمة كوسيلة لكى يُعيد الضالين إلى الله. وصية المحبة لازمة لكل أحد، ولكنها ينبغى أن تكون كذلك أكثر ثلاث مرات في خدام الله. لن يغتصب أحد السماء إن كان لا يحب. هذا هو كل ما هو ضرورى أن يُقال للمؤمنين. ولكننى أقول لخدام الله: «لا يمكنكم أن تجعلوا المؤمنين يغتصبون السماء إن كنتم لا تحبونهم محبة كاملة». ومَن أنتم يا من تحتشدون حولى هنا؟ معظمكم أبناء لله تسعون إلى حياة كاملة إلى حياة مباركة وشاقة ومنيرة لخادم الله وتابع المسيح. وما هى واجباتكم في حياة أولئك الخدام والتابعين؟ هى المحبة الكاملة لله والمحبة الكاملة للقريب. هدفكم هو أن تخدموا. كيف؟ بأن تُعيدوا إلى الله أولئك الذين سرقهم العالم والجسد والشيطان من الله. بأيّة وسائل؟ بالحب. الحب الذى يمكن أن يكون فعّالًا بألف طريقة، ويكون له غرض واحد: أن يجعل الناس يحبون.
دعونا نفكر في الأردن الجميل. كم هو جليلٌ في أريحا! ولكن هل كان هكذا عند منابعه؟ كلاّ. فقد كان مجرّد مجرى هزيل من الماء، وكان يمكن أن يظل هكذا لو بقى بمفرده على الدوام. ولكن توجد من الجبال والتلال على ضفتى واديه آلاف من الروافد منها الوحيد ومنها المتشكل من جداول عديدة، وتتدفق في مجراه ويزداد أكثر فأكثر من جدول صغير حتى يصبح نهرًا كبيرًا رائقًا يتدفق مثل شريط سماوى اللون بين ضفتيه الخصيبتين. هكذا هو الحب. إنه يكون في البداية جدولًا صغيرًا لدى الأطفال الذين هم على طريق الحياة، الذين يمكنهم أن يتجنبوا الخطايا الثقيلة خوفًا من العقاب، ولكنهم بعد ذلك، إذ يتقدمون في طريق الكمال، فإن جداول عديدة تظهر من تلك الفضيلة الرئيسية بإرادة الحب من الجبال الوعرة المجدبة المتشامخة القاسية التى لجنس البشر، وكل شيء يجعل الحب ينهض ويتدفق من الأحزان والأفراح تمامًا كما أنه على الجبال يشكّل الثلج المتجمد الذى تُذيبه الشمس أنهارًا. وكل شيء يفيد في شق الطريق للاتضاع وهكذا للتوبة. كل شيء يفيد في نقلها إلى النهر الأصلي. لأن النفس، إذ تندفع صوب هذا الطريق، تحب أن تتحطم ذاتها وتتوق إلى النهوض مرةً أخرى تجتذبها الشمس التى هى الله بعد أن تصبح نهرًا جميلًا جبّارًا نافعًا.
إن الجداول التى تغذى نهر الحب البدائى الرهيب إنما هي، بالإضافة إلى الفضائل، الأعمال التى تعلّمها الفضائل لكى يتممها الناس: أعمال هى أنهار الحب، هى أعمال رحمة. دعونا نتفكر فيها معًا. وبعضها قد عرفتها إسرائيل والبعض الآخر سأعرّفكم أنا بها، لأن شريعتى هى كمال الحب:
أكرم أباك وأُمّك
إشبع الجياع.. وأعطهم شيئًا يأكلونه كالصلاة
إنه واجب الاعتراف بالفضل والحب. إنه واجب الاقتداء. فالأبناء يعترفون بفضل أبيهم من أجل الخبز الذى يزودهم به. وعندما يصبحون رجالًا يقتدون به بتزويد أبنائهم بالخبز بواسطة عملهم من أجل أبنائهم ومن أجل أبيهم أيضًا الذى يصبح حينئذٍ غير قادر على العمل بسبب شيخوخته، وهو ردّ جميل عطوف لائق للخير الذى نالوه. تقول الوصية الرابعة: «أكرم أباك وأُمّك». فالإنسان يكرم شيخوختهما بطمأنتهما أنهما لن يشحذا الخبز من آخرين. ولكن الوصية الأولى تأتى قبل الرابعة: «أحب الرب بكل كيانك»، والثانية: «أحب قريبك كنفسك». فإن حب الله في ذاته وحبه في القريب يجعل الإنسان كاملًا. فالإنسان يحب الرب بإعطاء الخبز للجياع إذ يتذكر كم مرة يشبع الرب الإنسان من جوعه بالمعجزات.
ولكن بدون أن نأخذ في الاعتبار عطايا المن والسلوى، دعونا نتفكر في معجزة القمح المستمرة الذى ينبت بواسطة صلاح الله الذى أعطى للبشر أراضى نافعة للزراعة ويضبط الرياح والمطر والحرارة والفصول لكى تصبح البذرة سنبلة قمح ثم يصبح القمح خبزًا. أو ليست هذه معجزة من رحمته أنه بنور يفوق الطبيعة علّم ابنه الخاطئ أن العشب الطويل النحيف الذى ينتهى بسنابل من البذور تحت أشعة الشمس الدافئة يغلفها غطاء من القشور الشائكة تصبح طعامًا على الإنسان أن يقطفها ويقشرها ويطحنها ويعجنها ويخبزها؟ لقد علّم الله الإنسان كل ذلك. كما علّمه كيف يقطفها ويقشرها ويطحنها ويعجنها ويخبزها. وقد وضع حجارة بجوار السنابل والماء قرب الحجارة، وبواسطة انعكاس الماء والشمس أشعل أول نار على الأرض، والريح دفعت بعض حبوب القمح على النار فشويت برائحة زكية، وذلك لكى يفهم الإنسان أن القمح يكون أفضل عندما يُشوى على النار مما يكون في السنبلة إذ تأكلها الطيور أو تُنقع في الماء بعد طحنها كعجينة لزجة. وكونك تأكل الآن الخبز الجيد المخبوز في الفرن العائلى أفلا تفكر في مقدار الرحمة التى تظهر بإتمام الخبيز، وكم من التقدم حققته المعرفة البشرية منذ أول سنبلة يمكن مضغها مثل الخيول حتى الخبز الحالي؟ وبواسطة مَن؟ بواسطة معطى الخبز. ونفس الشيء ينطبق على جميع أنواع الطعام حيث أمكن للإنسان باستنارة نافعة أن يميز بين النباتات والحيوانات التى ملأ الخالق بها الأرض مكان القصاص الأبوى لابنه الخاطئ.
“وهكذا فإن إعطاء شيء ليأكله الجياع إنما هو كصلاة يُعتَرف فيها بفضل الرب والآب الذى يُشبعنا، وهو تشبُّه بالآب الذى منحنا مجانًا أن نتشبّه به والذى يجب علينا أن ننميه باستمرار باقتدائنا بتصرُّفه”.
إعطاء العطاش ليشربوا
“إعطاء العطاش ليشربوا: هل فكّرتَ إطلاقًا فيما يحدث لو لم يسمح الآب بسقوط المطر على الأرض؟ وإذا قال: «بسبب عدم شفقتكم على العطاش سوف أمنع الغيوم من أن تمطر على الأرض». هل يمكننا أن نعترض ونلعن؟ الماء ينتمى إلى الله أكثر من القمح، لأن القمح يزرعه الإنسان، ولكن الله وحده هو الذى يزرع الحقول بالغيوم التى تمطر أو بالندى لإرواء الحقول وملء الينابيع والأنهار والبحيرات ومنح المأوى للسمك الذى يُشبع الإنسان مع حيوانات أخرى. وإذا سألك واحد أن تعطيه ليشرب أيمكنك أن تقول له: «لا، هذا الماء يخصنى ولن أسمح لك بالحصول عليه»؟ أيها الكذابون، مَن منكم صنع قطعة ثلج أو قطرة مطر واحدة؟ مَن منكم بخّر قطرة ندى بحرارة جسده؟ لا أحد. الله هو الذى يفعل ذلك. وإذا نزل الماء من السماء ثم صعد إليها مرةً أخرى، فإن هذا لأن الله يتحكم في هذا الجزء من الخليقة كما يتحكم في الباقي”.
“فأعطوا، إذن، أولئك العطاش من الماء البارد النقى من ينابيع الأرض، أو الماء النقى من آباركم أو الماء الذى ملأ ينابيعكم. إنه ماء الله وهو ملك للجميع. لأن مثل هذا العمل الصغير الذى لا يكلّفكم نقودًا ولا يحتاج إلى عمل ما عدا تقديم كوب أو كوز ماء، أقول لكم إنكم ستنالون المكافأة في السماء، لأن عمل المحبة، وليس الماء، إنما هو عظيم في عينى الله وحكمه”.
كسوة المساكين
يمر على طرقات الأرض عراة وبؤساء مثيرون للشفقة وعجزة مهمَلون وعاجزون بسبب الأمراض أو المحن وبُرْصٌ عائدون إلى الحياة بفضل صلاح الرب، وأرامل مثقّلات بالأطفال وأناس جرّدتهم النكبات من كل تعزية وأيتام صغار أبرياء. وإذا أمعنت عيناى النظر في الأرض الواسعة لأمكننى أن أرى في كل مكان أشخاصًا عراة أو تغطيهم أسمال لا تكاد تحمى حشمتهم ولا تحميهم من البرد. وجميع هؤلاء المساكين ينظرون بمذلة إلى الأغنياء الذين يمرون أمامهم بثياب ناعمة وأحذية مريحة. إنها عيون ذليلة ورقّة لدى الصالحين ومذلّة وحقد لدى من هم أقل صلاحًا. فلماذا لا تمدون يد العون لنفوسهم المنكسرة إذ تجعلون الصالحين منهم في حال أفضل بواسطة حبّكم وتحطمون الحقد لدى أولئك الأقل صلاحًا؟.
لا تقل ليس لديَّ إلاّ ما يكفينى
استضافة المسافرين يقترن بالمحبة وبالثقة والتقدير
“لا تقل: «ليس لديَّ إلاّ ما يكفيني». فكما هو الحال بالنسبة للخبز، فإنه يوجد دائمًا على الموائد ما يزيد على الحاجة وفى دواليب ملابس أولئك الذين هم غير منبوذين بالكلية. إنه يوجد بين الذين يسمعوننى أكثر من واحد عمل من ثوب مهمَل ملابس لصبى يتيم أو مسكين وعمل من ملاءة سرير قديمة قماطًا لطفل بريء ليس لديه شيء منه، ويوجد واحد متسول ظل لعدة سنوات يقتسم الخبز الذى حصل عليه بصعوبة بالغة مع أبرص لم يستطع أن يمد يده إلى أبواب الأغنياء. والحق أقول لكم إن مثل هؤلاء الرحومين لا يوجدون بين الأغنياء بل بين الطبقات الفقيرة المتواضعة الذين يعرفون بخبرتهم كم أن الفقر مؤلم”.
«وهنا أيضًا، كما في حالة الماء والخبز، خذوا بعين الاعتبار أن الصوف والكتان الذى تلبسونه إنما يأتى من الحيوانات والنباتات التى خلقها الآب ليس للأغنياء وحدهم بل لجميع البشر. لأن الله أعطى للإنسان ثروة واحدة فقط هى نعمته والصحة والذكاء، وليس الثروة الزائفة التى هى الذهب الذى ترفعونه إلى شرف عديم الفائدة». 
«وأعطوا كما أُعطيتم». أعطوا باسم الرب دون أن تخشوا من أن تبقوا عراة. فمن الأفضل أن تموتوا من البرد بعد أن تعرّوا أنفسكم لصالح المستعطى من أن تثبّطوا عزم قلوبكم حتى وأنتم لابسون ثيابًا ناعمة بسبب افتقاركم إلى المحبة. إن دفء إتمام العمل الصالح إنما هو مُسرٌّ أكثر من راحة عباءة من الصوف النقي، كما أن أجساد الفقراء المكتسية تقول لله: «بارك أولئك الذين كسونا». وإذا كان إشباع جوع الناس وإرواء ظمئهم وإلباس الفقراء يقترن بضبط النفس والإنصاف المبارك للمحبة الفائقة القداسة حتى إن مصير إخوتنا البؤساء يُخفّف بواسطة قداستنا عندما نعطى ما توفر لدينا بإذن الله من أجل أولئك الذين هم محرومون منه بسبب شر الإنسان أو الأمراض؛ فإن استضافة المسافرين يقترن بالمحبة وبالثقة والتقدير للقريب. وهذه فضيلة أيضًا كما تعلمون. فضيلة تدل، لدى أولئك الذين يمتلكونها، على إخلاص علاوة على المحبة. لأن ذلك المخلص يتصرف باستقامة، وكما نعتقد بصفة عامة أن الآخرين يتصرفون مثلنا، هكذا فإن الثقة والبساطة في الاعتقاد بأن كلام الآخرين حقيقى مما يُظهر أن من يسمع لهم إنما يقول الحقيقة في الأمور المهمة والصغيرة ولا يرتاب فيما يقوله له الآخرون.
“لماذا يظن الإنسان في المسافر الذى يطلب مأوى قائلًا: «وماذا إذا كان هو لصًّا أو قاتلًا»؟ هل أنت مرتبط كثيرًا بثروتك حتى تكون خائفًا عليها من كل غريب يصل إلى بيتك؟ هل أنتم متمسكون بحياتكم حتى تقشعروا من الرعب لمجرد التفكير في حرمانكم منها؟ أتظنون أن الله لا يمكنه أن يحميكم من اللصوص؟ هل تخافون من أن يكون أحد المارّة لصًّا ولا تخافون من الضيف الشرير الذى يسلبكم مما لا يمكن تعويضه؟ كم هم الذين يستضيفون الشيطان في قلوبهم؟ يمكننى أن أقول إن كل واحد يأوى خطيئة رئيسية ومع ذلك فإنه يخاف منها. أما من شيء ثمين سوى الثروة والحياة؟ أليست الأبدية أكثر قيمة طالما أنكم تسمحون للخطيئة أن تسلبكم منها؟ يا للنفوس المسكينة التى سُلب منها كنزها وسُلِّمت في أيدى القتلة وكأنها أشياء تافهة في حين أن البيوت قد أوصدت أبوابها تحميها الكلاب والخزائن تلك التى لا يمكننا أن نأخذها عندما نموت”!
“لماذا نرى في كل مسافر لصًّا. نحن جميعًا إخوة. والبيوت ينبغى أن تُفتح للإخوة العابرين. أليس المسافر هو من دمنا؟ بالطبع، إنه من دم آدم وحواء. أليس هو أخانا؟ لمَ لا؟ إن الآب واحد هو: الله الذى أعطى كلاًّ منا روحًا مشابهة لغيرها، إذ إن الأب يعطى أبناء الزيجة الواحدة الدم ذاته. هل هو فقير؟ تأكدوا من أن أرواحكم إذ تُحرَم من صداقة الرب ألاّ تكون أكثر فقرًا منه. هل ثيابه ممزقة؟ تأكدوا من ألاّ تكون أرواحكم أكثر تمزقًا بالخطيئة. هل قدماه يملؤهما الطين أو التراب؟ تأكدوا من أن ذواتكم ليست أكثر تمزّقًا بالرذائل من صندله القذر الذى تلف من المشى الكثير. هل مظهره غير مقبول؟ تأكدوا من أن مظهركم لا يكون غير مقبول في عينى الله. هل هو يتكلم بلغة غريبة؟ تأكدوا من أن لغة قلوبكم ليست غير مدركة في مدينة الله”.
“يجب أن تروا في كل مسافر أخًا لكم. نحن جميعًا مسافرون نحو السماء ونحن جميعًا نقرع الأبواب على مدى الطريق المؤدى إلى السماء. والأبواب هى الآباء البطاركة والأبرار والملائكة ورؤساء الملائكة الذين نتوسل إليهم أن يساعدونا ويحاموا عنا حتى نصل إلى هدفنا بدون إنهاك وسقوط في ظلمة الليل، في برودة الجو القارص، وفرائس للذئاب المخادعة والأهواء الأثيمة والشياطين. وكما نريد أن تُظهر لنا الملائكة والقديسون حبهم بإيوائنا وإعطائنا القدرة على التقدّم في طريقنا، هكذا فلنفعل نحن أيضًا مع مسافرى الأرض. وفى كل مرةٍ نفتح بيوتنا وأذرعتنا لنحيّى إنسانًا غريبًا بكلام أخوى حلو ونحن نفكر في الله الذى يعرفه، أقول لكم إننا سنكون قد سرنا أميالًا كثيرة في الطريق المؤدى إلى السماء”.
قيمة الروح غير محدودة بمقارنتها باللحم والدم
“افتقاد المرضى: حقًّا إنه كما أن الناس مرتحلون فهم أيضًا مرضى. ومرض الروح أشد خطورة وهو خفى وفتّاك، ومع ذلك فإن الناس لا يشمئزون منه. القرحة الأخلاقية ألا يُشمأز منها؟ ونتانة الرذيلة أليست مقزّزة للنفس؟ الجنون الشيطانى أليس هو مخيفًا؟ وغن غرينا البرَص الروحى ألا تُمرض أحدًا؟ والقبر المليء بعفونة إنسان روحه ميتة ومتعفنة ألا يجعل المرء يهرب؟ والذى يقترب من مثل هذه النجاسات ألا يكون محرومًا؟ يا لفكر الإنسان المسكين الضيق! ولكن أخبروني: ما هو الأكثر قيمة الروح أم اللحم والدم؟ هل يمكن للمادة أن تُفسد ما هو غير مادى لمجرد الاقتراب منه؟ كلاّ، أقول لكم لا يمكنها. إن قيمة الروح غير محدودة بمقارنتها باللحم والدم، هذه حقيقة. ولكن الجسد ليس هو أقوى من الروح. ويمكن للروح أن تفسدها أمور روحية وليس أشياء مادية. فإذا اعتنى أحد بإنسان أبرص لا تصبح روحه برصاء، بل بالعكس، فإنه بسبب محبته التى مارسها بطريقة بطولية لدرجة أنه يعزل نفسه في وادى الموت بشفقته على أخيه؛ فإن كل وصمة خطيئة تزول منه. لأن المحبة هى حِلّ من الخطيئة وهى التطهير الأول للإنسان”.

“ضع في ذهنك دائمًا هذا المبدأ: «ماذا أودُّ أن يُعمل معى إذا كنتُ مثل هذا الإنسان»؟ واعمل كما تودّ أن يعمل معك الآخرون لمنفعتك. إسرائيل لا زالت لديها شرائعها القديمة، ولكن سيأتى اليوم، وفجر هذا اليوم ليس بعيدًا، عندما يكرّم الناس، كرمز للجمال المطلق، صورة ذاك الذى سوف يكون استعادة مادية لرجل أحزان إشعياء النبى والضحية المعذّبة التى في مزمور داود النبي، والذى سوف يكون هو الفادى للبشرية، لأنه جعل نفسه مثل أبرص، وجميع الذين جفّوا من العطش والمرضى والمنهكون وهم يبكون على الأرض سوف يهرعون إلى جروحه كما يندفع الإيّل إلى ينابيع الماء فيرويهم من عطشهم ويشفيهم ويجدّدهم ويُريح نفوسهم وأجسادهم، وأفضل المؤمنين منهم سيطمحون لأن يكونوا مثله مثخنين بالجروح سافكين دمهم ومضروبين ومكللين بالشوك ومصلوبين من أجل البشر لكى يُفتَدوا، مكملين بذلك عمل ملك الملوك وفادى العالم”.
زيارة المسجونين
لا تحرمهم من الرجاء في المغفرة.. والويل لهم لو يئسوا من رحمة الله
هل تظنون أنه لا يوجد مجرمون إلاّ في القوادس (أماكن الأشغال الشاقة)؟، الإنسان الأعمى يحكم حكمًا خاطئًا. ولكن حتى لو كان جميع المساجين لصوصًا وقاتلين، فإننا نخطئ بكوننا نصبح لصوصًا وقتلة بأن نحرمهم من الرجاء في المغفرة باحتقارنا لهم. يا للمساجين المساكين!، إنهم لا يجرئون أن يرفعوا عيونهم إلى الله وهم مثقّلون بجرائمهم. إن قيودهم تؤذى حقًّا أرواحهم أكثر من أقدامهم. والويل لهم لو يئسوا من رحمة الله!، إنهم يضيفون إلى إجرامهم نحو القريب خطيئة اليأس من المغفرة. فالقادس إنما يُعتبر كتكفير مثل الموت بالمشنقة. ولكن العمل في القادس ليس كافيًا لدفع ما يستحقه المجتمع البشرى للجريمة التى ارتُكبت. فمن الضرورى الدفع بما يجب نحو الله أيضًا وفوق كل شيء من أجل التكفير والحصول على الحياة الأبدية. أما الذى يتمرد وييأس فهو لا يكفّر إلاّ فيما يتعلق بالمجتمع. فليكن المحكوم عليه أو المسجون لديه حُبٌّ لإخوته، فإن هذا يكون نورًا في الظلمة، ويكون صوتًا ويدًا تتجه نحو الأعالى بينما يقول الصوت: «لعل حبى يقول لك إن الله أيضًا يحبك كما وضع في قلبى هذا الحب لك يا أخى السيئ الحظ»، والنور يمكّن البشر من رؤية الله أبيهم الرحوم”.
“فلتتجه محبتكم بعقلانية أعظم لتعزية شهداء الظلم البشري: كلاًّ من الذين هم أبرياء تمامًا والذين اقتادهم عنف قاسٍ إلى القتل. لا تدينوا أنتم الذى أُدين بالفعل. فأنتم لا تعلمون لماذا دُفع الإنسان إلى القتل. إنكم لا تتحققون من أنه في أحيان كثيرة لا يكون الذى يقتل سوى شخص مائت ومسلوب الفكر ومجرد من العقل، لأن الجريمة التى بلا دم قد جرّدته من العقل بخيانة قاسية تتصف بالجبن. الله يعلم وهذا يكفي. وفى الحياة الأخرى سوف يُرى الكثير من المجرمين واللصوص في السماء، في حين أن الكثير من الذين بدا أنهم سُرقوا وقُتلوا سوف يُرون في جهنم لأنه في الحقيقة فإن الضحايا الزائفين كانوا هم اللصوص الحقيقيين للسلام وإخلاص وثقة آخرين والقاتلين الحقيقيين للقلوب. لم يكونوا ضحايا إلاّ لأنهم كانوا آخر الذين تلقوا ضربةً بعد أن ضَربوا هم خفيةً لعدة سنوات. القتل والسرقة هما خطيئتان. ولكن بين الذى يقتل وينهب لأنه اقتيد من آخرين إلى تلك الجرائم ثم يتوب بعد ذلك، وبين ذاك الذى يخدع آخرين لكى يخطئوا ولم يتُب، فهذا الأخير سوف يُعاقَب بأكثر قسوة لأنه يدفع آخرين إلى ارتكاب الخطيئة ولا يشعر بالندم”.
وهكذا فلتترأفوا على المساجين دون أن تدينوهم. وضعوا في أذهانكم دائمًا أنه لو كانت كل جرائم القتل والسرقة لدى البشر تُعاقَب فإن القليل من الرجال والنساء لا يموتون في القوادس وفى المشنقة. ماذا نسمى الأمهات اللواتى يحبلن ولا يرغبن أن يلدن ثمرة أحشائهن؟ لا نريد أن نتلاعب بالألفاظ، بل فلنسمِّهن بصراحة «سفاحات». وماذا نقول عن الرجال الذين يسرقون سمعة ومراكز الآخرين. إنهم، بكل بساطة، «لصوص». وماذا يُسمّى الرجال والنساء الزناة أو الذين يعذبون أقرباءهم لدرجة أنهم يدفعونهم إلى القتل أو الانتحار، وعظماء الأرض الذين يدفعون الخاضعين لهم إلى اليأس وبالتالى إلى العنف؟ إنهم قتلة. أفلا يفلت أحد؟ يمكنكم، إذن، أن تروا أننا نعيش بدون أى قلق بين مجرمين قد تهربوا من العدالة، الذين يملأون البيوت والمدن ويحتكّون بنا في الشوارع وينامون مثلنا في الفنادق ويقاسموننا الطعام. فمن ذا الذى هو بلا خطيئة؟ وإذا كتب أصبع الله على حائط الحجرة التى تنشأ فيها أفكار الإنسان، أى على جبين الإنسان، كلمات تصفه كما كان أو سيكون، فإن القليلين هم الذين يحملون كلمة «بريء» مكتوبة بحروف من نور. أما جباه الآخرين فتحمل تلك الكلمات: «زناة»، «قتلة»، «لصوص»، «مجرمون» بحروف سوداء مثل الخيانة أو حمراء مثل الجريمة!
“إذن، فكونوا رحماء على أخوتكم بغير كبرياء، أولئك الذين، من وجهة نظر بشرية، أقل حظًّا منكم، وهم الآن في الأشغال الشاقة يكفّرون عما لم تكفّروا أنتم عنه، رغم أنكم مذنبون بنفس الجرائم. فإن ذلك يزيد من اتضاعكم”.
دفن الموتى
التأمل في الموت درس للحياة.. امنحوا للموتى بالمحبة راحة مكرّمة
التأمل في الموت إنما هو درس للحياة. وأنا أودُّ أن آخذكم جميعًا قبل الموت وأقول لكم: «حاولوا أن تعيشوا كقديسين لكى لا يكون لكم إلاّ هذا الموت: انفصال مؤقت للجسد عن الروح لكى تقوموا فيما بعد منتصرين إلى الأبد إذ يجتمع الجميع في سعادة مطلقة». لقد وُلدنا جميعًا عراة، ونحن جميعًا نموت وتبقى جثثنا آيلة للفساد سواء كنا ملوكًا أو شحاذين، فإننا سنموت كما وُلدنا. وإذا كانت أُبّهة الملوك تسمح بالاحتفاظ بجثثهم لمدة أطول، فإن التعفن يظل هو مصير الجسد الميت. وما هى المومياء؟ أَجسد هي؟ كلاَّ، فهى مادة متحجرة بالراتنج (مادة صمغية) ومتخشبة. فهى ليست فريسة للديدان إذ تكون قد تغيرت وأُحرقت، ولكنها تكون فريسة للديدان القارضة مثل الخشب القديم”.
“ولكن التراب يصبح ترابًا مرةً أخرى لأن الله قال ذلك. ومع ذلك فلأن هذا التراب كان قد غلّف الروح التى أحيته، فإنه مثل شيء لمس مجد الله، وهكذا أيضًا لمس روح الإنسان، فيجب أن نعتبر أنه تراب قد تقدّس لا يختلف عن الأشياء التى كانت لها صلة بخيمة الاجتماع. فإنه على الأقل هناك لحظة كانت فيها الروح كاملة: عندما كان الله يخلقها. وإذا شوهتها الخطيئة مجرِّدةً إياها من كمالها، فبسبب أصلها لا زالت تمنح للمادة جمالًا، وبسبب الجمال الذى يتأتّى من الله فإن الجسد يتزين ويستحق الاحترام. إننا هياكل ولذلك فنحن نستحق أن نُكرَم مثل الأماكن التى توقف فيها تابوت العهد. فامنحوا، إذن، للموتى بالمحبة راحة مكرّمة بينما تنتظر القيامة، وتأملوا في الانسجام الرائع للجسد البشرى الذهن واليد الإلهيين اللتين صوّرتاه وشكّلتاه بطريقة كاملة وكرّموا عمل الرب في جثمانه أيضًا”.
أعطوا خبز الروح للأرواح الجائعة
لا تكونوا بخلاء أو متباهين بما تعرفونه
“ولكن الإنسان ليس لحمًا ودمًا فحسب؛ إنه أيضًا روح وعقل، وهما يقاسيان أيضًا ويجب تعضيدهما بالرحمة. يوجد أناس جهلة يرتكبون الخطأ لأنهم لا يعرفون الصلاح. كم من الناس لا يعرفون أمور الله أو أنهم يسيئون معرفتهم لها وحتى للشرائع الأخلاقية! إنهم يهزلون مثل الجياع لأنه لا أحد يُشبعهم فيهزلون بسبب نقص التغذية بالحق. اذهبوا وعلّموهم لأنه من أجل ذلك قد جمعتكم وها أنا أرسلكم. أعطوا خبز الروح للأرواح الجائعة. تعليم الجهلة في المجال الروحى يتطابق مع إشباع الجياع. وإن كانت المكافأة تُمنح لأجل كسرة خبز تُقدّم لجسد يضعف حتى لا يموت، فأى مكافأة تُمنَح لذاك الذى يُشبع روحًا بالحق الأبدى ويعطيها حياة أبدية؟ لا تبخلوا بما تعرفونه، فقد أُعطيَ لكم مجانًا وبلا حدود. فأعطوه بدون بُخل لأنه ينتمى إلى الله مثل الماء الذى من السماء، فيجب أن يُعطَى كما أُعطى لنا”.
“لا تكونوا بخلاء أو متباهين بما تعرفونه، بل أعطوا بكرم وتواضع. وأعطوا معونة الصلاة الصافية الخيّرة للأحياء وللموتى المتعطشين للنعم. يجب ألاّ يُحرم العطاش من الماء. إذًا، ماذا ينبغى أن يُعطَى لقلوب الأحياء المتضايقين، وماذا يُعطَى لأرواح الموتى التى تستغفر عن ذنوبها؟ صلوات تكون مثمرة لأنها مليئة بالحب وروح المذلّة. إن الصلاة يجب أن تكون حقيقية وليست آلية مثل ضوضاء عجلة في الطريق. هل هى الضوضاء أم العجلة التى تجعل العربة تتقدم؟ إنها العجلة التى تنهك ذاتها لكى تحرك العربة. ونفس الشيء ينطبق على الصلاة الشفوية الآلية والصلاة ذات المفعول. فتلك الأولى هى مجرد صوت، أما الثانية فهى عمل تُستهلَك فيه القوة ويزداد الألم ولكنه يبلغ إلى هدفه. فصلّوا بواسطة التذلل أكثر منه بشفاهكم، فتعطون ارتياحًا للأحياء والأموات إذ تتمموا عمل الرحمة الروحية. إن العالم سوف يخلص بواسطة صلوات الذين يعرفون كيف يصلّون أكثر منه بالدمدمة العديمة الفائدة والمعارك المميتة”.
كونوا معلّمين وآباء للعقول المترددة
“أناس كثيرون في العالم يؤمنون ولكنهم لا يؤمنون بثبات. إنهم يترددون كأنهم يُسحَبون في اتجاهات متضادّة وبدون أن يتقدموا خطوة واحدة فقط، إنهم ينهكون قوتهم بطريقة فاشلة. أولئك هم الشكّاكون. أولئك هم المترددون الذين يسألون قائلين: «هل سيكون الأمر هكذا حقًّا»؟ و«إذا كان الأمر ليس هو كذلك»؟ و«هل سأتمكن من ذلك»؟ و«إذا كنتُ لن أنجح»؟... إلى غير ذلك. إنهم ضعيفو الإرادة، فإذا لم يجدوا ما يتعلقون به لا يصعدون، وحتى إذا وجدوا فإنهم يتدلّون من هنا ومن هناك، ويكون من الضرورى ليس فقط أن يجدوا تدعيمًا لهم بل يجب أن يقتادهم إنسان في كل دور كل يوم”.
“إنهم حقًا يجربون صبر الإنسان ومحبته أكثر من صبى متخلّف! ولكن باسم الرب لا تتخلّوا عنهم. أعطوا إيمانًا منيرًا وقوة متأججة لأولئك الأسرى لذواتهم ومرضهم الغامض. اقتادوهم إلى الشمس والسماء. كونوا معلّمين وآباء لتلك العقول المترددة دون أن تملّوا وأن تفقدوا صبركم. هل هم يثبّطون همّتكم؟ حسنًا، فكم مرة أنتم تثبّطون همّتى أنا وبالأكثر الآب الذى في السماء، والذى لا بدّ أنه يظن أن الكلمة صار جسدًا بلا طائل حيث إن البشر ما زالوا يترددون حتى الآن وهم يسمعون كلمة الله”؟!.
اكسوا العراة روحيًا 
اكسوا العراة روحيًا بأن تغفروا للمسيئين إليكم: الإساءة هى فعل منافٍ للمحبة. ونقص المحبة يحرم الإنسان من الله. إذًا، فإن من يرتكب الإساءة يتعّرى ولا يُعيد إلباسه إلا المغفرة للذى أساء إليه لأنه يُعيد الله إليه.
كونوا رحماء 
«كونوا رحماء على الذين يبكون، فقد جرحتهم الحياة وملأ الحزن مشاعر قلوبهم. لا تغلقوا على أنفسكم في هدوئكم كما في حصن. فابكوا مع الباكين وواسوا المكتئبين وعزّوا الذين فقدوا أحد أقربائم بالموت. كونوا آباء لليتامى وأبناء للوالدين وإخوة بعضكم لبعض».